بقلم: نادر قريط
مقدمة:
قبل التعرّض لفرضيات بوفورت J. Beaufort (1) ورؤيته للمراحل (الضبابية) المبكّرة للمسيحية والإسلام، تجدر الإشارة إلى أنّ نقد الرواية الدينية عموما والتشكيك بمصداقيتها يصطدم في عالمنا العربي بنظام معرفيّ (ابستمي) قديم، احتكر الإجابة على أسئلة الوجود، وكأنه اكتنه المطلق وكشف غطاءه. وهذه المنظومة، تقتات من صورة "يهوية" وظّفت الإله حسب مزاجها الأبويّ.. ومن ينفِ هذه الصورة يُنفَ، ويصبح زنديقا مارقا مهرطقا كافرا (تفو عليه) يجوز شيّه بالفرن كما حصل مع السهروردي في القرن12 أو الاكتفاء بلعنه وهذا أضعف الإيمان.
في حين استطاعت فلسفات الحداثة أن تزيل فكرة الحجاب الدوغمائي بين فسطاطي الإيمان واللا إيمان.. وأن تنتزع أسئلة الوجود والحقيقة من أنياب "يهوى". ووفق أبستمي الحداثة لا يوجد كافر ولا مارق ولا زنديق، وعموما هناك ميْل جديد لبلورة ديانات فردية ذاتية، وهي كوكتيل يخلطه الفرد كما يشاء، وتتكوّن عناصره من رؤى وفلسفات ومقبّلات بوذية وتاوية ومسيحية وصوفية وشعرية ولا أدرية، يجمعها كلّ حسب اجتهاده وثقافته. وكما يقول ابن عربي "الإله مجعول" وكلّ ملّة تجعله كما تريد.
من هنا أصبحت الدراسات النقدية والتشكيك بتاريخية الأحداث والشخوص، وتفكيك البراديغمات، أمرا طبيعيا لا يُزعج أحدا ولا يحتاج مظاهرات بيشاور الساخطة، ولا حرق أعلام الشيطان، ولا وجوها يتطاير منها شرر (الإيمان).
ومحاولة إضافية في طرح رؤى حداثية، نعود إلى الألماني بوفورت الذي كتب عام 2008 فرضية ربطت الأريوسية بحركة الشيعة (وتسمى أحيانا الأريانية) التي امتدّت بدءًا من عام 313م لتصبح عقيدة الأغلبية المسيحية (الوندال، ومسيحية المشرق) مما استدعى انعقاد مؤتمر نيقيا عام 325م برعاية القيصر قسطنطين، وبموجبه تمّ لعن آريوس ووضع قانون الإيمان المسيحي (2).
ثمّ عاد بوفورت في أبريل 2009 ليدافع عن فرضيته أمام ناقديها، مسلّطا الضوء على كتاب: التعميد في المسيحية المبكّرة Die vorgeschichte der christlichen Taufe للباحث الفيلولوجي رايتسنشتاين R. Reizenstein (1861 ـ 1931) الذي يكشف الأصول المندائية لهذا الطقس المهمّ في المسيحية، وسوف أتعرّض له ببعض التفصيل، حيث يبدو وكأنّه جزء حيويّ لبناء تصوّر جديد لنشوء المسيحية والإسلام، والمدهش أنّ كثير من التصوّرات الحديثة بدأت تتقاطع في فارس (بما فيها بلاد النهرين)، إذ تبدو تلك المنطقة مهدا لكثير من الحركات والتصوّرات الميثولوجية التي أسّست لكلتا الديانتين.
فرضية بوفورت:
في البداية يقدّم الكاتب تذكيرا بأهمّ النقاط التي مرّ عليها في بحثه السابق (يمكن الإطلاع على الترجمة الموسّعة كما في الهامش2).
1ـ كانت المسيحية القديمة ديانة غنوصية (عرفانية) تطورت عن المندائية الفارسية حيث التعميد (أو المعمودية baptisma) هو الطقس الأكبر، وكذلك المسح بالزيت Chrisma (ومنها المسيح) إضافة إلى وجبة الطعام الجماعية.
2ـ وضمن هذه المسيحية تطوّرت حركاتٌ في نسخٍ عديدة، بعضها ساوى بين المسيح ويشوع مخلّص إسرائيل. مع أنّ هذا اليشوع لم يكن قد ثًبّت كرونولوجيّا بعد، فهو تارة خليفة لموسى وأخرى لداوود.
3ـ في مصر اكتسى يشوع سيرة ذاتية من خلال إنجيل مرقس (البابا الأوّل للأقباط)، تم نسجها على منوال صورة يوليوس قيصر، وكانت نقضيها بنفس الوقت (3)، إذ أنّ ديانة الدولة الرومانية آنذاك كانت تقوم على تأليه يوليوس وأغسطس، وعليه شكّل الأقباط قوّة كامنة معادية للدولة.
4ـ أمّا خصوم الأقباط الذين عرفهم التاريخ باسم الأريوسيين، نسبة لكاهن (أسطوريّ) يسمى آريوس (3) فكانوا ينشرون تعاليمَ شبيهةً بالتي جاء بها الإسلام لاحقا، وكانوا ينظرون إلى يشوع كشخص تاريخيّ حقيقيّ، وليس ابنا لله، وأيضا أصبحوا فيما بعد خصما لدين الدولة القيصرية البيزنطية.
5ـ كما وُجدت فرقٌ أخرى ارتبطت بيوحنّا المعمدان ويشوع وكان قسطنطين من أتباعها، وعندما استطاع جوستنيان (483ـ565م) فرض عقيدة الأقباط ذات الأقانيم الثلاثة (والصليب) في أرجاء الإمبراطورية، تمّ تكفير الأريوسية (من الذائع أنّ زوجته تيودورا كانت قبطية).
6ـ زينب مولر ربطت مصطلح آريوس لأسباب وجيهة بآريا (مقاطعة من فارس القديمة: إيران) وبالتالي نقلت جغرافية الحدث وهذا ضروريّ. فمنذ جستنيان تمّ ربط كلّ النسخ المسيحية بيشوع، ومن يعظْ بغير ذلك يصنّفْ في الفئة الضالّة، ولو صدّقنا Prokop فإنّ جوستنيان أمر بقتل أهل الضلال، لأنّ قتلهم ليس جريمة بل ثوابٌ يُجزى عليه.
وبعد هذا المختصر يستمرّ الكاتب بالتأكيد على فرضيات (ليس مسلّما بها)، إذ يعيد فكرة توبر ومساواته للآريوسية بالمحمدية بناءً على نظرية الزمن الشبحيّ (297 سنة) وهي تساوي الزمن الفاصل بين مؤتمر نيقيا 325م وبداية الهجرة الإسلامية 622م.. وهذا برأيه ليس صدفة عمياء.
ويشير إلى أنّ القرون الهجرية الأولى تخلو من نزاع لاهوتيّ مع المسيحية، وعلى العكس هناك قرون مرعبة من التحريض على الأريوسية (لا يزال القداس الأرثودوكسيّ يلعن أريوس ثلاث مرّات؟) والملاحظ أنّ الآريوسية اختفت تماما، حيث امتدّ الإسلام مع بقاء النسطورية والقبطية حيّتين تحت حكم الإسلام، أمّا أريوسيّة أوروبا فقد استمرّت حتى القرن الرابع عشر م. وهناك ما يشير إلى أنّ الأدب المسيحيّ اعتبرها نزاعا داخليا، وبالتالي يصعب مطابقتها بالإسلام، ففي القرن12، كان الأدب المسيحيّ ينظر إلى الإسلام كفرقة سرسانية لنبيّ مزيّف "محمتي" Scecta saracenorum des Prophetae Mahometi ، كما في كتابات Venerabilis 1156 م، وهنا يجد الكاتب ضرورة لاعتبار الأريوسية فرقة مسيحية تحوّلت للإسلام، ثمّ يعكس السؤال: أيُّ الفرق الإسلامية كانت أقرب للآريوسية ويجيب: هنا لا يمكن تجاوز الشيعة كمرشّح منطقيّ مقبول.
وباختصار يجد بوفورت أنّ الفريقين الأمويّ والعلويّ اتّحدا منذ صفّين في إطار حلف لمواجهة الهجمات البيزنطية، حيث اعترف الأمويّون بالقرآن وبمحمّد كمؤسّس للدّين، مقابل اعتراف العلويين بالخليفة معاوية، وهذا الحلف كان بنفس الوقت يحمل ملامح النزاع على قيادة "الأمّة"، لكنّ ميثوس التأسيس، وصلة القربى بين الفريقين ترسّخا ولم يعودا تركيبا (وفبركة) تاريخية. وليس مستبعدا أنّ هذا الميثوس أُضيف لاحقا، وأنّ مؤسّسة الإمامة عبارة عن خلق متأخّر وحقّ رفعه الشيعة بوجه العباسيين.
ثمّ يعرض الكاتب ببعض التفصيل (نقلا عن فيليب حتّي) وقائع صفّين، والدعوة لحقن الدماء عبر رفع المصاحف، وكيف التقى الورع أبو موسى الأشعري (ممثّل عليّ) والداهية عمرو بن العاص (ممثّل معاوية )، وكيف عقدا مؤتمرا بحضور 400 من الشهود في "الظهره"؟ وهي منطقة تقع على طريق القوافل بين دمشق ومعان (قرب البترا) واستنتاجا من سرد الطبري والمسعودي واليعقوبي يبدو أنّ وقائع المؤتمر كانت غامضة. وخلاصتها أنّ عليّا خسر مودّة أتباعه، بانشقاق الخوارج وتطوّرهم إلى عدوّ مميت.. ويضيف: وإذا انطلق المرء من عدم تاريخية عليّ، فإنّ القصة هي جزء من الميثوس لتغطية ما خفي من الكلام.
كما يعرض بوفورت بعضا من آراء محمد كاليش (أستاذ الإسلاميات في جامعة مونستر ـ ألمانيا وقد اعتنق الإسلام في فتوّته) (4) الذي يشير إلى دراسة المسكوكات (لفولكر بوب) وهي تُثبت أنّ معاوية كان مرحلة عبور ذات جذور مسيحية، وأن ائتلافه مع العلويين مكّنه من إقامة حلف ضد بيزنطا ومهد الطريق للزحف العربيّ الفارسيّ لاحتلال القدس وشمال أفريقيا وإسبانيا.
ثمّ يذكّر بدراسة الألماني هاينس هالم H.Halmعن وجود حركة غنوصية إسلامية، تتشابه مع غنوصية نهاية عصر الأنتيكا، تمّ طمس معالمها، وغياب وثائقها، ويربط كاليش بين هؤلاء، الذين اعتبرهم الموروث الإسلاميّ "غلاةً"، ومذهب التشيع، حيث الأواصر ملموسة، رغم تصنيف هؤلاء الغنوصيين (الغلاة) كمذاهب منحرفة عن العقيدة، ثم يعيد مقولة كاليش: لماذا علينا تصديقهم؟ فبعد أن ضاع الموروث الكتابيّ للغلاة، نحن نعرف وجهة نظر واحدة للتاريخ قصّها علينا من انتصر في النهاية ..إنّها وجهة نظر لاهوتية؟
وبالنسبة لكاليش فإنّ تشكيكه بتاريخيّة محمّد يستند إلى معرفته بالأدبيات البدعويّة ونظرة الغنوصية، التي اعتبرت محمّدا شخصية كوزمية وليست حقيقية، إذ تم تجسيده لاحقا بصورة موسى ويشوع (والهجرة الإسلامية تتماثل مع "الإكسودوس" أي الخروج من مصر ) وهذه الغنوصية (الغلاة) نظرت إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين أيضا كشخصيات كوزمية (كونية)، ويستشهد بما قاله الأشعري أبو منصور العقلي: بأنّ الله خلق أوّلا المسيح ثمّ عليّ؟
القصّة المبكّرة للتعميد المسيحيّ:
نظرا لشكوك زينب مولر الوجيهة حول منشأ الأريوسية، وبالربط مع فرضية اللاهوتي الراديكالي برونو باور، يجد بوفورت أنّ الغنوصية ليست هرطقة وانحرافا داخل الكاثوليكية، بل على العكس من ذلك، ويجب البحث عن الغنوصية المسيحية القديمة في إيران، إذ أنّ الشبح آريوس هو محاولة لطمس جغرافية المسيحية المبكّرة ومنشئها، وقد تمّ ذلك بإشاعة الاعتقاد بأن الكنائس المسيحية القديمة تعود لواعظ من الجليل، وصاحب معجزات وابن الله يسوع. (وفي هذا السياق يمكننا النظر إلى رحلة يسوع مع أمّه مريم ويوسف، إلى مصر هربا من اضطهاد هيرودوس، أنّها أتت في إطار تصوّرات رغبوية قبطية للحصول على نصيب من كعكة المقدس؟).
عام 2008 كانت نظرة بوفورت تقوم على أنّ المندائية التي عاشت في بلاد ما بين النهرين، هي انقسام عن يهودية ما بعد السبي، وقد اعتنقت "ميثوس" لواعظ كان يُعمّد في نهر الأردن (يوحنّا). والملاحظ أنّ كلّ الفرق المسيحية والأرثودوكسية والإسلام قد اقتبست قصة يوحنا (وعظّمته) في تراثها، وبالتالي منح نفسه الاستنتاج بأنّ المندائية هي مصدر كلّ الحركات المسيحية.
وبالعودة إلى كتاب رايتسنشتاين (المعنون أعلاه) يشير بوفورت أنّ الأخير كان بروتستانتيا محافظا يؤمن بتاريخية يشوع ويوحنا ووجودهما الحقيقيّ وبمصداقية السرد الإنجيليّ، وكباقي باحثي عصره، كان ينظر إلى المندائية كفرقة مسيحية "استوحشت" وانفصلت نهائيا في القرن الثامن م.
لكنّ التيّار الرئيسيّ من باحثي أيّامنا عرفوا أنّ المندائية أقدم بكثير. لهذا بدأ رايتسنشتاين بتتبّعها في مصادر أخرى (منها فيلو الإسكندراني الذي توفي 40م) وتلقف الدلائل عن التصورات الدينية لهذا الطقس واستنتج أنّ التعميد المسيحيّ مقتبس عن المندائية وليس العكس. وينقل من كتاب المندائية (الكنز: المكتوب بالآرامية الشرقية) عن هذا الطقس الأكبر :
ماذا فعل والدك بك أيتها الروح
في ذلك اليوم الكبير وثقت به
هبط بي إلى الأردن، وغرسني فوقه
ثم أصعدني لضفّته ووضعني هناك
وأحضر لي خبزا Pihta وناولني إياه
تكلم وبارك الكأس وناولني إياها لأشرب
وضعني بين ركبتيه
ونطق اسم الحياة العظيمة.
إن أنشوة المعمودية هذه، هي أهمّ عناصر الطقس المندائي، حيث ينزل المُعمّد الموشحٌ بثوب أبيض مع مُعمّده إلى الماء الحيّ المسمّى "الأردنّ"، هناك يغطسان ثلاث مرّات، بعدها يؤكل الخبز ويسقى الشراب Mambuha ثم يشار إلى التبنّي الرّمزي بجلوس المُعمّد بين ركبتي الكاهن. وفي الأنشودة لا يذكر المسح بالزيت مع أنّه جزء من المعمودية، هذا ما يجده المرء في نص آخر: تدفّقوا بحرية(؟) في الأردن وعمّدوا أنفسكم، عمّدوا أرواحكم، وباركوا الخبز وكُلوه، باركوا الشراب وأشربوه وباركوا الزيت وامسحوا به.
إنّ الغطس في الأردن (الرمزيّ) يفهمه المُعمّد، بداية لرحلة سماوية، فالأردن رمز: للماء الحيّ، أو أردنّ الشفاء. وماء المعمودية يغسل الخطايا ويطهّر روح المُعمّد. أما الزيت المقدّس فيقي من الأرواح النجسة ويساعد على ولوج الجنّة.
ثمّ يميّز رايتسنشتاين بين التعميدين المندائي والمسيحي، فعند المندائيين هو طقس مركزيّ يتكرّر باستمرار ويُنظّم الدين بأسره. حيث يوحنّا هو المعلّم الأوحد والأهمّ، وماء العماد يرمز للحياة عند المندائيين وهو مقدّس ( ويُحرّم عليهم القتل وحمل السلاح) وإلههم الأوّل هو: Manad d Haije "معرفة الحياة" أي أن المندائيين هم غنوصيون تلتحم طريقتهم في الحياة مع طقس دينيّ مع اللاهوت سوية.
وبالضدّ من ذلك يرى رايتسنشتاين أنّ التعميد المسيحيّ يحتوي على تناقضات جمّة، فيسوع الذي تعمّد لم يُعمّد أحدا مطلقا. والمعنى الرئيسيّ للمعمودية المسيحية، غفران الخطيئة، وهذا يتناقض مع حدوثها مرّة واحدة في الحياة، وهي مادّة لنزاعات عنيفة داخل اللاهوت المسيحيّ، وتمّت إعادة تعريفها باستمرار، إلى أن حصل تهميشها ( كانت أداة للخلاص من الخطيئة الأصلية، في جدالات أوغسطين وبلاغيوس).
أخيرا يقول بوفورت إنّ الباحث البروتستانتيّ الورع رايتسنشتاين، أثار مشاعره وهو يعترف، بأنه كمثقّف كان يعرف منذ زمن طويل، أنّ أصل المعمودية المسيحية مندائيّ.. لكن توجّب عليه أن يصارع نفسه طويلا.
محمد ـ آريوس مرة ثانية:
في عدد شهر مايو 2009 من الصفحة الاختصاصية: أزمنة شبحية (5) نعثر على إضاءات جديدة حول الجدل الأكاديمي (محمد ـ آريوس) إذ يشير العدد إلى المؤرخ الألماني هانز بروتز Hans Prutz (1843 ـ 1929) باعتباره أحد الأسماء اللامعة التي أثارت هذا الجدل، في كتابه تاريخ الحروب الصليبية: Kulturgeschichte der Kreuzzüge (1883م)
ويتبنّى هانز بروتس فرضية القرابة بين الإسلام والمسيحية، وإمكانية تعايشهما سوية، لولا اندلاع الصراع على بيت المقدس، ويرى أنّ الإسلام بدعة مسيحية، ويشبه البروتستانية، التي سبق للكاثوليكية أن نعتتها بـ "أخت محمد" بسبب أفكارها وتحريم لوثر للأيقونات. ويؤكّد بروتس تطابق هويّة الإسلام مع المسيحية الآريوسية، حيث أشار لكتّاب من القرون الوسطى كانوا قد تبنّوا هذا الرأي، منهم دانتي صاحب الكوميديا الإلهية، الذي لم ينظر إلى محمد وعليّ كمؤسّسيْ دين، بل كانفصاليين وهراطقة، وسبب للانقسام (6) إذ كتب في الفصل 28 من الجحيم: (ترجمة بتصرف):
أنظر، كيف (أصبح) محمّد مشوّها، وعليّ يمشي أمامي باكيا، وقد انشقّ وجهه من ذقنه حتى أعلى جبهته، فكلّ هؤلاء الذين تراهم، قد تمّ شطرهم (فلقهم) لأنّهم نشروا في الحياة، الفُرقة والشِّقاق. (انتهى).
(„Vedi come storpiato è Maometto! Dinanzi a me sen va piangendo Alì, fesso nel volto dal mento al ciuffetto. E tutti li altri che tu vedi qui, seminator di scandalo e di scisma fuor vivi, e però son fessi così.”
ثم عرف بروتز بأنّ نشوء الإسلام جاء ردَّ فعلٍ على المسيحية البيزنطية، واحتجاجا ضدّ السياسة الكنسية لجوستنيان، وردَّ فعلٍ على المسيحية البيزنطية الفاسدة (الممسوخة)، وسياسة الإخضاع التي مارسها جوستنيان، ويؤكّد أنّ مسيحية الأخير هي أساس الكاثوليكية. وبكلّ وضوح يرى بروتز أن الآريوسية كانت حركة واسعة الانتشار "منتصرة وهجومية " وبالكاد استطاع الغرب وقفها ثمّ سحقها نهائيا. أمّا في المشرق، فقد جدّدت شبابها " تحت راية محمّد" ولم تنتصر وحسب، بل احتلّت نصف العالم.
وفي نصّ مقتبس من كتابه، يشير إلى أنّ الغرب الحالي لم يتعرّف على صورة الإسلام النقية، بل على صورته العثمانية الفاسدة والمشوّهة.. ويضيف: بأنّ جوهر الآريوسية لم يكن إلا احتجاجا للفهم (العقل) البشري على السحر ـ الغموضي للكنيسة المسيحية، وكيف أصبحت عقيدة تأليه المسيح، مركز الدوغما.
الهوامش:
1ـ المادة مقتبسة من دراسة بوفورت J. Beafort
Arianer und Aliden
Über die gnostischen Ursprünge des Christentums und der Shi’at ’Ali
2ـ لمزيد الاطّلاع حول دراسة بوفورت الأولى يمكن متابعتها ضمن النص الذي أعدّه كاتب السطور قبل مدة:
http://nkraitt16.blogspot.com/2009/…
3ـ فرانسيسكو كاروتا: هل كان يسوع قيصرا
4ـ لمعرفة المزيد عن آراء محمد كاليش يمكن الاطّلاع على الترجمة العربية:
http://www.alawan.org/%D8%B3%D9%84%…
5ـ Fantomzeit Dunkelheit oder Leere im frühen Mittelalter? 6ـ الكلمة اللاتينية للانقسام Schisma تبدو قريبة من العربية: قسمة؟!