مسيلمة، النبيّ المخلوع (2/1)
http://www.alawan.org/مسيلمة،-النبيّ.html
في سجنه بنواحي باريس، كتب الناقد السينمائيّ Robert Brasillach في كتابه "الإخوة الأعداء" مقولةً ذهبتْ مثلا: "التاريخ يكتبه المنتصرون". وقد توجد استثناءات، فتصلنا كتابات المغلوب ورؤيته للأحداث والوقائع، بيد أنّ التاريخ، وفي أغلب الحالات، قد يشكو من فجوات لا يملؤها إلاّ النصّ الذي كتبه المنتصر، فلا يتوفّر لنا من معلومات إلاّ ما تفضّل به علينا، ولا نملك من رؤية إلاّ ما وجّهنا إليه بنفسه مسبّقا. فهل نسلك درب التسليم بهذه المعلومات ولسان حالنا يقول: مكره أخوك لا بطل؟ أم نسلك درب النفي الجذريّ ونرمي بكتابات المنتصر وشهاداته، مردّدين المقولة اللاتينيّة testis unus testis nullus أي شهادة واحدة تعادل اللاشهادة؟
قد نميل إلى أضعف الإيمان، ونمسك العصا من وسطها، ونضع رواة هذه الأخبار في ميزان الجرح والتعديل لنتبيّن مدى مصداقيّتهم، وهذا المنهج هو الذي اعتمدناه في بحثنا هنا عن مسيلمة.
تتّفق كلّ كتب التراث على السخريّة من مسيلمة والحطّ من شأنه وتقديمه لنا في صورة كاريكاتوريّة، وتفنّن المتفنّون في وضع كلام مسجوع تحت اسم "قرآن مسيلمة" أو "سجع مسيلمة" فتارة يقول: (ضفدع بنت ضفدعين، نقّى ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين)(1) وتارة: (والشاة السوداء، واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تجتمعون)(2) وغير هذا كثير من السجع الكاريكاتوريّ، وقد بحثنا عن أسانيد هذه الروايات فوجدنا أنّها بلا سند حيث تُروى بصيغة " وجاء في الأثر" أو "وقال مسيلمة الكذّاب" أو "يقال" أو "وذكروا" إلاّ أربع روايات فقط، ممّا وقفنا عليه، مذكورة بالسند سنخضعها لمنهج الجرح والتعديل.
الرواية الأولى يرويها الطبري في تاريخه وهي أنّ مسيلمة قال: (سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذا طمع، ولا زال أمره في كل ما سرّ نفسه يجتمع. رآكم ربّكم فحيّاكم، ومن وحشة خلاّكم، ويوم دينه أنجاكم، فأحياكم علينا من صلوات معشر أبرار، لا أشقياء ولا فجّار، يقومون الليل ويصومون النهار، لربّكم الكبّار، ربّ الغيوم والأمطار..). وقال أيضاً : (لمّا رأيت وجوههم حسنت، وأبشارهم صفت، وأيديهم طفلت، قلت لهم: لا النساء تأتون، ولا الخمر تشربون، ولكنّكم معشر أبرار، تصومون يوماً، وتكلفون يوماً، فسبحان الله، إذا جاءت الحياة كيف تحيون، وإلى ملك السماء ترقون، فلو أنّها حبّة خردلة، لقام عليها شهيد يعلم ما في الصدور، ولأكثر الناس فيها الثبور)(3). وسند الطبري في هذا الخبر هو: (سيف عن الصعب بن عطيّة بن بلال عن أبيه وسهم بن منجاب). لم أقف على ترجمة الصعب بن عطيّة ويبدو أنّه مجهول هو وأبوه، أمّا سيف المذكور هو سيف بن عمر ويقول فيه رجال الجرح والتعديل في تهذيب التهذيب:
(سيف بن عمر التميمي البرجمي ويقال السعدي ويقال الضبعي ويقال الأسدي الكوفيّ صاحب كتاب الردّة والفتوح.
قال ابن معين: ضعيف الحديث وقال مرّة: فليس خير منه.
وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي.
وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال النسائي والدارقطني: ضعيف.
وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها.
وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات عن الأثبات، وقالوا أنه كان يضع الحديث.
وقال البرقاني عن الدارقطني: متروك.
وقال الحاكم: اتّهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط.
قرأت بخطّ الذهبي مات سيف زمن الرشيد) (4)
وفي كتاب تقريب التهذيب قال ابن حجر عن سيف: (ضعيف في الحديث، عمدة في التاريخ)(5) وعلّق البرزنجي في كتابه القيّم "صحيح وضعيف الطبري" قائلا: (عقّب المحرّران، الشيخ شعيب والدكتور بشّار، على قول الحافظ "ضعيف الحديث عمدة في التاريخ" بقولهما: بل متروك فحديثه ضعيف جدّا… وحتّى أخباره في التاريخ ليست بشيء فقد قال أبو حاتم الرازي: متروك يشبه حديث الواقدي..)(6).
وهذا منطقيّ فإن كان الرجل لا يتورّع عن وضع الأحاديث والكذب على النبيّ فما بالنا برواية الأخبار والتاريخ، فالسند مجروح بوجود سيف فيه، ولا لوم على الطبري في اعتماده على سيف في تاريخه حيث أنّ منهج الطبري واضح في تقديمه لكتابه قائلا: (فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنّه لم يعرف له وجهاً في الصحّة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنّه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنّما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنّما أدّينا ذلك على نحو ما أدّى إلينا) فالطبري أدّى الخبر كما وصله بإسناده وأخلى ذمّته فإن كان هناك استنكار أو لوم، فعلى من نقل الخبر إليه.
والرواية الثانية عن قرآن مسيلمة والتي يذكرها الطبري هي أنّ مسيلمة قال: ( والليل الأطحم، والذئب الأدلم، والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم/ وقال: والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس/ وقال: إنّ بني تميم قوم طهر لقاح، لا مكروه عليهم ولا إتاوة، نجاورهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم من كلّ إنسان، فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن/ وقال: والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تمجعون/ وقال: يا ضفدع ابنة ضفدع، نقّى ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين/ وقال: والمبذّرات زرعا، والحاصدات حصداً، والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً، إهالة وسمناً، لقد فضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والمعترّ فآووه، والباغى فناوئوه)(7) وسند هذا الخبر هو: (سيف عن طلحة بن الأعلم عن عبيد بن عمير عن أثال الحنفي) وقد تقدّم الحديث عن سيف بن عمر رغم أنّه ينقل هذه الرواية عن طلحة بن الأعلم وهو صدوق من الطبقة السادسة، بيد أنّ ابن حبّان، أعلاه، أشار إلى أنّ سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الأثبات. فهذا السند، وفيه سيف، مجروح أيضا.
والرواية الثالثة يرويها الطبري عن ابن إسحاق ونصّها أنّ مسيلمة قال: (لقد أنعم الله على الحبلي، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وَحَشَى)(8) وهذا الخبر وصلنا أيضا مذكورا في سيرة ابن هشام(9) وإسناده: (ابن إسحاق، عن شيخ من بني حنيفة) ودون أن نتعرّض إلى قول رجال الجرح والتعديل في ابن إسحاق حيث أنّ الآراء فيه متضاربة ويكاد يتساوى عدد الذين يوثّقونه مع الذين يجرّحونه، والخلاصة في ابن إسحاق هي "حسن الحديث إذا صرّح بالتحديث" وقد صرّح ابن إسحاق هنا قائلا: (حدّثني شيخ من بني حنيفة) لكن من هو هذا الشيخ؟ فهذا إسناد مظلم، كما أنّ هذه "الآيات" مذكورة في مواطن أخرى ومنسوبة لغير مسيلمة حيث أخرج ابن ضريس في فضائل القرآن: (عن أبي وائل: أنّ وفد بني أسد، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو الزنية(10) أحلاس الخيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم بنو رشدة. فقال الحضرمي بن عامر: والله لا نكون كابن المحولة، وهم بنو عبد الله بن غطفان، كان يقال لهم : بنو عبد العزى بن غطفان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي : هل تقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم، فقال: اقرأه، فقرأ من عبس وتولى ما شاء الله أن يقرأ، ثم قال: وهو الذي منّ على الحبلى، فأخرج منها نسمة تسعى بين شراسيف(11) وحشا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزد فيها فإنّها كافية)(12) إسناده حسن. فقوله (الذي منّ على الحبلى، إلى آخره..) تنسب في هذا الإسناد وغيره إلى الحضرمي، فجعلها هذا الشيخ من بني حنيفة، الذي نقل عنه ابن إسحاق، منسوبة إلى مسيلمة، ونجد هذه الرواية مرّة أخرى تنسب إلى أعرابيّ قرأها أمام عائشة ونصّها: ( عن عائشة رضي الله عنها أنّها كانت في سفر، فصلّت خلف أعرابيّ، فقرأ: ألم تر كيف أنعم ربّك على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى، أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى، ألا بلى، ألا بلى، فقالت عائشة: ما لكم، لا آب غازيكم ولا زالت نساؤكم في رنة)(13) إسناده مظلم. ويصف ابن إسحاق مسيلمة نقلا عن شيخ بني حنيفة "المجهول" : (وأحلّ لهم الخمر والزنا، ووضع عنهم الصلاة)(14) رغم أنّ "الآيات" الأخرى المنسوبة لمسيلمة والتي نقلها الطبري عن سيف بن عمر تقول: (لا النساء تأتون، ولا الخمر تشربون، ولكنّكم معشر أبرار، تصومون يوماً، وتكلفون يوما) ويبدو أنّ ابن إسحاق نفسه غير متأكّد من هذه الأخبار إذ يقول بعد أن ذكرها: (فالله أعلم أيّ ذلك كان)
والرواية الرابعة يرويها ابن عساكر في تاريخ دمشق، وهذا نصّها: (أنّ قرّة بن هبيرة العامري قدم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأسلم فلمّا كان حجّة الوداع نظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو على ناقة قصيرة فقال يا قرّة، فقال الناس يا قرّة، فأتى النبيّ (صلى الله عليه وسلم) فقال: كيف قلت حين أتيتني؟ قال: قلت يا رسول إنّه كان لنا أرباب وربّات من دون الله ندعوهم فلا يجيبونا ونسألهم فلا يعطونا، فلمّا بعثك الله أجبناك وتركناهم. فلمّا أدبر قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أفلح من رزق لبّا، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمرو بن العاص إلى البحرين فتوفّي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعمرو ثَمّ.
قال عمرو: فأقبلت حتى مررت على مسيلمة فأعطاني الأمان ثمّ قال: إنّ محمّدا أرسل في جسيم الأمور وأرسلت في المحقرات، وقلت: أعرض عليّ ما تقول، فقال: يا ضفدع نقّي فإنّك نعم ما تنقّين، لا زادا تنقرين ولا ماء تكدّرين، ثمّ قال: يا وبر يا وبر إنّما أنت إبراد وصدر، وسائرك حفر نقر، ثمّ أتى بأناس يختصمون إليه في نخلات قطعها بعضهم لبعض فتسجى قطيفة ثم كشف رأسه ثمّ قال: والليل الأدهم والذئب الأصحم ما جاء ابن أبي مسلم من محرم، ثم تسجّى الثانية فقال: والليل الدامس والذئب الهامس ما حرمته رطبا إلا كحرمته يابس، قوموا فلا أرى عليكم في ما صنعتم بأسا، قال عمرو أما والله إنّك لكاذب وإنّا لنعلم أنّك لمن الكاذبين، فتوعّدني)(15) وسند هذا الخبر هو: (أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو الحسين بن النقور أنا عيسى بن علي أنا عبد الله بن محمد حدثني إبراهيم بن هانئ أنا عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير، واللفظ ليحيى، أنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن نشيط) وهذه رواية ضعيفة وموضوعة وذلك من ثلاثة وجوه:
الوجه الأوّل: وجود "سعيد بن نشيط" في السند، وقال فيه ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل: مجهول.(16) وقال البخاري في كتاب الضعفاء: لا يصحّ (17) وقال ابن حجر في لسان الميزان: لا يُعرف، مجهول، ذكره ابن حبّان في ذيل الضعفاء.(18)
الوجه الثاني: أنّي تتبّعتُ المتن فرأيت أنّ أصل الخبر هو عن لقاء قرّة بالنبيّ ولا ذكر فيه لاستطراد الراوي فيما بعد عن مسيلمة وقرآنه، فأصل الرواية هو الخبر الأوّل فقط وقد ذكره البخاري، وغيره، في التاريخ الكبير معلّقا(19) بسند آخر، وهو عن يزيد بن جابر أخبره شيخ بالساحل عن قرّة بن هبيرة، ولا ذكر فيه لمسيلمة، وإنّما تمّ دمج الخبرين بسند واحد فيما بعد، ورغم أنّ الرواية ضعيفة ويمكن تجاوزها فإنّي أردت معرفة متى وقع التحريف فيها وإلصاقها بخبر مسيلمة مع عمرو بن العاص، فوجدت، ممّا وقفتُ عليه، أنّ الخرائطي ذكره في مساوئ الأخلاق(20) بسند ابن عساكر، ودليلي على وقوع خلط في الرواية هو أنّ ابن قانع في معجم الصحابة، وبالسند نفسه تقريبا، لا يذكر مسيلمة(21) وكذلك البيهقي في شعب الإيمان(22) وألخّص المسألة للقارئ:
سند ابن عساكر: عبد الله بن صالح =الليث بن سعد= خالد بن يزيد= سعيد بن أبي هلال=سعيد بن نشيط (وفيه مسيلمة)
سند الخرائطي: عبد الله بن صالح =الليث بن سعد= خالد بن يزيد= سعيد بن أبي هلال=سعيد بن نشيط (وفيه مسيلمة، والسند نفسه)
سند ابن قانع: ابن بكير =الليث بن سعد= خالد بن يزيد= سعيد بن أبي هلال=سعيد بن نشيط
(لا يوجد فيه مسيلمة)
سند البيهقي: ابن وهب =الليث بن سعد= خالد بن يزيد= سعيد بن أبي هلال=سعيد بن نشيط
(لا يوجد فيه مسيلمة)
ومن هنا نلاحظ أنّ قصّة مسيلمة دخلت في السند عند "عبد الله بن صالح" وهو الذي خلط القصّتين الضعيفتين بإسناد واحد، بينما القصّة من طريق غيره تقتصر فقط على لقاء قرّة بن هبيرة بالنبيّ ولا تزيد، وكالعادة نذهب إلى رجال الجرح والتعديل لنعرف من هو عبد الله بن صالح، وهناك من وثّقه وهناك من طعن فيه، وحتّى لا أطيل فإنّي سأقتصر على كلام ابن عديّ وأعتبره تلخيصا حيث قال: (هو عندي مستقيم الحديث إلاّ أنّه يقع في حديثه في أسانيده ومتونه غلط، ولا يتعمّد الكذب)(23) وكلام ابن حجر: (صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة)(24)
الوجه الثالث: متن هذه الرواية يحتوي على خبرين، فالأوّل هو إسلام قرّة بن هبيرة وحديثه مع النبيّ ثمّ ينتقل الراوي فجأة للحديث عن عمرو بن العاص وذهابه إلى البحرين ثمّ لقائه بمسيلمة أثناء العودة وتنتهي الرواية بأن يقول عمرو بن العاص لمسيلمة بعد سماع قرآنه: أنت كذّاب، فيتوعّده مسيلمة. فمتن القصّتين يحتوي على خلط بين الشخصيّات، حيث أنّ قرّة بن هبيرة كان قد ارتدّ بعد إسلامه فمرّ به عمرو بن العاص فتوعّده، فصارت القصّة تتحدّث عن توعّد مسيلمة لعمرو. وكي ألخّص القصّة الأصليّة للقارئ فإنّي لا أجد أحسن من تلخيص الفيلسوف ابن رشد الذي قال: (قال مالك: بلغني أنّ رجلا قال لعمرو بن العاص، وكان عمرو عاملا على البحرين في زمان النبيّ عليه السلام، إنّ النبيّ قد توفّي فالحقْ ببلدك، وإلاّ فعلنا وفعلنا، يتواعده، فقال له عمرو بن العاص: لو كنت في حفش أمّك لدخلنا عليك فيه.
قال محمّد بن رشد: القائل لعمرو [هو] قرّة بن هبيرة بن سلمة، كان ارتدّ وأتي به موثقا إلى أبي بكر مع عيينة)(25) فأصل القصّة هو أنّ قرّة(26) توعّد عمرو فأدخل الراوي مسيلمة في المشهد وصار هو الذي يتوعّده، وعلى كلّ حال فالرواية ضعيفة وموضوعة كما أشرنا منذ البداية.
ولقاء عمرو بن العاص بمسيلمة تذكره الأخبار أنّه كان قبل إسلامه، ويقول ابن كثير: (وذكروا أن وفد عمرو بن العاص على مسيلمة، وكان صديقا له في الجاهليّة، وكان عمرو لم يسلم بعد، فقال له مسيلمة: ويحك يا عمرو، ماذا أنزل على صاحبك-يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- في هذه المدّة؟ فقال: لقد سمعت أصحابه يقرؤون سورة عظيمة قصيرة، فقال وما هي؟ فقال: والعصر إنّ الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر، ففكّر مسيلمة ساعة ثمّ قال: وقد أنزل عليّ مثله. فقال وما هو؟ فقال: يا وبر إنّما أنت أذنان وصدر، وسائرك حقر نقر، كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنّك لتعلم أنّي أعلم أنّك لتكذب)(27) وهذا الخبر لا سند له، ويعلّق جواد علي: (إنّ ما نسب إلى مسيلمة من آيات، وضع على وزن آيات القرآن ومحاكاة لها، وليس في "يا وبر يا وبر إلخ" أيّ شيء يضاهي : "والعصر" في النسق أو في المعنى، وعندي أنّ الخبر من الأخبار الموضوعة. وقد يكون عمرو بن العاص قد زار اليمامة، فهذا شيء غير مستبعد، فقد كان تاجرا وكان تجّار مكّة يسافرون إلى اليمامة وإلى غيرها للاتّجار، أمّا أنّه ذهب خاصّة لزيارة مسيلمة ومكالمته على نحو ما يرد في الخبر، فأسلوب يدلّ على وجود الصنعة فيه أكثر ممّا يدلّ على الصحّة وصدق الرواية)(28)
هذه هي الروايات المسنودة التي وقفنا عليها وتذكر بعض آيات من قرآن مسيلمة، وهي روايات ضعيفة مثلما أثبتنا ذلك، وبمنهج علم الرجال نفسه، أمّا بقيّة الروايات الأخرى في كتب التراث فإنّها بلا سند وتكرّر غالبا الأساجيع التي ذكرناها، وتأخذها بتسليم وبلا أدنى تحقيق، وهدفها السخريّة من مسيلمة والحطّ من شأنه.
وقبل أن ننهي هذا الفصل فقد بقيت مسألة واحدة وهي وجود خبر منسوب لأبي بكر الصدّيق، ذكره ابن سلام في غريب الحديث، وهذا نصّه: (لمّا قدم وفد اليمامة بعد مقتل مسيلمة قال لهم [أي أبو بكر]: ما كان صاحبكم يقول؟ فاستعفوه من ذلك، فقال: لتقولنّ، فقالوا: كان يقول: يا ضفدع نقّي كما تنقّين، لا الشراب تمنعين، ولا الماء تكدّرين، في كلام من هذا كثير، فقال أبو بكر: ويحكم، إنّ هذا الكلام لم يخرج من إل ولا بر، فأين ذهب بكم؟)(29) وهذا الخبر مهمّ بعكس الأخبار السابقة حيث أنّ الكلام منسوب لأبي بكر وهو رجل معاصر لمسيلمة.
وسند أبي عبيدة هو: (ويُروى عن ابن إسحاق)(30) هكذا معلّقا، ويبدو أنّ الراوي نقلها من كتاب الردّة لابن إسحاق، وهو كتاب مفقود، بيد أنّه ولحسن الحظّ وصلنا كتاب الردّة لمعاصره الواقدي، والواقدي مختصّ في إيراد التفاصيل وتفاصيل التفاصيل ولم يترك خبرا في المغازي، مهما كان، إلاّ وذكره، وإذ يروي خبر مجيء بني حنيفة إلى أبي بكر مع خالد بن الوليد فإنّه لا يتعرّض إلى هذه الرواية عن أبي بكر(31)، ولو كان يعرفها لذكرها، بل وليس من الثابت أنّ ابن إسحاق نفسه قد رواها، فالخبر معلّق وقد يكون موضوعا، وهذا الخبر غير موجود في كتاب المروزي "مسند أبي بكر الصدّيق" والذي جمع فيه كلّ أحاديثه(32) بغثّها وغثيثها، وقد يكون بعض الخبر صحيحا أي قول أبي بكر: "هذا كلام لم يخرج من إل" بمعنى لم يخرج من إله، فهذا ممكن، ولا أظنّ أنّ أبا بكر سيعتبر قرآن مسيلمة وحيا، لكن ما أراه موضوعا هو "الآيات" التي تتحدّث عن الضفدع، والتي دُسّت في الخبر.
والواقدي في كتاب الردّة يورد لنا "آيات" قالها مسيلمة أثناء لقائه بسجاح، وهي التالية: (لا أقسم بهذا البلدْ، ولا تبرح هذا البلدْ، حتّى تكون ذا مال وولدْ، ووفر وصفدْ، وخيل وعددْ، إلى آخر الأبدْ، رغم من حسدْ)(33) ويورد أبياتا على الرجز قالها مسيلمة أثناء لقائه بخالد بن الوليد في معركة اليمامة، وهي التالية: (أنا رسول وارتضاني الخالقُ/ القابض الباسط ذاك الرازقُ/ يا ابن الوليد أنت عندي فاسقُ/ وكافر بربّه منافقُ)(34) وإن كنّا نرجّح أنّ هذا الكلام موضوع أيضا إلاّ أنّه أحسن على الأقلّ ممّا نسب إليه فيما بعد، فكلّما تقادم الزمن تفنّن الرواة في وضع آيات كاريكاتوريّة ليصبح مسيلمة يتحدّث عن الضفادع أو عن الأفيال في قوله: الفيل وما أدراك ما الفيل، له زلقوم طويل، إلخ…وغير ذلك، وربّما بدأت هذه "الآيات" المضحكة تنتشر في القرن الثاني الهجري حيث ذكر النديم في الفهرست أنّ هشام الكلبي (توفّي 204 هـ) كتب كتابا بعنوان "كتاب مسيلمة الكذّاب (وسجاح) " (35)
ونختم هذا الفصل بقول جواد علي متحدّثا عن مسيلمة: (فالعادة أنّ من يفشل ويهلك، لا سيّما إذا كان قد نال حظّا من المكانة والجاه والاسم، يُحمل عليه كثيرا، ولا يتورّع حتّى أصحابه ومن كان يؤمن به من الدسّ عليه)(36)
انتهى الجزء الأوّل من هذا المبحث، ويليه الجزء الثاني وفيه تعريف بمسيلمة ودعوته وعلاقته بالنبيّ محمّد وحربه مع أبي بكر وبقاء دعوته من بعده.
الهوامش:
1- الباقلاني، إعجاز القرآن، تحقيق السيّد أحمد صقر، دار المعارف، ط3، القاهرة، ص157
2- المصدر السابق.
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، ط2، 1969، القاهرة، ج3، ص272
4- ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، دار الفكر، بيروت، 1984، ج4، ص 259-260
5- صحيح وضعيف تاريخ الطبري، تحقيق وتخريج وتعليق: محمّد بن طاهر البرزخي، إشراف ومراجعة: محمّد صبحي حسن الحلاّق، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، 2007، ج1، ص15
6- المصدر السابق.
7- تاريخ الطبري، مصدر سابق، ص 283-284
8- المصدر السابق، ص138
9- سيرة ابن هشام، تحقيق مصطفى السقّا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط2، 2004، ص852
10- والزنية بالفتح والكسر آخر ولد الرجل والمرأة كالعجزة وبنو مالك يسمون بني الزنية والزنية لذلك وإنّما قال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل أنتم بنو الرشدة نفيا لهم عما يوهمه لفظ الزنية من الزنا (لسان العرب، مادة زنا)
11- الشرسوف غضروف معلّق بكلّ ضلع مثل غضروف الكتف (لسان العرب، مادة شرسف)
12- ابن الضريس، فضائل القرآن، تحقيق: عروة بدير، دار الفكر، دمشق، 1987، ص31
وقد جاء ذكر هذا الحديث مختصرا، بلا قرآن مسيلمة، بسند آخر، عند ابن سعد في الطبقات (1/292)، وعند ابن الأثير في أسد الغابة (1/270) وجاء في الإصابة (2/96) بمختلف الأسانيد وأحدها من طريق منجاب بن الحارث أنّ السورة التي تلاها الحضرمي هي سبّح باسم ربّك الأعلى، وليس عبس وتولّى. وذكره السيوطي في الدرّ المنثور (15/240) بالسند نفسه مع اختلاف في اللفظ، وبسند آخر عن ابن النجّار عن أنس.
13- أبو بكر الدينوري، المجالسة وجواهر العلم، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن حزم، بيروت، 1998، ج7، ص187
14- سيرة ابن هشام، مصدر سابق.
15- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: عمر بن غرامة العموري، دار الفكر، بيروت، 1997، ج46، ص153-154
16- الرازي، كتاب الجرح والتعديل، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1953، ج4، ص69
17- البخاري، كتاب الضعفاء الصغير، تحقيق محمّد إبراهيم زايد، دار المعرفة، بيروت، 1986، ص54
18- ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، تحقيق عبد الفتّاح أبو غدّة، دار البشائر الإسلاميّة، بيروت، 2002، ج4، ص79
19- البخاري، التاريخ الكبير، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، دائرة المعارف، 1361 هجري، ج4، ص182
20- الخرائطي، مساوئ الأخلاق ومذمومها، تحقيق مصطفى بن أبو النصر الشلبي، مكتبة السوادي للتوزيع، جدّة، 1992، ص85
ويقول المحقّق في الهامش: إسناده ضعيف، في سنده عبد الله بن صالح، صدوق كثير الغلط، وسعيد بن نشيط…فهو مجهول.
21- ابن قانع، معجم الصحّابة، تحقيق: صلاح المصراتي، مكتبة الغرباء الأثريّة، المدينة المنوّرة، 1418 هجري، ج2، ص357
22- البيهقي، الجامع لشعب الإيمان، تحقيق مختار أحمد الندوي، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض، 2003، ج6، ص364
23- ابن حجر ، تهذيب التهذيب، مصدر سابق، ج5، ص228
24- ابن حجر، تقريب التهذيب، تحقيق أبو الأشبال الباكستاني، دار العاصمة للنشر والتوزيع، 1416هجري، ص515
25- ابن رشد، البيان والتحصيل، تحقيق محمّد حجّي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 1988، ج16، ص371
26- قرّة هو جدّ الشاعر الصمّة القشيري (العصر الأموي) الذي يقول :
وأذكر أيّام الحمى ثمّ أنثني***على كبدي من خشية أن تصدّعا
كأنّا خلقنا للنوى وكأنّما*** حرام على الأيّام أن نتجمّعا
وهي من عيون الشعر، وغنّتها السيّدة فيروز.
27- ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: نخبة من الأساتذة، مؤسّسة قرطبة للنشر والتوزيع، القاهرة، 2000، ج7، ص345
28- جواد علي، المفصّل، بمساعدة جامعة بغداد، ط2، 1993، ج7، ص 295-296
29- ابن سلام، غريب الحديث، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط2، 2003، ج2، ص14-15
وذكره ابن حبيش في كتاب الغزوات بسند (عن زيد بن أسلم عن أبيه) انظرْ كتاب الغزوات لابن حبيش، تحقيق أحمد عنيم، 1983، ص157
30- المصدر السابق، ج1، ص68
31- الواقدي، كتاب الردّة مع نبذة من فتوح العراق….، تحقيق يحيى الجبوري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1990، ص142-144
32- المروزي، مسند أبي بكر الصدّيق، تحقيق شعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، 1399 هجري
وهي 142 حديثا، وهذا يتّفق مع ما أورده ابن حزم عن عدد ما رُوي عن أبي بكر، انظرْ:
ابن حزم، أسماء الصحابة وما لكلّ واحد منهم من العدد، تحقيق مسعد عبد الحميد السعدني، مكتبة القرآن للنشر، القاهرة، ص35
33- الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص 111
34- المصدر السابق، ص 129
35- كتاب الفهرست للنديم، تحقيق رضا تجدّد، طهران، 1971، ص110 (اسم المؤلّف الصحيح هو "النديم" =محمّد بن أبي يعقوب إسحاق النديم، وليس "ابن النديم" كما هو شائع)
36- جواد علي، المفصّل، مرجع سابق، ج6، ص95
مسيلمة، النبيّ المخلوع (2/2)
http://www.alawan.org/مسيلمة،-النبيّ,8858.html
ولد مسيلمة بمنطقة الهدّار(1) باليمامة، وتشير الأخبار إلى أنّ مولده كان قبل ولادة عبد الله والد النبيّ أو قبل ولادة النبيّ(2) وأنّه كان من المعمّرين وتوفّي عن سنّ تناهز 150 عاما(3) ولا أظنّه عاش كلّ هذا الزمن، وإنّما المعنى أنّه عاش كثيرا وربّما توفّي، أو بالأحرى قتل، عن ثمانين أو تسعين أو حتّى مائة سنة، واسمه الصحيح هو "مسيلمة" وقد ذهب البعض مستشرقين إلى أنّ اسمه "مسلمة" وذكرته كتب التراث "مسيلمة" تصغيرا له وتحقيرا من شأنه، وهذا القول مردود من وجهين، الأوّل أنّ اسم مسيلمة ليس حكرا على نبيّ اليمامة وجاء في كتاب الردّة اسم "مسيلمة بن يزيد القشيري" كان مع الأشعث بن قيس حين ارتدّ في كندة(4) وذكر ابن الأثير في اللباب: (ناشر بن الأبيض بن كنانة بن مسيلمة بن عامر بن عمرو…بطن من همدان)(5) وجاء في معجم قبائل العرب: (عامر بن مسيلمة: بطن)(6) فالاسم بالتصغير لا يعني دائما التقليل والتحقير إذ قد يعني التعظيم والإكبار كقولنا "دويهية" لداهية، و"بطيل" لبطل، وربّما تستعمله العرب في أسماء الأعلام من باب التلطيف والإعزاز للمولود، فنجد من الأسماء "عمير" كعمير بن سعد، وكليب، وشريح بن الحارث، وطليحة، وسهيل، وعبيد، وعبيدة، وغيرهم كثير، ومثل ذلك مسلم ومسلمة ومسيلمة. والوجه الثاني هو العملة التي نشرها Philippe De Saxe-Cobourg في المجلّة البلجيكيّة للعملة التابعة للجمعيّة الملكيّة، وترجمة نصّ العملة إلى العربيّة: (بأمر أبو ثمامة مسيلمه رسول الله أمير المؤمنين)(7) وهي مكتوبة بالأحرف اليونانيّة واللاتينيّة، وهي ذهبيّة وعليها صورة هرقل وابنه، ولا نتعجّب من أن يضرب مسيلمة العملة باسمه، إن صحّت هذه القراءة، فما سنراه في ثنايا هذا البحث يدعّم فرضيّة أنّه كانت له مكانة كبيرة.
ونسبه الكامل على قول ابن حزم في جمهرة أنساب العرب: (مسيلمة الكذّاب بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عديّ بن حنيفة، يكنّى أبا ثمامة)(8) وفي الاشتقاق لابن دريد: (مسيلمة بن حبيب، يكنّى أبا ثمامة الكذّاب)(9)، طبعا لفظة "الكذّاب" هي من إضافتهما، وبنو حنيفة يعودون إلى بكر بن وائل وهي من القبائل العربيّة المشهورة في الجاهليّة إن لم تكن أشهرها، ويقول ابن خلدون: (وأمّا بكر بن وائل ففيهم الشهرة والعدد […] ففي بني حنيفة بطون متعدّدة أكثرهم بنو الدول بن حنيفة، فيهم البيت والعدد، ومواطنهم باليمامة)(10) وهم قوم أهل زراعة وتحضّر، يصدّرون المنتوجات الفلاحيّة إلى بلدان عديدة ومنها مكّة حتّى سمّيت "ريف مكّة"(11) وفي اليمامة "سوق حجر" وهو من الأسواق الموسميّة ويأتيه التجّار والشعراء وتجري فيه منافرات ومفاخرات مثلما هو الشأن في عكاظ(12) ومن مشاهيرهم الأعشى ميمون الشاعر وهو من الفحول وشعره من الطبقة الأولى، وهوذة بن عليّ الحنفي ويكنّى بذي التاج وكان ممّن يزور كسرى في المهمّات(13) وقال المبرّد في الكامل: (كان هوذة ذا قدر عال وكانت له خرزات فتجعل على رأسه تشبّها بالملوك […] وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هوذة، كما كتب إلى الملوك)(14) ومنهم يقظان بن زيد الحنفي ويقال له "مباري الريح" لجوده، وقد شاركت بنو حنيفة مع إخوانها من أبناء بكر بن وائل في معركة ذي قار وانتصروا فيها على الفرس، ويقول ابن حبيب في المحبّر: (وكانت وقعة ذي قار التي انتصفتْ فيها العرب من العجم […] ورسول الله بمكّة قبل أن يهاجر)(15) ورجّح أبو الفداء في المختصر تاريخ ذي قار بعد هجرة النبيّ عام وقعة بدر الأوّل(16) وصنّفها أبو عبيدة في "كتاب الديباج" ضمن أيّام العرب العظام(17) وقال النبيّ حين سمع بالانتصار في ذي قار: (بي نصروا)(18) وقد تعمّدتُ ذكر نبذة مقتضبة عن أبناء بكر بن وائل، حتّى نفهم فيما بعد حرب الردّة بين قريش وبني حنيفة وأسباب رفضهم لحكم قريش واعتزازهم بمآثرهم وماضيهم.
وكان اسم اليمامة "جو" وقد سُمّيت "اليمامة" نسبة إلى زرقاء اليمامة وقصّتها مشهورة، وكان قبل ذلك يسكن "جو" قبائل "طسم وجديس" فهاجمهم جيش "حمير" وهزمهم(19) وهذه الأخبار تتّفق مع نقش أركيولوجيّ في اليمن يعود إلى سنة 360 ميلادي وفيه أنّ الملك الحميري أرسل جيشا إلى "جو" وانتصر عليها(20) وفيها يقول الأعشى، إن صحّ الشعر إليه: ( فاستنزلوا أهل جوّ من مساكنهم**وهدّموا شاخص البنيان فاتّضعا) ثمّ سكن بنو حنيفة بعدهم، وفي ذلك قصّة كعادة الرواة.
وكان مسيلمة قد تنبّأ قبل مبعث النبيّ، داعيا إلى عبادة الرحمن حتّى سُمّي برحمان اليمامة، وحينما سمعت قريش "بسم الله الرحمن الرحيم" قال قائلهم للنبيّ محمّد: (دقّ فوك، إنّما تذكر مسيلمة رحمان اليمامة)(21) وذهب أهل التفسير إلى أنّ الآية 60 من سورة الفرقان (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن، قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا) كانت نقاشا حول مسيلمة، إذ يروي مقاتل في تفسيره: (قال أبو جهل: يا ابن أبي كبشة، تدعو إلى عبادة الرحمن الذي باليمامة)(22) وفي تفسير الطبري: (وذكر بعضهم أنّ مسيلمة كان يدعى الرحمن، فلمّا قال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اسجدوا للرحمن، قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمان اليمامة؟)(23) وفي معالم التنزيل للبغوي: (ما نعرف الرحمن إلاّ رحمان اليمامة، يعنون مسيلمة الكذّاب، كانوا يسمّونه رحمان اليمامة)(24) وفي تفسير القرطبي: (ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذّاب)(25) وفي الجواهر للثعالبي: (يعني أنّ كفّار قريش قالوا: ما نعرف الرحمن إلاّ رحمان اليمامة)(26) وفي تفسير الرازي ويتميّز بأنّه مسند للصحابة والتابعين: (قد بلغنا أنّه إنّما يعلّمك هذا الذي تأتي به رجل من أهل اليمامة يقال له الرحمن وإنّا والله لن نؤمن به أبدا)(27) إلخ… لكنّ مسيلمة لم يدّع الألوهيّة ولا أظنّ قريشا تعنيه بالسجود في قولها (أنسجد لما تأمرنا) وإنّما رفضت هذه التسمية لأنّها لإله مسيلمة وهي تعرفه بالاسم (الرحمن) ولذلك قالوا: (أنسجد لما تأمرنا) على سبيل المناكرة وليس (أنسجد لمن تأمرنا) وإذ أنّ مسيلمة كان يدعو إلى عبادة الرحمن فقد غلب عليه هذا اللقب، فسمّي برحمان اليمامة، ولا أظنّ قريشا تجهل أنّ الرحمن هو الله، وهي لفظة مشهورة وقتئذ، ويستعملها اليهود والمسيحيون، وإنّما اعتراضهم، حسب رأيي، كان على التسمية بوصفها تحيل على مسيلمة وما يتبع ذلك من انقياد دينيّ من قريش لبني حنيفة، ولهذا قالوا إنّ مسيلمة يعلّم محمّدا القرآن حيث جاء في تفسير القرطبي: (قالوا: إنّما يعلّمه بشر وهو رحمان اليمامة يعنون مسيلمة الكذّاب، فأنزل الله تعالى: الرحمن علّم القرآن [إلى آخر السورة] )(28) وفي الكشّاف للزمخشري أنّ الوليد بن المغيرة قال: (وما الذي يقوله إلاّ سحر يؤثر عن مسيلمة وعن أهل بابل)(29) وفي معالم التنزيل في تفسير سورة المدّثّر: (إن هذا إلاّ قول البشر يعني يسارا وجبرا فهو يأثره عنهما، وقيل يرويه عن مسيلمة صاحب اليمامة)(30) وفي معاني القرآن للفرّاء: ( وما قوله إلاّ السحر تعلّمه من مسيلمة الكذّاب)(31)
ملاحظة1: يتّفق تقريبا المفسّرون على أنّ الآيات (إنّه فكّر وقدّر فقتل كيف قدّر ثمّ قتل كيف قدّر ثمّ نظر ثمّ عبس وبسر ثمّ أدبر واستكبر فقال إن هذا إلاّ سحر يؤثر إن هذا إلاّ قول البشر) (المدثّر، 15-28) كانت نزلت في الوليد بن المغيرة ويكنّى "الوحيد" في قومه لمعرفته بالبلاغة وأشعار العرب، وهو يقول: (إنّ هذا إلاّ قول البشر) وبغضّ النظر عن أنّها شهادة من رجل جاهليّ ذي مكانة في اللغة، فقد وُضعت رواية منسوبة للوليد بن المغيرة، نراها تتكرّر كثيرا عند المدافعين عن إعجاز القرآن، تقول: (قال الوليد: إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله مغدق، وما هو بقول البشر) فالقرآن نفسه يؤكّد أنّ الوليد اعتبره من قول البشر، وذلك بعد أن فكّر وقدّر، فكيف ننسب إليه عكس ما قال القرآن؟ فانظرْ، يا أصلحك الله، كيف توضع الروايات.
ملاحظة2: نلاحظ تكرّر لفظة الرحمن كثيرا في القرآن المكّي بعكس القرآن المدني وقد شككت في يكون النبيّ قد تعلّم من مسيلمة، وزوجة مسيلمة كانت من قريش وهي كيسة بن الحارث، من بني عبد شمس جدّ الأمويّين، وهي بنت أخي أروى والدة عثمان بن عفّان، وهي أيضا بنت أخي فاختة التي تزوّجها أبو العاصي بن الربيع بعد وفاة زوجته زينب بنت النبيّ، ولا تذكر الأخبار أنّ كيسة قد ولدت لمسيلمة بل لا تذكر له عقبا أصلا، وجاء ذكر "شرحبيل بن مسيلمة" عند الذهبي في تاريخ الإسلام(32) وكان محاربا مع بني حنيفة في حروب الردّة، وربّما هو ابن مسيلمة فمات مع أبيه وانقطع ذكره. وجدّ كيسة بنت الحارث، كان متزوّجا من البيضاء بنت عبد المطّلب، عمّة النبيّ.(33) وليس من المستبعد أن يكون مسيلمة زار مكّة مرارا، وزوجته قرشيّة، لكنّنا لا نملك دليلا على تعلّم النبيّ من مسيلمة سوى الإشاعات التي أطلقتها قريش ونقلتها لنا الأخبار.
أرسل النبيّ سرايا وبعوثا وجيوشا من المدينة إلى عديد الأماكن في الجزيرة العربيّة لكنّه لم يحاول غزو بني حنيفة، بل أنّه أرسل جيشا إلى مؤتة لمحاربة الإمبراطوريّة البيزنطيّة بجيشها النظاميّ الكبير الذي يبلغ مائة ألف وخرج بنفسه إلى تبوك، ورغم ذلك لم يرسل جيشا واحدا إلى اليمامة خاصّة أنّ فيها شخصا يدّعي النبوّة، وهو ما يجعلنا نرجّح بعد تمحيص وغربلة للأخبار والأحاديث أنّ مسيلمة لم يكن معارضا للنبيّ ففي الأخير هما يدعوان إلى إله واحد توحيديّ، ولا إشكال، من حيث المبدأ، في أن يرسل الله أكثر من نبيّ في عصر واحد: (واضربْ لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، إذ أرسلنا إليهم إثنين فكذّبوهما فعزّزنا بثالث فقالوا إنّا إليكم مرسلون) (يس، 13-14) ففي هذه الآية أرسل الله رسولين ثمّ عزّزهما بثالث، وكذلك لا إشكال في أن يرسل الله مسيلمة ومحمّدا في عصر واحد، ولا يتعارض هذا مع كون النبيّ محمّد خاتم المرسلين. ونحن نعطي هذه الأمثلة لنوضّح أنّه لا مشكلة من الناحية النظريّة الإسلاميّة في أن يكون مسيلمة نبيّا مرسلا مع النبيّ محمّد، وأؤكّد أنّنا نتحدّث من ناحية المبدأ فقط دون أن نتناول صدق أو كذب النبيّ الآخر. كما أنّ مقتل مدّعي النبوّة لا يعني أنّه كان كاذبا، ونجاحه لا يعني أنّه كان صادقا، والقرآن نفسه يشير إلى أنّ بعض الأنبياء قد تعرّضوا إلى القتل: (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حقّ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلا) (النساء، 155) فقتل النبيّ وفشل دعوته لا يعني أنّه كان كاذبا، كذلك قتل مسيلمة وفشل دعوته. وإذ أشرنا إلى أنّ فشل الدعوة لا يعني أنّ مؤسّسها كاذب، فكذلك نضرب مثالا على أنّ نجاح الدعوة لا يعني صدق مؤسّسها، وأبلغ مثال عندنا هو الديانة المسيحيّة واعتبار عيسى ابن الله، فمليارات البشر آمنوا ويؤمنون وسيؤمنون بهذه العقيدة، رغم أنّها عقيدة كافرة من وجهة النظر الإسلاميّة، كقول القرآن (لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم) (المائدة، 17) وتكاد أن تنشقّ الأرض من كفر هذه العقيدة: (تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا) (مريم، 90) فمنذ ألفي سنة والجبال تكاد أن تخرّ ورغم ذلك فقد نجحت العقيدة المسيحيّة وانتشرتْ في أنحاء العالم.
والنبيّ لم يحارب مسيلمة وإنّما حاربته قريش في عهد أبي بكر تحت غطاء الردّة، وذلك بعد أن اقترنتْ النبوّة بالملك، فقريش تستمدّ شرعيّتها من النبيّ محمّد لتبسط سلطانها على جميع العرب، فرفضت بنو حنيفة هذا الحكم القرشيّ، فإن كان هناك تفاضل في المآثر والمجد فبنو حنيفة يرون أنّهم أحقّ بذلك وإن كان هناك تفاضل غيبيّ بالنبوّة فبنو حنيفة يرون أيضا أنّ النبوّة فيهم، ويروي الزمخشري إنّ رهط مسيلمة كانوا يقولون: (نحن أنبياء الله)(34) وتروي الأخبار أنّ مسيلمة قال: (يا بني حنيفة، أريد أن تخبروني بماذا صارت قريش أحقّ بالنبوّة والإمامة منكم؟ والله ما هم بأكثر منكم وأنجد، وإنّ بلادكم لأوسع من بلادهم، وأموالكم أكثر من أموالهم)(35) وقد وُضعت أحاديث كثيرة توطّد حكم قريش وإمامتها على العرب، حتّى وصلت درجة بعضها إلى درجة الحديث المتواتر، وأرجّح أنّ هذه الروايات التي تتحدّث عن فضل قريش وأحقيّتها بالإمارة والحكم إنّما برزتْ بعد وفاة النبيّ بعد حروب الردّة، وقد لاحظ فرج فودة ملاحظة ذكيّة قائلا: (وهي كلّها أحاديث وضعها من لا دين لهم إلاّ هوى الحكّام، ولا ضمير لهم ولا عقيدة، لكنّك في نفس الوقت تخشى من اتّهامك بالعداء للسنّة […] ولا تجد مهرباً إلا بتداعيات اجتماع سقيفة بني ساعدة في المدينة، والذي اجتمع فيه الأنصار لانتخاب سعد بن عبادة، وسارع أبو بكر وعمر وأبو عبيده الجراح إليهم ورشّحوا أبا بكر، ودار حوار طويل بين الطرفين، انتهى بمبايعة أبي بكر، وأنت في استعراضك للحوار، لا تجد ذكراً للحديث النبويّ السابق، وهو إن كان حديثاً صحيحاً لما جرؤ سعد بن عبادة سيّد الخزرج على ترشيح نفسه، ولكفى أبا بكر وعمر والجرّاح مؤونة المناظرة، ولما فاتهم أن يذكروه وهو في يدهم سلاح ماض يحسم النقاش، ويكفي أن تعلم أنّ سعد بن عبادة ظل رافضاً لبيعة أبي بكر إلى أن مات، ولم يجد من يأخذ بيده إلى هذا الحديث فيبايع عن رضى وهو الصحابي الجليل ذو المواقف غير المنكورة في الإسلام)(36)
فلم يحدث الصدام بين قريش وبني حنيفة إلاّ بعد وفاة النبيّ، أمّا أثناء حياته فلم تكن العلاقة بين مسيلمة ومحمّد بهذه الحدّة، وقد كان لقرآن مسيلمة تأثير حتّى على الناس في المدينة وتحدّث الناس به حيث يروي الهيثمي في مجمع الزوائد: (أكثر الناس في شأن مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه شيئا فقام رسول الله خطيبا فقال: أمّا بعد، ففي شأن هذا الرجل الذي قد أكثرتم فيه وأنّه كذّاب من ثلاثين كذّابا يخرجون من بين يدي الساعة وإنّه ليس من بلد إلاّ يبلغه رعب المسيح/ رواه أحمد والطبراني وأحد أسانيد أحمد والطبراني رجاله رجال الصحيح)(37) ونستشفّ من هذا الخبر أنّ مسيلمة شغل الناس، ولا يمكن أن يشغلهم بقرآن ركيك، ومن الواضح أنّه أهمّ النبيّ أيضا وشغل باله حيث جاء في الصحيح أنّ النبيّ رأى في المنام وكأنّ في يديه سوارين من ذهب، وهذا المنام يوحي نفسيّا بشعور من التقييد والهمّ، وفسّر النبيّ منامه بمسيلمة والعنسيّ(38) وأخرج الحاكم في المستدرك: (أتى رسول الله مسيلمة، فقال له مسيلمة: تشهد أنّي رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آمنت بالله ورسله، ثمّ قال: إنّ هذا رجل أخّر لهلكة قومه، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)(39) وكأنّ النبيّ كان يشكّ في حال مسيلمة فلم ينف ولم يؤكّد وإنّما بيّن إيمانه بالله ورسله وجاء في الحديث الصحيح أنّ مسيلمة زار النبيّ في المدينة حيث أخرج البخاري: (قدم مسيلمة الكذّاب على عهد رسول الله فجعل يقول: إن جعل لي محمّد الأمر من بعده تبعته وقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه رسول الله ومعه ثابت بن قيس بن شمّاس وفي يد رسول الله قطعة جريد حتّى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنّك الله وإنّي لأراك الذي أريت فيك ما رأيت)(40) ونحن نستبعد أن يكون مسيلمة قد طلب الإمارة بعد النبيّ، خاصّة أنّه جاء في جيش كبير إلى المدينة، وإنّما الدلائل تشير إلى أنّه جاء يطالب بتقاسم الأرض، فنصف لقريش ونصف لبني حنيفة، وهو نفسه الجواب الذي ردّ به ملك اليمامة هوذة بن عليّ على رسالة النبيّ قائلا: (إن جعل الأمر لي من بعده سرت إليه وأسلمت ونصرته وإلاّ قصدت حربه، فقال النبيّ: لا، ولا كرامة، اللهمّ اكفنيه)(41) ولا أظنّ أنّ هوذة بن عليّ طلب أن يكون الأمر له من بعد محمّد، فهذا غير منطقي وهو أصلا ملك على اليمامة وله من القوّة والعدد ما يستطيع أن يحافظ به على مكانته، وإنّما الراجح عندنا أنّ جواب هوذة الحقيقيّ هو أن يقتسم الأرض مع محمّد، أو أن يحافظ كلّ منهما على ما تحت يديه فلا يعتدي أحدهما على الآخر، ويبدو أنّه كان بينهما اتّفاق "دبلوماسيّ" بتعبير عصرنا وسلام وتبادل للهدايا، حيث يذكر ابن حجر في الإصابة شخصا اسمه "كركرة": ( كركرة، مولى رسول الله كان نوبيّا، أهداه له هوذة بن عليّ الحنفيّ اليماميّ)(42) كما أنّ هوذة حين أتاه رسول النبيّ، وهو سليط بن عمرو، أجازه بجائزة وكسوة، ولذلك نفهم الكلام المنسوب إلى مسيلمة قائلا: (إنّ قريشا قوم يعتدون)(43) ويجعل أهل الأخبار هذا الكلام في مراسلة بين النبيّ ومسيلمة ونحن نرجّح أنّه وقع بين أبي بكر ومسيلمة.
يردّد البعض أنّ بني حنيفة اتّبعتْ مسيلمة بسبب العصبيّة القبليّة، ويستشهدون بما ذكره الطبري في تاريخه قول أحد أتباع مسيلمة: ( كذّاب ربيعة أحبّ إليّ من صادق مضر) فالقائل يعلم أنّ مسيلمة، وهو من ربيعة، كذّاب، وأنّ محمّدا، وهو من مضر، صادق، لكنّه تبع مسيلمة عصبيّةً، لكنّ هؤلاء يغفلون عمّا أورده الطبري، برواية أخرى، في السطر الموالي مباشرة وهو أنّ هذا الرجل قال: (كذّاب ربيعة أحبّ إليّ من كذّاب مضر)(44) فالرجل يعتبر مسيلمة ومحمّدا كذّابين على السواء، والروايتان يرويهما سيف بن عمر وقد تقدّم الحديث بشأنه في الجزء الأوّل. ولو عقدنا مقارنة سريعة بين مسيلمة ومحمّد، للاحظنا أنّ النبيّ حينما كان بمكّة، وطيلة دعوته، لم يتّبعه إلاّ حوالي مائة شخص، ولم يؤثّر قرآنه فيهم، ولم يبدأ الناس في دخول الإسلام إلاّ بعد الهجرة بفضل الغزوات والغارات، بينما لم يذكر التاريخ أنّ مسيلمة أغار على غيره، وقد اتّبعه الآلاف، ممّا يشير إلى تأثير قرآنه عليهم.
وقد وصلنا بيتان من الشعر في مدح مسيلمة، فالأوّل على البحر البسيط من قصيدة لشاعر من بني حنيفة: ( سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا***وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا)(45) ويعلّق الزمخشري: ( وأمّا قول بني حنيفة في مسيلمة: رحمان اليمامة، وقول شاعرهم فيه: وأَنْتَ غَيْثُ الوَرَى لا زِلْتَ رَحْمَانَا، فباب من تعنّتهم في كفرهم)(46) والبيت الآخر، على الوافر، أورده فخر الدين الرازي في التفسير الكبير: ( وأمّا قول الشاعر: وجوه ناظرات يوم بدر***إلى الرحمن تنتظر الخلاصا، قلنا هذا الشعر موضوع، والرواية الصحيحة: وجوه ناظرات يوم بكر***إلى الرحمن تنتظر الخلاصا، والمراد من هذا الرحمن مسيلمة الكذّاب، لأنّهم كانوا يسمّونه رحمن اليمامة، فأصحابه كانوا ينظرون إليه ويتوقّعون منه التخلّص من الأعداء)(47) ونلاحظ الوفاء الشديد الذي يكنّه أتباع مسيلمة لنبيّهم، واستعدادهم للتضحية بأرواحهم، فقد جاء رسولان من مسيلمة إلى النبيّ وأحدهما يدعى ابن النوّاحة فقال له النبيّ: (أتشهد أنّي رسول الله؟ فقال: أشهد أنّ مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله: لو كنت قاتلا رسولا لقتلتك)(48) وهناك من أصحاب مسيلمة من أسلم وقرأ القرآن ثمّ ارتدّ وعاد إلى اليمامة حيث يروي ابن الأثير في الكامل: (وأمّا مجاعة والرجّال فأسلما، وأقام الرجّال عند رسول الله حتّى قرأ سورة البقرة وغيرها وتفقّه وعاد إلى اليمامة فارتدّ، وشهد أنّ رسول الله أشرك مسيلمة معه فكانت فتنته أشدّ من فتنة مسيلمة)(49) ولنا أن نتعجّب من شدّة تعلّق أصحاب مسيلمة به إذ أنّه حينما اتّجه خالد بن الوليد إلى اليمامة لمحاربة مسيلمة في الردّة قبض، في طريقه، على جماعة من بني حنيفة عددهم ثلاثة وعشرون رجلا: ( فقال لهم خالد: يا بني حنيفة، ماذا تقولون في صاحبكم مسيلمة؟ فقالوا: نقول إنّه شريك محمّد بن عبد الله في نبوّته […] فقدّم خالد بقيّة القوم وضرب أعناقهم صبرا)(50) وقد قتلهم خالد صبرا وكان لهم متّسع من الوقت للتراجع أو "التوبة" ورغم ذلك أصرّوا على موقفهم حتّى قطعت أعناقهم.
ويشير ابن كثير في البداية والنهاية إلى عدد الجيش الضخم الذي كان يدافع عن مسيلمة: (وقد ذكر ذلك مستقصى في أيام الصديق حين بعث خالد بن الوليد لقتال مسيلمة وبني حنيفة، وكانوا في قريب من مائة ألف أو يزيدون، وكان المسلمون بضعة عشر ألفا)(51) وهذا رقم مهول مبالغ فيه، وإنّما المعنى الذي نستخلصه هو أنّ عدد بني حنيفة المساندين لمسيلمة كان كثيرا ويفوق عدد المسلمين، وقد استمات الحنفيّون في الدفاع حتّى استحرّ القتل بين الطرفين، ولهذا السبب قام أبو بكر بجمع القرآن في مصحف، قبل جمع عثمان، حيث قُتل الكثير من حملة القرآن في اليمامة، وكانت مذبحة بين قريش وأتباعها وحنيفة، وهذا هو طريق الملك والسلطان، طريق معبّد بالجماجم والدماء، وقد سبى المسلمون نساء بني حنيفة ومنهنّ خولة بنت قيس كانت من نصيب عليّ بن أبي طالب وأنجب منها محمّد بن الحنفيّة وكنيته "أبو القاسم" واسمه وكنيته وسيرته تتشابه كثيرا مع النبيّ محمّد وهو ما دفع سليمان بشير إلى القول بوجود خلط في أحداث السيرة النبويّة وإنّها مستمدّة من سيرة محمّد بن الحنفيّة(52)
وحينما قُتل مسيلمة صرخت جارية من فوق قصره تندب مسيلمة قائلة: (وا أمير المؤمنيناه)(53) وقال أحدهم يرثيه: (لهفي عليك أبا ثمامه***لهفي على ركني شمامه/ كم آية لك فيهمُ***كالشمس تطلع من غمامه)(54) وبعد موت مسيلمة لم تفتر دعوته تماما وإنّما بقي البعض يردّدون آيات من قرآنه ويصلّون بها حتّى زمن خلافة عثمان بن عفّان، وقد روى أحمد والدارمي والبزار والنسائي وغيرهم رواية بألفاظ مختلفة وخلاصتها: كان لبني حنيفة مسجد في الكوفة آذانه: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ مسيلمة رسول الله، وكانوا يقيمون الصلاة بقرآن مسيلمة، ويفشون أحاديثه، فسمعهم رجل فنقل خبرهم إلى عبد الله بن مسعود وكان والي الكوفة في زمن عثمان بن عفّان، فأرسل من قبض عليهم وجاء بهم، فاستتابهم، فتاب بعضهم وأبى بعضهم، فضرب أعناق الذين أبوا(55) ويبدو أن لا فرق بين دين محمّد ومسيلمة من حيث الجوهر وربّما من حيث العبادات أيضا، بل ربّما يكون مسيلمة متشدّدا في الدين أكثر من النبيّ إذ يذكر ابن سعد بإسناد حسن (عن أبي مريم الحنفي أنّ عمر بن الخطاب دخل مربدا له ثمّ خرج فجعل يقرأ القرآن، قال له أبو مريم: يا أمير المؤمنين إنك خرجت من الخلاء، فقال: أمسيلمة أفتاك بهذا؟)(56) وأبو مريم كان من أصحاب مسيلمة وهو قاتل زيد بن عمر بن الخطّاب في معركة اليمامة، وفي هذا الحديث أنّ عمرا خرج إلى الخلاء لقضاء حاجة ثمّ عاد وأخذ يقرأ القرآن فأشار عليه أبو مريم بضرورة الوضوء، فقال له عمر: هل هذا من فتاوى مسيلمة؟
الهوامش:
1- ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، 1977 ج5، ص394
2- السهيلي، الروض الأنف، تحقيق مجدي بن منصور بن سيّد الشورى، دار الكتب العلميّة، بيروت، ج2، ص80
3- الذهبي، تاريخ الإسلام…، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، 1989، ج3، ص 73
4- الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص205
5- ابن الأثير، اللباب في تهذيب الأنساب، مكتبة المثنّى، بغداد،1970، ج3، ص288-289
6- عمر رضا كحّالة، معجم قبائل العرب….، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1997، ج2، ص713
(7-) Revue Belge de Numismatique, Philippe De Saxe-Cobourg, Curiosités orientales…, Bruxelles, 1891, 47 éme Année, p311-312
ويذكر عملة أخرى من مجموعة Th.Rhode وأظنّه خطأ مطبعيّا في الإسم بل Rohde أي Theodore Rohde وجاء في العملة: (ضرب محمّد رسول الله)، وهي ذهبيّة وعليها صورة هرقل وابنه، ولم تذكر كتب التاريخ أنّ محمّدا ضرب العملة باسمه، (انظرْ مثلا شذور العقود في ذكر النقود للمقريزي) ولكن كلّ شيء جائز، هذا إن صحّت هذه القراءة.
8- ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، دار المعارف، ط5، القاهرة، 1982، ص310
9- ابن دريد، الاشتقاق، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، دار الجيل، بيروت، 1991، ص347
10- تاريخ ابن خلدون، تحقيق خليل شحادة، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، 2000، ج2، ص361
11- الذهبي، تاريخ الإسلام، مصدر سابق، ج1، ص351
12- سعيد الأفغاني، أسواق العرب في الجاهليّة والإسلام، دمشق، 1960، ص 358-359
13- الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط15، 2002، ج8، ص 102
14- المبرد، الكامل في اللغة والأدب، تحقيق محمّد أحمد الدالي، مؤسّسة الرسالة، 1992، ص911
15- ابن حبيب، المحبّر، تحقيق إيلزه ليختن شتيتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص360
16- أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر، تحقيق نخبة من الأساتذة، سلسلة ذخائر العرب 69، دار المعارف، 1998، ج1، ص105
17- أبو عبيدة، كتاب الديباج، تحقيق العثيمين وجربوع، مكتبة الخانجي للطباعة والنشر، 1991، ص62
18- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (5:312) وأحمد في فضائل الصحابة (3:493) والهيثمي في مجمع الزوائد (3:76)
19- المقدسي، البدء والتاريخ، البدء والتاريخ، مكتبة الثقافة الدينية، ج3، ص 28-30
(20-) Robert G.Hoyland, Arabia and the Arabs…., Routledge, USA, 2001, p49
et aussi : Revue du monde musulman et de la méditerranée, Christian Robin, Quelques épisodes marquants…., V 61, 1991, p64
21- السهيلي، الروض الأنف، مصدر سابق، ج4، ص 355
22- تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق أحمد فريد، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2003، ج2، ص441
23- تفسير الطبري، تحقيق التركي، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، 2001، ج17، ص482
24- تفسير البغوي، تحقيق نخبة من الأساتذة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، 1411 هجري، ج6، ص92
25- تفسير القرطبي، تحقيق التركي بمشاركة عرقسوس وبركات، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 2006، ج15، ص 459
26- تفسير الثعالبي، تحقيق نخبة من الشيوخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1997، ج4، ص 215
27- تفسير ابن أبي حاتم الرازي، تحقيق أسعد محمّد الطيّب، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1997، ج8، ص 2715-2716
28- تفسير القرطبي، مصدر سابق، ج20، ص112-113
29- الكشّاف للزمخشري، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد معوّض، مكتبة العبيكان، الرياض، 1998، ج6، ص 257
30- تفسير البغوي، مصدر سابق، ج8، ص 269
31- الفراء، معاني القرآن، دار عالم الكتب، 1983، ج3، ص 202
32- الذهبي، تاريخ الإسلام، مصدر سابق، ج3، ص 38
33- السمعاني، الأنساب، تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي، دار الجنان، بيروت، 1988، ج5، ص 61
34- الكشّاف، مصدر سابق، ج2، ص 219
35- الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص 108
36- فرج فودة، الحقيقة الغائبة، دار الفكر للدراسات والنشر، القاهرة-باريس، ط3، 1988، ص 18-19
37- رقم الحديث في الشاملة: مجمع الزوائد للهيثمي (3/343) مسند أحمد ( 19565 ) صحيح ابن حبّان(6778) الحاكم في المستدرك ( 8773)
38- مصنّف أبي شيبة (31116) مسند أحمد (8106) صحيح البخاري (3351) صحيح مسلم (4218) سنن ابن ماجة (3912) سنن الترمذي (2216) سنن النسائي (7649) إلخ..
39- مستدرك الحاكم: (4353)
40- صحيح البخاري: 3351، صحيح مسلم: 4218
41- أبو الفداء، المختصر، مصدر سابق، ج1، ص 177
42- ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق التركي، بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدراسات العربيّة والإسلاميّة، القاهرة، ج9، ص 264
43- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، ط2، 1969، القاهرة، ج3، ص 146
44- المصدر السابق، ج3، ص 286
45- الألوسي، روح المعاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص59
46- الزمخشري، الكشّاف، مصدر سابق، ج1، ص 109
47- فخر الدين الرازي، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، دار الفكر، 1981، ج30، ص 229
48- أخرجه البزار في مسنده (1733) وبسند ولفظ مختلف أبو داود في سننه (2380) والحاكم في المستدرك (2583) وأحمد في مسنده (3524)
49- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق عبد الله القاضي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1987، ج2، ص 98
50- الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص 119
51- ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق التركي، هجر للطباعة والنشر…، 1998، ج9، ص 333
52- سليمان بشير، مقدّمة في التاريخ الآخر، نحو قراءة جديدة للرواية الإسلاميّة، القدس، 1984، ص 163 وما بعدها.
53- المصدر السابق، ص 334
54- السهيلي، الروض الأنف، مصدر سابق، ج4، ص 355
55- مسند أحمد (3644) سنن النسائي (8675) مسند البزار (1787) المعجم الأوسط للطبراني (8762) مصنّف ابن أبي شيبة (33411) سنن الدارمي (2558) مصنّف عبد الرزاق (18708)
56- ابن سعد، الطبقات، مصدر سابق، ج9، ص 90
وانظرْ: مصنّف عبد الرازق (1318) وابن أبي شيبة (1110)
3 ) - مواضيع متفرقة :
sand :
لماذا الافتراء على مسلم بن حبيب صاحب فكرة الاسلام
هو مسلم بن حبيب الحنفي، لقبه رحمن اليمامة و هو صاحب فكرة الاسلام قبل محمد بعشرات السنين
يجهد المسلمون للسخرية منه و انتاج مسلسلات تشهر فيه و تحقره و تصفه بسوء الخلق بالمقابل ينسون ان ما فعله الرسول مجرد تقليد له
كان مسلم بن حبيب صاحب منصب وسلطة وكان مسيطراً على مساحة واسعة من شرق الجزيرة العربية في منطقة اليمامة (الإحساء حالياً). أي أنه كان مسيطراً على أراضي وممتلكات أوسع من تلك التي كان يسيطر عليها المسلمون، وكذلك بالنسبة لعدد الأتباع الذين تجاوزت أعدادهم الـ 80 ألفاً
هو صاحب ان يسمى اتباعه مسلمون و هو امر منطقي فكل دين يسمى على اسم مؤسسه و بالتالي اتباه مسلم هم المسلمون و محمد سرق الفكرة و التسمية
جاء في سبب نزول قوله : "قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى". الإسراء 110
قال ابن عباس: تهجد رسول الله صلعم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده: يا رحمن يا رحيم فقال القريشيون : كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين: الله والرحمن، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة؟!
ينتهي نسب مسلم بن حبيب إلى قبيلة تميم كبرى قبائل العرب وأشهرها، قال أمية بن أبي الصلت ( مفتخراً:
تَميدُ الأَرضُ إِن رَكِبَت تَميمٌ * * * وإِن نَزَلوا سَمِعتَ لَها أنينا.
كان محمد صلعم يهوى إطلاق الألقاب على الناس، فكان يلقب من يرضى عليه من الموالين والمقربين ألقاباً حميدة مثل "الصدّيق" و"الفاروق" و"الزهراء" و"الحميراء"…الخ. بالمقابل كان محمد يشهّر بمعارضيه ويشوه صورتهم عن طريق تسميتهم بأسماء وألقاب سيئة ومهينة مثل "أبو جهل" و"أبو لهب" و"مسيلمة الكذاب"…الخ، مخالفاً بذلك تعاليم قرآنه: عن أبو جبيرة بن الضحاك قال: فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان…فأنزلت هذه الآية "ولا تنابزوا بالألقاب". سورة الحجرات، جملة رقم 11.
المرجع: سنن أبو داوود، كتاب الآداب، باب في الألقاب، جزء4 ص290. قال الشيخ الألباني: صحيح.
أطلق عليه رسول الإسلام اسم "مُسيلمة" ولقّبة بالكذّاب. وذلك في سياق حملة مسعورة قام بها محمد وأصحابه بهدف تشويه صورة مسلم بن حبيب أمام العرب. فقد قام محمد بتصغير كلمة "مسلم" فأصبحت "مُسيلم"، ثم أضاف لها تاء التأنيث من باب التحقير وذلك بسبب النظرة الدونية لمحمد تجاه النساء، فأصبحت "مسيلمة".
ودليل ذلك هو أن التركيب اللغوي السابق "مفيعلة" كان قد استعمله صلعم في أكثر من موضع، لا بل أنه انفرد بذلك، كحديث "الفويسقة" (الفأرة) الشهير الذي يتهم فيه صلعم الفئران بافتعال الحرائق: "عن جابر بن عبد الله عن النبي صلعم: قال فإن الشيطان لا يفتح بابا غلقا ولا يحل وكاء ولا يكشف إناء وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم أو بيوتهم".
المرجع: سنن ابو داوود، كتاب الأشربة، باب في إيكاء الآنية حديث رقم 3732. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وكذلك حديث "الرويبضة": عن أبي هريرة عن الرسول: …قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه في أمر العامة.
المرجع: سنن ابن ماجة، كتاب الفتن، باب شدة الزمان، حديث رقم 4036. قال الشيخ الألباني: صحيح.
تلفيقات وفبركات اخرى أخرى يتوارثها المسلمون عن مسلم :
جاء في كتاب (الكشكول) لـ بهاء الدين العاملي: ومن خزعبلات مسيلمة: والزارعات زرعاً، فالحاصدات حصداً، فالذاريات ذرواً، فالطاحنات طحناً، فالعاجنات عجناً، فالآكلات أكلاً.
فقال: كذا أوحى الله إلي، فواقعها. فلما قام عنها قالت: إن مثلي لا يجري أمرها هكذا، فيكون وصمة على قومي وعلي، وليكن مسلمة النبوة إليك، فاخطبني إلى أوليائي يزوجوك، ثم أقود تميماً معك. فخرج وخرجت معه، فاجتمع الحيان من حنيفة وتميم، فقالت لهم سجاح: إنه قرأ عليّ ما أنزل عليه، فوجدته حقاً، فاتبعته، ثم خطبها، فزوجوه إياها، وسألوه عن المهر، فقال: قد وضعت عنكم صلاة العصر.
ذكر ابن كثير في كتاب "البداية والنهاية" أنه: بصق في بئر فغاض ماؤها، وفي أخرى فصار ماؤها أجاجاً، وسقى بوضوئه نخلا فيبست، وأتى بولدان يبرك عليهم فمسح على رؤسهم فمنهم من قرع رأسه ومنهم من لثغ لسانه، ودعا لرجل أصابه وجع في عينيه فمسحهما فعمي.
بعد موت مسلم بن حبيب ، سأل أبو بكر قوم مسلم بن حبيب عن تعاليمه، فتلوا عليه إحدى آيات مسلم بن حبيب التي ادّعوا أنها نزلت عليه من الوحي: يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، نصفك في الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشراب تمنعين.
مسيلمة هو صاحب فكرة الإسلام ..
و محمد سرق الفكرة و اضاف اليها كوكتيل من الاديان فأخذ من العرب بعض أشعارهم و من اليهود الشرائع و من المسيحية الجنة و النار و من الزرادشتية بعض الخرافات ، الاسراء و المعراج و طبيعة الجنة و غيرها و من المانوية الباروقليط و غيرها :
وهذا أمر صحيح لسببين رئيسيين، الأول هو أن دعوة مسلم بن حبيب قد ظهرت قبل بعثة محمد بزمن، والحديث واضح في ذلك، فقد روى ابن سعد عن ابن عباس قال: "بعثت قريش النضر بن حارث وعقبة بن أبي معيط وغيرهما إلى يهود يثرب وقالوا لهم: سلوهم عن محمد فقدموا المدينة فقالوا: أتيناكم لأمر حدث فينا منا غلام يتيم فقير يقول قولا عظيما يزعم أنه رسول الرحمن ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة".
أي أن القوم كانوا يؤمنون برحمن اليمامة ولا يعرفون غيره وعندما بدأ محمد دعوته استغربوا ذلك.
والسبب الثاني يكمن في اسم "مسلم بن حبيب"، حيث من المعروف أن الديانات تسمى بأسماء "الأنبياء" الذين يَدعون إليها، و بما أن مسلم بن حبيب فطبيعي أن يعرف أتباعه بالمسلمين.
أدلة أخرى تشير إلى عائدية ما يسمى بالـ "الإسلام" إلى مسلم بن حبيب، منها أن الرجل كان يمتلك مسجداً وله إمام، بل أنه كان يمتلك قرآناً يضاهي ما جاء به محمد من قرآن!
عن حارثة بن مضرب قال: "خرج رجل يطرق فرسا له فمر بمسجد بني حنيفة فصلى فيه فقرأ لهم إمامهم بكلام مسلم بن حبيب .
المرجع: مصنف بن أبي شيبة، كتاب الجهاد، باب: ما قالوا في الرجل يسلم ثم يرتد ما يصنع به، حديث رقم 17.
كذلك كان يمتلك مؤذناً وهو عبد الله بن النواجة!
المرجع: الكامل في التاريخ لابن كثير، الجزء الثاني، ذكر مسيلمة و أهل اليمامة.
مسلم بن حبيب كان ينزل عليه جبريل أيضاً
وكان مسلم بن حبيب يقول: يا بني حنيفة، ما جعل الله قريشاً أحق بالنبوة منكم؛ وبلادكم أوسع من بلادهم، وسوادكم أكثر من سوادهم؛ وجبريل ينزل على صاحبكم مثل ما ينزل على صاحبهم".
المرجع: كتاب "ثمار القلوب في المضاف والمنسوب" أبو منصور الثعالبي ص298.
رأي مسلم بن حبيب بـ محيمدة الكذاب:
لم تذكر المصادر الإسلامية، في معرض نقدها لـ "مسيلمة"، سوى قصة زواجه من سجاح، وبعض التحريفات السخيفة عن قرآنه.
بعد هلاك نبي الإسلام، ثار مسيلمة على الخليفة أبو بكر، ولكن قواته هزمت، ويالسخرية القدر، من قبل نفس الشخص الذي هزم محمد صلعم في معركة أحد، أعني بذلك خالد بن الوليد.
قُتل مسيلمة من قبل وحشي بن حرب، قاتل حمزة، في معركة اليمامة عن عمر طويل ناهز الـ 150 عام. لم يصبح جميع أتباع مسيلمة مسلمين مخلصين، فبعد عشر سنين أعدم حامل رسالة مسلم بن حبيب (التي أرسلها للرسول صلعم) مع آخرين في الكوفة حيث اعتبروا بأنهم مازالوا على دعوة مسلم بن حبيب .
ماذا لو قتل ابن الوليد محمد صلعم في أُحد؟!
أما كانت عاشت دعوة مسيلمة الذي هو أحق فيها من محمد؟ ترى مالذي كان سيقوله مسلم بن حبيب وصحابته فيما لو قُدّر له أن ينتصر على العصابات المحمدية بقيادة سيف اللات المسلول، التي غدرت به وبأتباعه، في ما صح عن محمد صلعم من أفعال شاذة أقل ما يمكن أن يقال فيها بأنها قذرة وإجرامية…
ماذا كان سيقول في قصة نكاح رسول الإسلام من صفية؟·
ماذا كان سيقول في قصة نكاح رسول الإسلام من زينب بنت جحش؟·
ماذا كان سيقول في قصة نكاح رسول الإسلام من الطفلة عائشة؟·
ماذا كان سيقول في قرآن محمد المهزوز؟
·
عشرات لا بل مئات الأسئلة والقصص التي كان من الممكن أن تكون موضوعاً للتندّر والسخرية من محمد وتعاليمه.
لقد عيّر المسلمون "مسيلمة" وعابوا عليه وهب سجاح نفسها له ، ووصفوا تلك الممارسة بأبشع الأوصاف، مثلما بيّنا سابقاً، في الوقت الذي كان صلعم يطالب في قرآنه "المؤمنات" أن يهبوا أنفسهن له.
يقول قرآن محمد : "…وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ…".سورة الأحزاب، جملة رقم 50.
ربما أول ما كان سيقوم به مسلم بن حبيب هو تسمية رسول الإسلام بـ "مُحيمدة" وتلقيبه بـ "الكذاب"، أي إظهار شتمه وعيبه وتصغيره، ثم الإيعاز إلى أصحابه بفبركة القصص والروايات عن محمد صلعم وآله، وهو ما كان بحاجة الفبركة والتلفيق، لأن سيرة نبي الإسلام وآله وأصحابه تعج بالقذارة والموبقات، ناهيك عن فواحش قرآنه المُفترى.
قرآن مسلم بن حبيب :
لم يصلنا إلا النذر القليل من قرآن مسلم بن حبيب فأين ذهب قرآن مسلم ؟!
الأرجح أنهم أخفوه أو أحرقوه مثلما فعل عثمان بن عفان بنسخ القرآن المتباينة. ذكر مسلم آياتٍ مشيراً بأن الله أوحى له بها، لعل أجود ما وصلنا منها بحسب ابن كثير:
"والمبديات زرعًا والحاصدات حصدًا والذاريات قمحًا والطاحنات طحنًا والخابزات خبزًا والثاردات ثردًا واللاقمات لقمًا إهالة وسمنًا لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المذر ريقكم فامنعوه والمعيي فأووه والباغي فناوئوه".
المرجع: الكامل في التاريخ لابن كثير، الجزء الثاني، ذكر مسيلمة و أهل اليمامة.
السؤال هنا كيف لقبيلة عريقة مثل تميم ، معظم أبنائها من سادات العرب وشعرائها الفطاحل، أن تتقبل تعاليم كالتي أوردتها المصادر الإسلامية عن مسيلمة؟!
بالمقابل نرى أن دعوة محمد لم تلقَ القبول من معظم أبناء قبيلته القرشيين ..
أقنع مسلم بن حبيب أتباعه أن "محمداً كان قد تقاسم النبوة معه". اتسعت سلطة ونفوذ مسيلمة بين قومه بعد ذلك. كما أنه جعل لنفسه مجلساً لنبوته مقلداً بذلك محمد، وقد ادعى ايضاً نزول الآيات البينات عليه، فجمعها ضمن قرآن خاص به وقدمها للناس على أنها وحي من الله. تخبرنا المصادر الإسلامية إلى أن معظم آيات قرآن مسيلمة كانت تشير إلى تفوق قبيلته بني حنيفة على قريش. كما دعا محمداً إلى تقاسم السلطة على شبه الجزيرة العربية وكتب له في السنة العاشرة من الهجرة. جاء في سيرة ابن هشام: "كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه ثم جعل يسجع لهم الأساجيع ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى".
الجاحظ في كتاب الحيوان هو الآخر يسخر من مسلم بن حبيب و يلفق عليه قوله : يا ضفْدَعُ نِقَّي كَمْ تَنقِّين نصفُكِ في الماء ونصفُكِ في الطين لا الماء تُكَدِّرِين ولا الشارب تمنعين.
مع أن رسول الإسلام كان قد نهى عن قتل الضفادع، وهو القائل: "لا تقتلوا الضفادع (فإن نقيقهن تسبيح)". تخريج السيوطي: (ن) عن ابن عمر.
تحقيق الألباني: صحيح. انظر حديث رقم: 7390 في صحيح الجامع.
الذي يلفت الانتباه حقاً هو الشبه الكبير ما بين قرآن مسلم بن حبيب وقرآن محمد ، من حيث النظم والمفردات والمعنى والصور البيانية، والجدول التالي يثبت ذلك:
مسلم بن حبيب
ثم إلى ربهم يكون المنتهى.
محمد
"وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى". سورة النجم جملة رقم42.
مسلم بن حبيب
لقد أنعم الله على الحبلى.
محمد
"…قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً". سورة النساء، جملة رقم72.
مسلم بن حبيب
والزارعات زرعاً، فالحاصدات حصداً، فالذاريات ذرواً، فالطاحنات طحناً، فالعاجنات عجناً، فالآكلات أكلاً.
محمد
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا 1 وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا 2 وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا 3 فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا 4 فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا 5. سورة النازعات.
مسلم بن حبيب
ألم تر أن الله خلقنا أفواجاً، وجعل النساء لنا أزواجا.
محمد
"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ…" سورة لقمان جملة رقم29.
مسلم بن حبيب
الفيل، ما الفيل، وما أدراك ما الفيل.
محمد
الْقَارِعَةُ 1 مَا الْقَارِعَةُ 2 وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ 5. سورة القارعة.
مسلم بن حبيب
انا أعطيناك الكواثر، فصل لربك وبادر، في الليالي الغوادر، واحذر أن تحرص أو تكاثر.
محمد
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ 1 فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ 2 إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ 3. سورة الكوثر.
مسلم بن حبيب
والشمس وضحاها، في ضوئها ومنجلاها، والليل إذا عداها، يطلبها ليغشاها، فأدركها حتى إذا أتاها، أطفأ نورها فمحاها.
محمد
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا 1 وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا 2 وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا 3 وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا 4. سورة الشمس.
مسلم بن حبيب
سبح اسم ربك الأعلى، الذي يسر على الحبلى، فأخرج منها نسمةً تسعى، من بين أحشاءٍ ومعى، فمنهم من يموت ويدس في الثرى، ومنهم من يعيش ويبقى، إلى أجلٍ ومنتهى، والله يعلم السر وأخفى، ولا تخفى عليه الآخرة والأولى.
محمد
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. سورة الأعلى، جملة رقم.1
مسلم بن حبيب
اذكروا نعمة الله عليكم واشكروها؛ إذ جعل لكم الشمس سراجاً، والغيث ثجاجاً، وجعل لكم كبشاً ونعاجاً، وفضةً وزجاجاً، وذهباً وديباجاً؛ ومن نعمته عليكم أن أخرج لكم من الأرض رماناً، وعنباً وريحاناً، وحنطةً وزؤاناً.
محمد
وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . سورة المائدة،جملة رقم.7
جورج :
رسول الله وأمير المؤمنين هو لقب مثبت أركيولوجيا إستخدامه وضربه في اليمامة في عهد حكم وسلطة المسمى تاريخيا " مسيلمة الحنفي" وجد هذا اللقب"رسول الله وأمير المؤمنين مسيلمة" على عملة بيزنطية نادرة وما يمكن إستشفافه من ذلك أن إستعمال هذه العملة كان شائعا و معترف به من القوى الكبرى أنذاك . من هو هذا مسيلمة وما حجمه الصحيح ؟
تذكر المرويات أن كبار قريش عندما كان يقرأ عليهم النبي محمد من القرآن ويذكر لفظ "الرحمن"
كانوا يتندرون فيما بينهم ويقولون أنه يذكر آله رحمن اليمامة في إشارة إلى مسيلمة كما تقول المرويات ومن أوضح المرويات عن شخصية مسيلمة والتي سنتطرق إليها بشكل أوسع بعد هذه المقدمة , تلك المراسلات التي تمت بينه وبين النبي محمد عندما قدم وفد بنو حنيفة في عام الوفود , فتذكر الروايات أن النبي محمد ذهب إلى خيمة بنو حنيفة لما سمعه وتفرسه عن مسيلمة من كياسة وسياسة ومعه ثابت بن قيس وإذا بمسيلمة في وفد كبير من قومه فجعل يقول: إن جعلت الأمرلنا بعدك تبعناك "يقصد الحكم"، فأقبل إليه النبي محمد ومعه ثابت بن قيس وفي يد النبي - قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: (لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتك إياها ولن تعدوَ أمر الله فيك، ولئن أدبرتَ ليعقرنَّك الله، وإني لأراكَ الذي أريت فيما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عنى)، ثم انصرف عنه، ونزل مسيلمة في دار بنت الحارث وكانت معدة للوفود ...