كتب محمد الخامري
لفت نظري بل أرعبني كثيرا تداول العديد من الشباب اليمنيين التبشير بموعد (3 فبراير) على الموقع الاجتماعي (الفيسبوك)، ليكون منطلقا للتغيير كما يقول أولئك (المفسبكين) الذين فتحوا صفحة خاصة عليها العديد من الرسومات والصور معنونة بـ(اليمن غالية وعليك أن تحررها)، ويفاجئك سؤال إجباري عند فتح الصفحة هل ستحضر أم لا؟، مع ثلاث إجابات محددة بأزرار يتم الهمس عليها فقط وهي (أنوي الحضور- قد يحضر- لا)..!!
سبب الرُعب الذي تملكني هو أن الشرارة الأولى لثورة التونسيين بدأت من هذا الموقع الشؤم (الفيسبوك)، وهو أيضا الشرارة الأولى أو الأداة الذي استخدم لإخراج الشارع المصري رغم إغلاقه وحجبه بعد ذلك، بل وقطع الانترنت كاملا في مصر إلا أن (الحمار خرج السوق) كما يقال، ونزل الشباب وتجمعوا في الأماكن التي حُددت في الفيسبوك قبل إغلاقه ورفضوا العودة إلى منازلهم ولا يزالون هناك إلى الآن رغم الإصلاحات التي لم يفعلها الرئيس مبارك منذ أكثر من 30 عاما لكنهم غير راضين ويصرون على رحيله عن البلاد..!
الخوف كل الخوف أن ينفرط العقد ويتسع الخرق على الراقع، وتخرج الجماهير اليمنية من القمقم، وتخرج عن إطار المؤتمر والمشترك، وتخرج إلى الشارع بلا هدى ولا رادع ولا قائد، قدوتها في ذلك الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، والذي قال "عجبتُ لمن لا يجد القوت في بيته، ألا يخرج على الناس شاهرًا سيفه".!
أعتقد أن المعارضة القائمة حاليا والمتمثلة في اللقاء المشترك أحد أهم صمامات الأمان لنظام الرئيس علي عبدالله صالح القائم، وللأمن والاستقرار في البلاد، ويجب على الرئيس أن يتعامل معها بحكمة وإلا يستحثها أو يضغط عليها كثيرا للخروج عن طورها والتخلي عن الشارع الذي لن يستطيع ضبطه أمن ولا جيش، بل أوقن يقينا أنهم (الأمن والجيش) سيتحالفون مع المواطنين من أول يوم ينفرط فيه العقد وتعم الفوضى لاقدر الله، ولنا في تونس ومصر عبرة.
يجب على النظام الحالي بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح أن يغسل رأسه ويحلق لنفسه قبل أن يأتي من يحلق له، وهذه حكمته التي تغنت بها العربان، وجرى بها الركبان، ورددتها وسائل الإعلام طويلا، لماذا لايقوم بإعلان حزمة إصلاحات حقيقة وليست وهمية مثل ضرائب المرتبات واستراتيجية الأجور، لماذا لايُضحي بثلث أو ربع المتنفذين الكبار من لصوص المال العام وهم معروفين للقاصي والداني، ويحيلهم إلى القضاء العادل لمحاكمتهم..
ساعتها فقط سيؤمن الشعب أن الرئيس تغير وانه جاد في بناء اليمن الحديث..
- استغرب كثيرا رغم مراهنتي على حكمة الأخ الرئيس ورجاحة عقله، استغرب إصراره الشديد على عدم اخذ الأمور مأخذ الجدية ووضع الأمور في نصابها الصحيح، سقط نظام زميله التونسي وخرج علينا يعلن أن اليمن ليست تونس، وقارب النظام المصري على الانهيار، وهاهو يراهن على أن اليمن ليست تونس ولا مصر..
أنا اعرف وكلنا يعرف أن اليمن ليست تونس وليست مصر، بل اشد منهما الاثنتين!، اليمن بلد استثنائي، نعم استثنائي بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى، ودون دغدغة عواطف واستخفاف بعقول الناس، لدينا قبائل متسلحة بالأمية والجهل والجوع والفقر ومستعدة للإغارة على المدن وتحديدا العاصمة صنعاء في اقل من ساعة واحدة، ولاغرابة في أن تجد بعض أبناء القبائل من يعتبر أن أصحاب المحافظات الأخرى لاملك لهم في صنعاء ومتمسكين بحكمة الإمام رحمه الله (مُلك في غير بلدك لا لك ولا لولدك)، وأن أبناء المحافظات الأخرى (لافرق بين شمالي وجنوبي وشرقي وغربي) غرباء ودخلاء على صنعاء، وبالتالي يمكن أن يعود الحق لأصحابه (لهم) إذا حلت الفوضى واستبيحت الدماء والأعراض والأموال لاقدر الله..
لدينا زعماء حرب متمترسون خلف بنادقهم وثكناتهم العسكرية من الآن، وفي ظل النظام والأمن والاستقرار، فما بالك إذا سقط النظام واختلط الحابل بالنابل..!
لدينا شباب عاطل يرى في منازل المسئولين وممتلكاتهم فيدا حلالا لأنها من خزينة الشعب وليست من كد عرقهم وجبينهم، وبالتالي فإنهم لن يتورعوا في الهجوم على كل ماتقع عليه أبصارهم وتصله أيديهم، بل سيتعدى فعلهم مايمكن تصوره الآن إذا عمّت الفوضى لاقدر الله.
تحدي الشعب
- المظاهرات في مصر خرجت دون أي تنظيم سياسي أو قائد يقودها أو هدف سياسي تريد الجماهير الغاضبة تحقيقه، سوى إسقاط النظام الذي تحداها وقال (مصر مش تونس)، وفي اليمن يُصر النظام على تحدي هذا الشعب المسكين مراهنا على القبيلة أو قادة الجيش من الأبناء والأقارب الذين لايُمكن أن ينزلوا بأنفسهم لتفريق المتظاهرين أو إعادتهم إلى منازلهم، ويُمكن أن يكونوا هم أول من تسعر بهم المظاهرات الهادرة والغضب العارم إذا اشتدت وطأته لاقدر الله..
اشعر من بعض الممارسات أن هناك من يستعجل زوال النظام من داخله ومن المحسوبين عليه، هناك من يتحدى الشعب في مثل هذه الظروف تحديدا، ففي الوقت الذي يتم فيه إسقاط النظام المصري بسبب تحكم الأنجال في السياسة والاقتصاد وليس في الجيش، يُعلن عن إنشاء قوة عسكرية جديدة (مشاه جبلي) ويعين نجل الرئيس الصغير (العقيد خالد) قائدا لها..!!
كما يقوم الرئيس بإصدار قرار تعيين لمسئول تم طرده وسحب الثقة منه لأكثر من 3 مرات من محافظته، ونكاية في تلك المحافظة ومجلسها المحلي وسكانها ووجهاءها يقوم بتعيينه وكيلا في أمانة العاصمة، وعلى عينك ياحاسد..!!
وهنا فاصلة بسيطة أو توضيح، وهو أني عندما أتحدث كما هي عادتي عن أبناء الرئيس أو الأسرة الحاكمة والذين تربطني ببعضهم علاقات أخوية جيدة وصداقات إنسانية رائعة، فإنني لا أتحدث عن قدرة أو كفاءة، بقدر ما أتحدث عن ممارسة تُقرأ على أنها سياسية، وتعكس صدىً في الشارع الذي لاينظر إليها إلا من زاوية واحدة فقط وهي استغلال الحكم لتمكين الأسرة والأقارب والاستقواء بهم على الشعب.
زلزال مصر
ألا يتعظ الأخ الرئيس مما يحصل في مصر هذه الأيام.. هاهو الزعيم يترنح وأصبح قاب قوسين أو أدنى من السقوط، والشعب كله يهتف "إرحل ارحل مش عاوزينك"، ها هو يترنح فيما مصر تغتسل من ليل الضباب، تفرك عينيها على صبح تشرق شمسه ملونة بدم الشهداء الذين سقطوا في تلك المظاهرات.
وفيما يقاوم الزعيم (فرعون) السقوط المدوي، يفر (قارون) بخزائنه، ويهرب (هامان) بسحرته، ولا أحد يغيثه رغم انه كان مظلتهم التي يحتمون بها..
ألا يرى الأخ الرئيس كيف ينهض الشعب المصري العظيم الذي طالما استكان وصبر وتحمل قهر النظام وتشويهه لملامحه واستبداله لدوره، ألا يتعظ عندما يرى المواطن المصري يُصافح ويعانق الضابط على متن المصفحة العسكرية، وعندما يرى الشاب المسكين وهو يكتب على الدبابة (يسقط مبارك) والضابط العسكري ينظر إليه ولا يحرك ساكنا..!!
لا أحد يتوقع أين ستكون الضربة القادمة.. تونس كانت الشرارة التي قضت على (فزاعة هُبل)، تلتها مصر ويعلم الله من هو المرشح القادم؟
انه تسونامي الشعوب.. انه قدر الله في الأرض، يتجمع بعنفوانه الجاثمة في صدور الشعوب، وقوته المتمثلة في إرادتهم الباطشة، وأدواته التي تحركهم وتُصبِّرهم على البقاء في الشوارع، تتجمع هذه القوى الكامنة شيئا فشيئا حتى إذا ما استوت سفينته على الجودي فاض على العروش المتجذرة وبطش بهم وأخذهم اخذ عزيز مقتدر..
انه تسونامي الشعوب الذي لايبقي ولا يذر، وعندما يصل إلى بلد فانه لاينفع مال ولا بنون، ولو قدموا له فدية كل مالديهم من أموال وممتلكات على أن يبقوا في الحكم ليلة واحدة، فإنهم لايستقدمون ساعة ولا يستأخرون..
انه نفس المنطق ونفس الكلمات، عندما أدرك الغرق فرعون مصر قديما، فأعلن انه فهم دعوة هارون وموسى وقال (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ).. إنه المنطق نفسه الذي أعلن عنه ديغول وهو يواجه الشعب الجزائري الثائر، حيث قال لهم: لقد فهمتكم، والكلام نفسه ردده زين العابدين عندما قال للتونسيين الثائرين: لقد فهمتكم.. وهو نفس ما قاله الرئيس حسني مبارك في خطابه الأخير: إنني أتفهم طلباتكم، لكن الشعوب تقول بمنطق القرآن (آَلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)...؟
حاشية الرئيس
المشكلة أيضا في أن هناك من الحاشية من يتصرف تصرفات غير مدروسة ولا مرسومة ولا مفهومة ولا متفق عليها ويتحمل وزرها الرئيس علي عبدالله صالح، ولازالت مسألة (قلع العداد الرئاسي) التي أزّمت الدنيا ولازالت تتصاعد حتى اليوم شاهدة على ذلك، ومثلها نقل مظاهرات المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) على الهواء مباشرة عبر القناة الفضائية وهم يهتفون مالنا إلا علي، وبالروح بالدم نفديك ياعلي، ولقاءات مع بعض المسئولين والغوغاء في تلك المظاهرات وكلهم يشيد بمناقب الرئيس ومنجزاته..
عندما كنت أشاهد تلك المظاهرة تبادرتْ إلى ذهني العديد من الأفكار، إذ كيف ينظر المشاهد الخارجي لتلك المظاهرات (المباشرة) وفي هذا التوقيت بالذات، إنها تضعف النظام أكثر مما تخدمه أو تقويه أو تدعمه، وأتذكر أن الجزيرة والبي بي سي والعربية كانت تبرز لحظتها خبرا عاجلا تقول فيه أثناء المظاهرات المصرية (إذاعة القاهرة تستضيف علماء يحرمون الخروج إلى الشوارع والتظاهر ضد النظام) ويمكن للقارئ اللبيب مقارنة هذا الخبر ودلالة تناقله في كبرى الفضائيات العربية على انه خبر عاجل، ومقارنته بالنقل المباشر لجماعة لايتعدى عددها 500 شخص وهم يرفعون صور الرئيس ويرددون هتافات وكلمات تشيد بمنجزاته..!!
والحال كذلك بالنسبة للكلمة التي نُقلت عبر الفضائية اليمنية من بلاد الروس لمحافظ صنعاء "نسب الرئيس" نعمان دويد، والتي خجلتُ كثيرا (كمتابع) عندما سمعتها، وكنت أُكبر (نعمان) واحسب انه رصينٌ حصيفٌ فطنْ، لكنه لم يكن كذلك وهو يردد تلك الكلمات وبذلك الأسلوب ومستوى الإسفاف الذي نزل إليه في لغته ولهجته، وقد دفع ثمنها بالاعتذار والمهدعش والاعتراف بالخطأ لبيت الأحمر، وهذا ليس عيبا بل منقبة إذ (لايعترف بالخطأ إلا الكريم ولا يُكابر إلا اللئيم)، لكني كنت أريده أن يزن كلماته على وزن منصبه وقربه من رأس النظام وألا يكون مع الخيل ياشقرا..
رغم استيائي الشديد من كلمة الأخ نعمان دويد إلا انه أضحكني من قلبي عندما ذهب بعيدا في ذم المعارضة والملياردير حميد الأحمر (صاحب السيكل!) والاحتفاء بالرئيس علي عبدالله صالح وقال (أتحدى واحد يقول يوم القيامة إن علي عبدالله صالح ماحققش الوحدة)..!!
رؤيتي للأحداث
اعتقد أني مشتت كثيرا نظرا للعديد من الأحداث المتسارعة على الساحة المصرية والتونسية والعربية إجمالا، والمتشابهة إلى حد كبير بين الدول العربية لاسيما الجمهورية منها أو ما يمكن تسميتها بـ(الجملوكيات) وبلدنا احدها، لكنني أرى أن مايحصل حاليا في مصر وماسبقه في تونس هي لعبة مخابرات دولية خيوطها في البيت الأبيض ولاعبوها صهاينة عملوا على إقناع مبارك تعيين عمر سليمان (ربيبهم) نائبا له ليتسلم بعده الحكم وفقا للقانون، حيث سيخرج مبارك في رحلة علاجية أو نقاهة أو إجازة، وتضمن إسرائيل أنها باقية في مصر وتمسك بخيوط اللعبة من اتجاه معبر رفح وغيره من اتجاهات الأمة العربية التي تتزعمها مصر..
سبق تونس موقع ويكيليكس الذي هيّج الجماهير العربية وحرق مرحلة كانت ستأخذ من الإدارة الأمريكية للوصول إلى مانحن عليه اليوم من أحداث متسارعة وتغيير أنظمة وقناعات سياسية (معارضة وحاكمة) 15 سنة على الأقل، ثم جاءت أحداث تونس التي لعبت المخابرات الدولية دورا كبيرا في توجيهها لإيجاد موطئ قدم لأمريكا في القارة الإفريقية التي (كانت) تسيطر عليها فرنسا، ثم جاءت وثائق السلطة الفلسطينية التي نشرتها قناة الجزيرة على اعتبار أنها سلطة بلا دولة وبالتالي يتم نخرها بالوثائق ويصفي بعضهم بعضا، واعتقد عما قريب سيدب الخلاف بين أطراف وأجنحة وقادة السلطة الفلسطينية نفسها بعيدا عن حماس، ثم يكون الطلاق البائن لتغيير نظام جديد ليس أفضل من الحالي بل لأن الحالي أدى دوره ويكفيه واللاحق سيكون (أرطب)!!.
قناة الجزيرة في قطر كان لها الدور الأكبر في إسقاط نظام زين العابدين وهي من كشفت عن وثائق السلطة الفلسطينية، وتقوم حاليا بالنفخ الشديد لإسقاط النظام المصري، اعتقد أنها عملية مفهومة، وأن هناك من يوجهها ويستخدمها وسيلة لإعادة تنظيم المنطقة من جديد وفق إستراتيجية أمريكية جديدة بانت ملامحها وبقي الإفصاح عنها رسميا، لكني أيضا اعتقد أن أمريكا لن تلحق الإفصاح عن إستراتيجيتها الجديدة في المنطقة، فهناك العديد من مؤشرات الشيخوخة التي بدأت تظهر عليها.
* محمد الخامري/ ناشر ورئيس تحرير صحيفة إيلاف - اليمن
http://aaram.net/article.aspx?id=19797&cat=1&AspxAutoDetectCookieSupport=1