{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
كتاب سر الرؤساء
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #1
كتاب سر الرؤساء
11-27-2010, 03:01 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #2
RE: كتاب سر الرؤساء
السفير" تنشر فصولاً من كتاب "سر الرؤساء": لبنان وسوريا واحتلال العراق (1)

08 تشرين الثاني 2010 فانسان نوزيل - السفير


لم يسبق لأي كاتب أو صحافي أن دس أنفه في بعض محاضر اجتماعات جورج بوش وجاك شيراك حول لبنان، كما فعل الصحافي الفرنسي فانسان نوزيل في كتابه الجديد "سر الرؤساء". الصحافي ريشار لابيفيير في كتابه "التحول الكبير" الصادر في العام 2008، كان قد وضع أسس معرفتنا القريبة لكواليس القرار 1559، فوق أرضية المصالحة بين جاك شيراك وجورج بوش بعد خلافهما حول العراق. والارجح أن لابيفيير كان أكثر غنى في التحليل وربط الأحداث، وعرض التفاصيل التي قادت إلى تحويل صيف 2004 موعدا أميركياً فرنسياً مشتركا "للانتقام" من الرئيس بشار الأسد لعدم تعاونه مع الرئيس بوش في تسهيل احتلال أميركا للعراق وإغلاق طرق القاعدة العابرة إلى المثلث السني عبر سوريا، أو رفضه طلبات الرئيس شيراك، الارتقاء بصديقه الشخصي الرئيس رفيق الحريري، في لبنان، إلى الشراكة.
لكن "سر الرؤساء" يعزز معرفتنا بتلك الفترة، بما قيض "لنوزيل" الاطلاع عليه من أرشيف الأليزيه، ومحاضر اللقاءات الأميركية الفرنسية، والملاحظات على المفكرات الخاصة للرئيس شيراك. وهي رزمة من المعلومات حصل عليها، في سياق الفصول التي خصصها للبنان، من موريس غوردو مونتاني، المستشار الدبلوماسي للرئيس جاك شيراك.
ويمكن الاكتفاء بالتنافس التقليدي للهيمنة على لبنان تفسيراً للدوافع الأميركية والفرنسية. كما من الممكن لمن شاء أن يعيب على الكتاب تجاهله المقدمات التي قادت إلى انقلاب الرئيس شيراك على سوريا، وتقاربه مع الرئيس الأميركي جورج بوش. وباستطاعته أن يسقط من الحساب المقدمات: يأس الرئيس الفرنسي وحليفه اللبناني من تسهيل تفرده بعمليات توزيع مؤتمري باريس واحد واثنين، من دون تدخل دمشق أو حلفائها. وهي الوجهة التي تبناها كتاب "شيراك العرب" لكريستوف بولتنسكي وآشيرمان عن المرحلة نفسها.
وباستطاعة المرء أن يلاحظ سبق الرئيس شيراك إلى بلورة مفهوم "الهلال" أو "القوس الشيعي"، قبل أن يطفو على السطح النووي الإيراني في العام 2004، وكان الرئيس الفرنسي يستخدمه في لقاءاته ببوش وكوندليسا رايس لضمهما إلى الحملة من أجل القرار 1559. ومن نافل القول إن سقوطه في مسامعنا بصوت الملك عبد الله الثاني الأردني بعد حرب تموز 2006 ما كان سوى صدى لهواجس الرئيس الفرنسي المبكرة، وانعكاس لتجربته الشخصية وعلاقاته القوية مع حكام الخليج وصدام حسين في العراق. وكان قبل ذلك، الخوف من "وقوع" العراق بيد الشيعة، أحد أسباب معارضته لحرب العراق، كما يعرض الكاتب.
اعتقد الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لوقت طويل، أن الرئيس السوري الشاب، بشار الأسد، الذي كان قد استقبله في الإليزيه قبل توليه السلطة، نصير لإجراء إصلاحات رفضها والده العنيد، ورفض القبول بها حتى وفاته في حزيران 2000.
عندما خلف بشار والده، اعتقد شيراك أنه "سيكون وصياً عليه"، يشرح مستشار سابق في الإليزيه، و"اجتهد كثيرا لمساعدته، وحاول إقناعه بتليين مواقفه. ونجح بالحصول على تأييد سوريا قرار الأمم المتحدة إعادة المفتشين إلى العراق في تشرين الثاني 2002".
تملك سوريا، بنظر الإليزيه، ورقة بناءة يمكنها أن تلعبها في المنطقة بعد سقوط صدام حسين: بإمكانها أن تساهم في استقراره، والتخفيف من هيمنتها على لبنان، والتفاوض مع إسرائيل حول اتفاق سلام.
ولهذه الغاية، أوفد شيراك سراً مطلع تشرين الثاني 2003، مستشاره الدبلوماسي موريس غوردو مونتاني، لرصد نيات الرئيس السوري. الموفد كان مكلفا بالمهمة أيضا من قبل المستشار الألماني غيرهار شرودر والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اللذين تشاورا مع شيراك ومستشاره. المقابلة بين غوردو مونتاني وبشار الأسد دامت أكثر من ساعتين، في صبيحة العاشر من تشرين الثاني.
"لقد تغير العالم حولكم"، قال الفرنسي. "نحترم سيادتكم، وقد بذل رئيس الجمهورية كل ما بوسعه لضمكم إلى المشهد الدولي، وهو مستعد للمتابعة. نحن بحاجة إليكم من أجل التوازن في المنطقة. فلتتخذوا مبادرة، من أي نوع كان، ونحن ندرسها، وندعمكم بإرسال وزراء خارجية فرنسا وروسيا وألمانيا".
كان بشار الأسد يصغي بانتباه، لكنه كان متوترا ومرتابا: "هل تحمل رسالة من الأميركيين؟".
"لا"، أجاب غوردو مونتاني. "إني لا أحدثك باسم الأميركيين، لكن باسم قادة الدول الثلاث وحكوماتها".
لم ينتهز الرئيس السوري الفرصة المتاحة، وخاض في مطولة هجائية للأميركيين، الذين يشتبه في سعيهم لإسقاطه. الموفد غادر من دون الحصول على أي إشارة بالانفتاح الموعود. وواصل جولته على العربية السعودية للقاء ولي العهد عبد الله، ثم لبنان ليلتقي رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني. كان الوزراء المقربون من سوريا يسيطرون على حكومته، والمقربون من الأسد يمسكون بكل الخيوط في بيروت.
الرئيس الفرنسي المصاب بخيبة كبيرة، ازدادت قناعته تدريجا، بأن نظام دمشق سيبقى عصيا، إلا إذا ضاعف من الضغوط. والحال أن واشنطن كانت هي أيضا قد أصبحت على موجة باريس نفسها.
الرئيس السوري وانزعاج واشنطن
كان غضب البيت الأبيض يزداد يوميا، ضد سوريا التي وضعها بعض "المحافظين الجدد" في "محور الشر". ولم تتوقف لائحة المآخذ عن التطاول خلال العام 2003.
وبحسب وكالات المخابرات الأميركية، منحت دمشق اللجوء لمسؤولين عراقيين بعد سقوط بغداد. والإنذارات الموجهة إليها لم تلق أذنا مصغية. من جهة أخرى، كان العشرات من المقاتلين القادمين من موريتانيا والسودان واليمن، يعبرون سوريا إلى العراق لإشعال الحرب المقدسة ضد الأميركيين. وكان تراخي السلطات السورية، في المناطق الحدودية، أكثر ما يزعج إدارة الرئيس بوش.
أحد مسؤولي الخارجية الأميركية، دافيد ساترفيلد، صرح عن هذا الانزعاج لدبلوماسيين فرنسيين خلال لقاء مطول كُرس لسوريا، في الرابع عشر من تشرين الثاني 2003: "إن خلايا القاعدة تعبر الأراضي السورية، بدون أن يمنعها النظام السوري، لكنه يعرف أن مخابراتنا تحيط بكل ما يجري".
موضوع خلاف آخر، اقل بروزا، كان يثير أعصاب الأميركيين: السوريون افرغوا من دون أدنى معاناة ضميرية الحسابات العراقية في مصارفهم! إن قرارا من الأمم المتحدة كان يلزم نظريا الدول التي اودعت لديها هذه الأموال، أن تقوم بتحويلها إلى صندوق لتطوير العراق، مكلف بإعادة بنائه. وبرغم بذلهم عناء الدنيا كلها، لم يستطع الخبراء الأميركيون الحصول من دمشق على المعلومات بشأن هذه الحسابات. وبحسب دافيد ساترفيلد، فقد أطهرت دراسة حسابية حديثة جدا أن 85 في المئة من هذه المبالغ تبخرت خلال أشهر، وانخفضت من ملياري دولار إلى 266 مليون دولار.
"تركت السلطات السورية لدائنين صغار، أن يستوفوا من هذه الحسابات ديونهم بأنفسهم، باستثناء الشركة الوطنية للنفط»، يشرح ساترفيلد. وبطريقة أخرى، فإن أفرادا معينين أثروا بطريقة غير مشروعة من خلال استيلائهم على ما يقارب ملياري دولار. في 12 تشرين الثاني 2003 وجه كل من المصرف المركزي العراقي، والخزانة الأميركية، تبليغا لسوريا للحصول على ما بقي من الأموال، لكن من دون نتيجة مؤكدة.
إلى هذه المواضيع المثيرة للغضب، يضاف دعم دمشق "حزبَ الله"، والفصائل الفلسطينية الراديكالية، كحماس والجهاد الإسلامي، أعداء إسرائيل حتى الموت. "من المؤكد أن السلطات السورية لم تكن على علم بالعمليات الإرهابية، لكنها كانت تسهر على أمن هذه العمليات بالقول لمنفذيها: انتبهوا، فإن الأميركيين يراقبونكم"، بهذا باح دافيد ساترفيلد للفرنسيين.
وفي النهاية، استشاطت واشنطن غضبا من غياب التعاون السوري في مكافحة الشبكات السلفية للقاعدة. "بعد الحادي عشر من ايلول مباشرة، كان تعاونهم مُرضيا، بل مثمرا، خلال عام، ثم تضاءل تدريجا، ليصل الى حد الصفر منذ ستة أشهر".
أرسل البيت الأبيض إشارات عدة إلى الرئيس السوري، تعبر عن عدم رضاه، لكن من دون نتائج. "قل لبشار الأسد إنني أحادي شرير"، بذلك توجه بوش لشيراك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايلول 2003. وإذا كان الأسد لا يثق بالأميركيين، وهذا ما كرره لغوردو مونتاني ولدبلوماسيين آخرين قابلوه، إلا أنه حاول التفاوض معهم بطريقة غير رسمية، عبر عماد الحاج، رجل الأعمال اللبناني الأميركي.
علق دافيد ساترفيلد على ذلك "الأسد يماطل ويحاول الظهور بمظهر المحاور الجيد مع واشنطن. لكنه يعرف تماما، المطالب التي يجب ان يلبيها. لا نحتاج إلى قنوات موازية، ولا نلعب هذه اللعبة".
إن تصلب الإدارة الأميركية سينعكس في تقييمها للرئيس السوري من الآن فصاعدا. وتدريجا سيغدو الأسد أقل قابلية للتعامل معه: «في الحقيقة يتصرف الأسد كنيو ناصري، ويحاول التموضع كبطل العالم العربي، وقد جذب الشباب اليه في الشرق الأوسط. لكن في المحصلة النهائية، غدت علاقاته كريهة مع جيرانه".
من جهته، قام مجلس الشيوخ الأميركي بتبني عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري المتهم بدعم الإرهاب والإبقاء على وجود عسكري في لبنان: "إن تدهور العلاقات السورية الأميركية، قد عبر عتبة جديدة بعد التصويت في مجلس الشيوخ، والمشكلة لدى الإدارة الأميركية، انها شيطنت النظام الحاكم في دمشق، ولم تعد قادرة على وضع سياسة شاملة وديناميكية تتسع للمواءمة بين العصا والجزرة: وبما أنها لم تعد تملك ما تعرضه على دمشق، فقد توقفت عن الاستجابة والرد على الأحداث".
التحضير في الخفاء لقرار من مجلس الأمن
التصعيد هذه المرة لم يكن عسكريا. لكن الحملة الدبلوماسية شقت طريقها وانتظمت. وخلال الأشهر الأولى من 2004، اظهر الإليزيه عن طريق لمسات صغيرة رغبته بالتقارب مع واشنطن من خلال الاتفاق على الملف السوري اللبناني. اللحظة كانت مؤاتية: وما دام الأميركيون يحرصون على تنفيذ فكرتهم لدمقرطة الشرق الأوسط، فليكن، ولنختبر التزامهم بالفكرة في لبنان، حيث لا يزال لفرنسا بعض التأثير.
جاك شيراك عرض هذه الفكرة، خلال لقاء مع بعض الشيوخ الأميركيين في آذار 2004.
سألوه رأيه في "الشرق الأوسط الكبير"، فأجاب: "لنكن واقعيين. لن نتقدم في الديموقراطية، إلا إذا بدأنا بدعمها حيث توجد، ولو بطريقة غير كاملة كلبنان. ينبغي إذاً، أن نساعد هذا البلد على التخلص من الوصاية السورية".
جاك شيراك سيكرر هذه اللازمة، خلال عشاء في الإليزيه مع جورج بوش في الخامس من حزيران 2004: "ستكون هناك انتخابات رئاسية في لبنان في شهر تشرين الأول، إنها فرصة من أجل انطلاقة جديدة للبنان، شرط ألا يؤخذ الرئيس الجديد في طوق سوري. سيحاول السوريون إعادة انتخاب الرئيس الحالي إميل لحود، عن طريق تعديل الدستور. لقد سجلنا باهتمام تصريحات كولن باول، وكوندليسا رايس حول ضرورة إجراء انتخابات خالية من أي تدخل اجنبي، كما سجلنا تبني الولايات المتحدة عقوبات، مشروطا رفعها بانسحاب سوريا من لبنان... فلنعمل معا".
"لمَ لا"، أجاب بوش على الفور.
كوندليسا رايس وعدت بأن تتشارو، بسرعة، مع نظيرها موريس غوردو مونتاني، الاتصالات الأسبوعية بينهما تكثفت. ورويدا رويدا بدأ محور باريس ـ واشنطن يتشكل ويظهر إلى العلن، بفضل هذه العقدة اللبنانية السرية، وبفضل هذا الملف بالتحديد. "بما اننا كنا على خلاف في العراق، كان من الأفضل أن نحاول التركيز على شيء آخر، ونعمل فيه معا. كان لبنان مناسبا لنا بامتياز"، كما يتذكر هوارد ليتش السفير الأميركي الأسبق في باريس.
لم يكن جاك شيراك يرغب بالصراخ فوق السطوح: إنه يسعى، بأي ثمن، إلى إعادة وصل ما انقطع مع جورج بوش، خصوصا ان شعبية هذا الأخير في فرنسا كانت في الحضيض.
لكن، بما أنه لم يصغ إليه في العراق، أو في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فقد عثر في لبنان على عنوان للمصالحة، يعيده إلى واحهة الأحداث. صديقه رفيق الحريري كان سعيدا بذلك.
الخطوات التطبيقية بدأت صيف 2004. في بيروت، تولى تنسيقها السفيران، فيليب لوكورتييه، الفرنسي، والأميركي الواصل حديثا من بغداد، جيفري فيلتمان. من جهتهما، باشر سفيرا فرنسا في الأمم المتحدة وواشنطن، الإعداد مع الاميركيين، لمشروع قرار يطرح على مجلس الأمن. القرار كان يطالب بانتخابات حرة، وانسحاب القوات السورية بأسرع وقت ممكن. موفد شيراك التقى كوندليسا رايس ومسؤولين آخرين في 19 و20 آب 2004، قبل أن يتجه إلى سردينيا، المقر الصيفي لرفيق الحريري. جرت قراءة مشروع القرار مرات عدة، بتمعن، على متن يخت رئيس الوزراء اللبناني، الذي لم يكن لشيء أن يهدئ من غضبه من السوريين. وحدث ما كان يخشاه شيراك. قام السوريون بتعديل الدستور اللبناني، وسمحوا لحليفهم إميل لحود بالتمديد ولاية جديدة لمدة ثلاثة اعوام.
رئيس الوزراء الحريري، الذي استدعي إلى دمشق في 26 آب، كان عليه أن يواجه بشار الأسد الغاضب: "لحود هو أنا"(...)
المشاروات الأخيرة حول القرار الفرنسي، جرت نهاية آب 2004. وتبادل الدبلوماسيون الفرنسيون والأميركيون في الأمم المتحدة مسوداتهم. موريس غوردو مونتاني على تواصل مباشر مع اللبنانيين، وبطريقة غير مباشرة مع وزير الخارجية السوري، الذي كان يمرر رسائله عبر الإسبان. التعديلات الأخيرة، قدمها مستشار شيراك إلى كوندليسا رايس، وذهب باتصالاته الهاتفية المتتالية، إلى حد أن يقتحم عليها الانتخابات الأولية للحزب الجمهوري في ماديسون سكوير غاردن، في نيويورك. في الثاني من ايلول تبنى مجلس الأمن القرار 1559 بأكثرية تسعة أصوات، وامتناع ستة من بينها: روسيا، والصين والجزائر.
"1559"، صفعة حقيقية لسوريا، إذ يطالبها النص بسحب جميع القوات الأجنبية المسلحة، وحل الميليشيات، وإجراء انتخابات رئاسية حرة وفق القواعد الدستورية اللبنانية من دون أي تدخل خارجي. ومن دون أي اعتبار أو حساب لما حدث، نجح بشار الأسد في الغد، بفرض تمديد ولاية الرئيس لحود. لم يكن ليتوقع انذارا عالميا مشابها، أو أن ينعقد ضده حلف فرنسي أميركي، غير منتظر بعد الخلاف في حرب العراق. ورأى في ذلك استفزازا من قبل الحريري، وخيانة من جاك شيراك، وتحديا من جورج بوش. باختصار، كان ذلك إعلان حرب.
هدايا صغيرة للدكتورة رايس
ازداد التوتر في لبنان: في 2 تشرين الأول تعرض لمحاولة اغتيال وزير الاقتصاد السابق مروان حمادة، الذي اقترع ضد التمديد. في 21 استقال رفيق الحريري، وبدأ بتوحيد المعارضة في وجه مؤيدي سوريا في لبنان. ولتأييد صديقه اللبناني، بطريقة عمياء، أوفد جاك شيراك احد مستشاريه في الاليزيه، برنار ايمييه إلى بيروت، كسفير جديد. وكان على هذا أن يبقي عينه على القدر السياسي اللبناني الذي يغلي، بالتنسيق الكامل مع نظيره الأميركي. وضاعف شيراك من نصائحه لتيري رود لارسن، المكلف بمراقبة تنفيذ 1559.
وأكثر فأكثر، كان يدلل جورج بوش، لرعاية براعم التلاقي الفرنسي الأميركي الهش، الذي بدأت نتائجه الأولى تلوح في الأفق. واستغل فرصة فوزه في الانتخابات الرئاسية 2004، لمهاتفته في التاسع من تشرين الثاني: "اجدد لك تهاني".
"اشكرك"، أجاب بوش، "أجدد لك تمنياتي بالعمل معا في مواضيع تخدم مصالحنا المشتركة. بيننا الكثير من الخلافات، لكن عندما نعمل معا، لا تتأخر النتائج".
في الثامن من شباط أوفد الرئيس بوش كوندليسا رايس للقاء شيراك. والملف الرئيسي: لبنان!
منذ بداية اللقاء، لم يهتم الرئيس شيراك باختيار عباراته "الأقلية العلوية تقود سوريا بيد من حديد، منذ الحرب الباردة، وبوسائل مستمدة من الحكم السوفياتي. لقد حل مكان حافظ الأسد ابن لا يملك لا خبرته ولا ذكاءه. وهو حجر الزاوية في نظام سينهار من دونه، لكن القادة السوريين الحاليين لا يعرفون إلى أي اتجاه يجب أن يتجهوا، لذلك تتعثر حركتهم".
ويضرب لها مثالا الاستقبال الذي لقيه تيري رود لارسن في دمشق: حار من قبل بعض القادة السوريين، ومهين من جانب متطرفي النظام. وبحسب شيراك، فإن نزوع النظام إلى التصلب يبدو بوضوح على حدوده مع العراق، حيث يستمر عبور مقاتلي القاعدة، كما يتواصل الدعم المالي للفصائل الفلسطينية الإرهابية، رغم النفي الرسمي. "في لبنان، اضاف شيراك، الاتجاه السوري ينحو إلى التصلب، لأن دمشق مصممة على عدم التغيير، سواء في ما يتعلق بمخابراتها، او بجيشها. وستحاول أن تؤثر على الانتخابات عبر قانون انتخابي مفصل وفق رغباتها، وعبر الضغوط ومحاولة زرع الفرقة في صفوف المعارضة حيث يتواجد دروز وسنة، لا يجب أن ندعهم يخنقون الديموقراطية العربية الوحيدة المتجذرة".
كان شيراك مصمما: "تجب مواصلة الضغوط، إن القرار 1559 سدد ضربة قوية لدمشق، ان تيري رود لارسن محترف، ويتمتع بخبرة جيدة بالرجال والملفات. ويجدر الانتباه لشيئين: الأول لا يجب الخلط بين الديموقراطية في لبنان، وعملية السلام، وإلا أضفنا إلى اوراق دمشق ورقة أخرى. ينبغي دعم الديموقراطية في لبنان من اجل الديموقراطية وحدها ومن اجل لبنان.
والشيء الثاني، يجب التهديد بفرض عقوبات مالية قادرة على ضرب نظام الرشوة القائم بين دمشق وبيروت".
كان شيراك يحض الولايات المتحدة على الذهاب أبعد مما تبتغي، وكان لذلك يحاول أن يجر خلفه الأوروبيين.
رايس المستمعة بانتباه عبرت عن "اتفاقها الكامل" مع توصيتي شيراك. لكنه عاد إلى الإصرار على "وجوب التذكير كلما سنحت الفرصة، بالقرار 1559 والمطالبة بتطبيقه، إن من شأنه أن يوهن عزيمة المتصلبين في دمشق، ويعين المعتدلين على ضرورة تغيير الاتجاه المتبع. ليس من مصلحتنا على الإطلاق أن نرى قوسا شيعيا في الشرق الأوسط، من إيران إلى حزب الله فالعراق وسوريا".
هذه الجملة الأخيرة تلخص جوهر قلق شيراك، وقد جرى التعبير عنه في مناسبات عدة، خلال إرهاصات الحرب في العراق: كان على الدوام يخشى من سيطرة الشيعة، والأسد حليفهم. وهو يفضل السنة، من صدام حسين إلى رفيق الحريري.
الرئيس الفرنسي هنأ نفسه على تعزيز التعاون الفرنسي الأميركي بفضل هذا الملف اللبناني السوري. وبديهي أن لكل منهما اولويته. أولوية باريس: سيادة لبنان، لواشنطن الأولوية هي الحصول على دعم سوريا في الحرب على الإرهاب في العراق. لكن دمشق نقطة الالتقاء، ونظامها في مرمى باريس وواشنطن. بعد هذا اللقاء مع كوندليسا رايس، خطط شيراك لعشاء مع جورج بوش، في 21 شباط 2005 على هامش قمة أوروبا الولايات المتحدة.
احداث درامية أخرى كانت ستتكفل بقلب أجندة مواعيده رأسا على عقب.



(( جريدة السفير ـ محمد بلوط : باريس )) : لبنان وسوريا واحتلال العراق ـ الجزء الثـاني ـ .. : (( سنجبر سوريا على الانصياع لمطالبنا )) : .....
الاثنين في الرابع عشر من شباط 2005، الثانية عشرة وخمسا (وخمسين) دقيقة، مزقت شاحنة بيضاء محملة بطن من المتفجرات، موكب السيارات التي كانت تقل رفيق الحريري، وهو يعبر الكورنيش وسط بيروت. الانفجار قتل 23 شخصا من بينهم رئيس الوزراء، وأحدث حفرة هائلة في الإسفلت. ورغم كل الاحتياطات الأمنية لحمايته، وصل القتلة إلى الحريري، ونجحوا بتصفيته.
في الإليزيه جاك شيراك مذهول تحت الصدمة. وقد ذهب بنفسه لإبلاغ نازك الحريري بالخبر السيئ. بعدها مباشرة، قرر الذهاب إلى بيروت لتقديم التعازي لعائلات الضحايا. بعد يومين، في بيروت أدان «الجريمة البشعة، الآتية من زمن ولى». عشرات الآلاف من المتظاهرين يصرخون غضبهم ضد سوريا. المعارضة طالبت بتحقيق دولي، داعية إلى انتفاضة سلمية وديموقراطية من أجل استقلال لبنان. شيراك متأثر إلى حد سالت معه دموعه. إنّـ«هم» قتلوا صديقه. إنّـ«هم» تجرأوا على قتله. في خاطره لا مكان لأي شك: المحرضون على ارتكاب هذه الجريمة المذهلة «هم» في دمشق. الحريري كان على علم بأنه مهدد. وكان مزعجاً للسوريين. «مستفيداً من دعم الغربيين الواسع، كان الحريري يهدد بالتحول الى زعيم شعبي أبعد من لبنان»، بحسب خبير في الكي دورسيه، «الحريري السني مثل 90 في المئة من السوريين الذين تحكمهم أقلية علوية يقودها الأسد، كان يمثل لنظام دمشق، خطراً يتصاعد يوما بعد يوم».
في بيروت وخلال عشاء في 18 شباط، تقاسم السفير الأميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنار إيمييه، «الحدس نفسه»، بمسؤولية السوريين عن الهجوم. بعد هذا اللقاء، بعث السفير الفرنسي، ببرقية إلى الاليزيه، والكي دورسيه «إن التورط السوري في العملية، على أعلى المستويات، تبقى الفرضية (الطبيعية) مع، أو ربما من دون المساهمة المباشرة للأجهزة الأمنية اللبنانية». الرئيس المصري حسني مبارك، هاتف مرات عدة الرئيس شيراك، يعتقد هو ايضا أن الهجوم يحمل توقيع السوريين.
في واشنطن مساعد وزير الدفاع، بول وولفوفيتز، ساند هذه الفرضية. وخلال لقائه في السابع عشر من شباط، السفير الفرنسي في واشنطن، جان دافيد ليفيت، أسر اليه الشخص الثاني في البنتاغون، بأنه لا يخالجه أدنى شك بدور سوريا في اغتيال الحريري: «إنه تعبير عن ضعف وخوف»، من قبل نظام دمشق، الذي يبحث بالترهيب، عن إحكام قبضته، على لبنان. وولفوفيتز، المحافظ الجديد المتصلب، والمناوئ لباريس في الماضي القريب، سيغدو من تلك اللحظة فصاعدا، منفتحا على تعاون فرنسي أميركي على كل الجبهات، سواء في العراق أو إيران، او لبنان «يجب أن نكون معا على رأس جهد دولي لمساعدة لبنان، إما في الأمم المتحدة، وإما في الجامعة العربية، والتفكير في الإجراءات الإضافية التي ينبغي اتخاذها»، قال الأميركي لليفيت.
شيراك يتهم الأسد مباشرة
من المنطقي أن يستأثر اغتيال الحريري بالعشاء الذي جمع الرئيس شيراك بالرئيس بوش، في الحادي والعشرين من شباط، في منزل السفير الأميركي في بروكسيل. وبناء على طلب الفرنسي، كرس الجزء الأول من اللقاء قبل العشاء، للحديث عما جرى في بيروت. بعدها نشرا بيانا مشتركا دعا إلى كشف الحقيقة في «هذا العمل الإرهابي» وتطبيق القرار 1559بكل أبعاده. لكن الرئيس الفرنسي كان المتحدث الوحيد خلال اللقاء المغلق. كان يستشيط غضبا، لم يتوقف عن الكلام، ويريد الثأر لصديقه الحريري.
قبل اللقاء قرأ شيراك البرقيات التي أرسلها سفيره في لبنان. برنار إيمييه اقترح توزيع الأدوار. للأميركيين الأقل انكشافا وظهورا في بيروت دور «الشرطي الشرير» ضد سوريا: «الأميركيون المتحصنون في مبنى سفارتهم، والذين لا يملكون أي مصالح في لبنان، لن يلقوا صعوبة كبيرة، في لعب دور الشرطي الشرير، واتباع سياسة عقابية، أما نحن فبوسعنا عندئذ، أن نزودهم بأفكار واقتراحات بعقوبات إضافية، ومالية خاصة، تستهدف أسس ومفاصل النظام السياسي الأمني المافيوي اللبناني السوري. علينا أن نتوقف عند عتبة العمل على تغيير النظام السوري: الخيار الذي يحظى بتفضيل متزايد في واشنطن».
الأولوية هي لاستعادة سيادة لبنان بمعاقبة سوريا، وليس بقلب نظام الأسد مباشرة. على البطاقات التي دون عليها شيراك أفكاره التحضيرية إلى اللقاء، خط بالحبر الأحمر مرات عدة: «الأهم هو إطلاق لجنة تحقيق دولية، لتحديد الجناة والمحرضين».
سجل ايضا خوف جميع قادة المعارضة اللبنانية من التعرض للقتل «الواحد تلو الآخر»، و«ضعف وهشاشة فرنسا في لبنان». على صفحة أخرى كتب بالأحمر والأسود: «إنه بهزيمة هذا النظام في لبنان، نستطيع أن نصيبه في المقتل، إن هذه العملية قد ابتدأت». وهكذا قام بتحضير جملة تفصح بقوة عما كان يجول في نفسه، في تلك اللحظة: «لن نجبر سوريا على القيام بما نريده مكرهة، إلا بتخويفها، وإيقاع الأذى بها». بذلك تم تحديد طريقة التعامل.
أصغى بوش إلى شيراك من دون أن يقاطعه: «ما كان للهجوم ضد رفيق الحريري أن يتم إلا على أيدي أجهزة مخابرات مجربة ومنظمة. ومن يعرف طريقة عمل النظام في دمشق، فليس لديه الشك: القرار بالعملية اتخذه الرئيس الأسد، وأي فرضية أخرى لا معنى لها».
بعد هذا الاتهام الصدمة، الذي قدمه شيراك من دون أي تحقيق، استعاد حججه المجربة: «يجب أن نكون حازمين. لا يمكن أن نقول إننا نتمنى الديموقراطية، وأن نترك في الوقت نفسه، الأيدي تخنق البلد الوحيد الذي استوطنت فيه الديموقراطية في الشرق الأوسط. يجب أن نرد، لكن بذكاء، وعلينا ان نتجنب مجابهة سوريا وجها لوجه، لأنها ستحتمي، بنجاح، بالتضامن العربي. إن هدفنا هو تحرير لبنان من الهيمنة السورية، لأن سوريا تتعيّش من استغلال لبنان، عبر شبكة فساد منظمة من القمة. ان الأقلية العلوية تشكل آخر الأنظمة الستالينية، ولبنان كعب اخيل سوريا».
بوش صادق على مطالعة شيراك: «إني موافق على عدم صدم سوريا في جبهتها، وعلى أي حال لم نفكر بمهاجمتها بهذه الطريقة، لكني سأتبعك، سنمر إليها من لبنان، لكن كيف يمكن لنا أن نحقق هدفنا؟».
في هذه اللحظة شرح الرئيس الفرنسي خطته، التي طبخها في الأيام الأخيرة: «نحتاج إلى لجنة تحقق في عملية الاغتيال، يجب أن تكون قوية ومدعومة من الأسرة الدولية، لأن إدخالها في المشهد اللبناني سيساعد المعارضة. هناك حركة شعبية كبيرة اليوم، لكن قادتها يخشون اغتيالهم. وبعضهم سيُقتل من دون أدنى شك. وبعد ذلك، يجب ألا نخلط بين الملف السوري اللبناني، والعملية السلمية في الشرق الأوسط. وإلا فسنفقد الشيعة، الذين سيلتحقون بالعلويين. لقد تذرعت سوريا على الدوام بتأخر عملية السلام، كي ترفض القيام بأي تحرك في لبنان».
«سأوصل الرسالة إلى القادة الإسرائيليين»، أجاب بوش، لكن «هل هناك أي خطر من عودة الحرب الأهلية إلى لبنان، في حال انسحاب القوات السورية؟». «إن الأوضاع الحالية تختلف عما كانت عليه قبل 15 عاما، وبأي حال فإن المخابرات السورية أخطر بكثير من القوات الإسرائيلية. إن مراقبة انسحابها ممكن لأنها تنتشر في كل مكان».
تابع الرئيس الفرنسي كلامه، مكررا ضرورة المطالبة بتطبيق القرار 1559 قائلا بكل ثقة «سيكون ذلك مميتا للنظام السوري». وإذا لم يطبق القرار فيجب أن نقول «إن الانتخابات لن تكون ديموقراطية ولا حرة»، ويجب أن نعود إلى مجلس الأمن «لتقرير عقوبات». لكن «من دون انتظار ينبغي أن ندرس احتمالات فرض عقوبات مالية مباشرة وغير مباشرة. إن النظام السوري بأكمله، ومن القمة، يستند إلى نهب لبنان».
إن خطة شيراك هائجة، قاسية، تتغذى من أحقاد لا حد لها تجاه الأسد. صداقته الماضية مع الحريري، تشوش رؤيته وأحكامه: كان يعتقد بقوة أن نظام دمشق، سينهار بنفسه بمجرد انسحابه من لبنان. في مواجهته بوش، شديد التأثر والإعجاب والاقتناع. سوريا ليست العراق. وبوش تلقى بعض الدروس بهذا الشأن. وهذه المرة لا حد لمفاجأته بشخصية شيراك الهجومية. ولا علاقة لأجواء هذه القمة بما سبقها من اجتماعات بينهما. الحرب المفتوحة بينهما، خلفها عصر آخر: عصر التحالف الفرنسي الأميركي السري. بوش يعلق: «إني أبصر بوضوح الطريق التي يجب اتباعها. انه مشروع مهم جدا. إنها لحظة عظيمة».
وزيرا الخارجية والمستشارون الرئاسيون، الذين حضروا اللقاء، تعاهدوا على الاستمرار في الاطلاع معا على التطورات وتبادل المعلومات. كوندليسا رايس اقترحت إبلاغ تيري رود لارسن بما جرى: «كي يساهم في هذه الاستراتيجية، من دون أن يكون على صلة بلجنة التحقيق في الاغتيال».
الضغوط والانسحاب
ما هي نتائج اتفاق بروكسيل؟ البيت الأبيض والإليزيه ركبا موجة العداء العالية لسوريا التي كانت تغمر من دون توقف شوارع لبنان، كي يضاعفا الضغوط على دمشق.
الرئيس السوري، معزولا ومنبوذا، اضطر إلى التراجع. في 6 آذار 2005 أعلن أمام برلمانه عزمه سحب القوات السورية من بلاد الأرز. «لن نستطيع البقاء في لبنان، اذا ما تحول بقاؤنا فيه إلى مصدر للانقسام بين اللبنانيين».
على الفور، هاتف جورج بوش جاك شيراك، لتقييم مصداقية هذا التصريح: «السوريون سيقدمون تنازلات، سينسحبون جزئيا، لكنهم سيحاولون الحفاظ على القوة الأساسية من كتائبهم في لبنان»، بتقدير الرئيس شيراك، الذي نصح بعمل كل شيء لإقناع «حزب الله»، بأن يأخذ مسافة من سوريا، وكي لا تنتشر الفوضى التي تحوك سوريا خيوطها انطلاقا من المخيمات الفلسطينية. شيراك عرض مجددا توقعاته عن حظوظ بقاء الأسد على قيد الحياة سياسيا: «البعض يتحدث عن إحداث تغيير للنظام في سوريا، إن الكشف عن ذلك علنا سيخدم أهداف لعبة دمشق. إذا ما حصلنا على انسحاب من لبنان، وأفقدنا سوريا السيطرة على لبنان، فسينهار النظام السوري من تلقاء نفسه. هناك قوس شيعي اليوم، يمتد من إيران إلى لبنان، عابرا العراق فسوريا. لكن العلوييين اقلية. في سوريا المستقبل، ستأتي الديموقراطية بالمسلمين السنة والمسيحيين إلى السلطة، ما يدق إسفينا في القوس الشيعي».
الخوف من التوسع الشيعي أصبح عقيدة جاك شيراك في نظرته إلى الشرق الأوسط. وبتكراره ذلك لجورج بوش، كان يأمل الحصول على دعم البيت الأبيض، حيث يشاطره النظرة والتحليل «المحافظون الجدد». بعد بضعة أسابيع سلم الرئيس الأسد تيري رود لارسن، خطة الانسحاب المفصلة لجنوده وعملاء مخابراته، التي تنتهي في الثلاثين من نيسان 2005.
من جهته، أقر مجلس الأمن في السابع من نيسان إنشاء لجنة تحقيق دولية في اغتيال الحريري، طبقا لتمنيات جاك شيراك. وكلف قاضياً ألمانياً مشهوراً، ديتليف ميليس بقيادتها. بالنسبة للمعارضة اللبنانية شكلت اللجنة والانسحاب السوري نصرا غير مسبوق: طويت صفحة الوصاية السورية المطلقة على لبنان بعد خمسة عشر عاما على فتحها. وكان على انتخابات ايار ـ حزيران أن تؤكد انتصار المعسكر المناهض لسوريا.
الفرنسيون سيبذلون كل الجهود للحفاظ على الإجماع الذي ولد بعد موت الحريري. شيراك كان يهاتف سعد الحريري مرات عدة في الأسبوع الواحد. وتولى برنار ايمييه دور الوسيط الدائم بين الأحزاب اللبنانية. وعكف الدبلوماسيون الفرنسيون على رعاية قنوات اتصال مع «حزب الله» لإقناع هذا الحزب بالمشاركة في لعبة الانتخابات، والابتعاد عن دمشق. في السادس عشر من نيسان التقى الأمين العام لـ«حزب الله» سرا، برنار إيمييه. الحوار كان بناء رغم إصرار زعيم «حزب الله» على التشبث «بمقاومته» للتدخلات الإسرائيلية، وتأكيده أنه يجب عدم إضعاف سوريا.
إن مضمون هذه المقابلة الشديدة الحساسية، تم نقله على الفور إلى الأميركيين، بموافقة الإليزيه. وبينما كان البيت الأبيض يعتزم وضع «حزب الله» على لائحة المنظمات الإرهابية، كانت رسالة الإليزيه واضحة: من الأفضل مراعاة «حزب الله» موقتا. ومن دون أن يغير رأيه في العمق، قرر البيت الأبيض ان يعمل بنصائح الإليزيه، وأن يتراجع عن وضع الحزب على لائحته الإرهابية.
وتحضيرا لأحد تنقلاته المنتظمة إلى واشنطن، حرر مستشار جاك شيراك الدبلوماسي، موريس غوردو مونتاني، محضرا كاملا بالمواقف الفرنسية الأميركية في الملف اللبناني. البلدان يتقاسمان التحليل نفسه حول الوضع في لبنان: سيبقى هشا، كما يبقى خطر الهجمات قائما. «إن السفيرين الفرنسي والأميركي ومعاونيهما، مكشوفون»، يشدد غوردو مونتاني، «إن نشاطاتهم الدبلوماسية تلقى انتقادات قوية من قبل الصحافة والأحزاب الموالية لسوريا. وحتى «الأوريان لوجور»، تركز على نشاطهم وتنسيقهم الواسع. يجب أن يسهروا على أمنهم الشخصي والعائلي. وعلينا ان نتخذ جانب الحيطة والحذر. إن ما ساعدنا على انتزاع الانسحاب السوري، هو تدرج في العمل، مع تركيز على إعادة الديموقراطية والسيادة اللبنانية. إن كل توسع في طموحاتنا، أو كل محاولة لحث الخطى بالقوة، سيحطمان في الداخل وحدة المعارضة، وفي الخارج الإجماع العربي الذي سمح بعزل سوريا».
رأت باريس وواشنطن أن دمشق لم تطبق القرار 1559 بحذافيره: لا بد من أن الاستمرار في الضغط. لكن بحسب مستشار الرئيس الدبلوماسي أن الحكم الجذري الذي يصدره الأميركيون على السوريين، يقوم على أسس بعيدة عن الأحداث الجارية في لبنان. ويمكن تلخيصه: «الأسد ليس إصلاحيا. ولا يمكن أن ننتظر شيئا منه. إن نظامه ليس قابلا للإصلاح. كما أن الأسد ليس بمأمن من انهيار نظامه، والشعب متشوق للتغيير». أما التحليل الفرنسي فمختلف بعض الشيء: «إن الصراع لم يبلغ نقطة الحسم بعد بين الإصلاحيين والمحافظين في سوريا. والأرجح أن يتخذ الأسد جانب الإصلاحيين، لكنه يرسل إشارات مناقضة، لذلك يجب تصديق ما يقوله، والحكم على أفعاله فقط. علينا أن نعيد الاتصال بدمشق، وربما كان ذلك مبكرا اليوم. إلا أنه لا بد منه في النهاية. إن تجاهل سوريا سيدفعها إلى التطرف».
سلسلة الحجج الحذرة هذه، لا تزال دون ما يبوح به جاك شيراك في اللقاءات الخاصة، عن النهاية التي يتمناها لنظام الأسد.
شيراك والمحاكمة الدولية
تسهر واشنطن وباريس على هذا الملف كالسهر على حليب فوق النار. جاك شيراك كان يستعد ليستقبل كوندليسا رايس في الرابع عشر من تشرين الأول 2005. بينما يتهيأ ديتليف ميليس لتقديم النتائج الأولى لتحقيقاته في مقتل الحريري، بينما يعد تيري رود لارسن تقريره عن الانسحاب السوري.
اللقاء يدور حول لبنان وسوريا: «الرئيس بوش يعتقد ان الوقت قد حان للتركيز على خطة العمل؟»، قالت وزيرة الخارجية الأميركية، «كيف ترى الأوضاع وما هي القرارات التي ينبغي اتخاذها؟».
اللجوء إليه أسعد الرئيس الفرنسي. لأنه كان يخشى أن تشتت واشنطن جهودها في اتجاهات عدة، أو في خطة واسعة لتأمين المنطقة كلها: «يجب أن نمنح الأولوية المطلقة للبنان، لاستقلاله واستقراره وديموقراطيته. إن النتائج التي حصلنا عليها خلال أشهر، غنية بالدروس: شيئا فشيئا، يتضعضع النظام السوري، ولن يستطيع مقاومة ضغوط مزدوجة: لبنان المستقل المناهض لمشروع سوريا الكبرى من جهة، والتناقضات التي سيفجرها من جهة أخرى هذا المعطى في قلب السلطة الأقلوية. وانطلاقا من هذه الواقعة لا ينبغي السعي إلى تغيير النظام في دمشق، ولو لجأنا إلى ذلك فسنخسر الورقة الأساسية: الدعم الحالي للدول العربية الكبرى، ولا سيما مصر والسعودية... بالتأكيد فإن هذه الدول تتمنى تغييرا من هذا النوع، لكنهم يريدون ان يتحقق ذلك وحده من دون تدخل خارجي. لا يريدون أن يجدوا انفسهم منخرطين في عملية لإسقاط نظام عربي بالقوة. لذا تجب معالجة القضية اللبنانية، في إطارها اللبناني فحسب».
نرى بوضوح أن شيراك يثابر على الاقتناع بأن بشار الأسد سيسقط كثمرة ناضجة، يكفي الانتظار فقط. وبنظره فإن التحقيق الذي يقوده ديتلف ميليس، والذي لم يستطع القيام به بحرية في دمشق، سيساهم في زعزعة النظام. أما انتحار وزير الداخلية غازي كنعان في دمشق في الثاني عشر من تشرين الأول 2005، فليس سوى تأكيد لفرضية أن النظام بدأ يهترئ من الداخل.
«إن تقرير ميليس سيكون قاسيا مع سوريا»، شرح شيراك لرايس. و«حتى لو لم نعرف على أي مستوى تقع المسؤوليات، فسيظهر التقرير أن دمشق لم تتعاون مع التحقيق، وأنها متورطة في اغتيال الحريري. في هذا السياق، لا بد من التمديد لمهمة ميليس، لقد تحول القاضي الألماني إلى تجسيد للعدالة والديموقراطية في لبنان. إن قناعته بالتورط السوري محسومة. وهو لا يصدق أن غازي كنعان قد انتحر، ويتساءل إذا لم تجر تصفيته. وقد طالب بأن يسمح لمحققيه بالذهاب إلى سوريا ومعاينة الجثة، والتأكد من أنها تعود إلى الجنرال كنعان، وجلاء ظروف موته. بالتأكيد لن يسمحوا له بذلك، لكنه مستعد لتمديد مهمته، وهي ضرورة نفسية وسياسية».
ولشيراك افكار أخرى لمواصلة التحقيق «يجب أن نقرر طريقة محاكمة المذنبين. محكمة دولية خاصة هي افضل الحلول، لكننا لن نحصل عليها بالتأكيد. الروس والصينيون والجزائريون سيعارضون. كما ان الكلفة المالية ستردع عن تأليفها. وفي المقابل لا يمكن أن نترك العدالة اللبنانية وحيدة، وقضاتها فريسة للضغوط، أو هدفا للاغتيال اذا ما قضت الحاجة. إن ذلك سيكون قتلا للعدل. هناك حلول كثيرة. هناك نموذج محكمة «لوكربي» وقضاة دوليون يعملون تحت إمرة قاض محلي. يمكن تصور وصفات متعددة، لكن لا بد من الرد بسرعة على انتظار اللبنانيين، ولن يفهم (يقبل) اللبنانيون ألا يحدث شيء».
وعمليا، أوصى شيراك بأن يتبنّى مجلس الأمن بسرعة قرارا جديدا بهذا الشأن «ينبغي اتخاذ إجراءات تضغط على سوريا، وعلى لبنان أيضا، حيث من الممكن أن يكون الرئيس لحود متورطا، على الأقل من خلال نظام الفساد الذي يحيط به، والذي يشكل هو أحد أعمدته. إذا ما تبنينا بالإجماع قرارا واضحا، يتضمن إنذارات وعقوبات لسوريا، فستكون له نتائج عظيمة، وقد تؤدي إلى سقوط النظام. إن هذا قد يكون نتيجة وليس شرطا مسبقا».
أظهرت كوندليسا رايس اهتماما بالعرض. ورأت أن تقرير تيري رود لارسن سيخلص إلى أن سوريا لم تحترم القرار 1559 بتسليحها المخيمات الفلسطينية. وبدت لها هذه المسألة بحاجة إلى معالجة سريعة، بالقدر الذي تحتاج اليه تداعيات تقرير ميليس. وقالت: «إن الرئيس المصري مبارك قلق جدا لهذه التطورات، وقد تكون لها نتائج على الأمن في غزة. وهذا ملف يهم مصر عن قرب. محمود عباس غاضب ايضا، فالأسد لا يخفي ما يفعل: وهو يستعرض على الشاشة وإلى جانبه قادة الفصائل المنشقة. إن هذا التصرف يجب ألا يبقى من دون عقاب».
وهكذا عادت وزيرة الخارجية الأميركية إلى الهجوم على التراخي السوري في أدائه على الحدود مع العراق. «يسقط يوميا جنود أميركيون ومدنيون عراقيون أبرياء برصاص الإرهابيين والانتحاريين، الذين يأتون من العالم العربي بأسره، إلى مطار دمشق، ويعبرون دون مشقة الحدود السورية العراقية. نقوم بعمليات عسكرية، لكن يجب قطع تموينهم ووصول مجموعات الانتحاريين، لا يمكن ان تبقى الأسرة الدولية صامتة، لدينا مشكلة، ونحتاج إلى دعم فرنسا لنغير سلوك سوريا. إن تغيير النظام ليس أولويتنا. إذا استطعنا الحصول على نتائج مع الأسد، فلا بأس، وإلا فيجب أن نتحرك».
تتمنى كوندليسا رايس الذهاب أبعد من مجرد قرار لمتابعة التحقيق في اغتيال الحريري «لا نستطيع الانتظار عاما او عامين».
اعترف شيراك بأن رايس محقة بصدد المساعدة التي يقدمها الأسد للفصائل الفلسطينية المنشقة والمجموعات الانتحارية: «من الواضح أن الأسد يسهل عملية نقلهم، هذا إن لم يدفع لهم...». لكن خشية الرئيس الفرنسي الأولى، هي أن يؤدي خلط القضية إلى انقسام الجبهة الدبلوماسية. وبالنسبة للرئيس الفرنسي، لا بد من الضرب بقوة، ويكفي لذلك قرار واحد: «إن النظام السوري يعاني زعزعة أكثر مما يبدو، وهو هش أكثر مما نتصور، ويطرح الرأي العام السوري اسئلة كثيرة، عن مواقف حكامه، وإذا ما شعر الأسد بأنه مهدد فسيلجأ إلى العنف الإرهابي. إن ذلك في ثقافته. ان الوضع اليوم كان قائما في عهد والده، الذي كان أكثر ذكاء وخبرة. إن هذا الوضع سيدوم ما دام النظام، ينبغي أن ينهار، لكن من تلقاء نفسه فحسب».
في نهاية هذا الحوار، اقترحت كوندليسا رايس العمل بالتوازي على قرارين: الأول يعاقب سوريا على عدم تعاونها مع ميليس في التحقيق باغتيال الحريري، والآخر يتعلق بأعمال سوريا الاخرى، لكن بعد صدور تقرير رود لارسن.
كانت الشكوك لا تزال تنتاب جاك شيراك، لكنه وافق على ان النقاش يستحق منحه المزيد من الوقت، من خلال الاستئناس برأي الرئيس الجزائري الذي كان ينشط في كواليس هذه القضية.
غوردو مونتاني الذي حضر اللقاء بين شيراك وكوندليسا رايس، حذرها «مع مشروعكم لاستصدار قرارين، يجب ألا يتكرر ما حدث في العراق، لنتلافى الخلافات، ليكن تقدمنا مرحلة بعد أخرى». تحتفظ باريس بذكريات سيئة عن خلافاتها مع واشـنطن عام 2003، ولا ترغب بالعودة إلى مواجهتها مجددا.
صمد التحالف الفرنسي الأميركي. في الأول من تشرين الثاني 2005، أصدر مجلس الأمن قراراً يطالب دمشق بتعاون أفضل مع لجنة ميليس، التي قدمت، كما كان متوقعا تقريرا اتهاميا لسوريا. وبعدها بأسابيع تقدمت الحكومة اللبنانية رسميا بطلب إلى مجلس الأمن، لاستحداث محكمة دولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري واثنين وعشرين من رفاقه. جاء الطلب مدعوما من باريس وواشنطن. تمت الاستجابة له بقرار صدر عن مجلس الأمن في 29 آذار 2006.
لكن هجوم إسرائيل على لبنان في 13 تموز 2006، بعد أسر حزب الله اثنين من جنودها، سمح لسيد دمشق بأن يتنفس الصعداء. الإليزيه رأى في ذلك مناورة ذكية، قادها بشار الأسد، بدعم من حلفائه في «حزب الله»: «يبحث الأسد عبر التسبب بأزمة اقليمية، عن العودة محاورا ضروريا، والتملص من الضغوط»، كما جاء في افكار دونها مستشارو شيراك، تمهيدا لمحادثة هاتفية مع بوش.
القوى العظمى وجدت نفسها مكرهة على محاولة وقف الانفجارات الجديدة. في زيارة باريس، وخلال وجودها في مكتب نظيرها الفرنسي فيليب دوست بلازي، خاطبت كوندليسا رايس، وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني بالهاتف «إنك ترتكبين حماقة كبيرة». وفي الوقت نفسه، كان موريس غوردو مونتاني يحاول تهدئة الأمور، بإكثار المكالمات مع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت. وكان الدبلوماسيون يعكفون على تسطير مشروع قرار لمجلس الأمن، يدعو إلى انتشار الجيش اللبناني، بمساعدة القوات الدولية في جنوب لبنان. القرار تم تبنيه بالإجماع في 11 آب 2006. «كنا على توافق تام مع الأميركيين لمساعدة الحكومة اللبنانية، على استعادة سيادتها وعملنا من أجل ذلك ليل نهار»، يتذكر بيار فيمون رئيس مكتب وزير الخارجية دوست بلازي.
أُكرهت إسرائيل على التراجع، بعد حملة عسكرية فاشلة في مواجهة «حزب الله» المجهز تجهيزا جيدا. وبعد طوفان النار، أرخى العمل المشترك بين الاليزيه والبيت الأبيض الطوق قليلا عن لبنان. «ما زلت قلقا من موقف سوريا المعادي، يجب أن نضغط على إسرائيل كي توقف طلعاتها الجوية فوق لبنان، التي تعد استفزازا»، قال شيراك لبوش في 27 تشرين الثاني 2006. «إن بلدينا يعملان في لبنان يدا بيد منذ وقت طويل، ويجب أن نواصل ذلك»، أجاب بوش.
تم تنظيم مؤتمر للمانحين لإعادة إعمار لبنان في كانون الثاني 2007، برعاية باريس وواشنطن، وعلى هامش المؤتمر، وجد شيراك فرصته الأخيرة للتحدث في الخلافات مع كوندليسا رايس حول هذا الملف الحساس. بلاد الأرز تنفست قليلا، لكن قتلة الحريري لا يزالون احرارا. اما بشار الأسد فلا يزال في مكانه في دمشق. وبخلاف التمنيات التي لم يتوقف شيراك عن تكرارها، لم يسقط نظامه. اكثر ذكاء من اي وقت مضى، قدم الرئيس السوري التنازلات في الوقت المناسب، وانحنى ريثما تعبر العاصفة التي هبت عليه. لا بل قد استطاع، وبالتدرج اختراق العزلة الدولية بدءا من حزيران 2007، عندما بسط له الرئيس الجديد ساركوزي يده، طاويا صفحة الحدة الشيراكية، ذات الفعالية المحدودة جدا.
الكتب التي تكشف الفضائح والدسائس لا تتوقف هذه الأيام عن الصدور، ولعل آخرها، كتاب الصحفي والكاتب الفرنسي فانسون نوزيل “في سر الرؤساء” الصادر عن دار “فايار”، والذي يتعرض لثلاثة رؤساء فرنسيين: فرانسوا ميتران، وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي، وهو كتاب يتناول مواضيع وكالة الاستخبارات الأمريكية والبيت الأبيض والإليزيه (الوثائق السرية 1981- 2010) .

ما يريده المؤلف من هذه الأسرار، أكد عليه في التقديم حين كتب: “لم تنته الجمهورية الخامسة من تسليم أسرارها . إذ خلف التصريحات الرسمية، وبعيداً عن الإعلانات المتفق عليها، في غرف الانتظار بالإليزيه، تُعزف بعضُ المقطوعات التي لا تشاهدها سوى قبضة من الناس . الرئيس الفرنسي يُحكّم ويقرر ويرسل

مبعوثين وجنوداً من دون أن يكشف كل ما يُنسَج في هذا القصر . وما بين الرؤساء الأمريكيين والفرنسيين يعتبر مسرح الأشباح هذا مثيراً . لأن المشهد ليس له علاقة كبيرة مع ما يحدث في الكواليس . ليس للفاعلين الوجه نفسه . الحوارات هي أحياناً على نقيض الرواية التي يتم تقديمها للرأي العام” .

وبما أن الشجن اللبناني هو الذي يحرك العالم العربي الآن، فسنركز على المستجدات وبعض الاعترافات التي تخص لبنان، خصوصاً بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وأيضاً، في ظل استمرار الأزمة اللبنانية -اللبنانية بكل تعقيداتها، وبالتالي سنركز على دور فرنسا-شيراك (الصديق لأمريكا والمعجب بثقافتها و”مطبخها!”) في فترة حرجة من تاريخ لبنان، وتداخلاته مع الهيمنة الأمريكية على منطقتنا العربية .

يرى المؤلف في الفصل العاشر من الكتاب أن الرئيس شيراك يعتبر من الديغوليين النادرين الموالين للولايات المتحدة . ويقول إن شيراك في زيارته الأولى كرئيس للجمهورية الفرنسية، أحبّ أن يُذكّر مضيّفيه أنه عاش فترة من الزمن في بلدهم، وأنه يحبه، وأنه “عاش قسماً من هذا “الحلم الأمريكي”” .

نكتشف أن الرئيس شيراك، كان في بداياته، من الديغوليين القلائل الموالين للولايات المتحدة . صحيح أنه في مراهقته كان يميل للحزب الشيوعي الفرنسي، ولكنه سرعان ما مال للحلم الأمريكي . في 16 تشرين الأول ،1967 وُجِّهَت دعوة غداء لدى السفير الأمريكي شارلز بوهلن، برفقة مسؤولين ديغوليين آخرين . ولم يبخل الدبلوماسي الأمريكي في إسباغ المدائح على هذا الضيف، الذي شكّل “اكتشاف السهرة” وقد وجده: “ذكياً ودينامياً ودافئاً وأصيلاً ومُقنِعاً” .

ويظهر الأمر في حديث شيراك الحماسي عن “سفرياته إلى الولايات المتحدة وعن إعجابه بنمط العيش الأمريكي”، بدل أن يُحيل إلى الجنرال ديغول، الذي لم يتلفظ حتى باسمه . وقال السفير ملخصاً بكثير من الجذل: “بدا لي أمريكيّاً وليس فقط موالياً للولايات المتحدة - مثل كثير من الأمريكيين” . وأضاف: “إنه يحب جمال وشساعة المناظر الأمريكية، ويعبر عن إعجابه بنظام الحدائق الوطنية ومعجب بالطبخ الأمريكي . وأشار إلى أنه أتى، من حين لآخر، بصفة سرية، إلى مطبخ السفارة خلال السنوات العشر الأخيرة، لأنه المكان الوحيد في المدينة الذي يمكن أن يعثر فيه على الطعام الأمريكي” .

وكانت الولايات المتحدة تتابع باهتمام السياسة الفرنسية الداخلية والصراع بين قطبي اليمين الفرنسي: جاك شيراك وفاليري جيسكار ديستان، “وكانت الولايات المتحدة ترى بعين الرضى إلى التنافس المتصاعد بين شيراك وديستان”، إذ من وجهة نظر المصالح الأمريكية، من المهم جداً أن يحافظ شيراك على وضعيته في المشهد السياسي، باعتباره بديلاً في حال تفكك ديستان من الآن إلى 1981 أو ما بعد هذا التاريخ . وسيكون من المحزن أن يكون ميتران البديل الوحيد” .

ابتداء من سنة 1981 أصبح شيراك الزعيم الحقيقي للمعارضة . ويرى المؤلف أنه حافظ على علاقات جيدة مع كل من رونالد ريغان وجورج بوش (الأب) .

ويستعرض المؤلف الكثير من الأمثلة التي تثبت أن شيراك كان المفضل لدى الأمريكيين، ومن بينها زيارته إلى الولايات المتحدة في مارس/ آذار ،1987 وكان حينها رئيس وزراء للرئيس فرانسوا ميتران: “وبما أنه كان يمتلك صورة المرشح للرئاسيات الفرنسية الأكثر موالاة للولايات المتحدة، وبما أنه يعشق الحديث عن مروره على هارفارد سنة ،1953 جرى كل شيء على أفضل حال . كان شيراك سعيداً . تناول الغداء، في جو ودي جداً، مع بوش، نائب الرئيس، كما تحادث مطوَّلاً مع الرئيس ريغان . وقد أعدّ له البيت الأبيض بروتوكولاً مخصصاً لرؤساء الدول . وقد أثار هذا الاستقبال حنق الرئيس ميتران، لأن هذا يبين أن شيراك يحظى بدعم الأمريكيين” .

ومع مجيء بيل كلينتون إلى البيت الأبيض حرص شيراك على فتح قنوات معه . وكانت اللقاءات الأولى بين الرجلين واعدة، “ولأول مرة يتسنى لشيراك أن يتحدث، بشكل مفتوح، عن السياسة الخارجية التي سيقودها في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية . وكان الرئيس الأمريكي ينصت بانتباه شديد إلى هذا الديغولي الجديد، وهو يعلن له أن فرنسا تستطيع أن تقترب أكثر من حلف الأطلسي أو اتخاذ موقف أكثر اندفاعاً في البوسنة، وهما موضوعان كان الرئيس ميتران متحفّظاً جداً فيهما، خلال السنوات الأخيرة . ومثل خطيب أبدي eternal fiancé جاء جاك شيراك ليقدم بعض الوعود للولايات المتحدة . وتلتقط له مرة أخرى صورة في البيت الأبيض . وإذا ما وصل شيراك إلى الإليزيه فليس مستحيلاً أن الولايات المتحدة يمكن تعبر عن غبطتها . وبعد كل شيء، فإن شخصاً يلتهم الهامبورغر بشهية طيبة ويتحدث عن الجاز في نوفيل أورليان بِرَجَفان في الصوت، في نظر كلينتون، لا يمكن أن يكون، في الجوهر، شخصاً سيئاً” .

بيل وجاك في القارب نفسه

يصل جاك شيراك إلى السلطة ويجد نفسه مع بيل كلينتون في القارب نفسه، مع اشتداد الحرب البوسنية . ونقرأ رد فعل الرئيس القاسي، عقب اعتقال القوات الصربية للعديد من القوات الدولية (القبعات الزرق)، ومن بينهم مئة وثلاثة من الجنود الفرنسيين، حيث صرح أمام رئيس الأركان الفرنسي: “العسكريون جبناء! يجب إعطاء الأمر للقبعات الزرق الفرنسية بالدفاع عن النفس ببنادقهم الآلية . عليهم أن يقاتلوا!” .

تتوالى التجارب في البوسنة ولا نرى تحققاً لغضبات شيراك المُضَرية . فقد كانت سيبرينتشا، مثالاً على الجبن، القريب من التواطؤ، أو “العجز” الأطلسي إزاء الجريمة والإبادة . ويرى المؤلف أن شيراك عبّر عن غضبه ولكنه ظل عاجزاً . وكان الأمر ورد الفعل دليلاً على “انهيار جديد للمجتمع الدولي قاد إلى مأساة كان يخشاها الكثيرون” . وإذا كان المجرمون الكبار غير مجهولين ومن بينهم ملاديتش وكراديتش، فالحقيقة تقول إنه لم يكن يريد أحد إيقافهم “وفي الحقيقة، وعلى الرغم من التصريحات الرسمية المخالفة، فإنه لا الأمريكيون ولا الفرنسيون أبْدَوا حماساً كبيراً في اعتقال رئيس صرب البوسنة كراديتش”، رغم انه مطلوب للمحكمة الدولية، وقد افْتُضِحت اتصالات فرنسية مع كراديتش(الذي لم يتم توقيفه سوى في يوليو/ تموز سنة 2008 من قبل الاستخبارات الصربية)، برّرها الفرنسيون برغبتهم في “إقناع الزعيم الصربي البوسني بتسليم نفسه” .

ويستطرد الكاتب، مرّت العلاقات بين شيراك كلينتون بمراحل مختلفة من الحميمية إلى برودة . فقد عبر كلينتون عن شكره للموقف الفرنسي من إظهار إرادته في تقوية حلف الأطلسي، وأيضاً لبْرَلة التجارة العالمية والعمل مع الاتحاد الأوروبي في كل المواضيع الممكنة . ولكن ابتداء من خريف 1995 بدأت البرودة تنتاب العلاقة، حين طلب كلينتون من شيراك تقديم مساعدة اقتصادية إلى الأردن، أو تشديد العقوبات على الجماهيرية الليبية .

وإذا كانت البرودة هنا، فإن تنازلات قدمتها فرنسا في موضوع العودة الفرنسية إلى القيادة العسكرية لحلف الأطلسي . لقد قبلت فرنسا، في حقيقة الأمر، ومن دون شروط، أن تقوم بالخطوة الأولى نحو اندماج كامل، مستعيدة مكانها في أحضان مجلس وزراء الدفاع واللجنة العسكرية لرؤساء أركان حلف الأطلسي . ولمْ يَعد يتبقى لها إلا القيادة المندمجة ولجنة التخطيطات كي تندمج بشكل نهائي في المنظمة (الأطلسي) . هذه المراحل الأخيرة، الرمزية، لا يمكن للإليزيه أن يقدم عليها إلاّ إذا تم إرضاء طلباتها، أي إصلاح الحِلف بما يتيح انبثاق “ركن أوروبي” .

ويقول الكاتب إنه لم تَبْق العلاقات بين الرئيسين الفرنسي والأمريكي حسنة، على الرغم مما يحاول الطرفان إظهاره من اتفاق وانسجام . “عبّر كلينتون عن رغبته في رؤية “تعاون وثيق” مع الفرنسيين”، حول المشكلات الاقتصادية للفلسطينيين أو حول تقديم المساعدة للبنان “وهي طريقة مقبولة للطلب من جاك شيراك ألا يتدخل في قضايا أخرى” . ويرسم الكاتب صورة مثيرة للشفقة عن رئيس فرنسي لا يتوقف عن اقتراح دعمه وعرض خدماته على الأمريكيين، وهم يتمنعون في قبولها “ما الذي يمكن أن يفعله شيراك أكثر من هذا؟ بالتحديد، جاك شيراك، لم يعد له من حظ على المستوى الدولي” .

ويذهب المؤلف إلى وصف الحالة الضعيفة والمهزوزة لشيراك، ويقدم مثلاً: “فشل الرئيس الفرنسي في تمديد ولاية صديقه بطرس بطرس- غالي في منصب الأمين العام للأمم المتحدة (بسبب الفيتو الأمريكي!) . ولم يتوقف عن النضال من أجل التمديد له”، “وفي يوم 16 كانون الأول/ديسمبر ،1996 نجح البيت الأبيض في فرض مرشحه المُفضّل، الغاني كوفي أنان، الذي ساند المواقف الأمريكية في البوسنة أو في هايتي” .

وزاد الأمريكيون في إغاظة الفرنسيين، في رسالة وقحة أرسلها كلينتون إلى شيراك، تقول ضمن ما تقول: “عزيزي شيراك، أود أن أشكرك على مساهمتك في إنجاز إجماع مبكر حول كوفي عنان كأمين عام للأمم المتحدة” .

“السخريّة قاسية . شيراك، الحانق، تحمَّل الإهانة على مضض . إهانة أخرى . وهو ليس في نهاية خيباته . . عزيزي جورج، لِنَعُدْ، من جديد، أصدقاءَ . . .”

بعد احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية، جاءت الرغبة الأمريكية في قولبة الشرق الأوسط . وظهر مشروع شرق أوسطي “كبير”، اقترحته يوم 30 يناير/ كانون الثاني 2004 وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس على المستشارين الدبلوماسيين الأوروبيين . وقد بدأت بعض الردود السلبية على المشروع الشرق الأوسطي الجديد، من قبل بعض زعماء المنطقة من العرب . “إن الدعوات إلى “تغيير الأنظمة” لم تتلق صدى حماسياً لا في القاهرة ولا في الرياض” .لم يتأخر الموقف الفرنسي إزاء المشروع الأمريكي . وعلى الرغم من الطابع الرسمي والدبلوماسي للرد، فإن شيراك عبّر، بأدب، عن ملاحظاته على فكرة بوش الأخيرة: “أنا أوافق على المبادرة الأمريكية حول الشرق الأوسط الكبير، ولكن يجب أن نكون على وعي من أن مفتاح السلام والاستقرار الإقليمي هو إيجاد حل للصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني . ولن يكون سلام من دون مفاوضات، ولا يمكن فرض السلام من الخارج . إن مبادرة الشرق الأوسط الكبير اصطدمت بهذه القضية” .

هذا ما كان في العلن، أمّا في الكواليس، “فلم يكتفِ الإليزيه بهذه الانتقادات الحذرة، بل يتعلق الأمرُ بإفشال سري لمشروع البيت الأبيض”، وفي نهاية شباط/فبراير 2004 سربت فرنسا وألمانيا نصاً معنوناً “شراكة استراتيجية من أجل مستقبل مشترك مع الشرق الأوسط” والغرض منه مواجهة النص الأمريكي . وفي بداية مارس/ آذار أرسلت فرنسا مبعوثين إلى العواصم العربية من أجل تسليم خطابات إنذار وقياس ردود الفعل . وجاءت ظروف وصدف متعددة أفشلت المشروع الأمريكي وأطلقت عليه رصاصة الرحمة . ومن بينها ما يكتبه المؤلف في هذه الفقرة المكثفة: “أحداث إبريل/ نيسان ،2004 ستزعزع الماكينة الأمريكية الثقيلة . المعارك شرسة في العراق بين القوات الأمريكية والمسلحين في مدينة الفلوجة كذّبت كل التصريحات المُطَمْئِنَة عن استتباب الأمن . كما أن الصحافة كشفت عن ممارسات تعذيب في سجن أبو غريب العراقي . وكشفت أشرطة الفيديو الاتهامية عن كذب اللازمة الأمريكية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط . وقد قامت الصحافة العربية بإدانة “النفاق”، الأمريكي، ورأت في فضيحة التعذيب إضافة “فشل أخلاقي” إلى الورطة العسكرية الأمريكية في العراق . وأخيراً دعم جورج بوش القوي لأرييل شارون . . .” .

وأخيراً جاء الفشل الأمريكي في فرض هذا الشرق الأوسط الجديد واضحاً في البيان الختامي لمجموعة الثماني، الذي “اكتفى بإعلان بسيط للنوايا داعياً إلى إصلاحات وإلى احترام التنوع . كما أن غداء بوش الذي جمعه يوم الأربعاء 9 حزيران/يونيو 2004 مع رؤساء دول عربية وإسلامية سيكون نصف فشل: إذ لن يحضر سوى الرئيس الأفغاني قرضاي، والرئيس الجزائري بوتفليقة، وملك البحرين، والملك الأردني عبدالله، ورئيس الوزراء التركي أردوغان، والرئيس اليمني علي صالح . في حين أن الملكين المغربي والسعودي ورئيسي مصر وتونس لم يلبوا الدعوة . . .” .

وجاءت فترة مصالحة بين الرئيسين بوش وشيراك، في 5 حزيران/يونيو ،2004 حين حضر الرئيس بوش احتفالات مرور ستين سنة على الإنزال الأمريكي في النورماندي . صحيح أن الخلافات بين الطرفين كثيرة، ولكنهما استطاعا في النهاية أن يتفقا على موضوع واحد: “هذا العشاء للمصالحة انتهى بثيمة وحّدت الطرفين وشكلت إنذاراً لبوش ولشيراك: الهيمنة السورية على لبنان” .

الوجود السوري في لبنان

ويكشف الكاتب أنه “اشتغل التعاون الأمريكي الفرنسي، بصفة سرية، حول هذا الملف” . واستعان الرئيس الفرنسي بصداقته الحميمة مع رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، “الذي كان يلتقيه بانتظام مع زوجته، نازك”، ويرى المؤلف ان “الحريري راهن على ورقة التعاون مع القوة السورية المجاورة، باحثاً عن دعم وحماية . ولكن الحضور الدائم للقوات السورية وممارسات الاستخبارات السورية والضغوط تسبب في حدوث طلاق بين الحريري والسوريين”، ومن هذه اللحظة “وضع نفسه في موضع المدافع الشرس عن استقلالية لبنان . وكان “صديقه جاك” يساعده بكل الوسائل” .

ويضيف الكاتب، لقد تصوّر شيراك بعيد وفاة الرئيس حافظ الأسد أن الرئيس الشاب بشار، الذي التقى به قُبَيل وصوله إلى الرئاسية السورية، “من أنصار الإصلاحات، التي لم يَقُم بها أبوه حافظ، الذي كان معروفاً عنه بأنه لا يتزحزح حتى وفاته يونيو/ حزيران 2000” .

لا شيء ثابتاً في السياسة، فنحن نعلم أن الرئيس الفرنسي زار سوريا ثلاث مرات، أكتوبر/ تشرين الأول 1996 ويونيو/ حزيران 2000 وأكتوبر/ تشرين الأول ،2002 وأنه بذل قصارى جهوده من أجل التقرب من الرئيس السوري . وهنا يقول أحد المستشارين السابقين في الإليزيه: “حين تولى بشار السلطة، تصور الرئيس الفرنسي أن بإمكانه أن يضعه تحت سيطرته . بذل كثيراً من الجهد من أجل مساعدته وتدليله وحاول إقناعه بتليين مواقفه . وقد نجح في الحصول من سوريا على الموافقة على التصويت على القرار الأممي حول عودة المفتشين إلى العراق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004” .

ويقول المؤلف “حاول الفرنسيون والألمان والروس تغيير المواقف السورية، ولكنهم لم يحصلوا منه على ما يريدون . وأدت هذه الخيبة الفرنسية، إضافة إلى شعور الحريري المتكرر بالإهانة في دمشق، وأن الوزراء اللبنانيين المقرّبين من سوريا يهيمنون على الحكومة اللبنانية، إلى اقتناع الرئيس شيراك بأن نظام الأسد غير قابل للانثناء، اللهم إلا إذا مورست عليه الضغوط” .

ويستطرد الكاتب، عوامل التوتر الأمريكية - السورية عديدة، ولعل أهمها اعتبارها منذ سنة 2002 عضواً في “محور الشرّ”، وزاد الغضب الأمريكي مما تعتبره تهاوناً من سوريا في مراقبة حدودها مع العراق، حيث تتسلل خلايا القاعدة . إضافة إلى استيلاء سوريا على حسابات مالية عراقية . وإلى ما ذكر يأتي دعم سوريا لحزب الله اللبناني وللحركات الفلسطينية الراديكالية، مثل حماس والجهاد الإسلامي، عدوّتي “إسرائيل” اللدودتين ليُعقِّدَ الأمر . وقد كانت الوقاحة الأمريكية واضحة في الرسائل المُوجَّهَة للقيادة السورية . “أرسل البيت الأبيض عدة رسائل إلى الرئيس السوري للتعبير عن غضبه في ما يخص هذه المواضيع جميعاً . لكن من دون نتيجة . وقد أسرّ بوش، غاضباً، للرئيس الفرنسي في سبتمبر/ أيلول ،2003 أثناء لقاء على هامش الاجتماع العام للأمم المتحدة، “قُلْ لبشار الأسد إني شرير أحادي الجانب”” .



ووسط هذا العداء المتصاعد للقيادة السورية من قبل الفرنسيين والأمريكيين انضاف الكونغرس الأمريكي إلى قائمة الأعداء الجدد، وذلك من خلال تبني عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري، المُتَّهَم بدعم الإرهاب وبالحفاظ على وجوده العسكري في لبنان . وقد أبدى بعض الدبلوماسيين الفرنسيين قلقهم من العقوبات الأمريكية . ورأى البعض منهم في الأمر: “أن مشكل الإدارة الأمريكية يكمُنُ في شيطنتها للنظام السوري القائم، وإذاً فهي عاجزةٌ عن تصور سياسة أكثر شمولاً ودينامية، تجمع ما بين العصا والجزرة، وهي بسبب عدم اقتراحها أي شيء على مُحاوَريها، فإنها تَدُلُّ من تفاعليّتهم” .

بعد أفغانستان والعراق، أصبحت سوريا تحت العين الأمريكية، وبالتالي جاء وقت المصالحة الفرنسية - الأمريكية . ونقرأ تصريحات لشيراك تذهب في هذا الاتجاه، خصوصاً حين يُصرّح أمام وفد من مجلس الشيوخ الأمريكي: “لنكن واقعيين، إننا لن نُسهِم في تقدّم الديمقراطية إلاّ بتعزيزها حيث توجد أصلاً، حتى وإن كانت بطريقة غير كاملة، كما هو الشأن في لبنان . يجب مساعدة هذا البلد على التحرر من الوصاية السورية” . ويضيف في هجوم كاسح على السوريين لا يمكن سوى أن يعجب الأمريكيين: “سيبحث السوريون، ربما، في التمديد للرئيس الحالي إميل لحود، من خلال تغيير الدستور . [ . . . ] لنعمل سويّة” .

يصف هوارد ليتش، السفير الأمريكي السابق في باريس، الوضعية المستجدة من العلاقات الفرنسية - الأمريكية، بالقول: “لا يريد شيراك أن يصرخ فوق الأسطح بأنه يبحث، بأي ثمن، أن يتصالح مع جورج بوش، الذي نزلت شعبيته في فرنسا إلى الحضيض، ولكن بسبب عدم الإنصات إليه في ما يخص العراق والصراع “الإسرائيلي” العربي، وجد في لبنان ثيمة للمصالحة التي ستعيده إلى الحلبة . صديقه رفيق الحريري مبتهج”، والثمرة من هذه الاتصالات ومن هذا التوافق الفرنسي - الأمريكي مع رفيق الحريري هو قرار أممي جديد . ويكشف المؤلف أن هذا القرار تمت قراءته وإعادة قراءته في يخت الحريري بحضور موفد شيراك الذي التقى كوندوليزا رايس ومسؤولين آخرين في 19 و20 أغسطس/ آب ،2004 قبل أن يتجه إلى سردينيا، المقر الصيفي لرفيق الحريري، في الوقت الذي لم يتوقف فيه غضب شيراك الشديد على السوريين .

الكتب التي تكشف الفضائح والدسائس لا تتوقف هذه الأيام عن الصدور، ولعل آخرها، كتاب الصحفي والكاتب الفرنسي فانسون نوزيل “في سر الرؤساء” الصادر عن دار “فايار”، والذي يتعرض لثلاثة رؤساء فرنسيين: فرانسوا ميتران، وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي، وهو كتاب يتناول مواضيع وكالة الاستخبارات الأمريكية والبيت الأبيض والإليزيه (الوثائق السرية 1981- 2010) .

ما يريده المؤلف من هذه الأسرار، أكد عليه في التقديم حين كتب: “لم تنته الجمهورية الخامسة من تسليم أسرارها . إذ خلف التصريحات الرسمية، وبعيداً عن الإعلانات المتفق عليها، في غرف الانتظار بالإليزيه، تُعزف بعضُ المقطوعات التي لا تشاهدها سوى قبضة من الناس . الرئيس الفرنسي يُحكّم ويقرر ويرسل

مبعوثين وجنوداً من دون أن يكشف كل ما يُنسَج في هذا القصر . وما بين الرؤساء الأمريكيين والفرنسيين يعتبر مسرح الأشباح هذا مثيراً . لأن المشهد ليس له علاقة كبيرة مع ما يحدث في الكواليس . ليس للفاعلين الوجه نفسه . الحوارات هي أحياناً على نقيض الرواية التي يتم تقديمها للرأي العام” .

وبما أن الشجن اللبناني هو الذي يحرك العالم العربي الآن، فسنركز على المستجدات وبعض الاعترافات التي تخص لبنان، خصوصاً بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وأيضاً، في ظل استمرار الأزمة اللبنانية -اللبنانية بكل تعقيداتها، وبالتالي سنركز على دور فرنسا-شيراك (الصديق لأمريكا والمعجب بثقافتها و”مطبخها!”) في فترة حرجة من تاريخ لبنان، وتداخلاته مع الهيمنة الأمريكية على منطقتنا العربية .

يكشف المؤلف أن المشاروات الأخيرة حول القرار، جرت نهاية أغسطس/آب/آب 2004 وتبادل الدبلوماسيون الفرنسيون والأمريكيون في الأمم المتحدة مسوداتهم . موريس غوردو مونتاني مستشار شيراك الديبلوماسي على تواصل مباشر مع اللبنانيين، وبطريقة غير مباشرة مع وزير الخارجية السوري، الذي كان يمرر رسائله عبر الإسبان . التعديلات الأخيرة، قدمها مستشار شيراك إلى كوندوليزا رايس، وذهب باتصالاته الهاتفية المتتالية، إلى حد أن يقتحم عليها الانتخابات الأولية للحزب الجمهوري في ماديسون سكوير غاردن، في نيويورك .

ويعود المؤلف إلى اجواء علاقات الحريري بالقيادة السورية فيقول، توترت العلاقات بشكل غير مسبوق بين الحريري والقيادة السورية، ويورد المؤلف بعض المصادر التي تكشف مواقف سوريالية تظل بحاجة إلى تأكيد من جهات أخرى: “تم استدعاء الحريري إلى دمشق في 26 أغسطس/آب، وكان الرئيس في قمة الغضب” . لحود (إيميل)، هو أنا . إذا كان شيراك يريد إخراجي من لبنان، سأكسر لبنان . فإما أن تنفذوا ما يُطلب منكم وإما سنصيبكم، بالإضافة إلى عائلتكم، أينما كنتم! “تهديد مباشر بالموت”، وأخيرا أثمرت، يوم 2 سبتمبر/أيلول الدسائس والاتصالات السرية بين الأمريكيين والفرنسيين عن القرار الأممي رقم 1559 بأغلبية تسعة أصوات وعدم تصويت 6 دول، من بينها روسيا والصين والجزائر، “هذا القرار “1559” هو صفعة حقيقية لسوريا . [ . . .] ومن دون أن ينتظر مرور الوقت، نجح الرئيس السوري في فرض تمديد للرئيس اللبناني، إيميل لحود . لكنه لم يكن يتوقع هذا القرار الدولي ولا هذا التحالف الفرنسي الأمريكي ضده، غير المتوقع بعد حرب الخليج . ورأى فيها استفزازا من الحريري وخيانة من جاك شيراك وتحديا من جورج بوش . باختصار، رأى في القرار إعلانَ حرب” .

وفي ما يخص العلاقات الأمريكية - الفرنسية فقد كانت في شهر عسلها، في ما يتعلق بالملف السوري اللبناني . تدل على ذلك الهدايا الكثيرة التي أغدقها شيراك (ساعة ذهبية من نوع برنارد ريشارد، ووشاح هيرمس وقطعة نادرة من خزف ليموج) على “الدكتورة رايس” (كوندوليزا رايس، أصبحت وزيرة خارجية) . وقد واصل الرئيس جاك شيراك هجومه على القيادة السورية وعلى الرئيس بشار الأسد، فاعتبر أن النظام السوري يلجأ إلى طرق “سوفييتية” .

وفي كلمات غير دبلوماسية اندفع شيراك في انتقاد حاد للنظام السوري: “الأقلية العلوية الصغيرة تحكم سوريا بيد من حديد منذ فترة الحرب الباردة وبطرق مستوحاة من المعسكر السوفييتي . وقد حل محل الرئيس الراحل حافظ الأسد ابنه، الذي لا يمتلك نفس التجربة ولا نفس الذكاء . إنه حَجَر الزاوية للنظام، الذي سينهار، من دونه . ولكن المسؤولين الحاليين لا يعرفون أي اتجاه يأخذونه، ومن هنا حركاتهم غير المنظمة” .

يوزع شيراك اتهاماته وانتقاداته للسوريين، فيتحدث عن وجود أطراف مختلفة في النظام السوري، المعتدلين والمتشددين . ويرى تمظهر هؤلاء المتشددين في الحدود مع العراق (كأننا أمام مسؤول أمريكي وليس أمام رئيس فرنسا)، حيث يتواصل مرور مقاتلي القاعدة، وأيضاً من خلال تقديم الدعم المالي للمنظمات الفلسطينية “الإرهابية” رغم النفي الرسمي . ويُعرّج على لبنان فيرى فيها يد سوريا وهي “تضغط على الانتخابات من خلال قانون انتخابي على مقاسها ومن خلال ضغوط ومحاولات تقسيم المعارضة حيث يتواجد السُنّة والمسيحيون والدروز” . ليخلص إلى هذا الموقف المتشدد: “لا يمكن أن نترك الديمقراطية تختنق في البلد العربي الوحيد الذي هي متجذرة فيه”، وتصميم الرئيس جاك شيراك يُقرأ، أيضاً، في هذا المقطع: “يجب ممارسة ضغوط . لقد كان القرار 1559 ضربة قاسية جداً لسوريا . [ . . .] يجب الانتباه لشيئين: في المقام الأول يجب ألاّ نخلط ما بين مستقبل الديمقراطية في لبنان ومسلسل السلام، وإلاّ ستُوضَع ورقة في لعبة دمشق . يجب دعم الديمقراطية في لبنان، من أجل الديمقراطية ومن أجل لبنان . وفي المقام الثاني، يجب التهديد بفرض عقوبات مالية جديدة قادرة على الوصول إلى نظام الفساد الموجود بين دمشق وبيروت” .

ويرى المؤلف أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك طلب من الولايات المتحدة الأمريكية أن تذهب أبعد مما قامت به في هذه الأرضية، وهو ما يمكن أن يجر الأوروبيين . وقد ألحّ الرئيس شيراك، في حضور صديقته الأمريكية الجديدة “الدكتورة كوندوليزا رايس” التي كانت تعبر عن “اتفاقها الكامل معه” على: “يجب، في كل مناسبة، التذكير بالقرار الأممي 1559 والمطالبة بتطبيقه . وهو ما سيُساهم في إضعاف متشدّدي النظام السوري، في حين أن مُعتدِلي النظام سيجدون حججاً من أجل التشكيك في التوجيهات الحالية . ليست لدينا أي مصلحة في رؤية هلال شيعي يمتد من إيران إلى حزب الله مروراً بالعراق وسوريا، في الشرق الأوسط” .

وقد عبر الرئيس الفرنسي، الذي أبان دائماً عن خشيته من هيمنة الشيعة، الذين يعتبر السوري بشار الأسد حليفاً لهم، وعن تفضيله للسُنّة، من صدام حسين إلى رفيق الحريري، عن سعادته لتقوية التعاون الفرنسي - الأمريكي حول هذا الملف .حتى وإن كانت الأولويات تختلف بين الحليفين: “الأولوية لفرنسا هي سيادة لبنان، في حين أن الأولوية الأمريكية تتمثل في دعم سوريا للإرهاب . ولكنهما يتفقان، معا، على وضع النظام السوري في موقع الرماية” .

شيراك لبوش: القرار (باغتيال الحريري) اتخذه الرئيس الأسد . وكل فرضية أخرى، لا معنى لها .

مأساة لبنانية أخرى تحدث يوم الاثنين 14 فبراير/شباط ،2005 في الساعة الثانية عشرة والدقيقة 56 فقد وقع تفجير أدى إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ومعه 23 شخصاً . وقد كانت الصدمة كبيرة على الرئيس الفرنسي، الذي أعلن الخبر السيئ إلى زوجة رفيق الحريري، التي كانت موجودة في باريس، ثم قرّر التوجه على الفور إلى بيروت لتقديم التعازي . وكان شيراك، الذي توجه إلى بيروت بعد يومين، على اغتيال صديقه، في بالغ التأثر والحزن . “لقد قتلوا صديقه، لقد تجرأوا على ذلك . وبالنسبة له، ولا شك في ذلك، يجب التوجه إلى دمشق للبحث عمن أعطى الأمر بقتل الحريري .” ويرى خبير في وزارة الخارجية الفرنسية أن “الحريري كان يُزعج السوريين، وقد استفاد من دعم غربي واسع . وكانت ثمة خشية من اشتداد شعبيته في لبنان، بل وحتى خارجها . إلا أن الحريري سُنيّ، مثل 90 في المئة من السكان السوريين . كان الحريري يُمثّل تهديداً واضحاً، أكثر فأكثر، للنظام السوري .”

وإذا كان الفرنسيون والأمريكيون يشككون، معا، في دور خفي لسوريا، (مع أو من دون مشاركة مباشرة للاستخبارات اللبنانية)، وهي فرضية “طبيعية” (كما يرون)، فإن “الرئيس المصري حسني مبارك قدر هو أيضاً أن التفجير من توقيع السوريين” .

توالى المسؤولون الأمريكيون الذين اتهموا النظام السوري باغتيال رئيس الوزراء، وكان على رأسهم، بول وولفوفيتس، مساعد وزير الدفاع، والعضو النافذ في تيار المحافظين الجدد، الذي كشف أمام جان دافيد ليفيت، السفير الفرنسي في واشنطن، أنه يرى دور سوريا واضحاً في اغتيال الحريري: “يتعلق الأمر بعلامة ضعف وخوف للنظام السوري” .

وهكذا أظهر هذا المسؤول الأمريكي، من المحافظين الجدد، والذي كان، في السابق، غاضباً جداً على الفرنسيين، عن انفتاحه، من الآن فصاعداً، على تعاون فرنسي - أمريكي على كل الجبهات، سواء في العراق أو إيران أو لبنان . وقال للسفير الفرنسي: “علينا أن نكون، معاً، على رأس مجهود دولي لمساعدة لبنان، إما في الأمم المتحدة أو مع الجامعة العربية، والتفكير في اتخاذ إجراءات إضافية” .

ويكشف الكاتب انه أثناء لقاء بين الرئيس الأمريكي جورج بوش والفرنسي شيراك في السفارة الأمريكية في بروكسل يوم 21 فبراير/شباط ،2005 وبطلب من الفرنسيين تقرّر أن يكون الموضوع اللبناني هو على رأس المَواضيع المُتنَاوَلة، وقد أصدرا بياناً مشتركاً في الموضوع يدعو إلى إظهار كامل الحقيقة عن هذا “العمل الإرهابي” وبتطبيق القرار الأممي 1559 في “كل أبعاده” . ويصف المؤلف كواليس هذا اللقاء: “كان الرئيس الفرنسي شيراك هو الذي يتحدث أثناء هذا اللقاء . كان يتفجر غضباً . ويريد أن ينتقم لصديقه الحريري .”



ويقول المؤلف، نصح العديد من الخبراء والسفراء الفرنسيين الرئيس شيراك بدفع واشنطن إلى الواجهة ضد سوريا، إذ ليس لديها صعوبات مقارنة مع فرنسا . وكانت الأولوية، بالنسبة لفرنسا، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، تتلخص في “إرساء السيادة اللبنانية من خلال معاقبة سوريا، وليس من خلال إزاحة مباشرة للنظام السوري”، وقد ركز الرئيس الفرنسي على مسائل اعتبرها جوهرية في معالجة الأزمة . وتتلخص في “لجنة تحقيق دولية لتحديد الفاعلين ومن أعطاهم الأمر”، كما أنه، في صراعه المفتوح مع القيادة السورية، رأى أنه “من خلال إفشال النظام السوري في لبنان، يمكن توجيه ضربة قاتلة للنظام السوري”، وأضاف هذه الجملة التي كانت تفضح الحالة النفسية التي كان يتواجد فيها، والتي تعلن أن الأمور وصلت مستوى غير مسبوق: “إن سوريا لن تتقيّأ أو تقر بمسؤوليتها إلا إذا كانت تعرضت للتخويف أو تم إيلامها” .



وواصل شيراك توجيه الكلام إلى الرئيس الأمريكي، بلهجة غير مسبوقة يبدو فيها أنه كان على اطّلاع على الأمور، أو ما حاول إظهاره: “التفجير ضد رفيق الحريري ما كان بالإمكان تنفيذه إلا من قبل أجهزة منظمة ومُجربَة . وبالنسبة لمن يعرف عمل النظام في سوريا، فإن الشك غير ممكن . القرار (باغتيال الحريري) اتخذه الرئيس الأسد . وكل فرضية أخرى، لا معنى لها” .



استبق الرئيس الفرنسي، في هذه التهمة، كل تحقيق . وواصل هجومه على سوريا: “يجب أن نكون صارمين . لا يمكننا التصريح برغبتنا في إرساء الديمقراطية وفي الوقت ذاته نترك البلد العربي الوحيد في الشرق الأوسط الذي زرعت فيه الديمقراطية يتعرض للخنق . لكن يجب التصرف بدقة، وتجنب التهجم بشكل مباشر على سوريا، لأنه حينها، يمكنها أن تنجح في استعادة التضامن العربي . يجب أن يكون هدفنا هو تحرير لبنان من الهيمنة السورية، لأن سوريا تعيش بفضل استغلال لبنان من خلال نظام فساد منظم على مستوى القمة . إن لبنان هو كعب أخيل سوريا .”

ويكشف المؤلف ان الرئيس بوش وافق على البرهنة الشيراكية، التي لا تصرّ على توجيه هجوم نهائي إلى سوريا . ولكنه سأل الرئيس الفرنسي: “سوف نمر عبر لبنان، ولكن كيف يمكننا بلوغ هدفنا”؟

وهنا كشف الرئيس الفرنسي عما كان يطبخه خلال بعض الوقت: “يجب إنشاء لجنة تحقيق حول الجريمة . يجب أن تكون قوية ومدعومة من طرف المجتمع الدولي، ولأن تدخلها في المشهد اللبناني، سوف يساعد المعارضة . توجد اليوم حركة شعبية كبيرة، ولكن زعماءَها يخشون اغتيالهم، والبعض منهم سيغتالون من دون شك . ثم يجب بعد ذلك عدم الخلط بين الملف السوري اللبناني ومسار السلام في الشرق الأوسط، وإلا فقدْنا الشيعة، فضلاً عن أن سوريا تذرعت بسياق مسار السلام من أجل رفض كل حركة حول لبنان”، وكرر الرئيس شيراك، أمام بوش الذي وعد بإيصال الرسالة إلى “الإسرائيليين”، ضرورة تنفيذ القرار الأممي 1559 والعودة إلى مجلس الأمن من أجل “التفكير في عقوبات”، وأضاف: “من دون انتظار الوقت، يجب دراسة إمكانية عقوبات مالية، مباشرة وغير مباشرة . كل النظام السوري يرتكز على نهب لبنان، في القمة” .

رأى الكاتب، معلقاً على اقتراحات الرئيس جاك شيراك الغاضبة أمام بوش: “أن خطة شيراك كانت قاسية، وضاغطة ويغذيها حقدٌ لا يمكن كبْحُهُ إزاء الأسد . وكان تواطؤه مع الحريري يُشوّش على قسم من تقديره: كان يعتقد، بجدية، أن النظام السوري سينهار من تلقاء ذاته، بعد انسحابه من لبنان . وأمامه كان الرئيس الأمريكي في بالغ التأثر . وقد اقتنع . سوريا ليست هي العراق”، وكان تعليق بوش: “إني أرى بشكل واضح الطريق الذي يجب تتبعه . إنه مشروع مهم . إنها لحظة مهمة” .

انسحاب القوات السورية من لبنان

في السادس من مارس/آذار 2005 أعلن الرئيس السوري، أمام البرلمان، عن نيته سحب القوات السورية من لبنان، “لا يمكننا البقاء في لبنان إذا كان حضورنا سيكون مصدر انقسام بين اللبنانيين”، وفي هذه اللحظة أمر الرئيس الفرنسي شيراك بفعل كل ما يمكن من أجل إقناع حزب الله اللبناني بالابتعاد عن سوريا ومن أجل تجنب أي تهييج قد تقوم به سوريا في المخيمات الفلسطينية . ومن جديد بشرَ شيراك الرئيس الأمريكي بوش، بقرب انهيار النظام السوري من تلقاء نفسه: “البعض يتحدث عن التسبب في تغيير النظام السوري . إن إظهار هذا سيكون في مصلحة دمشق . إذا ما حصلنا على انسحاب وفقدان المراقبة السورية للبنان، فإن النظام السوري سينهار من تلقاء نفسه . يوجد اليوم هلال شيعي من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق الجديد وسوريا . وفي سوريا الغد، ستأتي الديمقراطية بالسُنّة والمسيحيين إلى السلطة، وهو ما سيدُق ركناً في الهلال الشيعي” .

تلاحقت الأحداث، ولكنها لم تسر وفق الحُلم الشيراكي ولا وفق المخططات الأمريكية . فقد قرر الرئيس السوري إنهاء انسحاب القوات من لبنان في تاريخ 30 إبريل/نيسان 2005 وفي 7 إبريل/نيسان من نفس السنة شُكّلت لجنة التحقيق الدولية حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، انسجاما مع تمنيات جاك شيراك .

حاولت صنع إجماع في لبنان والحفاظ عليه، وكان لحزب الله مكان فيه، وهو ما يكشفه المؤلف حين يتحدث عن لقاءات عديدة بين مسؤولين في حزب الله ودبلوماسيين فرنسيين، من أجل إقناعه “بالمشاركة في لعبة الانتخابات والابتعاد عن سوريا” . ويكشف المؤلف أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله التقى بالسفير الفرنسي في بيروت، برنارد إيميي، في 6 إبريل/نيسان . كما يكشف أن اللقاء كان إيجابياً، على الرغم من أن “الزعيم اللبناني وَاصَل الإعلان عن “مقاومته”، إزاء التدخلات “الإسرائيلية”، وأكّد على عدم وجوب إضعاف سوريا” .

وهنا اختلاف بين الرؤية الأمريكية والفرنسية، حول حزب الله: “إذ بينما تريد الولايات المتحدة إدراجه ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، كانت الرسالة الفرنسية واضحةً، من الأفضل مراعاته مُؤقّتا . ومن دون تغيير في الجوهر، تتبع البيت الأبيض نصائح الإليزيه من خلال التخلي عن هذا الإدراج” .

بعد الانسحاب السوري من لبنان وفي انتظار النتائج المرجوة من قبل الحليفين الأمريكي والفرنسي، كان ثمة تحليل للوضعية السورية وتقييم لها، إذ يرى الأمريكيون، “أن الأسد ليس إصلاحياً . ولا شيء يمكن انتظاره منه . والنظام غير قابل للإصلاح . والأسد ليس في منأى عن انهيار نظامه والشعب متعطش إلى التغييرات” . في حين أن الفرنسيين يرون “أن الدور لم ينته بعد، وأن الإصلاحيين والمحافظين مستمرون في المواجهة، الرئيس الأسد هو، على الأرجح، إلى جانب الإصلاحيين، ولكنه يرسل إشارات معاكسة . يجب الحكم عليه من خلال الأفعال . [ . . .] يجب علينا أن نعاود الاتصال بدمشق . إن تجاهل سوريا يدفعها إلى الراديكالية” .

صحيح أن الرأي الفرنسي هو دون توقعات الرئيس جاك شيراك حول نهاية نظام بشار الأسد .

ومن هنا طالب شيراك بإجراء محاكمة دولية حول اغتيال الحريري . وخلال هذا الوقت وَاصَل تأكيد قناعته بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد “كثمرة آن قطافها”، ومما زاد هذه القناعة وقواها تفسيره لانتحار وزير الداخلية السوري الجنرال غازي كنعان، الرجل القوي في النظام باعتباره تفككاً داخلياً للنظام السوري .

ولا يتوقف الرئيس شيراك أمام زواره من المسؤولين الأمريكيين من صب جامّ غضبه على القيادة السورية واتهامها بأشياء خطيرة (تقترب من نظرة عِرقية وعنصرية)، وهو ما يفعله أمام كوندوليزا رايس، حين يقول: “النظام السوري مزعزَعٌ أكثر مما يبدو وأكثر هشاشة مما يُتصور . وقد بدأ الرأي العام السوري يتساءل أكثر فأكثر حول مواقف حكامه . [ . . .] إذا أحس الرئيس الأسد بالتهديد سيلتجئ إلى العنف الإرهابي . إنه (الإرهاب) . وقد كانت الحالة نفسها في زمن والده، على الرغم من أن الأب كان أكثر ذكاء وتجربة . يجب أن ينهار، ولكن وحده” .

إزاء هذه القراءة الشيراكية للوضع السوري - اللبناني، اقترحت كوندوليزا رايس العمل على قرارين أممين متوازيين . الأول تبعا لتقرير ديتليف ميليس عن “عدم التعاون السوري” في التحقيق حول اغتيال الحريري، والثاني حول التصرفات الأخرى للنظام السوري بعد تقرير تيري ريد لارسن . ولكن الفرنسيين أبدوا حذراً كبيراً، لأن الأمر كان ينذر بفتنة أخرى شبيهة بفتنة التدخل الأمريكي في العراق والمعارضة الفرنسية لهذا التدخل . يكتب المؤلف: “تحتفظ فرنسا بتذكار سيئ عن مشاجرة 2003 وليست لديها رغبة في معارضة الولايات المتحدة من جديد في أروقة الأمم المتحدة .”

صمد التحالف الأمريكي الفرنسي، وأثمر عن قرار جديد من مجلس الأمن بتاريخ الأول من يناير/كانون الثاني 2005 يطلب من سوريا تعاونا أفضل مع لجنة ميليس، الذي قدم تقريرا اتهاميا ضد سوريا . وبعد أسابيع، طلبت الحكومة اللبنانية، المعادية لسوريا، رسميا، من الأمم المتحدة إنشاء محكمة دولية من أجل محاكمة المسؤولين عن التفجير الذي قتل رفيق الحريري ومعه 22 شخصا . وقد تم تبني هذا الطلب، الذي ساندته فرنسا والولايات المتحدة، من قبل مجلس الأمن يوم 28 مارس/آذار 2006 ولكن النظام السوري، الذي كان يختنق، حسب المؤلف، أو ينهار، في صمت، ووحده، كما كان يتصور شيراك ويحاول إقناع نفسه والأمريكيين، استعاد عافيته وبدأ يتنفس بعد الهجوم “الإسرائيلي” على لبنان يوم 13 يوليو/تموز ،2006 بعد أن اختطف حزب الله اللبناني جنديين “إسرائيليين” . وبسرعة رأى مستشارو الرئيس شيراك في عملية حزب الله: “عملية ماهرة قام بها بشار الأسد بدعم من حلفائه”، وقال: “يريدُ (الرئيس) الأسد من خلال أزمة إقليمية كبرى، العودة كمحاور رئيسي والتخلص من الضغوط المسلطة عليه” .

“اضطرت “إسرائيل” إلى الانكفاء بعد حملة عسكرية انتهت بالفشل أمام حزب الله المسلح تسليحاً جيداً”، ولكن ما هي النتيجة: “بلد الأرز يتنفس قليلا . ولكن قتلة الحريري لا يزالون طليقين . أما بشار الأسد فهو لا يزال في مكانه في دمشق . وخلافا للتمنيات المتكررة لشيراك، فإن نظامه لم يسقط . الرئيس السوري الماهر، يعرف كيف يُقدم على بعض التنازلات حين يتطلب الأمر ذلك، ويعرف أن يقلب ظهره في انتظار مرور العاصفة . بل ونجح في كسر تدريجي لعزلته الدولية، انطلاقا من يونيو/حزيران ،2007 حين مدّ له الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي، اليد من جديد، في قلب لصفحة من مشاكسة شيراكية كانت فعاليتها محدودة” .

ويختتم المؤلف بقوله، وهكذا انتهى الصراع الشخصي بين شيراك والأسد، لمصلحة الأخير، حيث توجه شيراك إلى التقاعد، تطارده محاكمات حول فساد، في حين أن الرئيس السوري الشاب يبرهن، مع الأيام، أنه لاعبٌ إقليمي كبير يُحسَب له ألف حساب . ولم يبق أمام شيراك من نقطة اتفاق مع الأمريكيين سوى لعب ورقة النووي الإيراني . ولكنه حتى في هذه الورقة، أصيب بفقدان البوصلة، أو “كثير من البوصلات”، إذ قال في لقاء سري، رداً على سؤال عن النووي الإيراني، ولم يكن بغرض النشر: “إن امتلاك إيران للقنبلة النووية ليس مسألة بالغة الخطورة . [ . . .] الخطر لا يكمُن في القنبلة التي ستمتلكها إيران، والتي لن تنفعها في شيء . سترسلها إلى أين؟ على “إسرائيل”؟ قبل مائتي متر من انطلاق القنبلة في المجال الجوي ستكون طهران قد مُسِحَت” .

حاول بعد ذلك أن يخفف من شدة التصريح، وأن يقنع حليفيْه (في الوقت الراهن، إذ لا حليف إلى الأبد) المصري والسعودي، بتبرير آخر . ولا أحد قال لنا: هل اقتنع الصديقان العربيان، اللذان عبّرا عن طموحاتهما النووية، بتصحيح رئيس كان قد بدأ يفكر في تقاعده وفي استدعاءات القضاء؟

ترجمة وإعداد: بشير البكر
" في سر الرؤساء" كتاب صدر قبل أيام للصحافي الفرنسي فانسان نوزيل الذي تمكن من نشر أسرار موثقة تعود لثلاثة رؤساء فرنسيين هم فرانسوا ميتران وجاك شيراك ونيقولا ساركوزي ويتحدث الكاتب عن علاقة الرؤساء الفرنسيين بنظرائهم الأمريكيين رونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وصولا إلى باراك اوباما. لا مبالغة في عنوان الكتاب فهو يكشف أسرارا جدية تتصل بملفات خارجية يتصل معظمها بالعالم العربي وكان الكشف عنها يتطلب عقودا طويلة لم يكن يجرؤ المؤلف على نشرها وهي تتعرض لكل الملفات البارزة في الشرق الأوسط خلال الفترة الواقعة بين 1981-2010وهنا تلخيص موجز لبعض المحطات ومن بينها تفاصيل الخطة الأمريكية الفرنسية للتخلص من الزعيم الليبي معمر القذافي حيث يخاطب رونالد ريغان جاك شيراك وكان رئيسا لحكومة التعايش بين اليمين واليسار في باريس في 11 نيسان 1986 إذ يقول " .. نريد قتل القذافي وانأ احتاج لهذه الغاية أن تعبر قاذفاتنا المقاتلة الأجواء الفرنسية رفض شيراك هذا الطلب المفاجيء وعارض العملية التي يمكن ان تثير ردود فعل عدائية من البلدان العربية و قال إن فرنسا" ترفض رفضا قاطعا إن تكون شريكة في هذه العملية . علما بان الغارة لن تتمكن من إصابة القذافي " ودائما بحسب جاك شيراك. ولشرح الموقف الفرنسي بالتفصيل أوفد الرئيس فرانسوا ميتران احد مستشاريه إلى واشنطن لكي يشرح لريغان أن فرنسا كان يمكن إن تشترك بعملية معدة بعناية لتصفية معمر القذافي بصورة نهائية على ألا تكون هذه الإمكانية تعبيرا عن السياسة الخارجية الفرنسية الرسمية والمعلنة.( صفحة 107 111 )
وفي الكتاب رواية موثقة حول انهيار مشروع الشرق الأوسط الكبير والدور الفرنسي الألماني في إفشال هذا المشروع حيث يقول" ... في نهاية شباط فبراير 2004سربت برلين وباريس مسودة مشروع مشترك بعنوان " الشراكة الإستراتيجية من أجل مستقبل مشترك مع الشرق الأوسط" وكانت هذه المسودة موجهة لضرب المشروع الأمريكي حول الشرق الأوسط الكبير" وفي بداية مارس آذار تم إرسال مبعوثين فرنسيين إلى العواصم العربية من أجل نقل رسائل تحذيرية من هذا المشروع الأمريكي. ومن اجل معرفة أجواء هذه العواصم حول المشروع .ولدى عودته من زيارة للقاهرة وعمان والرياض قال مدير عام الخارجية الفرنسية إن مشروع الشرق الأوسط الكبيرغير قابل للحياة في هذه العواصم. وان رفضه تم بسبب أصله الأمريكي وهنا ينظر إليه بوصفه آلة حرب جديدة ضد العالم العربي والإسلامي... وهو ينطوي بنظر هذه العواصم على آلية استعمار جديد. ولعل انسداد عملية السلام ويوميات العراق الدامية جعلت هذا المشروع فاقدا للمصداقية هذا فضلا عن طغيان الجانب الأمني على إجراءاته. ويضيف المؤلف " كان الناس في القاهرة وعمان يعتقدون أن هذا المشروع إذ يركز على الانتخابات الحرة يريد حمل الإسلاميين إلى السلطة بواسطة ألاقتراع وبعد ايام قليلة يستقبل جاك شيراك ثلاثة من اعضاء مجلس الشيوخ الامريكيين في الاليزيه ويشرح لهم مخاطر الانتخابات الحرة عموما وفي العراق خصوصا " ...الانتخابات الحرة ستؤدي بلا شك إلى سيطرة الشيعة الذين ما إن يتولوا السلطة حتى يتنكروا للديمقراطية. والسنة سيعترضون على حكومة شيعية أما الأكراد فان الحكم الذاتي الذي يمارسونه سيؤدي آجلا أم عاجلا إلى استدراج تدخل تركي
بيد إن شيراك نفسه المناهض لديمقراطية الطوائف في العراق نراه يشجع جورج بوش على ديمقراطية الطوائف في سوريا وذلك عبر مباحثاته مع الرئيس الأمريكي حول لبنان إذ يرى إن ضرب سوريا في لبنان سيؤدي إلى انهيار نظام بشار الأسد وان الدعم الأمريكي الفرنسي لنظام ديمقراطي في سوريا سيؤدي إلى انتخاب السنة الذين يمثلون 80 بالمائة من السكان وبهذه الطريقة ندق وتدا في الهلال الشيعي وفيما يلي الرواية السرية التي نجتزئها من الكتاب حول لبنان"( ص 461 467 )
" انفجرت في 14 شباط عام 2005 شاحنة بيضاء محملة بطن من المتفجرات في موكب الرئيس رفيق الحريري. ابلغ شيراك المصدوم نازك زوجة الحريري بالخبر. و قرر أن يذهب فورا إلى بيروت لتقديم تعازيه لذوي المفقودين.وفي العاصمة اللبنانية "أدان هذه الجريمة الحقيرة التي كنا نظن أنها تنتمي إلى عصر آخر " و بالنسبة إليه لا شك في هوية المسئولين عن الجريمة أبدا إنهم في دمشق ويجب البحث عنهم هناك.
وفي بيروت كان السفير الأمريكي جيفري فيلتمان والفرنسي وبرنارد آمييه يجمعان على التورط السوري في هذه الجريمة على أعلى المستويات .وربما بالتواطؤ مع أجهزة الأمن اللبنانية أو بدونه. من جهته كان الرئيس حسني مبارك الذي اتصل عدة مرات بشيراك يقول هو أيضا أن السوريين مسئولين عن الجريمة.
وفي واشنطن كان بول ولفوويتز الشخصية الثانية في وزارة الدفاع يدعم هذه النظرية. وقد أكد لسفير فرنسا دافيد لافيت في 17 شباط فبراير بأنه لا يشك لحظة في دور سوريا في الجريمة التي قال إنها "مؤشر على الضعف والخوف الذي يعتري دمشق ".
وفي 21 شباط فبراير التقى شيراك بجورج بوش في منزل السفير الأمريكي في بروكسيل. وكانت الأولوية في اللقاء لحادثة الاغتيال ولضرب النظام السوري و يمكن التحقق من هذا الهدف عبر ملاحظات شيراك الخاصة على وثيقة رسمية في حينه تقول ما يلي ""......يجب تشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد هوية الفاعلين والمسئولين... وعلى صفحة أخرى يكتب :.. إن إفشال النظام السوري في لبنان يصيب منه مقتلا. وقد بدأت هذه السيرورة "حين أكد شيراك في اللقاء مع بوش أن قرار الاغتيال اتخذه الرئيس بشار الأسد شخصيا. وان كل فرضية أخرى لا معنى لها " واقترح خطة لضرب النظام السوري محذرا " ... يجب ألا نهاجم سوريا وجها لوجه حتى لا تحصل على التضامن العربي. يجب أن يكون هدفنا تحرير لبنان من السيطرة السورية.".ويوافقه بوش تماما ".. يجب ألا نواجه سوريا وجها لوجه يجب أن نمر عبر لبنان "
ويسأل بوش كيف نصل إلى هذا الهدف"... هنا يطرح شيراك الخطة التي أعدها منذ أيام ويقول" نحتاج إلى لجنة تحقيق دولية ويجب أن تكون قوية ومدعومة من المجتمع الدولي.لان تدخلها في الشأن اللبناني يعين المعارضة( 14 آّذار). هناك اليوم حركة شعبية كبيرة في بيروت ولكن قادتها يخشون من الاغتيال و من ثم يجب ألا ندمج الملف اللبناني السوري بالسلام في الشرق الأوسط لأننا في هذه الحالة نخسر الشيعة الذي سيتقربون أكثر من الحكم في سوريا.
وتعهد بوش "سأوصل الرسالة إلى الإسرائيليين" ومن ثم يشدد الرئيس الفرنسي انه يجب طلب تنفيذ القرار 1559 فورا لأنه سيكون قاتلا للسوريين... ويتابع" إذا لم يطبق القرار يجب أن نقول أن الانتخابات اللبنانية الرئاسية ليست ديمقراطية وليست حرة ويجب أن نعود إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار بفرض عقوبات. بل قبل ذلك يجب أن ندرس منذ الآن سبل العقوبات المباشرة وغير المباشرة على النظام السوري" من جهتها دعت كونداليسا رايس ناظر القرار 1559تييري رود لارسن للاشتراك في هذه الخطة دون أن يتدخل مباشرة في لجنة التحقيق الدولية . وفي السابع من ابريل نيسان وافق مجلس الأمن على هذه الخطة وشكل لجنة تحقيق دولية حول مقتل رفيق الحريري استجابة لرغبة الرئيس الفرنسي جاك شيراك ومباركة الرئيس جورج بوش."
هذه تفاصيل حقيقية لبعض الكواليس الخاصة بأحداث عشناها منذ عقود وحتى اليوم وكان الغموض يلف الكثير من محطاتها فإذا بالكاتب يضعنا وسط الصورة الحقيقية ويعيننا كما يعين غيرنا من الأجيال القادمة على توفير سنوات طويلة قبل نشر الوثائق الرسمية . تبقى الإشارة إلى معلومات الكتاب تبين بوضوح نفاق الغربيين الديمقراطي وخدعة الشرعية الدولية وسذاجة نخبنا السياسية في السلطة والمعارضة..شكرا سيد نوزيل فقد بينت لنا بالمعلومات الموثقة ما كنا نتوقعه تحليلا وبحثا.
كتاب جديد أصدرته دار "فايار" للمؤلف الفرنسي فانسان نوزي يحمل عنوان "في سر الرؤساء" والذي يكشف فيه المؤلف عدة أمور خاصة برؤساء الغرب والعرب، متضمناً أسرار حول اغتيالات كان يخطط بها رؤساء غربيين لاغتيال زعماء عرب وإطاحة أنظمتهم.

انتبه من جاك شيراااااك!!!

وبحسب الزميل سامي كليب بصحيفة "الرأي" الكويتية تأتي أبرز هذه الأسرار التي يكشفها مؤلف الكتاب فيما يتعلق بسعي الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان لقتل العقيد الليبي معمر القذافي، وآخر يتمحور حول إصرار الرئيس جاك شيراك على إطاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
وكان للزعيم العراقي الراحل صدام حسين نصيباً من الكتاب حيث يذكر المؤلف أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب قال لفرانسوا ميتران في خلال احدى المحادثات الهاتفية "سنرقص في شوارع بغداد حين يسقط صدام".
ويؤكد الكاتب على أن الفرنسيين كانوا على قناعة تامة منذ بداية الاعداد للحرب الثانية على العراق، أن الهدف لن يكون العثور على أسلحة الدمار الشامل وانما الاطاحة بصدام، لكن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك كان يعارض بشدة هذا الأمر، ويسعى في خلال اتصالاته العديدة مع الأمريكيين للقول أنه ضد تغيير الانظمة في المنطقة.
وبحسب الصحيفة الكويتية، يذكر المؤلف أنه عندما أرسل شيراك مستشاره موريس جوردو مونتانيو وسفير فرنسا في واشنطن جان دافيد لافيت إلى البيت الابيض للقاء كوندليزا رايس للاستفسار عن أسباب تسريع وتيرة الاستعدادات العسكرية الأمريكية في الخليج، ردت بان "سمعة أمريكا ورئيسها على المحك، ولن نتراجع"، مضيفة "رحيل صدام حسين، وبعدها نغير رؤوس الادارة العراقية، وبعدها نهتم باسلحة الدمار الشامل" مما يؤكد على أن أولوية الأمريكيين هي إطاحة الرئيس العراقي وليس الاسلحة.
يكشف الكتاب أيضاً أن كل من الرئيسين ريجان وميتران كانا قد وصلا إلى مرحلة اليأس من تصرفات القذافي، خصوصا في تشاد وغيرها. ويروي بالتفصيل كل محاضر اللقاءات والمحادثات التي جرت بينهما بغية ازالة الخطر الليبي وتخويف العقيد وصولا الى مرحلة الاقتناع باغتياله، رغم أن فرنسا بقيت معارضة لاغتياله مباشرة.
كما يتطرق المؤلف في كتابه "في سر الرؤساء" إلى الأجواء التي عاشتها كل من لبنان وسوريا قبيل وخلال وبعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، ويضم الكتاب معلومات تُكشف للمرة الأولى من قلب الاليزيه حول سعي الرئيس السابق جاك شيراك لاسقاط النظام السوري، وحول الصفقة الأمريكية-الفرنسية مع الحريري نفسه لفرض القرار 1559.
وقد حصل مؤلف الكتاب على إذن خاص للدخول الى أرشيف الرئاسة الفرنسية، ومقابلة معظم أصحاب القرار الفرنسيين والأمريكيين الذين أشرفوا على تلك السنوات العصيبة التي عرفها لبنان وسوريا في السنوات التي أعقبت وتلت اغتيال الحريري

































http://www.youtube.com/watch?v=UsitpjV3h4s
اسرار كثيرة كشفها كتاب «Dans le secret des president» (في سر الرؤساء) لمؤلفه الفرنسي فانسان نوزي، وأبرزها يتعلق بسعي الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان لقتل العقيد الليبي معمر القذافي، وأحدثها وأهما يتمحور حول اصرار الرئيس جاك شيراك على اطاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.
وأما صدام حسين، فله في الكتاب الصادر عن دار «فايار» أماكن كثيرة، فنقرأ مثلا ان جورج بوش الأب، قال لفرانسوا ميتران في خلال احدى المحادثات الهاتفية: «سنرقص في شوارع بغداد حين يسقط صدام»، وهو الخيار الذي تبانه ميتران نفسه حين راح الرئيس العراقي يقصف الشيعة والاكراد، فالرئيس الفرنسي الراحل قال بالحرف الواحد لنظيره الاميركي: «لا يمكننا ان نترك الطاغية يقتل شعبه بذريعة ان هذا الشعب أمل خيرا من التحالف الغربي، وليتنا أكملنا العمل وتقدمنا الى بغداد».
ويؤكد الكاتب، ان الفرنسيين كانوا على قناعة تامة منذ بداية الاعداد للحرب الثانية على العراق، أن الهدف لن يكون العثور على أسلحة الدمار الشامل وانما اطاحة صدام، لكن شيراك كان يعارض في شدة هذا الأمر، ويسعى في خلال اتصالاته العديدة مع الاميركيين للقول انه ضد تغيير الانظمة في المنطقة.
يروي الكاتب الفرنسي، ان في 13 يناير 2003 شعر شيراك بأن الاميركيين بدأوا فعلا حملة اطاحة صدام، فأرسل على عجل مستشاره موريس غوردو مونتانيو وسفير فرنسا في واشنطن جان دافيد لافيت الى البيت الابيض للقاء غوندوليزا رايس. وسأل الزائرين الفرنسيين، المستشارة عن أسباب تسريع وتيرة الاستعدادات العسكرية الاميركية في الخليج، فردت «بان سمعة أميركا ورئيسها على المحك، ولن نتراجع».
فسألها غوردو مونتانيو «وماذا يمكن ان يوقفكم»، فأجابت بحزم كبير «رحيل صدام حسين، وبعدها نغير رؤوس الادارة العراقية، وبعدها نهتم باسلحة الدمار الشامل».
وفهم الفرنسيون ان أولوية الاميركيين هي اطاحة الرئيس العراقي وليس الاسلحة.
وقد اصيب مبعوث شيراك بصدمة كبيرة ثانية حين استقبله في البنتاغون بول وولفوفيتز، مساعد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ذلك ان الصقر الاميركي المعادي لصدام، قال له بفجاجة «ان الموقف الفرنسي تعبير عن هزيمة اخلاقية». وراح يلوح بيده قائلا: «we Know that you know». ففهم الفرنسيون ان في الامر تهديدا أميركيا واضحا لفرنسا بسبب موقفها المناهض للحرب، لا بل ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول لم يتردد في الايحاء للفرنسيين بأنهم طعنوا أميركا بالظهر.
ويكشف الكاتب الفرنسي أيضا، كيف أن ريغان وميتران وصلا الى مرحلة اليأس من تصرفات القذافي، خصوصا في تشاد وغيرها. ويروي بالتفصيل كل محاضر اللقاءات والمحادثات التي جرت بينهما بغية ازالة الخطر الليبي وتخويف العقيد وصولا الى مرحلة الاقتناع باغتياله، رغم ان فرنسا بقيت معارضة لاغتياله مباشرة.
واذا كان ميتران تردد طويلا في الامر، وبقي مناصرا للضغوط على القذافي لا بل والحور في بعض المرات، الا أنه في نهاية المطاف سلم بالمنطق الاميركي، القائل ان القذافي ميؤوس منه، لكنه بقي حتى النهاية مناهضا لاي تحالف اميركي فرنسي للقضاء عليه.
ويشرح كيف ان الاستخبارات الاميركية فبركت معلومات استخبارية، منها مثلا ما تحدث عن محاولة القذافي اغتيال الرئيس الاميركي.
ومن طرائف الروايات بين ميتران وريغان، ان الرئيس الفرنسي قال لنظيره الأميركي عام 1984: «تصور أنه حين كان جيشنا يواجه الجيش الليبي في تشاد، لم يجد القذافي أفضل من تلك المناسبة لارسال زوجته الى باريس، بغية شراء بضائع والطلب الينا ضمان حمايتها الشخصية».
«في سر الرؤساء»، يروي أيضا أسرار الخضات التي عاشها لبنان وسورية قبيل وخلال وبعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، ذلك أن فيه معلومات تُكشف للمرة الأولى من قلب الاليزيه حول سعي الرئيس السابق جاك شيراك لاسقاط النظام السوري، وحول الصفقة الاميركية-الفرنسية مع الحريري نفسه لفرض القرار 1559.
وحصل مؤلفه على اذن خاص للدخول الى أرشيف الرئاسة الفرنسية، وقابل معظم أصحاب القرار الفرنسيين والاميركيين الذين أشرفوا على تلك السنوات العصيبة التي عرفها لبنان وسورية في السنوات التي أعقبت وتلت اغتيال الحريري، وهو أمر نادر لأن القانون الفرنسي لا يسمح بفتح هكذا أرشيف الا بعد مرور 60 عاما على الاحداث.
وينشر بالتفصيل، محاضر اللقاءات الاميركية الفرنسية، فنقرأ مثلا كيف أن الرئيس الاميركي السابق جورج بوش يقول لشيراك في سبتمبر 2003 على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة: «قل لبشار الاسد أني شرير احادي التصرف»، وكيف أن الخارجية الاميركية وصفت في حينه الرئيس السوري على انه «يتصرف كناصري جديد، ويبحث عن موقع البطولة في العالم العربي»، ويجب الحد من طموحه.
ويكشف الكاتب، أنه منذ الأشهر الاولى لعام 2004 راح قصر الاليزيه يعرب عن بواكير رغباته بالتقارب مع واشنطن حول الملف اللبناني-السوري، فيقول شيراك لاعضاء مجلس الشيوخ الاميركي في مارس 2004: «يجب مساعدة لبنان على التخلص من الوصاية السورية». ثم يقول لبوش خلال العشاء الذي جمعهمها في 5 يونيو 2004: «هناك انتخابات رئاسية ستجري في لبنان في اكتوبر وسيكون في الأمر انطلاقة جديدة للبنان لو أصبح رئيسه من دون وصاية سورية». وطالب بفرض عقوبات على سورية لدفعها صوب الانسحاب من لبنان.
وشيراك الذي وجد في الملف اللبناني فرصة للمصالحة مع أميركا بعد الشرخ الذي أحدثه برفضه حربها على العراق، راح يرسل مرارا مبعوثه موريس غوردو مونتانيو الى واشنطن للقاء رايس وعدد من المسؤولين، وكانت اللقاءات الأبرز في 19 و20 اغسطس 2004 « قبل الانتقال الى سردينيا حيث يمضي رفيق الحريري اجازته الصيفية، وهناك تمت قراءة مشروع القرار 1559 بامعان شديد على يخت الحريري الذي لم يخف غضبه الشديد من السوريين بسبب تعديل الدستور للسماح لحليفهم (الرئيس ) اميل لحود بتمديد ولايته الرئاسية 3 سنوات».
قال شيراك صراحة لرايس التي كان يتصل بها مرات عدة في الاسبوع الواحد أن القرار 1559 «سيجعل المتشددين في دمشق في وضع هش ويعطي الذرائع للمعتدلين للتشكيك بقدرات وتوجهات النظام، ولن تكون لنا اي مصلحة في أن نرى في الشرق الأوسط هلالا شيعيا من ايران الى حزب الله مرورا بالعراق وسورية».
وبعد 4 أيام فقط على اغتيال الحريري، يقرر سفيرا أميركا وفرنسا جيفري فيلتمان وبرنار ايميه المجتمعان في لبنان، ان «سورية هي القاتلة» ويتصل الرئيس المصري حسني مبارك مرات عديدة بشيراك، ليؤكد «ان الجريمة تحمل توقيع سورية»، ويجاريهم في الامر وولفوفيتز.
وبما ان الاتهام الأميركي- الفرنسي -المصري، صدر قبل ان تظهر أي معلومات حول الجهة القاتلة، فان آلة تكريس التهمة تبدأ سريعا بالعمل، فها هو شيراك المشتعل غضبا ضد سورية، يقول لبوش خلال العشاء بينهما في 21 فبراير في بروكسيل: «من الضروري، اطلاق لجنة تحقيق دولية للكشف عن المخططين والمنفذين».
هنا بالضبط، بدأ الرئيس الفرنسي السابق يعتقد أن النظام السوري آيلٌ للسقوط، فيكتب بخط يده وبقلم أسود وتحته سطر بالأحمر «حين ندفع النظام السوري الى الفشل حول القضية اللبنانية، يمكننا أن نصيبه في المقتل، وقد بدأنا فعلا هذا المسار، ويقيني بأن سورية لن تتراجع الا اذا اخفناها وسببنا لها الأذى»، مضيفا «ان من يعرف كيفية عمل النظام العلوي في سورية لا يشك مطلقا بأن قرار (اغتيال الحريري) اتخذ من قبل بشار الأسد، وكل فرضية أخرى ليس لها أي معنى».
وهكذا استبعد شيراك، سلفا أي تورط اسرائيلي او سلفي في القضية، «وكان جورج بوش ينصت اليه».
يقين شيراك بقرب انهيار النظام السوري، اقترن بخشيته من أن أي مواجهة مباشرة مع الأسد ستؤدي الى تضامن عربي مع دمشق، فيجيبه بوش، «انا موافق معك، يجب عدم مواجهة سورية مباشرة، وعلينا المرور عبر لبنان، ولكن كيف يمكننا الوصول الى هذا الهدف»؟
يكرر شيراك ضرورة قيام لجنة تحقيق دولية، معتبرا ان ذلك يقوي شوكة المعارضة اللبنانية لسورية، ويشدد على وجوب عدم مزج الملف اللبناني- السوري مع مسيرة سلام الشرق الاوسط «لاننا بذلك نخسر الشيعة الذين سينضمون الى العلويين».
ويكشف الكاتب كيف أن باريس وبالتشاور مع واشنطن، سعت الى ابعاد «حزب الله» عن دمشق، لا بل ان فرنسا أوفدت ايميه سرا للقاء الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فلاقى جوابا مفاده بان المقاومة مستمرة وانه يجب عدم المساس بسورية. ومع تشديد شيراك على لجنة التحقيق وابعاد الملف عن مسالة الشرق الاوسط، يجيبه بوش بأنه سيمرر رسالته هذه الى الاسرائيليين، ويسأل عما اذا كان من الممكن خروج السوريين من لبنان من دون أن يؤدي الأمر الى حرب أهلية لبنانية، فيطمئنه شيراك على أن الحل يكمن في تطبيق القرار،1559 قائلا «سيكون القرار قاتلا للنظام السوري»، خصوصا اذا ما اضيفت اليه عقوبات قاسية على هذا النظام، وتقترح رايس الحاضرة ذاك الاجتماع ان يكون للمبعوث الدولي تيري رود - لارسن دور في ذلك.
والغريب أن شيراك أظهر تشددا ضد سورية أكثر بمرات مما كان عليه أمر بوش، فما أن يعلن الاسد الرغبة بالانسحاب من لبنان، حتى يسارع سيد الاليزيه للقول لبوش «ان هذا غير كاف، فالأسد سيحتفظ بنقاط استراتيجية في لبنان، ويجب مواصلة الضغط عليه واقناع حزب الله بالابتعاد عنه».
ويقول شيراك صراحة: «اذا حصلنا على انسحاب السوريين وعلى فقدان سيطرة سورية على لبنان سينهار النظام السوري... وستقود الديموقراطية في سورية الغد الى وصول السنة والمسيحيين الى السلطة وهو ما سيدق مسمارا في الهلال الشيعي». وحين يستقبل الرئيس الفرنسي، ضيفته رايس في 14 اكتوبر 2005، يؤكد لها بيقين مطلق أن «النظام السوري يتحلل، ولن يستطيع مقاومة الضغط المزدوج والمتمثل من جهة باستقلال لبنان المناهض لمشروع اقامة سورية الكبرى، ومن جهة ثانية بالتناقضات داخل الأقلية العلوية... وان فرض عقوبات على سورية سيؤدي حكما الى اسقاط النظام».
وفي اللقاء نفسه، تنضج الطبخة الفرنسية الأميركية لأنشاء المحكمة الدولية بغية ملاحقة قتلة الحريري، بعد أن تؤكد رايس ضرورة استصدار قرارين ضد سورية، الاول يشدد على عدم تعاونها مع لجنة التحقيق، والثاني على تصرفاتها بعد تقرير لارسن، ولم تمض أسابيع قليلة حتى طلبت حكومة لبنان من الأمم المتحدة انشاء تلك المحكمة.
ومن يمعن في قراءة الكتاب، سيخرج بقناعة، مفادها بان شيراك كان أكثر حماسة من بوش لجهة تسريع خطوات اسقاط النظام السوري، وربما أكثر يقينا أيضا بأن الأمر سيحصل قريبا جدا واقل حماسة من نظيره الآميركي لجهة اقامة «شرق اوسط جديد»، لخشيته من أن أي خطة متسرعة لنشر الديموقراطية في هذه المنطقة الصعبة قد تؤدي الى زعزعة استقرار أنظمة عربية عديدة من مصر الى الاردن وصولا الى السعودية.
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 11-27-2010, 03:21 AM بواسطة بسام الخوري.)
11-27-2010, 03:13 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
Information كتاب الجلوة / كتاب اليزيدية الفكر الحر 0 5,140 02-13-2011, 01:53 PM
آخر رد: الفكر الحر
  قرأت 50 كتاب في كتاب واحد فقط واروع كتاب على الاطلاق faith-leo thursday 4 6,717 08-14-2010, 01:13 AM
آخر رد: بسام الخوري

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS