عزيزى اندروبوف
مرحبا بك.
(06-08-2010, 12:55 AM)أندروبوف كتب: هذا الكلام يوحي بأن الايمان يفرمل بحث العقل عن معاني أو حقيقة العدالة الالهية المزعومة.
وجهة نظر جيدة ومقبولة ولكن يمكن صياغتها بصورة اخرى وهى ان الايمان يحرر العقل من التفكير المادى ويطلق العنان له لينطلق فى ملكوت الله حتى يستطيع استيعاب الغير محدود والغير ممكن استيعابه عقليا، لذلك كلما زاد الايمان زادت المعرفة لمن هو غير محدود (الله). وحقيقة العدالة الالهية المزعومة هى فعلا مزعومة عند البشر لأنه لا دليل عقلى عليها ولكن نحن نتحدث عن الايمان بالله واحدثك عن كتاب ازعم انه نزل بواسطة ملك من عند الله ، فأنا أحدثك عن امور لا يمكن القياس العقلى عليها، لذلك فالله ذاته هو مزعوم عند من يؤمن به لأن الله بداخلنا ونراه بداخلنا وليس بخارجنا.
اقتباس:أنا لا أعرف فعلاً -كما قال الزميل أنس- كيف يمكن الإيمان بشيء مبهم وغامض ,
و كيف يمكن لنا الحكم إذا ما كان هذا الاله يستحق فعلاً العبادة أم لا .؟
هذا هو بيت القصيد، هل هذا الاله يستحق العبادة ام لا ، ولن تتأتى هذه إلا بالتفكير فى تعليمات هذا الاله والغرض منها وبماذا يوصى به
اقتباس:ثم ماذا تعني بقولك "سنة الله في خلقه" .؟
اقصد بسنة الله ان من كفر دمره الله بكفره ومن ظلم دمره الله بظلمه فهذه هى سنة الله أن يؤتينا من الخير ومن الشر اختبارا لنا وليس شرطا ان يكون الشر الذى يصيب الانسان هو اختبار له وحده ولكنه قد يكون اختبارا لمن حوله ايضا.
اقتباس:سأكون صريحاً معك , تروقني فكرة الحساب و اليوم الآخر و البعث و الميزان إلى حد أجد نفسي منسجماً للغاية مع هذا الطرح, و لكن المعايير عند السماء لا يمكن أن تحقق حد أدنى من العدالة, فأنا لا أعتقد بوجود جريمة على وجه البسيطة يستحق مرتكبها الخلود في عذاب جهنم الأبدي , خاصة و إن كان الحساب يتم على أسس ايمانية بحتة .
يسعدنى جدا هذا القول فهو بالنسبة لى دليل على الميل الطبيعى (الضمير الحى) الذى يعى جيدا ان الانسان لم يخلق سدى وأن هناك ظلم لابد من القصاص له، ولكن ما يؤرقك هو ليس الحساب نفسه ولكن طبيعتك المتسامحة التى لا تسمح بالعذاب الشديد.
وانا مثلك عندى نفس التفكير ولا استسيغ فكرة ان يسرق انسان او يزنى او يقتل فيظل ماكثا فى العذاب دهرا طويلا او خالدا فى النار.
كذلك يقف امامى وامام هذه الفكرة قول الله سبحانه وتعالى (وكتب ربكم على نفسه الرحمة) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ان الله قسم الرحمة الى مئة جزء، أنزل منها جزء واحتفظ لنفسه بتسعة وتسعون جزء. وأتسائل كيف يمكن ان يعذبنى الله لأننى قصرت فى عبادته او لم اعبده من الاصل.
ولكن فكرت فى شئ عن العذاب الابدى، هل هو لكل مخطئ ، بالطبع لا ، ولكن وجدتنى افكر فى الامر من وجهة نظر اسلامية ، هناك فى الاسلام امور مدسوسة لا تستقيم مع الاسلام نفسه مثل فكرة ملكات اليمين او فكرة العبيد ، كيف ان الله يمنع زنا النظر ويسمح لاغتصاب الجارية. لا يستقيم الامران معا بل هما متعارضان. ويؤسفنى ان بعض المفسرين مثل جلال الدين السيوطى يقولون انه مباح للمسلم ان يطأ ملك يمينه بأى عدد.
عندما احتكم الى الله الذى انزل القرآن لا اجد هذا صريحا بل اجد فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقول انه اكثر ما يخاف على امته منه هو فتنة النساء ، هل هذه هى إحدى أوجه فتنة النساء التى وعد بها الرسول ، أن يأتى من يفسر القرآن بإباحة وطئ السبايا ظلما وعدوانا ويستند الى أية فى القرآن فيفسرها لغرض فى نفسه أو لتحليل الحرام لأحد الحكام.
عند ذلك افكر كم من العذارى تم العدوان عليهم وتم شرائهم وحرمانهن من احضان امهاتهم واجبارهن على معيشة بلا كرامة كسلعة ليس لها سعر سوى جسدها وكم حرمت من السعادة وكم تعرضت للشقاء وكم من القلوب ادمتها مثل هذه الفتوى الظالمة.
عند ذلك اجد ان خلود من فسر هذه الآية ظلما فى النار دهرا هو جزاء عادل من الله.
اقتباس:مثال ذلك أن رحمة الله تنبغي للمؤمنين من عباده حصرياً, و أن الله على استعداد أن يغفر الذنوب جميعاً ! إلا أن يشرك به!! ,فبأي عدالة تحكمون .؟
هذه هى قمة الانسانية التى تتحدث بها وهى تردنا الى نقطة البداية أن الله هو الخير وأن الشيطان هو الشر ، وعندما احاول ان اتعامل مع الله على انه (كائن محدود) فهنا اقع الى الخطأ واتهم من يخالفنى فى الدين بالكفر ولكن لو تعاملت مع الله على انه هو الخير المطلق فلن اتهم المسيحى بالكفر ولا البوذى بالكفر ولكن اتهم من يفعل الشر بالكفر حتى لو كان موحدا. فعند التعامل مع الله على انه كائن محدود اصبح مثل عبدة الاوثان يظنون ان ما يقدمونه من فروض مادية لهذا الكائن هو سبيل خلاصهم ، ولكن عندما اتعامل مع الله على انه الخير فإن اى عمل صالح افعله هو من اجل الله (بغض النظر عن الدين الذى اتبعه).
ولكن عندما يخاطب الله عباده من خلال رسوله فهو كمنطق طبيعى أن الله قد ارسل الرسول ليصحح به سير البشرية فى عبادة الله ومعرفة الله وبالتالى فهو يصف من يتبع غير هذا المنهج بالكافر ويحذر من الكفر.
ولكن كيف يغفر الذنوب إلا ان يشرك به ، هى مقولة لأول وهلة تدل على نرجسية هذا الاله الذى خلق كل شئ لكى يثبت غروره. وعند التدبر فى هذه المقولة بالتفكير الهادئ نجد انه لو تم تطبيقها على باقى آيات القرآن فى نفس النطاق وهو نطاق الذنوب ونطاق التوحيد لوجدنا انها تعنى شئ أخر غير المعنى الذى يصل للانسان عند سماعها لاول وهلة ، ولكن هذه الآية تحديدا من أكثر الآيات التى تحتاج لنقاش طويل لفهم معناها ولذلك سأحاول تقريب الصورة التى افهمها بهذا المثال (تخيل ان آب يقول لإبنه انا ممكن اسامحك فى أى شئ تفعله مهما كان ولكن لن اسامحك إن كذبت علىُّ) فهل يعنى هذا ان الاب لا يهمه إلا ان لا يكذب الابن عليه فقط ام انه يرمى من وراء هذا القول لشئ آخر.
اقتباس:مثال آخر (من توقيعي) .. يقول الحديث الشريف (وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم).
بصراحة يا اندروبوف إن توقيعك يرعبنى لأنه يذكرنى بأننى يمكن أن أقع فى نفس الدائرة وقد ضربت لك مثلا فيما سبق عن من يقول فتوى تحلل الحرام فتصيب ضرر الفتوى ملايين الناس الابرياء من جراء هذه الفتوى.
اقتباس:أتخيل أي اله هذا الذي يمكنه أن يطيح بكل شيء (كل شيء) فعله انسان بالدنيا من صالح الأعمال ,و يرمي به في جهنم مقابل كلمة واحدة تحدث بها لم تعجبه سبحانه .!
كما قلت لك من قبل واضيف على ما قلته ان الله سبحانه وتعالى لن يظلم احد فى الحساب لأنه قال بسم الله الرحمن الرحيم {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } صدق الله العظيم
ولكن الله يطلب منا ان نفعل الخير له هو وليس لغرض اخر ، فأنت لو ساعدت مسكين حبا فى الخير فقد ساعدته لوجه الله ولكن لو ساعدت مسكين لكى تظهر بمظهر فاعل الخير بين الناس فلن تحصل على آجرك وهذا ليس لسبب إلا لأن الله يريدك ان تساعد المسكين حتى لو لم يكن هناك بشر حولك يشهدون لك بالخير. وهكذا.
اقتباس:و مثال عذاب أبي طالب أيضاً .
كيف يمكن إقناعي بأن هذا مطلق العدالة , و أي سنة لله في خلقه يجب أن أفهم قبل إصدار الحكم؟ ,و إن كان لا يهم إقناعي بحجة أن عقولنا محدودة وقاصرة ..فكيف يتوجب علي الإيمان بعدالة مطلقة تجعلني أدرك نقيضها و بشكل مطلق أيضاً .
لا نعلم لماذا لم يؤمن ابو طالب ، هل فضل طاعة قومه على طاعة الله طمعا فى ان يظل مكانته بين الناس كما هى ، وهل لو اسلم ابو طالب هل كان سيسير على خطاه بعض اشراف مكة مما يتبعه كف الاذى والعذاب على المسملين الضعفاء حولهم ، إننا لم نعاصر هذه الفترة بكل ما فيها حتى نحكم هل عذابه يستحقه أم لا.
إلا يمكن ان يكون عدم اسلام ابى طالب كان سبب غير مباشر فى عدم منع عذاب احد العبيد المسلمين امام امه وابيه وأبناءه ، ألا يمكن ان يكون تخاذله عن الاسلام سبب غير مباشر لموت عدة شخص تحت وطأة التعذيب او حتى تعرضهم للتعذيب والكى والسياط وغير ذلك.
اقتباس:نعم , لكن ما وصلنا من بعض القوانين و الجزاءات الصارمة (بالأمثلة أعلاه) لا يشي بشيء من العدالة و لا حد أدنى بل النقيض تماماً .. ثم هل يتوجب علينا الانتظار ليوم القيامة لمعاينة هذه العدالة و فهمها و ثم نحكم أن الله عادل فعلياً , عندها لن يكون إيماننا الحالي بالعدالة الالهية حقيقياً .
إن حساب الانسان يكون بشكل ميزان ، كل الحسنات امام كل السيئات والناتج يترتب عليه العقاب ، ولا تظن ان انسان طيب القلب مثلك سيكون مثله مثل قساة القلوب الذين لا يرحمون عباد الله ، ولا تقس عذاب الله عليك بل قسه على العتاة من البشر.
وتأكد انك لو خشيت ان تظلم انسان وراعيت ان لا تظلم انسان فلن يظلمك الله ، فكما تعلمنا من الاسلام ان الله لا يحب ان يكون عبده افضل منه وكذلك يحب ان يكون اشد قسوة على العبد القاسى فهو ارحم الراحمين وهو المنتقم الجبار ، ارحم الراحمين لمن يرحم ومنتقم جبار شديد البطش لمن يبطش. والايمان بالله هو فعل الخير والكفر بالله هو فعل الشر. ويزيد الموحد بالله فى الدرجة عن غير الموحد بالله ولكن كلا منه له ثوابه عن الخير وله عقابه عن الشر. بل قد يكون عقاب الموحد بالله عن الشر اكثر من عقاب غير الموحد عن جهل بالله ، فحساب الجاهل اهون من حساب العالم.
اقتباس:الخصم و الحكم .!
من احل الحرام وحرف أمر الله سيشهد عليه من يعرف الحلال ، وأيضا سيطالب بالقصاص منه من سار على دربه فى الحرام وسيطالب أيضا بالقصاص منه من تعرض للضرر من جراء تحليل هذا الحرام كما ذكرت لك بعاليه.
الحق اننى سعيد بالحوار معك ومع انس وارغب فى مزيد من الحوار فكلاكما ضميره ضمير حى وارجو ان تحتملوا كثرة استفاضتى فى الكلام وذلك بسبب محاولتى لتوصيل معنى ما اشعر به واصعب شئ ان تصف مشاعرك وانا احاول ان اصف ما أؤمن به وهو الله قمة الفلسفة والمنطق والفكر، فاحتملونى فأحيانا أجد ان ما اكتبه لا يوافق تماما ما أفكر به ولكن علمى المحدود بالاسلام وبالدنيا يجعلنى لا استطيع ان اقدم شرحا افضل مما اقول ولكن اعلم جيدا ان ما اقول هو لا يصف بوضوح ما اؤمن به .