المؤلفة البريطانية جوان كاثلين التي كتبت رواية الأطفال الشهيرة "هاري بوتر" باعت منها حتى الآن أكثر من 600 مليون نسخة وتحولت الى ستة أفلام . وإذا افترضنا ان نصيبها من كل نسخة 10 ريالات يكون دخلها قد تجاوز ستة مليارات حتى الآن (ولم نتحدث بعد عن نصيبها من الأفلام)!
هذا الدخل الكبير (ومن رواية واحدة فقط) يجعلنا نتحسر على حال المؤلفين العرب أيام زمان ؛ فقد كانوا أكثر غزارة في التأليف ولكنهم أكثر فقرا بالتأكيد ؛ فهناك مثلا جلال الدين الأسيوطى الذي وضع اكثر من 561 كتابا ، وأبو يوسف الكندي الذي ألف أكثر من 270 كتابا وأبو بكر الرازي وله اكثر من 200 كتاب ... إلا ان أيا منهم رغم هذا العدد الهائل من المؤلفات لم يخرج من دائرة الفقر ولم يستغن عن حسنات الحكام واحتساب الأجر عند الله !!
هذه المفارقة المحزنة قادتني للتوسع في البحث ومحاولة وضع ترتيب بأغزر المؤلفين القدماء إنتاجا وفي نفس الوقت فقرا وسوء حال:
1) ففى المركز الأول يأتي العالم الموسوعي جلال الدين الأسيوطى (وينسب لأسيوط التي ولد فيها عام 849ه) كونه وضع اكثر من 561 كتابا في شتى أنواع العلم والادب والطب وكان عمله الابرز تفسير القرآن الكريم ..
2) ثم العالم العربى الكندى (800 873) وله اكثر من 270 كتابا فى الفيزياء والجغرافيا والطب والفلك . واسمه الكامل ابو يوسف بن اسحق بن الصباح الكندى وينسب الى قبيلة كندة العربية..
3) وفى المركز الثالث أبو بكر محمد بن زكريا الرازى وله اكثر من مائتي مؤلف كان لمعظمها تأثير عالمى وترجم كثير منها للغات الأوروبية،ولد فى مدينة الرّي عام 884 وتوفى عام 930
4) وكذلك الحسن (ابن الهيثم) عالم البصريات المعروف وله اكثر من مائتي مؤلف . ولد فى البصرة عام 965 وتوفى عام 1040 وعرف فى الغرب باسم الهازن وأهم كتبه باسم "الموسوعة البصرية".
5) اما عالم الكيمياء العربى جابر بن حيان الكوفى الازدي فقد وضع اكثر من مائة مؤلف اصبح لمعظمها تأثير عالمى واعتبر مؤسس الاسلوب العلمي التجريبي الذى قامت عليه نهضة العلوم لاحقا .. ولد عام 721 بالكوفة وتوفي عام 815 وقيل 803
6) وأخيرا ؛ هناك تقي الدين احمد بن علي (المقريزي) وله اكثر من 100 كتاب فى الجغرافيا والفلك والتاريخ ومن اشهر مؤلفاته "الدرر المضيئة فى الدوله الاسلامية" و"إمتاع الاسماع" .. ولد فى القاهرة عام 766 وتوفي بها فى رمضان عام 840 .
... المفارقة المؤلمة أن كل هذه الكتب المجتمعة لاتصل لا من حيث الدخل ولا التوزيع لأول جزء من رواية "هاري بوتر" (فكان أجرهم على الله)..
أما ثاني سؤال مهم (في مسألة التأليف) فهو :
هل غزارة الكتب المؤلفة دليل على عبقرية المؤلف ومدى تأثيره على عقول الناس ومسيرة التاريخ؟
(تابعوا الإجابة في المقال التالي) !!
أكثر المؤلفين تأثيراً
حاولت في آخر مقال وضع ترتيب لأكثر المؤلفين العرب إنتاجاً وتأليفاً..
ومن المفاجآت الغريبة أن معظمهم كان من العلماء العرب الأوائل.. حيث لم تكن غزارة الإنتاج تترافق مع حفظ الحقوق وغزارة الأرباح..
أما بالنسبة للعرب المعاصرين فوجدت على رأس القائمة:
الكاتب المصري انيس منصور (بأكثر من 140 كتابا) والكاتب التربوي يوسف ميخائيل اسعد (بأكثر من 94 كتابا) والدكتور مصطفى محمود (بأكثر من 90 كتابا) بالإضافة إلى آخرين عرفوا بغزارة التأليف (كالشيخين الغزالي والشعراوي) ولكن لم يتح لشخصي المتواضع حصر جميع ما كتبوه..
على أي حال ما أن انتهيت من آخر مقال حتى بدر لذهني السؤال التالي:
هل غزارة التأليف تعني بالضرورة عِظم تأثير المؤلف؟.. بمعنى من الأهم: عدد الكتب أم تأثير الكاتب على الناس؟
بدون شك الكيف - وليس الكم - هو الأهم في هذه القضية؛ فرب كتاب واحد (كصحيح البخاري مثلا) يفوق في فائدته وتأثيرة (التسع مئة) رواية التي نشرتها الكاتبة الجنوب افريقية ميري فولكنير (1903 - 1973).. ورب كتاب واحد يكفل بمفرده إعادة تشكيل الفكر الانساني أو التأثير بشكل واضح على مصير الأمم.. ومن أهم الكتب التي أثرت على الفكر البشري وانعطفت بمسيرة التاريخ (مع استثناء الكتب السماوية) هي حسب رأيي:
- صحيح البخاري للإمام محمد بن اسماعيل الذي اثر - بما ورد فيه من احاديث - على حياة ملايين المسلمين.. في الماضي والحاضر والمستقبل..
- وكتاب الجمهورية لافلاطون الذي على وضع أول مبادئ الديموقراطية والفرضيات السياسية والأخلاقية.
- وكتاب المبادئ للعالم الفيزيائي نيوتن الذي محا كثيرا من الخرافات السابقة وأوضح لاول مرة طبيعة الحركة والكون.
- ورأس المال لماركس الذي - كما نعرف - اثر على مصائر ملايين البشر من خلال مبادئه الشيوعية..
- وكتاب أصل الأنواع لداروين الذي انشق على الكنيسة وبدأ فلسفة تطورية ما تزال تثير الجدل حتى اليوم.
- وهناك القانون لابن سينا الذي اعتبر لسنين طويلة اوثق مرجع طبي قضى على كثير من الخرافات الطبية القديمة.
- وثروة الامم لآدم سميث الذي يعتبر المرجع الاول والاصيل للاقتصاد الحر الحديث.
- والمبادئ الخمسة لكونفوشيوس التي ما زالت تؤثر على المدارس الاخلاقية للشعوب الاسيوية؛ والصينية على وجه الخصوص..
- والمقدمة لابن خلدون التي تعتبر الاساس الاول والحقيقي لعلم الاجتماع.
- وروح القوانين لمونتسيكيو الذي اعتبر ثورة فكرية وسياسية واجتماعية ما زالت مصدر إلهام الى اليوم.
- وكتاب التأملات لديكارت الذي رسخ المذهب العقلي وقضى على خرافة المذاهب الاغريقية القديمة.
- وكذلك كتاب الأمير لميكافيلي الذي وضع مبادئ السياسة في الغرب والذي يمكن تبسيطه بجملة واحدة: "الغاية تبرر الوسيلة".
وجميع هذه الكتب لم يعرف عن مؤلفيها غزارة الانتاج او كثرة التأليف؛ ولكنها أثرت بعمق على أفكار الناس ومصائر البشر ويصعب تكرارها لقرن قادم على الاقل..
ويسعدني بالطبع سماع ترشيحاتكم بهذا الخصوص!!
http://www.alriyadh.com/2010/01/09/article488284.html