دراسة في خط القرآن و رسمه
هل صحيح أنّ النبي كلّف غيره بكتابة القرآن وهذا التكليف للغير نابع من جهله بالخط كتابة و تلاوة ؟
هذا البحث هو محاولة للإجابة عن هذا السؤال و التعريف ببعد قرآني لم يبحث بعد بعمق.
القرآن يوكد أنّ النبي كان يتلو الصحف أي يصفف عباراتها ، ففي دليل التلاوة التتابع و الرص بين السابق و اللاحق و يقول القرآن أنّ هذه التلاوة بدأت بالتنزيل أي أنّ هذا الخط لم يكن مسبوقا وهذا لا ينفي أن يكون النبي قد خطّ أوراقا قبل القرآن و تفحصّها و لكن لم يعرف تلاوة كتاب (إسقاط الكون) من توراة أو صحف الإنجيل التي يقال أنّها من الكتاب و لذلك جاء لفظ "من كتاب" ليشمل الحقيقي منه و غيره و لنقرأ:
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim1.JPG
و بطبيعة الحال لن أعتبر هذه الآيات دليلا بذاتها في البحث و لكنّي أشير إليها لأنبّه أنّ إعتقاد أنّ النبي رجل لم يخط في حياته شيئا و لم يتلو صحيفة أمر لا يدعّمه القرآن و أمّا لفظ أمّي فلا علاقة بالخط و الصحف بل هة متعلق بالقراءة و الغوص، فالأمّي هو البعيد عن قراءة الكتاب (الكون) أو إسقاطه (توراة و قرآن) و المتبع لنهج أمّه.
منهجي إذن في هذا البحث ـ النافذة إستقرائي يحاول إستنطاق الرسم القرآني لمحاولة إثباث حقيقة موضوعية و هي أنّ النبي خطّ القرآن بيده دون إعانة أحد, و تلقّاه تنزيلا على قلبه (مخه)خطا و لفظا.
مقدمة
يبدو لأول وهلة أنّ قضية رسم القرآن (خط القرآن) لا علاقة له بكاتب القرآن, إذ نطق الألفاظ ممن يتحدث كافٍ لخطّها من أي سامع يحسن خط معاصريه, فأيا كان الكاتب فسيخطّ الألفاظ المنطوقة بنفس طريقة معاصريه, ويكفي أن يمليَ النبي على أحد أتباعه النص الموحى دون مراقبة منه لتتم كتابته وفق الضوابط الخطية المتعارف عليها أنئذ. ولكن تتبع ألفاظ القرآن يجعل الباحث في حيرة كبرى. فاللفظ الواحد يكتب بطرق متعددة ببنى مختلفة و ليبحث من يريد البحث في الألفاظ التالية ليرى:
كتاب / كتـ ا ـب
رحمة / رحمت
كلمة / كلمت
إبراهم / إبراهيم
بصآئر / بصـ ا ـئر
الغمام / الغمـ ا ـم
نشـ آ ـؤا / نشاء
نبـ ؤا / نبأ
مرضى ا / مرضى (الألف المخففة على الألف المقصورة)
أيد / أييد
و عشرات غيرها بل مئات أترك بيانها لمن يريد الغوص.
اللفظ الواحد يجمع جموعا متغايرة قسّمها الأسلاف إلى جمع سالم و جمع تكسير من دون دليل، و قسمّوها و هو الأخطر إلى جمع مؤنث و جمع مذكر و هذا خطأ محض غطّى و كفر البلاغ القرآني فهندسة الجمع في القرآن تبين أنّ هناك جمع تنوع و جمع تعدد و جمع تفاعل و جمع إستقلال من دون تقسيمات الأسلاف و إذ لا نستطيع أن ندخل في هذا البحث هنا نشير فقط إلى بعض أمثلة هذه الجموع :
نبي : أنبياء / نبيون
عين : عيون / أعين
سنبلة : سنابل / سنبلات
غرفة : غرف / غرقات
ميت : موتى / أموات
كافر : كافرين / كفّار
و أترك البقية لمن يريد البحث. إذ هذه الهندسة تتبع القرآن في كلّ صفحة من صفحاته تقريبا.
إظافة لوجود رموز غريبة في النص القرآني من علامات سكون مختلفة الرسم؛علامات ضم ٍمختلفة؛أشكال طيور؛ علامات سماها الأسلاف علامات الوقف و رموز لم يشر إليها الأسلاف و كنت عرضت جزءا منها في بحث المنهج فليرجع إليها من شاء. هذه الملاحظات التي سنفصل القول فيها في هذا البحث تجعلنا نشك في وجود قواعد كتابية في قبائل الجزيرة قبل زمن النبي و بعده. هذه القواعد أدخلت في ما بعد, واعتبر ما خالف هذه القواعد داخل النص القرآني لغات قبلية مخالفة للسان قريش. و حتى ما اعتبره النحويون "خطأ"ً حسب قواعدهم موجود بكثرة في البلاغ المبين. هل هذه "الأخطاء" و إختلاف رسم نفس الألفاظ سببها الكتّاب الأولون أم النساخ المتأخرون أم أنها شهادة حسيةأنّ النص القرآني حقيقة موضوعية خارج شخص النبي ؟
للإجابة عن هذا السؤال سنبدأ في إكتشاف هندسة الرسم في القرآن ببحث رسم حرف الميم تحديدا في آخر الألفاظ التي ورد فيها و محاولة إستنكاه دلالته في آخر البحث.
1. لفظ واحد برسوم متعددة:
أوّل ما يلفت الإنتباه هو رسم الفاتح حم في القرآن فهو يُرسم برسمين في السور الست التي أتى في فاتحتها :
حم (غافر ؛ الزخرف ؛الدّخان ؛الجاثية ؛الأحقاف)
حمـ (فصّلت ؛ الشورى)
و أدرك أنّ بعض القراء الكرام سيقول مستنكرا أنّ النسخ القرآنية لم تتفق في هذا الرسم بل منها من يرسمها دوما حم حصرا أو حمـ و منهم من يرسمها بالرسمين و لكن ليس بنفس ترتيبها أعلاه في السور الست، و أقول قبل التفصيل لنأخذ النسخ التي ورد فيها هذا الفاتح بهذا الرسم أو ذاك حصرا و لنرى رسم ألفاظها التي تنتهي بالميم فهل سنجد رسم الميم في أخر اللفظ هل ورد بالميم الكاملة (م) أو الميم الناقصة (مـ ) حصرا !!
هذا الفاتح إذن فتح لنا أفاقا علينا الولوج فيها بيُسر لنستبين الأمر و لنبدأ ببحث رسم بعض ألفاظ التي تنتهي بالميم في النسخة التي يسميها الناس "نسخة عثمانية".
أ) لفظة القوم في البلاغ المبين:
وردت لفظة "قوم" بالميم الكاملة "م" التي تأتي في آخر الألفاظ ووردت بالميم المنقوصة التي تأتي في بداية اللفظ "مـ ".
و لنعرض الأيات التي توضح ما نقول :
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim2.JPG
قد يمكن إعتبار هذا التعدد ّفي الرسم خطأ من النساخ أو إعتباره طرق أخرى للكتابة متكافئة عند نسّاخ القرآن فلنواصل البحث بالنظر في رسم لفظ "قومُ" في الآية التالية :
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim3.JPG
و مع هذا قد تكون هذه المقابلات الخطية محض عفوية و قد تكون أخطاءا غير مقصودة من نساخهاو قد يكون تعدد خطّها أنّ النساخ لم يعتبروا هذا التعدد ذات أهمية أو ذات بال. ولكن الأمر يصبح مختلفا عند ورود هذا التعدد في نفس الأية, إذ كيف لا ينتبه الناسخ إلى تعدد الخط في نفس الأية لنفس اللفظ. و لنسق الأيات التالية لتوضيح الفكرة :
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim4.JPG
هذه عينة من ورود لفظ "قوم" في بعض الأيات ولا يمكن في هذا البحث إستقصاؤها كلها. و سأورد الآن قبل التطرق لألفاظ اخرى نتيجتين ذات اهمية قصوى في بحثنا عن لفظة "قوم" في البلاغ المبين.
النتيجة الأولى:
لا وجود للفظة "قومِ بالميم الكاملة" بالكسرة المضاعفة في القرآن, مع أنّ "قوم" بالكسرة المضاعفة وردت 78 مرّة بالصيغة التالية في البلاغ المبين:
قومـٍ
البقرة118؛164؛230ـ آل عمران 117 ـ النساء90؛92(مرتين)
المائدة2؛8؛41؛50؛54؛77 ـ الأنعام 97؛98؛99؛105؛126؛133
الأعراف 32؛52؛58؛93؛150؛188؛203 ـ الأنفال 53؛58؛72
التوبة 11؛14؛ ـ يونس 5؛6؛24؛67؛101 ـ هود 60
يوسف 37؛111 ـ الرعد 3؛4؛7؛11 (مرتين) ـ الحجر 58
النحل 11؛12؛13؛64؛65؛67؛69؛79 ـالكهف 90 ـ الأنبياء106
المؤمنون 44 ـ النمل 43؛52؛86 ـ القصص 3 ـ العنكبوت 24؛35؛51 ـ الروم 21؛23؛24؛28؛37 ـ الزمر 42؛52
فصلت 3 ـ الجاثية 4؛5؛13؛20 ـ الفتح 16 ـ الحجرات 11
الذاريات 32.
النتيجة الثانية:
لم تردلفظة "قوم" بالكسر إلاّ مرّة واحدة في البلاغ المبين:
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim5.JPG
و لكنها وردت برسم الميم الناقصة 93 مرّة بالصيغ الثلاث الآتية :
قومـِ
الأعراف 69؛109؛127؛138؛159 ـ التوبة 70 (مرتين)
التوبة 70 (مرتين)ـ هود 70؛74 ـ إبراهيم 9 ـ القصص 76
غافر 31.
ووردت بصيغة :
يـ ا ـقومِ
البقرة 54 ـ المائدة 20؛21 ـ الأنعام 78؛135؛147 ـ الأعراف 59؛61؛65؛67؛73؛79؛85؛93 ـ يونس 71
هود 28؛29؛30؛50؛51؛52؛61؛63؛64؛78؛ 84؛85؛88؛89؛92؛93
طه 86؛90 ـ المؤمنون 23 ـ النمل 46 ـ العنكبوت 36
يس~ 20 ـ الزمر 39 ـ غافر 29؛30؛32؛38؛39؛41
الزخرف 51 ـ الصف 5 ـ نوح 2.
ووردت بصيغة :
القومـِ
البقرة 250؛286 ـ آل عمران 147 ـ النساء 78؛104
المائدة 25؛26؛68؛84 ـ الأنعام 45؛74؛77 ـ الأعراف 47؛176 ـ التوبة 96 ـ يونس 85؛86 ـ هود 44 ـ يوسف 110
النحل 59 ـ طه 87 ـ الأنبياء 77؛78 ـ المؤمنون 28؛41؛94
الفرقان 36 ـ القصص 21؛25 ـ العنكبوت 30 ـ الجمعة 5
التحريم 11.
لقد تعمدت إيراد كل التفاصيل لأبيّن أنّ غياب لفظة "قوم بالميم الكاملة" بالكسرة المضاعفة ليست عفوية و يستحيل من وجهة نظر إحتمالية أن تكون عفوية. فعلى 73 حالة لم ترد و لو حالة واحدة لفظة "قوم بالميم الكاملة" بالكسر المضاعف. إنّنا أمام ظاهرة خطية تستدعي التوقف و المسألة. هل يمكن لناسخ أيّا كان أن ينهي رسم لفظة قوم بالكسر المضاعف 73 مرة بالميم الناقصة
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim6.JPG
ويطرح السؤال المنطقي: هل حدوث هذا التعدد عفوي؟. لا شك انّ دخول القواعد الخطية و النحوية يدفع بالنساخ إلى إبعاد هذا التعدد, ولكن هذا لم يحدث. ممّا يدفع بي إلى فرضية أولى و هي أصالة النسخة الموجودة بين أيدينا على الأقل قبل هيمنة قواعد الخط و النحو.
لاشك أنّ هناك نسخ حديثة يتغافل نساخها إعتبار الخط القرآني بعدا خاصا و مهماً في ذاته لفهم الدلالات فيجعلون لفظة قوم تخط بنفس الرسم, و لا شك أنّ إهمال هذا البعد تحريف للقرآن.
فإعتبار ظاهرة الخط القرآني غير عفوية يقودنا لنتيجة بديهية و هي أنّ النبي محمد هو من خطّ القرآن بيده, إذ من غير المعقول أن يملي على كاتب النص القرآني دون أن يراقب طريقة كتابة لفظة "قوم" على الأقل و يستحيل أن لا يقوم كاتب لا يفرق بين رسم "قومـ " و "قوم" بخط لفظة "قوم بالميم الكاملة" بالكسر المضاعف و لو مرةواحدة مع أنّ الكاتب نفسه قد رسمها بكل الأشكال الأخرى:
القومَ
البقرة 258؛264 ـ آل عمران 140 ـ المائدة 51؛67؛108
الانعام 144 ـ الأعراف 137؛150 ـ التوبة 19؛24؛37؛80؛109 ـ يونس 13 ـ النحل 107 ـ الشعراء 10 ـ القصص 50 ـ الأحقاف 10؛25 ـ الصف 5؛7 ـ الجمعة 5 ـ المنافقون 6 ـ الحاقة 7.
القومُ
الأنعام 47 ـ الأعراف 99؛177 ـ يوسف 87 ـ الأحقاف 35
قومَ
يونس 98 ـ هود 89 (ثلاث مرات) ـ الأنبياء77 ـ الشعراء 11 ـ الدخان 17.
قومُ
الأعراف 148 ـ هود 89 ـ الحج 42 ـ الشعراء 105؛160
ص 12 ـ الدخان 37 ـ ق~ 12 ـ القمر9؛33.
قومُُ
المائدة 102 ـ الأعراف 81؛138 ـ الأنفال 65 ـ التوبة 6؛56؛127 ـ الحجر 15؛62 ـ النمل 47؛55؛60 ـ يس~ 19
الزخرف 88 ـ الدخان 22 ـ الحجرات 11 ـ الذاريات 25؛53 ـ الطور 32 ـ الحشر 13؛14.
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim7.JPG
المائدة 11 ـ الفرقان 4 ـ الشعراء 166 ـ الزخرف 58.
لم أعرض كل الآيات التي تحوي هذه الصيغ و اكتفيت بعرض عينات منها و فرقت بين صيغتي الضم المضاعف (التنوين) للفت النظر إليها.
و يجدر بي قبل أن أنتقل للفظ آخر أن أسجل الملاحظات الأتية.
إنّ كاتب القرآن لا يمكنه رياضيا أن لا يأتي بلفظة "قومٍ بالكسرة المضاعفة" و لو مرة واحدة لتعدد ورودها بكل الصيغ الأخرى. و افتراض وجودأكثر من ناسخ يجعل هذه النتيجة أكثر صلابة.
وورود لفظة "قوم بالكسر" مرة واحدة بالميم الكاملة في آية يونس 10/84 مقابل ورودها 93 مرة بالميم الناقصة يضعنا أمام نتيجة موضوعية وهي أنّ صاحب القرآن يبلغنا أنّ لهذا الرسم أهميته و أنه ليس عفويا و أكبر من هذا يبلغنا أن من رسم القرآن يجهل هذه الحقيقة. إذ من غير المعقول أن لا ينتبه من رسم القرآن إلى هذا التعدد في رسم اللفظ الواحد دون أن يحاول هو أو النساخ من بعده إزالتها. وجودها إذن بهذا الرسم دليل على أنّ كاتبهاالأول يعتقد أن ما يخطه هو حقيقة موضوعية خارج ذاته و لا يحق له تغييرها و إن رأى فيها ما يخالف ذوقه و أنّ النساخ من بعده حتى مع هيمنة قواعد الخط و النحو لم يجرءوا على تغييرها إعتقادا بقداسة ما يخطون.
و أخيرا لن يكون لهذا التعدد في الرسم معنى إلاّ إذا كان يحمل دلالة مختلفة, إذ لا شك أنّ صاحب القرآن يشير إشارة واضحة إلى وجود فارق بين لفظتي "قومـ " و "قوم".
ب) تكرار ظاهرة "قوم"
ظاهرة رسم لفظة "قوم" قانون يسري في البلاغ المبين وسأكتفي هنا بعرض لفظين يوضحان الفكرة.
ب.1) لفظة "مريم"
وردت "مريم" كاملة الميم "مريم":
في الآيات التالية:
البقرة 87 ـ آل عمران 37؛42؛44؛45 (مرتين)ـ النساء 157؛171 (مرتين) ـ المائدة 17(مرتين)؛46؛110؛114؛116
التوبة 31 ـ مريم 16؛34 ـ المؤمنون 50 ـ الأحزاب 7
الصف 6؛14 ـ التحريم 12.
و وردت ناقصة الميم "مريمـ " في الآيات التالية:
البقرة 235 ـ آل عمران 36؛43 ـ النساء 156
المائدة 72؛75؛78؛112 ـ مريم 27 ـ الزخرف 57 ـ الحديد 27
قد يكون تعدد رسم هذا اللفظ مجرد صدفة إذ لم ير الناسخون الأولون ضرورة لفظبه برسم واحد أو انّهم لم يتعودوا على رسم معين لغياب الكتابة في محيطهم.
و إذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يسْر هذا الأمر في بقية الألفاظ. فكيف نفسر إذن رسم بعض الألفاظ التي تنتهي بالميم في القرآن برسم واحد و غياب التناظر في رسمها, و قبل أن نتوسع في حل هذا الإشكال أشير إلى مجيء الرسمين في سياق واحد في الموضعين الأتيين من البلاغ المبين :
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim8.JPG
و حتى هذا يمكن إعتباره مجرد صدفة. إنّ النص القرآني يمنح من الأمثلة ما يستحيل معه أن يكون للصدفة مجال في إختيار الرسم و على الرغم من أنّ الدلالة هي محك الإختيار فالإشارات المقدمة تكفي لتنبيهنا لخطورة هذا الرسم و لنبدأ الآن في تقديم أمثلة البلاغ المبين .
ب.2) لفظ "اليتيم"
ورد هذا الفظ في البلاغ المبين في خمسة آيات بالميم الناقصة حصرا "يتيمـ " في المواضع الأتية :
الأنعام 152 ـ الإسراء 34 ـ الفجر 17 ـ الضحى 9
الماعون 2.
و لم يرد بالميم الكاملة و لو مرة واحدة و لعلّ قلة عدد الآيات التي ورد فيها هذا لفظ يدفع إلى
إعتبارها مصادفة سعيدة و لا نستطيع إعتبارها عينة إحصائية كافية للجزم بأنّ الرسم ليس عفويا. فلنلاحظ إذن اللفظ لاأتي.
ب.3) لفظ "نِعْمَ"
ورد هذا اللفظ 16 مرة في القرآن كلها جاءت بالميم الكاملة حصرا.
نعمَ
في الأيات التالية :
آل عمران 136؛173 ـ الأنفال 40 (مرتين) ـ الرعد 24
النحل 30 ـ الكهف 31 ـ الحج 78 (مرتين) ـ العنكبوت 58
الصافات 75 ـ ًص 30؛44 ـ الزمر 74 ـ الذاريات 48
المرسلات 23.
لم يرد إذن و لو مرة واحدة لفظ "نِعْمَ" بالميم الناقصة ويدرك القارئ أنّ إختياري لهذا اللفظ بالذات للإستدلال ليس عفويا بل هو مبني على افكار لغوية مسبقة. إنّ هذا الإختيار بالذات يثبث أن صاحب القرآن يتعامل مع الرسم تعاملا "واعيا" و أنّ العفوية أمر غير وارد. و قد يتبادر إلى الذهن أن كاتب القرآن الأول متعود على كتابة الميم الكاملة في آخر الألفاظ بدل الميم الناقصة و هذا من الناحية النفسية ذو أهمية بالغة إذ تعلّم الإنسان لخطٍّ معين يجعل هذا الرسم يلاحق كل كتاباته كبصمة نهائية لطريقة خطّه. و التنوع الموجود في طريقة خط الميم في ظاهرة ألفاظ "قوم" يجعلنا نفترض أن لا يكون كاتب القرآن واحد ولكن ما سبق من أمثلة ("اليتيم" و "نِعْمَ") و غياب الميم الكاملة في إحداها و غياب الميم الناقصة في الأخرى يجعل من هذه النتيجة شبه مستيحلة من الناحية الرياضية، فإذا اعتبرنا أن كتبة القرآن أكثر من كاتب لاحقتنا ألفاظ من جنس "نعم" التي أتت كلّها بالميم الكاملة و إذا اعتبرنا كاتب القرآن شخص واحدا لاحقتنا الأمثلة التي تنوع فيها رسم الميم في أخر نفس اللفظ ميما كاملة مرّة و ناقصة مرّة أخرى. و ندخل هنا في حلقة مفرغة، فما هو السبيل لحلّ هذه الإشكالية؟ لنواصل الغوص.
سنواصل في بحث مسألة التناظر في رسم الميم، هل هو لصالح الميم الناقصة أم لصالح الميم الكاملة.
التناظر بين الميم الناقصة و الميم الكاملة في ظاهرة ألفاظ "قوم" ليس لصالح الميم الكاملة في كل الحالات و الأمثلة التالية في البلاغ المبين تشهد :
لفظ "النعيم" أتى 13 مرة بالميم الناقصة مقابل إتيانه 3 مرات فقط بالميم الكاملة, و إليك الإحصاء :
النعيمـِ
المائدة 65 ـ التوبة 21 ـ يونس 9 ـ الحج 56 ـ الشعراء 85 ـ الطور 17 ـ الواقعة 12؛89 ـ المعارج 38
الإنفطار 13 ـ المطففين 22؛24 ـ التكاثر 8.
النعيمِ
لقمان 8 ـ الصافات 43 ـ القلم 34.
ورد لفظ "الأنعام" بالميم الناقصة 21 مرة في البلاغ المبين مقابل ورودها 5 مرات بالميم الكاملة.
الأنعـ ا ـمـَ
آل عمران 14 ـ النساء 119 ـ المائدة 1 ـ الأنعام 136؛138(مرتين)؛139؛142 ـ الأعراف 179 ـ يونس 24 ـ النحل 5؛66؛80 ـ الحج 28؛34 ـ الشعراء 133 ـ فاطر ـ الزمر 6
الشورى 11 ـ الزخرف 12.
الأنعـ ا ـمَ
الحج 30 ـ المؤمنون 21 ـ الفرقان 44 ـ غافر 79 ـ محمد 12.
هذه المقابلة لصالح الميم الناقصة نجدها كذلك في لفظ "اليم" و "القلم".
إننّا إذن أمام ظاهرة خاصة تجعلنا نرى كاتب القرآن الأول ناسخ لوثيقة موجودة أمامه نسخا مطابقا حتى و إن خالف رسمها طريقتة في الرسم.و حتى إذا افترضنا أنّ الناسخ لم يرتكب خطأ في رسمه للنص القرآني فمن أين أتى هذا الكاتب بهذه الوثيقة التي ينسخ منها؟
إنّ الفرضية المنطقية على ضوء ما سبق هي إعتبار القرآن من تأليف هذا الناسخ, و عنذئد سنعود إلى البداية و هي إستحالة أن يكون كاتب القرآن واحد لتعدد طرق رسم الميم في آخر ألفاظ ظاهرة "قوم". و إذا أعتبرنا أنّ هناك أكثر من كاتب النص القرآني فكيف يفسر غياب الميم الناقصة في بعضها و غياب الميم الكاملة في اخرى. إنّنا لن نخرج من هذا الدور إلا إذا أعتبرنا أنّ الذي كان يخط القرآن خطّه دون أن تكون لإرادته وزن فهو يخط ملفا منقوشا في مخه يظهر أمام عينيه و هو يخط و ينساب في خطّه خارج إرادته.
ولعل عمل مستقبلي يحصي بدقة كل ألفاظ ظاهرة "قوم" بتفصيل أكبر يسمح لنا بفتح نوافذ أوسع لفهم هندسة البلاغ المبين. هذه الهندسة لا شك أنّ لها علاقة بدلالة الألفاظ فى سياق الأيات إذ لا يمكن أن تكون للفظ "الأنعـ ا ـمـ " و الأنعـ ا ـم" نفس المعنى أو نفس الدلالة في سياق الآيات.
و موضوع الرسم ليس مختصا فقط بالدلالة بل ربما أرتبط هذا النظم الخطي إرتباطا وثيقا ببنية رياضية مبثوثة في القرآن.
إنني أعتذر عن عدم سوق كل ألفاظ ظاهرة "قوم" و يكفي هذا القدر المساق للتدليل على أهمية الرسم في البرهان على أنّ القرآن تنزيل, أي أن مخ النبي (قلبه بالتعبير القرآني) هو مستودع النص رسما و لفظا ويستحيل أن يكون غيره هو الذي خطّ القرآن.
هذه النتيجة سوف تتوضح أكثر في دراسة الظواهر الرسمية (الخطية) في باقي الحروف القرآنية.
وأختم سلسلة أمثلة ظاهرة "قوم" بآياتين من البلاغ المبين :
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim9.JPG
و أقدم الآن بعض ألفاظ ظاهرة قوم دون تفصيل لمن أراد الغوص :
بين العلمـ و العلم
بين لحمـ و لحم
بين رحيمـ و رحيم
بين الأرحامـ و الأرحام
عليمـ و عليم
الحكيم و الحكيمـ
الإسلامـ و الإسلام
السلامـ و السلام
السلمـ و السلم
عظيمـ و عظيم
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim10.JPG
جهنمـ و جهنم
الحرام و الحرامـ
حليمـ و حليم
أليمـ و أليم
علامـ وعلاّم
مقيمـ و مقيم
الجحيمـ و الجحيم
النعيمـ و النعيم
عامـ و عام
بحث الدلالة
لا أزعم الفصل في دلالة حرف الميم في القرآن فدلالته مرتبطة برسمه المتعلق بحقائق كونية لم تصل الإنسانية إلى إستقرار النبأ فيها و لكنّي أحاول تصوير المحيط الذي يدور فيه هذا الحرف و مدى حركته، فكما قلت في المنهج فالجين في القرآن يبدأ من الحرف و ليس من الجذر الثلاثي و لذلك سأسعى هنا لبحث محيط دلالته.
ورد الرمز "مـ" في الأيات التالية و قد يكون البحث لم يسعفني أن أجد البقية :
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mimm1.JPG
و نرى حرف الميم ذو الهيئة الصغيرة الناقصة "مـ " في الألفاظ :
قولهم
سبيلا
امرأته
فما الذي يجمع هذه الألفاظ الثلاثة ليكون رمز الميم الصغيرة الهيئة الناقصة فوق كل واحد منها؟
إنّ رمز الميم "مـ " مرفوع و كأنّه أمر منزوع ممن وضع فوقه، فإمرأة أبي لهب لا حياة فيها و لا تهدي بما تحمل من حطب و قول السابقين الذين يطالبون أن يكلمهم الله أو تأتيهم الآيات قول خراف لن لم يحدث و لن يحدث فهو لا حياة فيه إذ لا وجود له و الجسد الذي صنعه بعض قوم موسى من حليهم بعجلتهم (إذ العجل من العجلة و ليس كما تصور المفسرين أنّه ولد البقرة) لا يهدي سبيلا إذ لا هو يملك أن يقول و لا أن يشير فهذا السبيل غير موجود بل هو طريق من يخرّف. فدليل الميم "مـ " يشير إلى الحيواة و تحديدا إلى أساسه و هو الماء سواءا كان جزيئي.
فلننتقل الآن إلى ورود هذا الرمز بالميم الكاملة "م".
ورد هذا الرمز كما في أعلاه في سورة الأعراف :148 فوق أداة "من" و في بلاغات أخرى منها :
"الذين ءاتيناهمـ الكتـ ا ـب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم "م" الّذين خسروا أنفسهم فهمـ لا يؤمنون"
الأنعامـ :20
الذين صنعوا الجسد من حليّهم لم يجدوه بل هم صنعوه و هم من نفخ الحياة فيه و هو من يوضح عمقهم فهم فيه يحيون بالوتد الذي يغرز الميم الذي يربطهم به و كذالك المنهج الذي لقنه هؤلاء الأباء للأبناء هو هو نسخة طبق الأصل فهم من جعلوه حيّا في أبناءهم.
لنأخذ الآن لفظا ورد بالميم الناقصة و الكاملة في آخره و هو لفظ النجوم في البلاغ المبين فهو يفتح لنا آفاقا معرفية أخرى للتفريق بين دلالة الميم الناقصة و الميم المستقرة الكاملة. فالنجم له دلالة محددة فيزيائية إذ النجم وحده يهوي (53/1) و النجوم وحدها هي التي تطمس (المرسلات 77/8) فالنجوم هي التي تتحول إلى ما نسميه اليوم الثقب الأسود فالنجم إذن هو ما تتجاوزت كتلته ثلاث مرات كتلة شمسنا، فلنقرأ :
http://www.geocities.com/ismail_tahar/mim11.JPG
إنّ النجوم علامات يهتدى بها والنجم و و كل ما تشّجر يسجد لله بخضوعه للسنن الكونية. و لنقرأ :
"و هو الذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البّر و البحر، قد فصّلنا الأيـ ا ـت لقومـ يعلمون "
الأنعامـ : 97
و لمن أراد الإستزادة في ملاحظة لفظ "النجم" و النجوم" بالميم الكاملة:
الأعراف :54
النحل :12
الحج : 18
المرسلات : 8
التكوير : 2
إنّ النجم بالميم الكاملة يخبر أنّ وجوده أتى من غيره إذ هو تحمع غازات بثت فيه صورته بفعل تجمعها و جعلته بفعل جاذبيتها ينتج الإنشطارات النووية التي تخرج ضوءه أمّا الحديث عن النجمـ بالميم الناقصة فهو يعبر عن نهاية الحياة فيه بإنتهاء وقوده وبداية هويه :
"و النجمـ إذا هوى"
النجم : 1
لا أزعم بطبيعة الحال صحة القراءة في دليل الميم فهذا ليس إلاّ جهدا بسيطا لفتح نافذة البحث علّ من يأتي بعد يطيل النظر ليستقر عنده الأمر و لكن غايتي هو بيان إستحالة عبث الرسم القرآني و لو كذلك لأختفت هذه الرموز في بداية ظهور القواعد النحوية و الصرفية و الرسمية و يكفي ملاحظة صحائف الناس للإقتناع بهذا الأمر و أنّ القرآن فريد برسمه لا يشاركه فيه أحد و هو بهذا حقيقة موضوعية ذاتية لا دخل للبشر فيها.
و للحديث بقية.
بن نبي