الاردنيون لا يعرفون الملك عبدالله الاول المؤسس ، بل يعرفون فقط ما سمعوه عنه في صحافة وإعلام احفاده الهاشمين ، وهم طرف منحاز في اصل القضية ، كان عبدالله الاول هو الذي اسس لهم ملكهم ، وكانوا اصحاب مصلحة ملحّه في في تلميع شخصيته وتقديمه للاردنيين متوّجا بكل الفضائل ، فهو العربي الثائر الشريف ابن شريف مكة مفجر ثورة العرب الكبرى ، وهو المؤسس الاول وصاحب الفضل الأول في ان يرى الاردنيين لهم مملكة ودولة ، وهذه كلها صفات للملك عبدالله الاول منقولة للاردنيين عن قصور احفاده الهاشميين المنحازين ، وهو موقف لا مكسب للاردنيين من ورائه سوى ان يظلّوا يجهلون حقيقة انفسهم في عيون عبدالله الاول ومدى هوانهم واستهتاره بهم .



فهذه مقولة مشهورة للملك عبدالله الاول يجري تدريسها في منهج التربية الوطنية في بعض الجامعات الاردنيه الرسمية ، قالها عندما حطت قدماه ارض الاردن حيث قال " إن الأردن لم يكن يوما ملكا لأهله فقط بقدر ماكان وسيبقى حقا عربيا مشاعا يشترك فيه السوري والحجازي واللبناني والفلسطيني " . ويذكر ايضا في مذكراته ـ مذكرات الملك عبدالله ـ انه لم يصحب أردنيا في رحلته للقدس للالتقاء بـ تشرشل (1921) لبحث مصير الأردن ، تلك الرحلة الصفقة التي قام بها دونما علم أو تفويض ولو من أردني واحد ، حيث يقول " وكان معي في الركب كل رجالات سوريا وفلسطين ورأيت بالنزل في أريحا جل أعيان فلسطين " صفحة 182 ، اما الاردن فلم يكن فيها رجالات ليصحبهم معه !!

وهو بذلك لا يأتي على اي ذكر للاردنيين ، او كأنه يريد يقول بانهم غير موجودين انذاك ، والواقع انهم فعلا لم يكونوا موجودين ، بنظر عبد الله الاول على الاقل ، حيث يقول في كتاب مذكراته والقول لعبدالله الاول : إن مشايخ بدو الأردن لم يستجيبوا لطلبه بالدعم والمؤازرة, حيث قال بالحرف : " وتلقيت أجوبة من مشايخ البدو في الشمال غير مشجعة "صفحة 178- والشمال تعني كل ما كان من الأردن شمال معان آنذاك. ونلاحظ هنا انه لم يذكر اسم الأردنيين ؛ لان اسم الأردنيين تعني الهوية الوطنية بينما تعني كلمة البدو هوية الترحال التي لا تنتمي الى وطن او مكان بعينه .



ان المقولة الشهيرة للملك عبدالله المؤسس " إن الأردن لم يكن يوما ملكا لأهله فقط بقدر ماكان وسيبقى حقا عربيا مشاعا يشترك فيه السوري والحجازي واللبناني والفلسطيني " ليست سوى اعلان مدوي عن ان الاردن ليس للاردنيين وحدهم ومنذ البداية ، ومنذ البداية فعلا جعل كل رجالاته من غير الاردنيين ، وهو بهذا يبوح عن مكنونات صدره واحلامه في ان يرى نفسه متوجا ملكا على كل العرب ويكونوا رجالاته من غير الاردنيين هم الجسر الذي يدخل عليهم الى سوريا وفلسطين والعراق ، اما الاردن فلم يكن في استراتيجية عبدالله سوى البداية وموطىء القدم للوصول الى ذلك الحلم ، وفي سبيل ذلك الحلم عقد عبدالله الاول كل صفقاته المشبوهة مع بريطانيا والوكالة اليهوديه وحسب شروطهما الى ان اوصلوه الى بوابة المسجد الاقصى جثة هامده .

اما في الجهة المقابلة فلم تكن بريطانيا معنية باحلام عبدالله وطموحه من خلال وقوفها خلفه في تثبيت حكمه في شرق الاردن ، بقدر ما كان يعنيها بالدرجة الاولى ترتيب المسرح لتنفيذ وعد بلفور ، وهذا ما عبر عنه بكل صراحة ( المعتمد البريطاني بالأردن فيما بعد ) المدعو اليك كربرايد بالحرف حيث قال " إن المسؤولين البريطانيين كانوا يقصدون جعل شرقي الأردن مناطق احتياط تستعمل لإسكان عرب فلسطين بعد أن يتحقق الوطن القومي لليهود " .

بدأت اول خطوات الوطن البديل حين بدأ عبدالله الاول بتنفيذ مقاصد الساسة البريطانيين وما اتفق عليه لاحقا مع الوكالة اليهوديه ، وقبض ثمنه بالعملة المتداولة مقابل استعمال المناطق الاردنية في اسكان وتوطين عرب فلسطين الذين اصبحوا لاجئين ، وذلك بضم الضفة الغربية الى مملكته وتجنيس اللاجئين وسكان الضفة الغربيه بالجنسية الاردنيه دون قيد او شرط ، وسارت عملية التجنيس بوتيرة وتسارع ودون ضوابط ، واصبح اللاجئين الفلسطينيين لأول مرة مواطنين اردنيين ، رغم معارضة كل الدول العربية دون استثناء لمثل هذا الاجراء الأرعن الذي لم يخدم سوى مصلحة اسرائيل واطاح بمصالح الاردنيين والفلسطينيين .



منذ ذلك الحين بالضبط وقبل ستون عاما من الآن بدأت تتشكل ملامح الوطن البديل ، وقبل ستون عاما كان عبدالله الاول قد حسم قضية اللاجئين وقام بتوطينهم في الاردن دون ان يكون للاردنيين رأي او خيار في رفض مشروع التوطين الذي هو اولا واخيرا استحقاقات صفقات عبدالله والبريطانيين على حساب الاردنيين والفلسطينيين معا ومرة واحدة .

وكان على الاردنيين و اللاجئين الفلسطينيين الانتظار خمسون عاما حتى ينكشف المستور ، وتفضح اتفاقية وادي عربه تبعات بعض الصفقات المشبوهة التي اجراها عبد الله الاول مع الوكالة اليهوديه اسرائيل لاحقا من توطين اللاجئين وتأجير الاراضي الاردنيه وتمليكها لليهود ، وتتحول بهذا من صفقات سريه الى بنود معاهده رسميه موثقة تنتظر التوقيع الاردني الرسمي عليها في حفل علني ، ويتقدم الصفوف رجل المهمات القذرة عبد السلام المجالي لكي يقوم بتوقيع ورسمنة وتوثيق بعضا مما عقده عبدالله الاول من صفقات لم تكن يوما في صالح الاردنيين ولا الفلسطينيين ، وبشهادة التاريخ وشهادة الشرفاء ، ومرة اخرى ينغرس خنجر الخيانة والتواطىء في ظهور الاردنيين واللاجئين الفلسطينيين تحت اضواء الكاميرات وعدسات المصورين ويغلق باب العودة لمليونين لاجىء لا يزالون يمتلكون مفاتيح نكبتهم ، بنص صريح في الماده الثامنه للمعاهده وقعه عبد السلام المجالي دون خجل او حياء او خوف من الله يقول :

في ما يتعلق باللاجئين:

1- من ضمن إطار عمل المجموعة متعددة الأطراف حول اللاجئين.



2 - من خلال إجراء حوار ثنائي أو غير ذلك، يتم ضمن إطار يتفق عليه ويأتي مقترناً بالمفاوضات الخاصة بالوضع القانوني الدائم أو متزامناً معها، وذلك في ما يتعلق بالمناطق المشار إليها في المادة الثالثة من هذه المعاهدة. وجدير هنا ملاحظة ان الماده الثالثه تتحدث عن ترسيم الحدود التي تصبح نافذه بعد توقيع المعادة مباشرة ، وفي هذا اشارة الى ان اي اجراءات تخص اللاجئين يجب ان تكون على الارض الاردنية .



3 - من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها ، بما في ذلك المساعدة في مضمار العمل على توطينهم.



وهذه بنود ليس لها تفسير في لغة الدول سوى تنازل رسمي مكتمل الشروط عن حق اللاجئين في العودة ، بل وتعهد اردني صريح لا يمكن التهرب منه بمكان على توطينهم ، ونلاحظ ان ليس في هذه البنود اي ذكر على القرار الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة ، بتاريخ 11 كانون الأول / ديسمبر من عام 1948 ن القرار 194 والذي تنص الفقرة (11) منه صراحة ، على ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وقراهم الأصلية التي هجروا منها ، جراء الحرب ، كما ان العبارة من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها في البند الثالث لا تعني اطلاقا القرار 194 ، في شهادة مدوية على مدى استهانة اؤلئك الذين فاوضوا ووقعوا وصفقوا باماني الاردنيين والفلسطيين معا ، وشهادة علنية ايضا ان قضية اللاجئين الفلسطينيين في الاردن ليست معروضة للنقاش ومحسومة اصلا منذ السماح لعبدالله الاول بضم الضفة الغربية وتجنيس الكتلة الفلسطينيه اللاجئة في الاردن وفلسطين ، وكانت هذه التفاهمات والصفقات قائمة اصلا ، لكنها تنتظر فقط توثيقها دوليا وتوقيعها رسميا وهي المهمة العار التي تكفل بها عبد السلام ميشو المجالي ، فقضية توطين اللاجئين في الاردن ليست الا احدى صفقات عبدالله الاول مدفوعة الثمن .

ومن هنا فالقرار 194 ليس معنيا باللاجئين الفلسطينيين في الاردن فقد تم تجاوزه اردنيا واسرائيليا بمعادة منفصلة وثنائيه اعترفت بها الامم المتحدة ، ويبقى بالتالي القرار معني فقط باللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا ، وعليه فعلى الاردن تحمل تبعات صفقات عبدالله الاول وتواطىء الملك حسين وخيانة عميد ال مجالي ، ومنح الفلسطينيين اللاجئين في الاردن حقوقهم كاملة وغير منقوصة في السياسة والتمثيل النيابي وتعيينهم في المناصب العليا والمراكز الحساسه ومساواتهم مع الاردنيين ابناء العشائر تحديدا في جميع حقوق المواطنه ، الى ان يأتي بوما نرى فيه احد ابناء مخيم البقعة وقد اصبح وزيرا للداخليه ، واحد ابناء مخيم الوحدات مديرا للامن العام ، واحد ابناء مخيم شنلر رئيسا لهيئة الاركان المشتركه .....وهكذا.


بقي على الاردنيين والفلسطينيين ان يتذكروا ان استحقاقات الماده الثامنه من اتفاقية وادي عربه لم يحن وقتها بعد ، والى ذلك الحين وعندما يأتي يوم استحقاقها سيعلم الاردنيين من هم الذين فرطوا حقا بالاردنيين والفلسطينيين ، وسيعلم الاردنيين من يقف وراء عملية تحطيم وتفكيك الدولة الأردنية وتحضيرها لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن ، وهم حتما ليسوا الكتلة الفلسطينية المهمّشه كما يروّج التيوس لأن هذه الكتلة خارج القرار السياسي والاقتصادي ، فالذي حضر الأردن لتصفية القضية الفلسطينية هم أبناء البلد والعشائر وقسم كبير منهم متقاعدون عسكريون ، والى ان يأتي استحقاق المعاهدة سيعلم الاردنيين ايضا سبب احجام الملك حسين عن توقيعها بنفسه ، مع انه رأس السلطة التنفيذيه وهو المفوض بنص الدستور بتوقيع قرار الحرب وقرار السلام ، لكن الملك حسين ربما كان يريد ان يريح عظامه من لعنات كل طفل فلسطيني يولد لاجىء في الاردن ويجد مفتاح نكبته وقد خبئه له اباه تحت وسادته ، من هنا الى يوم ينفخ في الصور .
بقلم صائب مراد

الاردن لم يكن موجود على الاطلاق قبل قدوم عبد الله، ولم يكن هناك شئ اسمه اردن او اردنيين. كان الجيش الذي يقوده عبد الله مؤلف من ضباط سوريين وعراقيين وفلسطينيين، وبالتالي كان من الطبيعي ان يكونوا هم المرافقين.

وفي برقية جاءت مع مراسل من فلسطين، تأمر بتعيين الامير عبد الله اميرا على الاردن، كانت صيغتها التالية:
نحن ملكة بريطانيا العظمى نقرر
تعيين الامير عبد الله، اميرا على المنطقة الواقعة شرقي نهر الاردن، براتب قدره 500 روبية، ويحق له تأسيس قوة محلية مؤلفة من 300 مسلح. (النسخة الاصلية قرأها والدي الذي كان ضابطا مع عبد الله).

وكما ترين لم تكن المنطقة اردن اصلا. والحقيقة ان المنطقة اصبحت دولة بالصدفة، إذ انها كانت خارج المنطقة المتفق عليها ان تكون لفرنسا حسب اتفاقية سايكس بيكو، وهي بالاصل كان يعود قسم منها الى منطقة حوران السورية وقسم اخر الى الحجاز.. ولكون فرنسا لم تعرها اهمية ، قررت بريطانيا استغلالها وملء الفراغ بعبد الله وجنوده بدون ان يأتي الجيش البريطاني او تتكلف بريطانيا شيئا.
والاردن كان بها مدينتين مهمتين فقط، اعتقد انهم الكرك ومعان او مأدبا، في حين بقية السكان بدو لايعرفون انتماء.

ومن المعلوم ان سكان المدن الاردنية رفضوا تنصيب عبد الله ملكا عليهم، واستاءوا من ذلك على اساس انهم قادرين على ايجاد ملك منهم ولايحتاجون الى شخص مستورد. غير ان الجنرال اللينبي اوق العداوة بين المدينتين واستعلت المعارك بينهم، فـارسلوا الى الامير عبد الله يطلبون تدخله من اجل المصالحة، فرفض حتى يعترفوا به ملكا اولا.. فتم الاعتراف.

والسوريين والعراقيين والفلسطينيين ومرتزقة هنود، وليس الاردنيين، هم الذي قاموا بتحرير الاردن من العثمانيين، ولذلك فإن مقولة عبد الله بان الاردن ملكية مشاعة كانت حقا في سياق تلك الظروف، حيث قاتل العرب من اجل الدولة العربية الكبرى وليس مملكة اردن.