في بيرو تعيش الطفلة Lina Medina من مواليد عام 1933، كان عمرها خمسة سنوات وسبعة اشهر عندما انجبت طفلها الاول ولااحد يعلم من هو ابوه. عندما كان عمرها حوالي ثمانية اشهر بدأت عندها العادة الشهرية للمرة الاولى وفي عمر الاربعة سنوات ظهر لها نهود واصبح لها شعر فوق عانتها. التحاليل في عمر الخامسة، اظهرت انها امرأة كاملة من الناحية الجسمية . عام 1939 ولدت طفلها بعملية قيصرية وكان وزنه 2،7 كيلوغرام. ابنها تربى وهو يعتقد انها اخته الكبرى حتى بلغ العشرة سنوات. وقد عاش صحيحا حتى بلغ اربعين عاما ومات مصابا بمرض Bone Marrow. وهذه الحالة المتطرفة يبدو انها تتحول لتكون سيناريو طبيعي، فمالذي يجري؟
صورة لينا ميدينا مع والدها وطفلها
في منتصف القرن الثامن عشر كان الفتاة الاوروبية تصل للبلوغ الجنسي ويحدث لديها الطمث للمرة الاولى عندما تبلغ السابعة عشرة في المتوسط ، في حين ان ذلك يحدث اليوم عندما تبلغ الثالثة عشرة من العمر. وحتى النهود اصبحت تظهر في عمر مبكر، وفي السنوات الخمسة عشرة الاخيرة اصبح الصدر يبدأ في البزوغ ، في المتوسط، ابكر بسنة كاملة، اي قبل ان تبلغ الفتاة العشرة سنوات من العمر. هذه الارقام ظهرت في بحث دانماركي جرى عام 2009. وعلى الرغم من ان النضوج الجنسي للاولاد الذكور ليس بنفس السرعة، غير ان المعطيات تشير الى انهم ايضا اصبحوا يبلغون ابكر من السابق.
صورة لينا ميدينا وهي حامل بطفلها الاول
في دراسة من عام 2007 جرت على 463 ولد من سكنة غوبنهاجن اظهرت انهم بلغوا النضوج الجنسي اربعة اشهر ابكر من المعتاد. دراسة اخرى من بلغاريا جرت عام 2010 اظهرت ان الاولاد بلغوا النضوج ابكر بسنة كاملة بالمقارنة مع دراسة اخرى جرت قبل ثلاثين سنة مضت.
الباحثين قاموا بقياس طول الخصيان عند 6200 ولد بالاعمار من 0 الى 19 سنة واكتشفوا انها تبدأ بالكبر في عمر التاسعة، وهي الاشارة الاولى على بدء عملية البلوغ والدخول في المراهقة. عند الاولاد الذين شاركوا في دراسة مماثلة من عام 1980 بدأت زيادة في طول الخصاوي تحدث في عمر الثالثة عشرة.
جسم البالغين وعقل الاطفال
هذا الانتقال الجنسي المبكر الذي جرى توثيقه لدى الاطفال جلب القلق للمختصين، لان هذا الانتقال الفيزيائي لايتوافق مع سرعة نضوج عقلي واجتماعي مماثل. هذا الامر يمكن ان يحمل في طياته المشاكل عندما يحتاج الطفل والطفلة الى تغيير نمط سلوكهم لتتوافق مع الضوابط الاجتماعية التي تحكمها قواعد مختلفة عن قواعد الطفولة التي لازال الطفل فيها عقليا.
صورة مشهورة لطفل من كازاخستان
ابحاث مختلفة اظهرت انه كلما بلغت الفتاة النضوج الجنسي ابكر كلما ازداد احتمال نشوء مرض الكآبة والصراع النفسي لديها. وعند كلا الجنسين، في حال البلوغ المبكر، يزداد لديهم احتمال تعلم التدخين والعادات الضارة او القيام بنشاطات اجرامية او البدء بممارسة الجنس مبكرا او الاضطرار الى الانحراف الجنسي في حالة العزل بين الجنسين.
إضافة الى ذلك تترتب نتائج مضرة للصحة عند البلوغ المبكر. في دراسة نرويجية من جامعة بيرغين وترومسو نشرت نتائجها عام 2007 تابع الباحثون خلالها 60 الف امرأة على مدى 40 سنة، جميعهن صرحنا بوقت بلوغهن عند انطلاق الدراسة. لقد ظهر ان مقابل كل تبكير بمقدار سنة في الوصول الى البلوغ يزداد احتمال الموت بمقدار 2،4 بالمئة. المرأة التي حصلت على عادتها الشهرية للمرة الاولى قبل سن الثالثة عشرة يزداد احتمال موتها بالسرطان وامراض القلب او السكتة الدماغية او حوادث اخرى بمقدار 12 بالمئة بالمقارنة مع النساء اللواتي حصلوا على اول عادة شهرية بعد بلوغ السابعة عشرة.
البحث النرويجي لايقدم اي تفسير للاسباب التي تقف خلف هذه النتائج ولكن ابحاث اخرى اظهرت احتمالات ان البلوغ المبكر يرافقه ارتفاع في خطورة الاصابة بسرطان الثدي او سرطان الرحم. وايضا جرت ملاحظة زيادة احتمال نشوء مرض السمنة لاحقا، غير ان هذا الاستنتاج الاخير جرى التشكيك فيه، وعلى الارجح الامر على العكس اي ان الاصابة بالسمنة في الطفولة يمكن ان يؤدي الى السقوط في البلوغ المبكر.
الفقراء يتأخر لديهم البلوغ
نكبة اطفال من العراق
للوهلة الاولى يبدو من المنطقي ان الكثير من الاطفال الشبعانين حتى التخمة، وبالتالي اوزانهم اعلى من المعدل، ينمون بسرعة اكبر من الاطفال النحاف او ذو التغذية السيئة، ببساطة بسبب ان اطفال الاغنياء يحصلون على طاقة غذائية اكبر قادرة على تزويد النمو بحاجاته.
غير ان تحاليل علمية جرت عام 2003 من قبل علماء من بلجيكا والدانمارك وفنلندا اضافت اطياف اخرى حيث ظهر ان الاطفال يبدؤن التحول الى النضوج الجنسي المبكر إذا كانوا يعيشون وضعا اقتصاديا مستقرا عبر فترة نموهم. لقد ظهر ان مرحلة البلوغ الجنسي في العالم النامي، على العموم، تحدث في اعمار اعلى نسبيا بالمقارنة مع العالم المتقدم او الغني. الاختلافات الاجتماعية في بلدان مثل الهند والكاميرون وافريقيا الجنوبية تؤخر البلوغ الجنسي عادة لمدة سنة واحدة وفي بعض الحالات يصل الفرق الى حتى الثلاث سنوات.
دور وباء مرض السمنة
على خلفية هذه النظرية التي تتحدث عن دور التغذية في تخفيض سن البلوغ يفسر الخبراء هذه القفزة الكبيرة في انخفاض سن البلوغ الجماعي والذي بدأ في ستينات القرن الماضي ولازال مستمرا حتى الان. في هذه الفترة ارتفع مستوى المعيشة كثيرا في البلدان المتقدمة وبلدان النفط، في ذات الوقت انخفض سن حدوث اول طمث عند الفتيات بحيث انه مثلا في الولايات المتحدة والنرويج وفنلندا نقص معدل العمر المطلوب للوصول الى اول الطمث بمقدار 0,3 سنة كل عشرة سنوات. بعد ذلك جاء عهد اصبح مستوى المعيشة العالي فيه مستقر ومعدل عمر البلوغ عند الفتيات اصبح يتناقص الان بمقدار 0,1 في السنة. غير ان هذا التنافص البطئ في معدل العمر لبلوغ النضوج الجنسي لايبدو ان بالامكان الاكتفاء بتفسيره من خلال استمرار تحسن مستوى المعيشة والصحة الامر الذي اجبر الخبراء على البحث عن تفسيرات اخرى لهذه الظاهرة المقلقة لدى الاولاد والبنات على السواء.
العديد من الدراسات تشير الى ان وباء السمنة يمكن ان يكون مسؤول جزئيا عن بلوغ الاطفال المبكر. المختصين Anders Juul وزملائه من المستشفى الحكومي في كوبنهاجن اجرى ابحاث حول البلوغ المبكر على مدى بضعة سنوات. في دراسة جرى نشرها عام 2010 اشار الى وجود علاقة محددة بين البلوغ الجنسي وحجم الجسم القياسي (body mass index, BMI), وهو مقياس لقياس السمنة المرضية. من خلال قياس متواتر لحجم الخصاوي عند 1528 صبي على مدى ثلاث سنوات (1991-1993) ثم (2006-2008) اكتشفوا ان الصبيان خلال الخمسة عشرة سنة نقص معدل الوصول الى سن البلوغ لديهم بمقدار نصف سنة. التحاليل اظهرت ان هذا البلوغ المبكر يمكن تفسيره احصائيا من خلال العلاقة مع حجم الجسم القياسي. ابحاث دولية اخرى توصلت الى النتائج نفسها.
الكيمياء غيرت التوازن الهرموني
من الناحية البيلوجية ليس من الغريب وجود علاقة بين بين البلوغ الجنسي وحجم الجسم القياسي لكون مخازن الدهون في الجسم تؤثر على الانتاج الهرموني والذي بدوره يلعب دورا حاسما في إطلاق عملية البلوغ الجنسي. مؤشرات اخرى تشير الى ان ارتفاع الوزن الكبير حتى منذ عمر الرضاعة يمكن ان يؤثر على التوازن الهرموني بطريقة تبقى مدى الحياة وتؤدي الى البلوغ المبكر.
نظرية اخرى تثير الانتباه الان تتحدث عن تأثير استفزازي ومُعيق للوظائف الطبيعية لعمل الهرمون من مواد قادمة من التلوث البيئي، مثلا مواد الوقاية الكيماوية المستخدمة في الزراعة مثل الد د ت، او مواد تضاف للبلاستيك لمنع سرعة احتراقه مثل الفتالات والبيسفينول آ. هذه المواد تؤثر على الوظائف الطبيعية للهرمونات او تتدخل في عملية انتاج الهرمون او من خلال تغير حساسية الالياف للتأثر بالهرمونات.
الباحثون يخلقون البلوغ المبكر
الطفلة هند المصرية التي جرى اغتصابها
التجارب على الحيوانات اظهرت ان المواد المُعيقة لعمل الهرمون قادرة ان تسرع عملية البلوغ. الباحثة البلجيكية Jean-Pierre Bourguignon اظهرت عام 2007 وعام 2008 ان كميات صغيرة من DDT جعلت صغار الجرذان يزيدون انتاجهم من هرمون GnRH, مما ادى الى نضوجهم الجنسي بشكل مبكر عن المعتاد. عام 2009 استطاعت الباحثة Heather Patisaul من جامعة نورث كارولينا الامريكية استعراض تأثير مادة bisfenol A على الهيبوتالاموس في مركز الدماغ عند حديثي الولادة من الجرذان بحيث يحفز البلوغ الجنسي المبكر عندهم.
من الصعب معرفة دور المواد المُعيقة التي تربك عمل الهرمون بسبب كثرتهم ولكون كل واحد منهم يؤثر بطريقة مختلفة. الدانماركي Anders Juul وزملائه يعتقدون ان المواد المربكة تلعب دورا كبيرا. احدى حججهم جاءت من بحث جرى عام 2010 وفيه يشيرون الى ان السنوات الاخيرة حدث تطور بالعلاقة مابين العمر وبزوغ الصدر وحدوث الطمث لدى الفتيات الدانماركيات. خلال خمسة عشرة عاما اصبح الصدر ينمو بسنة كاملة ابكر، في حين ان الطمث تقدم قدومه بمقدار 0،3 سنة فقط.
هذا الامر يمكن ان يكون بسبب المواد المُعيقة غالبا تكون لها تأثير مشابه لتأثير الاستروجين الذي يؤثر على نمو الثديين. غير ان الاستروجين وحده غير قادر على بعث عملية نمو الشعر المصاحبة للنضوج الجنسي وعملية الطمث. من اجل بعث هذه العمليات لابد من هرمونات اخرى. وحسب هذه النظرية تكون المرحلة الاولى من النضوج الجنسي، تكون الصدر، وحدها المتأثرة من الاختلال الهرموني بسبب تأثير المواد المُعيقة، في حين ان المراحل التالية، مثلا الطمث، تتأثر بمستوى اقل.
وتعدد المراحل في عملية النضوج الجنسي يخلق صعوبات للباحثين في مقارنة النتائج بين مختلف الدراسات، لمعرفة اي من المراحل اصبحت ابكر زمنيا. المشكلة انه لايوجد تعريف نهائي متفق عليه لبداية مرحلة المراهقة، ولهذا السبب تنطلق بعض الدراسات من لحظة نمو الصدر لدى الفتيات في حين ان البعض الاخر ينطلق من الطمث الاول والذي يحدث بعد ثلاثة سنوات من بدء نمو الصدر.
عند الاولاد يكون زيادة حجم الخصاوي الشهادة الاولى على بدء عملية البلوغ، في حين ان البلوغ الجنسي نفسه يحدث بعد سنتين او ثلاث سنوات. وحتى طرق التقييم يمكن ان تختلف داخليا، مثلا البعض ينطلق من تقييم شكل النهود في حين ان البعض الاخر يفحص الامر بتعمق اكبر للتفريق بين النهود الحقيقية والاكياس الدهنية الصغيرة.
تأثير العائلة على البلوغ المبكر
عرس طفلة سورية، يجري تصديرها الى السعودية
البلوغ المبكر يمكن ان يشكل عبء اجتماعي على الطفلة/ الطفل في ذات الوقت فإن العلاقات الاجتماعية يمكن ان يكون لها تأثير على بداية عملية البلوغ. منذ عشرين عاما مضت لاحظ الباحث الامريكي Jay Belsky من جامعة بنسلفانيا ان الاطفال الذين يعانون من مشاكل في بيئة العائلة يبدؤون بالنضوج الجنسي كردة فعل بيلوجي طبيعي. هذا يحدث كنتيجة على تغييرات هرمونية تظهر بفعل التوتر النفسي. هذه النظرية تعرضت للنقد العنيف غير ان بحثين من عامي 2005 و 2008 دعمتا هذا الاستنتاج. الابحاث جرت على 8000 طفل من الولايات المتحدة وبريطانيا واظهرت ان الفتيات اللواتي لايعشن مع ابائهم البيلوجيين ظهر لديهم الطمث مبكرا. والاولاد الذكور في الوضع نفسه ايضا بلغوا جنسيا مبكرين. ووجود زوج ام في البيت لم يكن له اي تأثير على الوضعية. والمفاجأة انه لم يوجد اي تأثير على الاطفال في هذا المضمار إذا كانوا يسكنون مع امهم في بيت واحد ام لا.
نتائج مفاجأة
زوج وزوجتة الطفلة من افغانستان
غير ان بحث جديد من عام 2010 قامت به Julianna Deardoff من جامعة كاليفورنيا توصل الى ان غياب الاب يمكن ان يعجل البلوغ الجنسي عند الاطفال. واكتشفت الباحثة ان غياب الاب يملك اهمية فقط إذا كان دخل الام عالي. المختصين غير قادرين على تفسير هذا الامر الغير متوقع ولكن الاعتقاد ان العوائل ذات الدخل المنخفض متعلمة على طلب المساعدة لدى الاقارب والاصدقاء في حين ان العوائل الغنية تصاب بمعاناة إجتماعية اشد في حال غياب الاب.
وكلما زادت الابحاث للوصول الى جواب عن اسباب ضمور الفترة للوصول الى البلوغ الجنسي كلما اتضح اكثر ان العملية تتحكم بها مجموعة من العوامل وتعتمد على بعضها البعض. لهذا السبب لازال من غير الممكن الان اعطاء اجابة مبسطة لهذه الظاهرة. وايضا لازال من غير الممكن التنبأ بما سيكون عليه حال سرعة النضوج الجنسي في المستقبل. وإذا استمرت الظاهرة في التصاعد في المئة سنة القادمة ، فمن الناحية النظرية، سيعني ذلك ان الاطفال الذكور سيصلون الى البلوغ وعمرهم عشرة سنوات في حين ان الفتيات يصبح لديهن اثداء قبل مباشرة التعليم الابتدائي.
هل سيحصل ذلك، وماالذي سيترتب على ذلك؟
ترجمة طريف سردست عن مجلة العلوم المصورة السويدية، العدد الرابع لسنة 2011، ص 65-69 للكاتب
Gorm Palmgren