أثيرت العديد من التساؤلات في مصر بسبب عدم التعاطي بالشكل المطلوب مع قضية "فحص العذرية" الذي أجرى لعدد من المتظاهرات بعد اعتقالهن من ميدان التحرير، فيما تشكل قضية خوف الفتيات من "الفضحية" وأيضا قلق وسائل الإعلام من المجلس العسكري بمثابة الرادع الأساسي لعدم إثارة القضية.
عادت قضية "اختبار العذرية" التي تعرضت لها المتظاهرات المصريات يوم 9 مارس / اذار الماضي في أحد المعسكرات التابعة للقوات المسلحة للواجهة من جديد في أعقاب ما نشرته شبكة سي إن إن الإخبارية على لسان مصدر عسكري، إعترف فيه بالكشف عن عذرية بعض المتظاهرات اللواتي جرى إعتقالهن أثناء فض إعتصام من ميدان التحرير، مبرراً ذلك بأن الشرطة العسكرية كانت تخشى إتهام أين من المتظاهرات لها بإرتكاب جرئم إغتصاب بحقهن.
تعتيم إعلامي وضعف حقوقي
رغم أن الوقائع التي تعرضت لها نحو 17 فتاة بعد إعتقالهن من ميدان التحرير، وقعت على أرض مصرية، إلا أن منظمة العفو الدولية "أمنيستي"، هي من كشفت عنها، فيما كان موقف الكثير من المنظمات الحقوقية المصرية ضعيفاً. لاسيما أن مصر تضم ما يزيد على الألف منظمة مدنية، 70% منها على الأقل تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. و لم تصدر سوى 10 منظمات فقط بيانات شجب وإدانة، فيما شكلت منظمة أو اثنتين لجان لتوثيق روايات الضحايا. ورغم أن مصر تتمتع بإعلام قوي، سواء الصحافة الورقية أو الإنترنت أو المحطات الفضائية، إلا أن أي من تلك الوسائل الإعلامية لم يتبن حملة قوية ومستمرة للدفاع عن حقوق هؤلاء النسوة، وكان للإعلام الأجنبي الفضل في تسليط الأضواء على ما تعرضن له من إنتهاكات.
هذا الموقف أثار الكثير من علامات الاستفهام حول القضية، وأسباب الصمت حيالها، رغم بشاعة الانتهاك الذي إرتكب بحق مصريات لم يخرجن من بيوتهن إلا تعبيراً عن رأيهن في قضايا بلدنهم بشكل سلمي؟، وما هي آخر تطورات القضية؟ هل دفنت أم ما زالت حية، ولكنها تحتاج إلى وضعها على كرسي الإنعاش القانوني؟
ضرب للرجال وإختبار عذرية للنساء
ووفقاً لشاهد عيان جرى إعتقاله يوم 9 مارس الماضي، فإن الشرطة العسكرية إعتقلتهم من ميدان التحرير، حيث كانوا يعتصمون، إحتجاجاً على التباطؤ في محاكمة رموز النظام السابق، وقال الشاهد محمد عبود، وهو صحافي مصري ل"إيلاف"، إنه كان ضمن المعتقلين في ذلك اليوم، وتعرض للضرب بقسوة، كما تعرضت الكاميرا الخاصة به للكسر والإتلاف، مشيراً إلى أن ذلك حدث في المتحف المصري القريب من الميدان، ونوه بأنه مازال يعاني من آلام في الظهر وضلوع الصدر جراء ما تعرض له من ضرب.
وأضاف عبود أنه علم من بعض الفتيات المشاركات في الإعتصام أن حوالي 17 منهن تعرضن لإنتهاكات جسدية، تمثل في الكشف عن عذريتهن، وأوضح أن إحداهن تحدثت إليه قائلة إنه تم نقلهن إلى معسكر خارج القاهرة، وتم إجبارهن على خلع ملابسهن الداخلية والكشف عن "موضع العفة"، ثم حضر رجل يلبس رداء أبيض قيل إنه طبيب، وسوف يكشف عن عذريتهن، وفي حالة ثبوت أن أي منهن ليست عذراء سيتم إلصاق تهمة ممارسة الدعارة "البغاء" لها، ونقل عبود عن الضحية قولها، إن عملية الكشف عليهن جرت في غرفة مشرعة الأبواب، ولم يكن يحول بينهم وبين الجنود الواقفين بالخارج أي ستار. والحمد لله ثبت أنهن جميعاً عذراوات، وجرى الإفراج عنهن. على حد قول عبود.
وحول عدم إثارة القضية بشكل أكبر وأقوى في الإعلام المصري خلال تلك الفترة، قال عبود: إن البعض ينظر للمجلس العسكري على أنه خط أحمر لا ينبغي المساس به أبداً، وأنا أتفق معهم في ذلك، إذا كان الحديث عن الأمور العسكرية، لكن المجلس العسكري يقوم حالياً بدور رئيس الجمهورية ومجلس الشعب في الوقت نفسه، وهو دور سياسي، يعرضه للإنتقاد دائماً، شريطة أن يقتصر على أفعاله وأقواله السياسية ويجب التعامل معه خلال الفترة الإنتقالية من هذا المنطلق.
إدانة حقوقية
عقب إصدار منظمة العفو الدولية، تقريراً حول الوقائع، سارعت عشر منظمات حقوقية محلية بإصدار بيان أدانت فيه ما جرى، وهذه المنظمات هي: مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي، نظرة للدراسات النسوية، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، مركز هشام مبارك للقانون، المركز المصري للحق الاقتصادية والاجتماعية، المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة، مؤسسة المرأة والذاكرة، رابطة المرأة العربية، مؤسسة دراسات المرأة الجديدة. ورفعت المنظمات ثلاث شكاوى إلى ثلاثة جهات مختلفة هي وزارة الصحة، ونقابة الأطباء النائب العام، الأولى والثانية على إعتبار أن من قام بتوقيع كشف العذرية أطباء، والثالثة للتحقيق في الوقائع بشكل عام وإنزال العقوبة القانونية بمرتكبيها، إلا أن تلك البلاغات أو الشكاوى لم تحرك ساكناً.
وحسب الناشط الحقوقي بمركز هشام مبارك للقانون وحقوق الإنسان أحمد راغب، فإن البلاغات الثلاثة لم تقدم أي جديد في القضية، وأوضح ل"إيلاف" أن عشرة منظمات تبنت القضية وتقدمت بالبلاغات، لكن لم يحدث أي جديد، حيث أحال النائب العام البلاغ الذي تلقاه إلى النيابة العسكرية، وإستدعت إدارة التحريات العسكرية ماجدة عدلي الناشطة بمركز النديم للعلاج و التأهيل النفسي للإستماع لأقوالها، وكان ذلك منذ ما يزيد على الشهر ونصف الشهر. وأضاف أن مركز هشام مبارك شكل لجنة لتوثيق شهادات الضحايا، كان هو أحد أعضائها.
روايات الضحايا
وحول ما ورد في روايات الضحايا، قال راغب إنه أستطاع توثيق سبع حالات لفتيات تعرضن لإختبار كشف العذرية من إجمالي 17 حالة، مشيراً إلى أن أقوال الضحايا أكدت أنهن أجبرن على خلع ملابسهن، وقام رجل يرتدي ملابس الأطباء فوق بزة عسكرية، بالكشف عليهن في موضع العفة، وتعرضت كل من رفضت التعري للضرب، حتى تنصاع للأوامر، ولفت إلى أن ضابطا و سيدة في الخدمة العسكرية كانا في الغرفة نفسها التي تعرضن فيها لهذا الإنتهاك.
وأشار راغب إلى أن ما يحدث يدخل في إطار انتهاك حقوق الإنسان الأساسية التي نصت عليها المواثيق الدولية، والقوانين المصرية، منوهاً إلى أن القانون مواثيق حقوق الإنسان تحظر إنتهاك جسد المحتجز أو إخضاعه للتجارب الطبية، أو إذلاله أو إهانته بأي شكل من الأشكال، فضلاً على أن قانون العقوبات ينظر لذلك العمل على أنه جريمة هتك عرض.
الشرف والقيود الإعلامية
وحول أسباب التعتيم على تلك القضية، قال راغب إن الإعلام المصري مازال يعاني من قيود في العمل، لاسيما فيما يخص إنتقاد المؤسسة العسكرية رغم أنها تقوم بدور سياسي في إدارة المرحلة الإنتقالية بعد الإطاحة بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك. وساق راغب سبباً آخر، يتمثل في حساسية القضية للمرأة في مصر، حيث أنها تمس السمعة والشرف، مشيراً إلى أن الغالبية العظمى ممن تعرضن للإنتهاكات رفضن الظهور في وسائل الإعلام، خشية التشهير بهن أو الإساءة لسمعتهن.
ونصحنا راغب بالإتصال بماجدة عدلي الناشطة بمركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي، لأنها لديها دراية أوسع بالقضية، وتم استدعاؤها من قبل النيابة العسكرية للإستماع لشهاداتها، وبالفعل أجرت "إيلاف" إتصالاً بها، ولكنها ردت بالقول إنها لم تعد لها علاقة بالقضية، رافضة الإفصاح عن أسبابها في ذلك. وأنهت المكالمة واعدة بالإتصال في وقت لاحق، إلا أنها لم تف بوعدها. الأمر الذي يطرح علامات أستفهام حول موقفها.
إنتهاكات غير مقبولة
الناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح، قالت ل"إيلاف" أن ما حدث مع المتظاهرات يوم 9 مارس الماضي، يتنافى مع كافة المواثيق والأعراف، مشيرة إلى أن المطلوب من المجلس العسكري سرعة التحقيق في الأمر، وإحالة المتورطين في الإنتهاكات للمحاكمة العسكرية، أسوة بما يتم مع البلطجية.
أما بثينة كامل الإعلامية المرشحة المحتملة للإنتخابات الرئاسية، فأشارت إلى أن تلك القضية كانت تحتاج إلى قوة إعلامية تنساندها، لكن لم يحدث، وأوضحت ل"إيلاف" أن ما تعرض له المتظاهرات يوم 9 مارس، أمر مرفوض تماماً، وكان ينبغي فتح تحقيق عاجل في إدعاءات المتظاهرات بتعرضهن لإنتهاكات جسدية مهينة، ولكن نظراً لإنشغال الرأي العام بقضية محاكمات رموز النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس السابق حسني مبارك، وأنشغاله كذلك بحراسة الثورة، خشية إختطافها من قبل فلول النظام السابق أو التيارات الإسلامية، لم تسلط الأضواء على ما حدث.
وأضافت كامل إلى الأسباب السابقة في عدم نيل القضية حقها من المتابعة الإعلامية سببين آخرين، هما عدم رغبة الإعلام في توجيه أية إنتقادات للمجلس العسكري، بالإضافة إلى أن القضية لها علاقة بشرف وسمعة المرأة، وهذا السبب الأخير يقيد أية جهود من شأنها المضي قدماً في ممارسة أية ضغوط إعلامية ضد الجناة.
http://www.elaph.com/Web/news/2011/6/659639.html