أمتي هل لك بين الأمم ...؟ ..قصيدة من عمر ابو ريشة
دمشق - الهدهد - حالة من اليأس تسيطر على عمر أبو ريشة فيصوغها كلمات حزينة تحمل تصويرا دقيقا وجريئا للحالة العربية ومسلسل النكسات والنكبات التي طال أمدها على الأمة العربية حتى اعتقد البعض أن لا مخرج منها ،وإذا بالشاعر يتلفت حوله فلا يجد ما يستحق أن يذكر مما يتغنى به الشعراء ويجد قومه وقد أصبحوا في مؤخرة الركب ولا بصيص أمل يلوح في الأفق فتجري الكلمات على لسانه ممزوجة بالحرقة وشد الهمم لكن يا ترى هل تغير شئ منذ كتابة الشاعر السوري الكبير لتلك الفصيدة ؟ أم ان الامور تسير من سئ الى أسوأ ؟ في كل الاحول لنقرأ
أمتي هل لك بين الأمم ...؟ ..قصيدة من عمر ابو ريشة
أمتي هل لك بين الأمم*** منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق*** خجلا من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثا*** ببقايا كبرياء الألم
أين دنياك التي أوحت إلى*** وتري كل يتيم النغم
كم تخطيت على أصدائه*** ملعب العز ومغنى الشمم
وتهاديت كأني ساحب*** مئزري فوق جباه الأنجم
أمتي كم غصة دامية*** خنقت نجوى علاك في فمي
أي جرح في إبائي راعف*** فاته الآسي فلم يلتئم
ألاسرائيل تعلو راية*** في حمى المهد وظل الحرم !؟
كيف أغضيت على الذل ولم*** تنفضي عنك غبار التهم ؟
أوما كنت إذا البغي اعتدى*** موجة من لهب أو من دم !؟
كيف أقدمت أحجمت ولم*** يشتف الثأر ولم تنتقمي ؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي*** وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها*** تتفانى في خسيس المغنم
رب وامعتصماه انطلقت*** ملء أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم لكنها*** لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجددته*** لم يكن يحمل طهر الصنم
لايلام الذئب في عدوانه*** إن يك الراعي عدوَّ الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما*** كان في الحكم عبيدُ الدرهم
أيها الجندي يا كبش الفدا*** يا شعاع الأمل المبتسم
ما عرفت البخل بالروح إذا*** طلبتها غصص المجد الظمي
بورك الجرح الذي تحمله*** شرفا تحت ظلال العلم
الاثنين 12 أكتوبر 2009
عمر أبو ريشة
al masdar al houdhud
عمر أبو ريشة سفير بدوي يعتز ببداوته
لها أون لاين
وُلد الشاعر الكبير عمر أبو ريشة بمدينة منبج بسوريا عام 1910م.. نشأ يتيماً وتلقَّى تعليمه الابتدائي بحلب، ثم انتقل إلى بيروت والتحق بالجامعة الأمريكية وظل بها حتى حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم عام 1930م.
بعد تخرُّجه من الجامعة أرسله والده إلى إنجلترا ليدرس صناعة النسيج، لكنه فُتن بالأدب وكان الشعر أغلب في نفسه من دراسة صناعة النسيج.
في عام 1932م عاد إلى حلب واشترك في الحركة الوطنية في سوريا ضد الاحتلال الفرنسي.
ثار على بعض الأوضاع السياسية في بلاده بعد الاستقلال، وآمن بوحدة الوطن العربي، وانفعل بأحداث الأمة العربية.
عمل مديراً لدار الكتب في حلب، ثم انتُخب في عضوية المجمع العلمي عام 1948م، بدأ عمله الدبلوماسي كملحق ثقافي لسوريا في الجامعة العربية، ثم عُيِّن سفيراً لبلاده في البرازيل، وتنقل في عمله الدبلوماسي بين الأرجنتين وشيلي والهند والولايات المتحدة.
نال عدداً كبيراً من الأوسمة، كان آخرها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وقد منحه إياه الرئيس اللبناني إلياس الهراوي.
له ديوان مطبوع، طُبع عام 971ام، ويحتوي على معظم شعره وهو الديوان الوحيد، له عدة ملاحم شعرية ما تزال مخطوطة،
توفي يوم السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة عام 1410هـ، الموافق 14/6/1990م.
واستطاع أبو ريشة أن يجمع ما استطاع أن يقوله الشعراء في العراق وفي الشام وفي مصر وفي المغرب، فهو سفير أمته، لم تسيطر عليه الوظيفة التي كان يشغلها، ولكنه كان يحمل هموم أمته، يتغنى بأمجادها، ويتحدث عن تاريخها، ويصور آلامها وأحزانها ونكباتها، لم تصرفه السفارة عن أن يرفع صوته وعقيرته بأن يصور الأحداث وأن يذكِّرَ والذكرى تنفع المؤمنين بأن هذه الأمة كانت لها أمجاد، وكان لها تاريخ عميق، وكانت لها فتوحات، وكانت لها صولات وجولات، وكانت إمبراطورية قهرت الإمبراطوريات في عصرها الغابر، ثم دار الزمن دورته ففعل فعلته وتأخّرت هذه الأمة، لعلها حين بعدت عن دينها تمزقت إرباً فأصبحت دويلات، والتاريخ شاهد على هذا، فدويلات الطوائف في الأندلس كانت إحدى نكبات أمتنا.
كما كان يرحمه الله من الذين لا يقولون الشعر على عواهنه، ولكنه ذو حاسة، فلعله قد أمكن من العلوم فنجد في شعره الكلمات مقنَّنة ليس فيه حشو وليس فيه تكلف، ولكنه الشعر الأصيل الذي لا تستطيع أن تخرج فيه عيباً، رجل يتحدث من أعماق التاريخ، يتحدث عن الماضي ويربط الماضي بالحاضر، وما أقل الذين يعمقون هذا التصوير في شعرهم في ظروف قاسية عنيفة، من الصعب أن يرفع الإِنسان صوته ليصور الأحداث ولينتقد المواقف الخاطئة وتمزق الأمة التي تكالبت عليها الأمم، وأصغر الأمم، واصطلحت عليها الأحداث فجعلتها ضعيفة بعد أن كانت قوية ذات صولة، وذات تاريخ، وذات مواقف لا ينكرها حتى أعداؤها.
سئل رحمه الله ذات مرة: هل أنت ذلك البدوي، فقال: نعم أنا بدويٌّ وأعتز ببداوتي.. ولعلي الوحيد الذي يلبس اللباس الأجنبي خارج القرية.. وذات يوم شاهد في قريته على كومة من الصخور نسراً، وكان أحد الوكلاء في قريته إلى جانبه، فقال: عجيب هذا النسر! متى بدأت زياراته تتوالى إلى قريتي؟
فقال: لم نشأ أن نصطاده بدون إذنٍ منك إنه هنا منذ بضعة أسابيع يعيش مع عجاف الطير، هل تريد أن نقتله؟ فقال لهم: دعوه، ولكن ذلك النسر اختفى، وصادف أن أخرجته حكومته إلى الخارج كسفير وبقي ما يقرب من ربع قرن خارج سوريا برتبة سفير فتذكر النسر وقال:
أصـبـح الـسـفح مـلعباً للنـسـور
فـاغضبـي يا ذرى الـجبال وثـوري
إن لـلجـرح صـيـحة فـابعـثيـها
في سـمـاع الـدُّنـى فحيح سـعيـر
واطـرحـي الكبريـاء شـلواً مُـدَمَّى
تـحـت أقـدام دهـرك الســكِّيـر
لـمـلمـي يا ذرى الـجبال بقايا النسر
وارمـي بـهـا صـدور الـعـصـور
إنه لـم يـعـد يكحِّلُ جـفنَ الـنَّجـمِ
تـيـهـاً بـريـشــه الـمـنـثـور
هـجـر الــوكـر ذاهـلاً وعـلـى
عيـنيـه شـيءٌ مـن الـوداع الأخيـر
تـاركـاً خـلـفه مـواكـبَ سـحبٍ
تـتـهاوى مـن أفـقـها الـمسـحور
كـم أكـبَّـتْ علـيه وهـي تـنـدِّي
فـوقـه قـبلة الضُّحى الـمـخـمـور
هـبـط الـســفـح طـاويـاً مـن
جـنـاحـيـه على كل مـطمح مقبور
فـتـبـارت عصـائـب الطـيـر ما
بـيـن شـرودٍ مـن الأذى ونـفـور
لا تـطيـري جـوابـة السـفح فالنسر
إذا مـا خَـبَـرتـه لـم تـطـيـري
نـسـل الـوهـن مـخلـبيه وأدمت
منـكبـيـه عـواصـف الـمـقدور
والـوقـار الـذي يـشــع عـليه
فضـلة الإِرث من سـحـيـق الدهور
وقـف النـسـر جـائـعـاً يتـلوَّى
فوق شـلو على الـرمـال نـثـيـر
وعـجـاف البغاث تدفعه بالـمخلب
الـغـض و الـجـناح الـقـصيـر
فـسـرت فيه رعـشـة من جـنون
الـكبـر و اهـتـزَّ هـزة الـمقرور
ومـضـى سـاحـبـاً على الأفـق
الأغبـر أنقـاض هيكلٍ مـنـخـور
وإذا ما أتـى الـغـياهـب واجتاز
مـدى الـظـن في ضمير الأثـيـر
جلجلت منه زعقة نـشَّـت الآفـاق
حَـرَّى من وهجها الـمسـتطـيـر
وهـوى جـثة على الذروة الشـماء
في حـضـنِ وكـره الـمهـجـور
أيها النسـر هل أعـود كـما عـدت
أم السـفح قد أمـات شـعـوري؟