كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية فى عددها الصادر الخميس الماضي أن "العائلة المالكة في السعودية بذلت جهود مستميتة في كل من القاهرة وواشنطن من أجل منع محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك"، وتلفت الصحيفة إلى إن "العالم بأسره الآن ينتظر رد فعل المملكة العربية السعودية على قرار النائب العام المصرى المستشار "عبد المجيد محمود" بحبس مبارك 15يوما على ذمة التحقيقات التى تُجرى معه الآن".
قبل موقفها من إنقاذه من المحاكمة، الانحياز السعودي لبقاء نظام مبارك ومساعدته على احتواء ثورة 25 يناير وإحباطها كان واضحا، وقد أدان العاهل السعودي شباب هذه الثورة ووصفهم "بالناس الذين حاولوا زعزعة الأمن والإستقرار في مصر"، وأجرى في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير وبعد أيام على اندلاع على الثورة، اتصالا بمبارك معلنا دعمه له، ومن جانب آخر، حض الحكم السعودي مفتي المملكة على إصدار " فتوى" للتشويش على ثورة الشعب المصري واعتبارها فتنة وأن تأييدها تخريب، وقد جاء فيها: "المظاهرات تثير الفتن بين الشعوب والحكام ولها عواقب وخيمة ونتائج سيئة ، بها تسفك الدماء وتنتهك الأعراض وتسلب الأموال ويعيش الناس في رعب وخوف وضلال".
إلى هذا، وفي حمأة التظاهرات اليومية ضد مبارك، أجرت المملكة السعودية العديد من الاتصالات بالإدارة الأميركية، تعبر فيها عن خشيتها من مصر بدون مبارك، باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى حالة عدم استقرار شامل بالمنطقة.
كما لم تفوت السعودية فرصة، خلال الأزمة إلا وحثت إدارة أوباما على العمل بكافة السبل للحيلولة دون سقوط مبارك.
وفي محاولة منها، لثني الجيش المصري عن عدم التخلي عن مبارك في مواجهة الشعب، أعلنت المملكة السعودية تكفلها تعويضه عن المساعدات التي يتلقاها سنويا من الأميركيين والبالغة حوالى المليار و300 مليون دولار، إذا ما أحجمت واشنطن عن دفع هذه المساعدات في حال انخرط الجيش في مصادمات مع المتظاهرين تؤدي إلى فوضى عارمة في بلاد النيل.
من السهولة تفسير "النخوة السعودية" تجاه نظام مبارك ومحاولة إنقاذه، وهذا التفسير في عمقه ينبع من خوف بل رعب سعودي ملموس، من تحولات بدأت تطرأ على السياسات الأميركية في المنطقة، وفيها تشترط على الأنظمة القمعية الموالية لها ومن بينها السعودية حزمة من الإصلاحات السياسية لا تمس الترتيبات الامنية الاقليمية القائمة ولا ينتج عنها وصول نخب معادية للولايات المتحدة إلى السلطة، غير أن توازنات الأجنحة داخل العائلة المالكة في الرياض غير قادرة على احتمال مثل هذه الإصلاحات التي ستعرضها للانقسام وخطر فقدانها ثروات ضخمة (مئات مليارات الدولارات سنويا) وبالتالي خسارة الحكم والنفوذ.
بعد سقوط مبارك في 11 شباط، راهنت السعودية على إفشال النموذج المصري للتغيير، وذلك عبر محاصرته من ثلاث جهات:
الأولى: إثارة الفوضى الداخلية لتعطيل عملية التغيير، وهذا كان واضحا، من ضلوع قوى تكفيرية معروفة بولائها للسعودية (هذه القوى وقفت على الحياد في المواجهة مع النظام وأفتت ضد التظاهر) في تفجير كنائس لتحريك الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، وأيضا تفجير قبور ومراقد الأولياء الصالحين لإثارة الفتن المذهبية.
الثانية: التقرب من السلطات الجديدة لأجل تعويم النظام السابق، بالإبقاء على بعض رموزه وتجنيبه المحاكمة أو المساءلة أو نبش ملفاته التي تفوه منها روائح الفساد والسرقة والهدر، وبالتالي وضع خناق على عملية التغيير وقصرها على حدود معينة.
والثالثة: الرهان على الثورة المضادة، بالإفادة من بطء عملية التغيير، والاشتغال على الاختلافات في معسكر المؤيد للتغيير وإعادة تنشيط قوى النظام السابق التي ما زالت تحتفظ بمواقعها داخل الدولة المصرية.
ستفضي محاكمة مبارك في حال تحققها إلى فك الحصار السعودي من جهاته الثلاث عن عملية التغيير، باعتباره يمثل "البؤرة" التي تنطلق منها الثورة المضادة، وكون هذه المحاكمة ستجر إلى قوس العدالة معظم رموز نظام مبارك، وهذا ما حدث، بتوقيف نجليه علاء وجمال وفتحي سرور وأحمد نظيف وغيرهم.
وإذا كانت قوى الثورة في مصر أدركت أهمية الاقتصاص القضائي من مبارك وحقبته، فإن السعودية سارعت على أكثر من جبهة على تعطيل هذه العملية، فكانت البداية في ما حدث بميدان التحرير من محاولة للإيقاع بين الجيش والشعب، ثم كان تسريب الرياض تهديدا بطرد العمالة المصرية (حوالى المليون) من السعودية، إلى محاولة التأثير على المصريين ببث رسالة لمبارك عبر قناة "العربية" بهدف إظهاره بريئا ومظلوما، ثم كانت زيارة وزير الخارجية سعود الفيصل إلى القاهرة ولقائه المشير طنطاوي بهدف ثنيه عن قرار جلب مبارك إلى المحاكمة.
وبالعودة إلى عنوان المقالة أعلاه والسؤال نذكّر بأن احد أعداد مجلة "الايكومنوست" البريطانية الشهيرة، الذي صدر في تموز/ يوليو 2010 على غلافه صورة لمبارك مرتديا قناع "أبو الهول" وهو غارق في الرمال المتحركة لهضبة الاهرامات المصرية بالجيزة، رافعا يدا واحدة من بين الرمال وهو يستغيث دون جدوى، وفي داخل العدد كان الملف الرئيسي يحمل عنوان "وداعا مبارك .. وداعا للعربية السعودية" !.
*حسين حمية
مقالات و تحليلات
http://www.alalam.ir/why-fear-saudi-trial-mubarak%3F