"an old man, a young man, and life's greatest lesson"
هكذا أضاف الكاتب ميتش ألبوم (Mitch Albom) إلى عنوان القصة الرائعة والتي أسماها "الثلاثاء مع موري" (Tuesdays With Morrie)...
يتبادر إلى ذهنك سؤال واحد عند قراءة الكتاب "ماذا سيكون رد فعلي إن علمتُ أنني سأموت خلال وقت قصير؟ أن مصيري المحتوم بات أقرب إلي مما كنت أتصور؟" ... هذا هو الوضع الذي فرضته الحياة على موري شوارتز (Morrie Schwartz) أستاذ علم الإجتماع الراحل والذي كان أستاذ مؤلف الكتاب أثناء دراسته الجامعية ...
أصيب بمرض عضال جعل الموت أقرب إليه مما كان يتصور، في سن الثامنة والسبعين، ووجه بالخبر بأنه سيموت بعد أشهر قليلة، وستكون ميتة بطيئة يذرو خلالها جسده شيئا فشيئا، يستسلم لعوامل المرض رغما عنه، ولا يستطيع فعل شيء سوى مراقبة أعضاءه تموت، جسده يصبح كالخرقة البالية حتى لا يعود قادرا على تحريك رأسه، وفي النهاية يموت مختنقا حين يفقد قدرته على التنفس ...
لستُ أدري ماذا ستكون ردة فعلي لو ووجهتُ شخصيا بمثل هذا الخبر، إلا أن موري شوارتز قرر أن يجعل موته آخر درس له على وجه هذه البسيطة ...
التعاطف، الحب، التكافل، كلها قيم نعرفها وقد نعتبرها من البديهيات. لكن، هل فكرنا بها بشكل جدي يوما؟ هل سألنا أنفسنا إن كنا متصلين بهذا الجانب الإنساني من حياتنا؟ أم أننا مثل الكثيرين انغمسنا في عجالة هذه الحياة ودوامتها، ونسينا تلك القيم البسيطة؟
هذا كان درس موري لتلميذه ميتش، خلال زياراته المتكررة كل أسبوع، أيام الثلاثاء. أسبوعا بعد أسبوع، يتحدثون عن العائلة، الحب، المال، العاطفة، المرض والموت، والكثير الكثير ... ومع مرور كل أسبوع، يذرو موري أكثر فأكثر، حتى يصبح خيال إنسان، لكنه مع ذلك، ومع عجزه المتعاظم يرفض التوقف، يريد أن يكمل الدرس، يريد أن يوضح لميتش كل ما يكشفه له الموت، كأن الموت بات المعلم، وموري رسولا له ...
وصف الموت في ثقافتنا بأنه "هادم اللذات"، لكن أي لذات تلك التي يهدمها؟؟؟ ... يُعلمك موري بأن تلك اللذات التي انغمسنا بها لا تعني شيئا في الحقيقة، بأننا تغافلنا أو غفلنا عن اللذات الحقيقية، لذة الحب، لذة العاطفة، لذة العائلة، لذة النظر من نافذة لمراقبة أوراق الشجر، حركة الرياح، استنشاق نسمة عليلة، أو حتى النظر في عيني من نحب، تلك لذات لا يهدمها الموت، لا بل يعززها، يفتح عيوننا عليها كأننا نتعلمها للمرة الأولى ...
لم أنهِ قراءة القصة بعد، والتي هي بالمناسبة قصة حقيقية تماما، وكل ما فيها حقيقي، وبإمكانك البحث على الإنترنت لمشاهدة لقاءات متلفزة مع موري في برنامج Nightline على مدى ثلاث حلقات ... مؤثرة لأبعد الحدود، وفيها كم هائل من الحكمة التي نسيناها جميعا ...
أنصح الجميع باقتناء الكتاب، وسأقوم بكل تأكيد بترجمته قريبا بإذن الله ...
أترجم لكم جزءا بسيطا منه:
"ميتش،" يقولها وهو يقهقه، "حتى أنا لا أعرف معنى عبارة "تنمية روحية". لكنني أعلم يقينا بأننا نعاني من نقص معين. نحن منغمسون جدا في الماديات، لكن هذه الماديات لا تحقق لنا الرضى أبدا. روابط الحب التي نعيشها، الكون من حولنا، نحن نعتبر هذه الأمور تحصيل حاصل."
نظر نحو النافذة حيث ينساب ضوء الشمس. "هل ترى ذلك؟ بإمكانك أن تخرج إلى هناك، إلى الخارج، في أي وقت تشاء. يمكنك أن تركض في الشارع جيئة وذهابا، بإمكانك أن تتصرف بجنون. لكنني لا أستطيع ذلك. لا أستطيع الخروج. لم أعد قادرا على الجري. لم أعد قادرا على الخروج من هنا دون الخوف من التعرض للمرض. لكن أتعلم شيئا؟ أنا أقدرُ هذه النافذة أكثر مما تقدرُها أنت."
تُقدرها؟ -يرد ميتش مستغربا-
"نعم. أنا أنظر من خلال تلك النافذة كل يوم، لألاحظ التغييرات التي تطرأ على الأشجار، لألاحظ القوة التي تعصف بها الرياح. كأنني أراقب الوقت فعليا ينساب من خلال إطار تلك النافذة. أعلم أن وقتي على هذه الأرض قد شارف على الإنتهاء، مما يجعلني أراقب الطبيعة وأنجذب إليها كأنني أراها للمرة الأولى في حياتي."