يبدو أن الحقبة الزمنية التي نعيش فيها قد حطمت الرقم القياسي في عدد الكواراث , ابتداءً من كارثة الأسهم إلى كارثة جدة , كل كارثة هي أكبر من أختها , كل كارثة تنتهي بقرار إقالة أو تشكيل لجنة , يكون المتهم فيها كبش فداء قد وضع كخطة مسبقة لإدارة الأزمات والكوارث !
ابتدأ مسلسل الكوارث بانهيار سوق الأسهم السعودي بشكل جزئي , فأقيل رئيس هيئة سوق المال , باعتبار أنه سبب رئيس للمشكلة !
واستبدل بآخر فانهار السوق بشكل كلي , وتبخرت أموال المساهمين , وأصبح جل المواطنين غارقين في الديون , فتدخلت الحكومة بقرار بهلواني كأننا في سيرك , ووعدت بصندوق لتوازن السوق , مات هذا القرار في يوم ولادته ! ولم يعد أحد يجرؤ على تذكير الحكومة بوعدها !
فهل كان القصد مجرد إسكات الناس وامتصاص الغضب الشعبي ؟
سكت الشعب ونسي ، كما اعتادت الحكومة أن يفعل الشعب تجاه كل أزمة ، فما لبث أن ارتفعت أسعار المواد الغذائية وبعض السلع الأخرى , فأقيل وزير التجارة كخطوة روتينية لإيهام الشعب ، ولكن ظلت الأسعار على ارتفاعها , فتدخلت الحكومة بمكرمة ملكية كالعادة , ودعمت بعض السلع الأساسية , فقفزت أسعارها قبل أن تصل من الجمرك ! وأيدي المواطنين لم تبرد بعد من حرارة التصفيق للمكرمة الملكية !
هل ثمة أدنى منطقية فيما حصل؟!
هل يحدث هذا في الدول المتقدمة؟!
أم لدينا فقط ؟! لماذا إذا ؟
صورة أخرى :
تضاعفت نسب الفقر في المجتمع السعودي , ووصلت لمعدلات خطرة , وأوشكت أن تأكل شريحة واسعة من الطبقة الوسطى , فخرجت الحكومة مصممة على حل كل مشاكل الفقر بحل سحري يتمثل بوضع صندوق للفقراء , يعالج أزمات الفقر في المجتمع السعودي , على أن يتم ابتعاث عدد من الخبراء لهذا الصندوق يستلهمون تجارب العالم المتقدم , ومن ثم يعودن لصناعة الصندوق المنتظر (على وزن المهدي المنتظر) ,.. ولازلنا ننتظر !!
وسيل الفقر لم يزل يجرف الشعب ، وهو أيضا سيل لا تصريف له ، كالسيول الأخرى!
أطراف أخرى كانت أجبن من أن تتجرأ على حقوق الشعب , أصبحت اليوم تسرق أمواله عيانا بيانا ، "و على عينك ياتاجر" كما يقول المثل الشعبي !
وإمعانا في الوقاحة تكرم عملائها بشهر مجاني ! لا يعدو أن يكون سوى طعم بسيط لسرقات قادمة !
لقد تداعت على الشعب السعودي أكَـلَـتُـه تجارا وشركات , وأصبحت تتنافس على نهبه بلا رحمة ولا هوادة , في ظل غياب الرقابة الصادقة عليها ,
فزادت أسعار منتجاتها بغير مبرر , فبالأمس شركات الألبان , واليوم شركات المياه الغازية , ولا يعلم ما في الغد إلا الله , ولكنه لا يدعوا للتفاؤل أبداً.
نحن يا قوم لا نريد فك الحصار عن غزة , ولا طرد المحتل من العراق , ولا يهمنا هل تطبّع دولتنا العلاقات مع إسرائيل أم لا !
كل أحلام الثمانينات والتسعينيات الإسلامية والوطنية منها نسيناها مع ضغط الواقع الداخلي الذي لا يرحم , أقصى ما نريده الآن عيشة كريمة , في بلد أصبح كل من فيه يمتهن الكذب والجشع !
قرارات الحكومة ووعودها الوهمية , وتجاهلها لحقوق المواطنين , وإنكباب الشركات على سرقة ما في جيوب المواطنين, لم تكن لتحدث لولا أن الشركات والحكومة من ورائها , رأت في سلوك الشعب السعودي قابلية عالية التركيز للاستغفال والاستدلاخ , وأدوات سقيمة للاحتجاج , ودرست ردود فعله بدقة , فالشركات عندما تزيد في سعر منتجاتها بدون مبرر , تعلم أنه سيتزامن مع قرار الزيادة دعوة لحملة مقاطعة شعبية , تنتهي بعد أيام من بدايتها , ويعود المواطن لتقبل الأمر بصدرٍ رحب !
المسئول الأول إذن هو نحن الشعب السعودي !
نعم الشعب السعودي الذي تشرب الذل والصمت حتى الثمالة , لا تراه الا يستمطر الحكومة مكرمات ملكية , وينسى أن له شيئاً أسمه حقوق , فتعطيه الحكومة مرة وتمنعه أخرى , فعندما يحرم المواطن من حق الرعاية الصحية , أهم حقوق المواطنين في كل أنحاء العالم , لا يعتبر أن له حق فيطلبه , بل يبدأ التردد على أبواب الأمراء لعله يظفر بورقة اعتماد فتح ملف في مستشفى حكومي !
ولقد والله شاهدت بعيني جملة من هذه الأوراق في أيدي مواطنين ينتظرون في طابور فتح الملفات في أحد المستشفيات وكأنهم من الفرحة يحملون مفاتيح الجنة !
ليعلم الشعب الغافل أن المستقبل لن يكون أفضل من الحاضر ولا من الماضي القريب , بل إن معطيات الوقت الحاضر تبشر بكوارث أكبر في المستقبل القريب , ستستقبل في الأوساط الشعبية ببرودة أكبر من سابقاتها , فكثرة المساس تفقد الإحساس !
لذا يجب على الشعب السعودي البحث عن طوق للنجاة وطريق للتغيير الفعال , ولن يكون إلا بالمطالبة بمؤسسات ضامنة لحقوقه , كمجلس شورى منتخب ونقابات تعمل على تحقيق مصالح الشريحة المنخرطة فيها , وغيرها من التنظيمات المعروفة لدى الدول المتقدمة , أما الرهانات على أقلام النخبة المثقفة , وفتاوى كثير من رجال الدين الذين لا يعرفون ما يدور في الدنيا , أو الرهانات على مكرمات الحكومة , فلن تثمر الا مزيداً من الإفلاس المادي , والهوان المعنوي ، الذي يبدو أنه قدَر الشعب لفترة طويلة قادمة مالم يتحرك بطريقة فعالة !
http://www.royaah.net/detail.php?id=693
.