منذ فترة قصيرة تمكن علماء المستحاثات من الحصول على الحلقة الاخيرة في سلسلة تطور النبات، لتصبح الصورة النهائية لتطور مملكة النبات كاملة لدينا. إن ظهور وتطور النبات وتمكنه من إكساء اليابسة كان الخطوة الحاسمة لتحويل الارض الى مكان يمكن للحيوانات والانسان ان يظهرا.
القطع الاخيرة التي اكملت الصورة عثر عليهم متحف نيويورك عام 2005 عندما كان يقوم بدراسة مستحاثة من منطقة غيلبوا (Gilboa) التي تقع 200 كيلومتر شمال نيويورك. هذه المنطقة معروفة بالمستحاثات التي فيها لشجر يعتقد ان الاصل المشترك لجميع الشجر. المستحاثات عمرها 385 مليون سنة، وإذا كانت فعلا بقايا شجر ستكون شجر الغابات الاولى على الارض.
المستحاثات الاولى التي تم العثور عليها في سبعينات القرن الثامن عشر كانت لاتقدم صورة اكيدة عما إذا كانت المستحاثة تعود الى شجر، لكونها لم تكن تحتوي على اوراق وانما ساق الشجرة فقط. هذه المرة تم العثور على مستحاثة للنبتة بأكملها مع الاوراق وتشبه الى حد كبير النخل. مثل هذه المستحاثة تم العثور عليها سابقا في فنزويلا وبلجيكا. هذه الشجرة اعطيت اسم wattieza, واعتبرت شجرة قصيرة. الباحثين كانوا مندهشي ن العثور على شجرة قصيرة بين العديد من مستحاثات الشجر الطويل، ولذلك استمروا بالحفر في الطبقات الاعمق ليظهر ان كلا الطرفين منسجمين مع بعض. واتيزا لم تكن الشجرة الكاملة وانما راس الشجرة فقط جالسة على ساق طويلة، ليصل طولها الى ثمانية امتار. انها ىالشجرة الحقيقة الاولى. العثور على هذه الشجرة في انحاء العالم تشير الى ان الغابات الاولى كانت تعود الى هذا النوع.
النبات صعد الى اليابسة من الماء، في العصر الجيلوجي ordovicum قبل 465 مليون سنة، ولكن فقط عندما تطورت النباتات الى اشجار تمكنت من استعمار اليابسة بشكل جدي بعيدا عن الضفاف. النباتات الاولى كانت بطيعة كونها منحدرة عن نباتات مائية، تحتاج الى الكثير من الماء وهذا الامر كان يحد قدراتهم على النمو. النباتات الاولى لم تكن تملك جذور تمكنها من امتصاص الماء من التربة ولم تكن تملك شعيرات امتصاص تساعدها على نقل ىالماء الى كافة اجزاءها. لهذا السبب كانت النباتات الاولى التي ظهرت في العصر الاول (50 مليون سنة) لايزيد طولها عن بضعة سنتمتر وكانت تقف مباشرة في الماء. حول مدينة Rhynie في شرق سكوتلند توجد العديد من بقايا ومستحاثات هذه النباتات التي لها من العمر 410 مليون سنة.
فجأة ازدادت سرعة التطور، وبفترة اقصر من الفترة التي احتاجتها النبتة للخروج الى اليابسة بدأت النباتات القصيرة تزداد طولا لتصبح شجرا بطول 30 مترا. في هذا العصر حققت النبتة نمو القنوات الداخلية التي تسمح بنقل الماء. الخطوة الثانية في التطور كانت تحقيق ثخانة الجذع والانسجة القوية التي تمكن من البقاء منتصبا. هذه الخطوة انجزتها الشجرة المسماة Cladoxylopsida, وعمرها 385 مليون سنة.
العصر التالي في مسيرة تطور الشجر جاء بعد 15 مليون سنة في منتصف العصر الجيلوجي ديفون، لتظهر الشجرة Archaeopteris. هذه الشجرة كانت لها ثلاث خصائص جديدة اساسية: الجذور، الاوراق الكبيرة، والبدايات الاولى المؤسسة لظهور البذور. الجذور قدمت فضيلة لاتثمن للشجرة إذ اصبح بمقدورها الوقوف بثبات بالرغم طولها. الاوراق الكبيرة ساعدت على التقاط المزيد من اشعة الشمس مما يسمح بتغذية المزيد من النمو. تطور خاصية التكاثر من خلال البذور اعطى الامكانية الفعلية للشجرة للتحرر من بيئتها المائية تماما.
تماما مثل النباتات التي تنتمي الى عائلة Polypodiaceae اليوم، كانت النباتات القديمة تتكاثر بفضل شئ شبيه بالبذور او خلايا جنسية تنشأ في الجهة السفلى من الاوراق. هذه البذور لاتتحمل الجفاف ويجب المحافظة عليها رطبة منذ لحظة التلاقح والى نمو البذرة الى نبتة جديدة. هذا الامر يعني مسؤولية كبيرة اذ ان يوم واحد من الجفاف يعني اختفاء جيل بكامله. من هذه الجهة فإن البذور الشائعة اليوم كانت صفة تطورية تفضيلية تملك قدرة اكبر على المنافسة على البقاء، لكون البذرة تملك قشرة تحمي من الجفاف وتحوي على مغذي على شكل زيوت او نشاء. هذا الامر يعني ان البذور قادرة على البقاء في حالة استراحة بدون ان تفقد قدرتها على النمو عند ظهور ظروف مناسبة.
Archaeopteris لم تكن تملك تملك بذور وانما شئ ما من الحالة الوسطية، والذي كان على كل حال افضل بالمقارنة مع الخلايا الجنسية. لهذا السبب نجد ان الشجرة تمكنت من المنافسة والانتشار في كل انحاء الارض. هذا الامر اعطى دفعة جديدة لتوجهات تطورية اخرى، اذ ان سقوط اوراق هذه الشجرة في الجدوال المائية اعطى طعاما لنشوء انواع جديدة من الاسماك. غير ان بذورهم لم تكن قادرة على منافسة الجيل الجديد من النباتات التي ظهر لها بذور حقيقية كاملة، لذلك نجد ان هذا النوع انقرض في نهاية عصر الديفون، تماما عندما شاع النوع الجديد من النباتات.
الشجرة الجديدة التي ظهرت بعد السابقة هي Cordaitales, وهي تعتبر الجد الاول للشجر النافضة التي تتساقط اوراقها فصليا. هذه الشجرة ظهرت قبل 305 مليون سنة في منتصف العصر الكربوني وكانت تشكل غابات الجبال. في المرتفعات وبعيدا عن الماء كانت البذور ضرورة لابد منها والنباتات القديمة لم تكن تملك اي حظ في هذه المناطق. بعد فترة قصيرة تمكنت النبتة الجديدة من الانتشار حتى في المناطق المنخفضة مبعدة النباتات القديمة نهائيا.
الاشجار الاولى قامت بتغير جو الارض من خلال تغير نسبة احتوائه على غاز ثاني اكسيد الكربون، من 4% الى اقل من 1% خلال 20 مليون سنة. انخفاض نسبة الغاز كان جزئيا بسبب عملية التركيب الضوئي وجزئيا لكون قسم كبير من البقايا النباتية غطست الى قعر المساحات المائية او انسحقت تحت الطبقات الارضية بفضل حركة الارصفة القارية. بهذا الشكل اختفت كميات هائلة من غازات الكربون من الهواء وتحولت فيما بعد الى نفط. انخفاض مستوى الكربون في الهواء ادى الى انخفاض كبير في درجة حرارة الارض الامر الذي ادى الى إطلاق العصر الجليدي، والذي بدوره كان سببا لموت جماعي للكائنات الحية، خصوصا في البحار. على اليابسة لم تكن تبعات العصر الجليدي بنفس القدر. وهذا العصر الجليدي المقصود تتطابق مع العصر الذهبي لانتشار غابات Archaeopteris قبل 365 مليون سنة، الامر الذي كان تأثيره ايجابيا على الشجرة اذ اعطى الهواء البارد إمكانية لزيادة حجم الاوراق. في العصر الجيلوجي بيرم كان نشاط الارصفة القارية عنيفة للغاية وانتهت بنشوء القارة العظمى بانغيا. في ذلك الوقت اصبح الجو من جديد حاراً وجافاً الامر الذي ساعد الاشجار ذات البذور الجافة، مثل شجرة Ginkgo, على السيطرة والانتشار واغلب الانواع المعاصرة هي احفاد هذا النوع.
الاشجار سببت العديد من التغييرات على سطح الارض، فإضافة الى تغيير المناخ كانت الجذور سبباً في تفتيت التربة من خلال نموهم وافرازاتهم لمواد حامضية بالاضافة الى انحلال الكربون من الهواء في الماء. الاحماض قامت بتحرير الايونات والاملاح لتصبح غذاء للنبات او لتجرف مع الفيضانات والسيول الى البحار حيث اصبحت غذاء للطحالب التي انتعشت. بهذا الشكل اصبح غذاء الكائنات التليسكوبية بكمية اكبر الامر الذي رفع نسبة المواد العضوية في التربة. تغير المناخ فسح المجال للعديد من الكائنات للتخصص في نواحي جديدة وبالتالي نشوء انواع جديدة، الامر الذي يفسر ظهور الطفرة في التنوع البيلوجي.
من المثير الاشارة الى ان الفطريات ظهرت قبل الاشجار وكانت ايضا كبيرة الحجم، إذ يصل ارتفاعها الى ثمانية امتار. حجمها كان السبب في اعتقاد الباحثين انها مستحاثات اشجار، غير ان تحليل الكربون اظهر ان هذه المستحاثات لم تحصل على كربونها من الهواء عن طريق التمثيل الضوئي لكون كربونها (ايسوتوب) يملك خصائص مختلفة عن كربون الهواء قبل 420 مليون سنة. لهذا السب توصل العلماء الى انها مستحاثات لفطر اطلقوا عليه اسم Prototaxites.
جدول بأسماء الاشجار الاولى وخصائصها.
Cooksonia: ظهرت خاصية الانابيب الشعرية التي مكنت من نقل الماء الى اعلى واطراف النبتة ظهرت قبل 425 مليون سنة وهذه العائلة ليس لها اقرباء على قيد الحياة اليوم
Cladoxylopsida:اصبح بالامكان انمو العرضي والطولي لنشوء نوع جديد من مادة البناء وهي lignin. ظهرت قبل 385 مليون سنة. امكانية النمو العامودي سمح لها بالحصول على المزيد من ضوء الشمس
Archaeopteris: هنا ظهر الجذور قبل 370 مليون سنة والاوراق قبل 350 مليون سنة مما ساعد على ادخار الماء وبالتالي فتح الامكانية للانتقال بعيدا عن الماء
Cordaitales: بدء تحول التكاثر من الخلايا الجنسية الى اليذور بدا مع Archaeopteris ولكن قبل 305 مليون سنة ظهرت هذه النبتة التي تشكل الجد المباشر للنباتات الحديثة التي تتكاثر بالبذور الحقيقية، القادرة على البقاء حية الى حين قدوم الفصل المناسب.
للمزيد من المصادر هنا