لماذا نعيش في عالم له ثلاثة ابعاد فقط؟ منذ اللحظة التي طرح اينشتاين نظرية النسبية اصب هذا السؤال الشاغل الرؤيسي لعلماء الفيزياء. اينشتاين نفسه اكتفى بأربعة ابعاد هم الابعاد الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع) الى جانب الزمن بإعتباره البعد الرابع. ومع ذلك فلم تتجاوز نظرية النسبية مرحلة الشباب عندما طرحت نظرية جديدة البعد الخامس وبعد ذلك كرت السبحة ليتكلم الفيزيائيين اليوم عن وجود عشرة ابعاد للكون.
يبدو الامر للبعض غير قابل على الفهم وعلى انه مجرد خيال محض، غير انه ومن اجل فهم الفكرة التي تقف خلف هذه المصطلحات لابد من فهم معنى الابعاد. نحن متعودين على فهم العالم المحيط بنا من خلال ابعاده الثلاث، الطول والعرض والارتفاع. مازاد عن هذه الابعاد تصبح على الفور مجازية بالنسبة لحواسنا. غير ان الرياضيين لايعانون من مشكلة في اضافة ابعاد جديدة إذا كان ذلك يساعد على وصف وفهم معضلة رياضية.
من الهندسة الفراغية نعرف منظومة الاحداثيات حيث كل نقطة في الفراغ يشار اليها بأحداثيات ثنائية من نمط Y, X. بذات السهولة يمكن انشاء احداثيات تعريف إضافية مثل خط احداثيات Z. جميع هذه الاحداثيات تتقاطع وتتعامد على بعضها. ولكن إذا كنا سنقوم بوصف موقع فراشة في حركتها فلاتكفي الاحداثيات اعلاه، إذ نحتاج الى إضافة الزمن بالارتباط مع كل نقطة و هذا يجعله من جملة الاحداثيات ليصبح الرابع. فيكون لدينا منظومة الاحداثيات (X,Y,Z,t) والرياضي سيقول ان وصف حدث في هذه المنظومة (العالم) يحتاج الى اربعة ابعاد.
الرياضيين ليس لديهم مشكلة مع عالم له ابعاد اكثر، إذ بالنسبة لهم لايزيد الامر عن إضافة المزيد من الاحداثيات على نمط X1, X2, X3, .... X10 عوضا عن نمط X,Y. عند الضرورة القصوى يستطيع الرياضيين افتراض عالم متعدد الابعاد بدون نهاية وهي التي يطلق عليها تعبير Hilbertrum, على شرف عالم الرياضيات دافيد هيلبيرت (1862-1943)، في حين ان الفيزيائيين لم يصلوا الى هذا الحد.
الفيزياء الذي يصف عالمنا تمكن من القيام بمهماته في ظل اربعة ابعاد بشكل جيد، لذلك فإذا كانت توجد المزيد من الابعاد لابد ان تكون متخفية. لهذا الشكل علماء رياديين مثل ثيودور كالوذا واوسكار كليين في عشرينات القرن الماضي اقترحوا وجود بعد خامس. خلفية هذا الاقتراح ان نظرية النسبية تفسر الجاذبية وكيفية تأثيرها على شكل الابعاد الثلاثة. ولتكون النظرية كاملة يجب عليها ان تشمل جميع القوى الطبيعية، وذلك يعني انها يجب ان تشمل قوة الاليكترومغناطيسية.
في نظرية النسبية يجري وصف القوة المغناطيسية فراغيا، إذ تعتبر المكان مثل غشاء مطاطي إذا وضعنا عليه جسم ثقيل مثل الكرة الشمسية يحدث فيه تقعر. وإذا كانت هناك كرة صغيرة تتدحرج على الغشاء فإنه ستتأثر فجأة من التقعر الناشئ وتغير مسارها بحيث انها ستقترب من الجسم الكبير. بمعنى اخر فإن التقعر هو الجاذبية الذي يجذب الكرة الصغيرة.
هذا الوصف الذي تقدمه الهندسة الفراغية حفز الالهام لدى كاليوذا وكليين ليجعلهم يسعون لتوسيع نظرية النسبية ليشمل طاقة الاليكترومغناطيسية. تماما على شاكلة اينشتاين قاموا بإضافة بعد خامس ، ومن حيث اننا لانستطيع رؤيتها لابد انها صغيرة للغاية. لنفترض ان كل نقطة في المكان تتألف من دائرة صغيرة وهذه الدائرة اصغر من الذرة. ذلك سيعني ان كل جزيئ في الذرة لن يحصل على استقرار تام ابدا على الرغم من انه في حالة استقرار ومع ذلك مضطر للدوران في مكان ينتقل فوق نقاطه التي تؤلف البعد الخامس. هذه الحركة تعكس نفسها في المكان العادي على شكل شحنة كهربائية. بذلك، وعلى خلفية الهندسة الفراغية، تمكن العالمين كلاوذا وكليين من تقديم تفسير كامل لقانون القوة الاليكترومغناطيسية.
ولكن ظهر على الفور ان ابعاد خمسة لاتكفي لتوحيد قوانين الفيزياء إذ جرى إكتشاف قوى طبيعية اخرى، لتصبح الطاقات المعروفة لنا اربعة وهي الجاذبية والطاقة الاليكترومغناطيسية والطاقة الضعيفة والطاقة القوية للذرة. وإذا كان بالامكان وصف الظاقة اليكترومغناطيسية من خلال اضافة بعد خامس فلابد ان بالامكان تفسير بقية انواع الطقات بذات الطريقة كرد فعل على وجود الجزيئات في حركة مستمرة في زمكان متعدد الابعاد.
غير انه ظهر ان من الضروري إضافة مالايقل عن ستة ابعاد وكل واحد من هذه الابعاد يجري اختزاله الى بعد صغير، تقريبا الى اللانهاية، تماما على خطى البعد الخامس. يجب علينا ان نتصور ان كل نقطة في الزمكان عبارة عن كرة غير دائرية وانما لها ستة اضلاع او لربما نوع اخر من الاشكال الفراغية الذي لازلنا غير قادرين على تصوره. غير ان ذلك لايمنع الرياضيين النظريين من اطلاق تسمية على هذه النقطة التي تشكل " الغرفة الفراغية الاعتبارية" وقد اطلق عليها Calabi-Yau rum, نسبة الى الفيزيائيين Eugenio Calabi and Shing Tung Yau, إذ انهم هما الذي صاغوا النظرية.
هذه الرياضيات المتطورة هي قاعدة نظرية الاوتار الفائقة، والتي تعبر افضل الاقتراحات اليوم لوصف العالم. في هذه النظرية تنشأ القوى الطبيعية عندما تقوم الجزيئات بالحركة والتنقل بين هذه الابعاد. وعلى الرغم من الجزيئات ترجع في اصلها الى ابعاد المكان من نمط غالابي ياو الا ان تأثيرها يظهر في الابعاد الاربعة عدا قوة المغناطيسية.
ابعاد غرفة كالابي ياو يمكن ملاحظتها بعدة اشكال. من زواية كونية من الطبيعي وصف النظرية على ان في كل نقطة من نقاط المكان تختفي ستة ابعاد صغيرة الى حد قريبة من اللانهاية. بالامكان ايضا قلب الوصف بالمقلوب لننظر الى الامور من وجهة نظر ابعاد غالابي يايو. في هذه الحالة يصبح عالمنا بأبعاده الثلاثة هو المتناهي في الصغر وبهذا الشكل يصبح عالمنا مجرد حافة (bran) من حواف غرفة غالابي يايو.
العلماء يعتبرون ان طاقة الجاذبية وحدها القادرة على عبور الحافة الى عالمنا ليظهر تأثيرها في بعدها الخامس. في حين ان طاقة الجاذبية عبارة عن جزيئ جزى بإسم جرافيتون جرى التنبوء به من قبل علماء فيزياء الكم ولكن لم يتم البرهنة عليه. إذا كان هذا الجزيئ فعلا قادر على التنقل بين حافة عاملنا والجهة الاخرى ، سيكون ذلك كافيا لتفسير اسباب معايشتنا لهذه القوة على انها ضعيفة للغاية بالمقارنة مع بقية القوى الطبيعية الثلاثة الاخرى.
غير ان كامل نظرية الاوتار الفائقة، والتي تتضمن افكار اضلاع غرفة غالابي ياو، لازالت نظرية تماما ، ونقص التجريبي فيها ضعف جدي للغاية يستغله منتقدي النظرية. التجربة تشير الى ان انعدام الروابط بين النظري والعملي يؤدي بسهولة الى الخروج عن الطريق الصحيح. غير ان هذا الامر قد يتغير بما يخص نظريتنا هنا، حيث المُسرع الاوروبي اصبح شغالا ومعقودة عليه امال كبيرة، إذ بالامكان ، على الاقل، رؤية " ظل" احد هذه الابعاد العليا عند اصطدام الجزيئات مطلقة طاقة هائلة.
عندما يصطدم جزيئين في المشرع ينشأ على الفور جزيئات جديدة ويتجهان الى جميع الاتجاهات تطبيقا للقوانين الاساسية لحفظ الطاقة. إذا لاحظ العلماء ان الجزيئات تتجه في اتجاه معين يعني ذلك بالضرورة ان هناك جزيئات اختفت قبل ان نتمكن من رؤيتها مع العلم انه من الصعب للغاية اختفاء الجزيئات بدون ان نتمكن من رؤيتها في المسرع الاوروبي، ولكن احدى الامكانيات ان تختفي الجزيئات في الابعاد الاخرى. وهذه القدرة بالذات الذي يعتقد الفيزيائيين ان جزيئات الجاذبية قادرة عليه. لذلك، إذا تمكن العلماء من البرهنة على خسارة وزن وطاقة بعد الانفجار سسيكون ذلك دليل على نشوء جزيئ الجرافيتون وليس فقط نيوترين لايملك وزنا.
هناك طريقة اخرى لإكتشاف آثار الابعاد المتعددة، وبالذات نشوء جزيئات Kaluza+Klein. تماما كما ان الذرة يمكن ان تكون في حالات مختلفة من الطاقة يمكن للجزيئ الذي يصدف وجوده في " غرفة كالابي ياو" ان يملك طاقة اعلى. لذلك اذا حدث اصطدام قوي بما فيه الكفاية في المُسرع من المحتمل ان ذلك سيؤدي الى نشوء جزيئ قادر على التغلغل غرفة كالابي ياو ليكون هناك بأشكال مختلفة من اشكال الطاقة الاعلى، الامر الذي سيجري ملاحظته من خلال ظهور نسخ من الجزيئات المرسلة ولكنها سوبر ثقيلة . من المحتمل ان يظهر اليكترون او بوزيتون بوزن يصل الى الالف مرة اكبر من الطبيعي. والقدرة على البرهنة على وجود جزيئات كالوذا كليين سيكون الدليل الاكثر ثقة على وجود الابعاد المتعددة.
بفضل المسرعات الموجود حالية تمكنا من التأكد بعدم وجود بعد اخر في مستويات التصغير حتى -18 10 ولذلك يطمح العلماء الى التاكد على مستوى البعد -19 10 متر. هذا يعني انه إذا تصورنا إمكانية تكبير الذرة الى حجم يعادل الارض سيمكن عندها احتواء البعد الذي نبحث عنه في نقطة.
من خلال بدعة الابعاد المتعددة الصغيرة التي لاترى بالعين المجردة امكن نقل الفيزياء الى طرق جديدة يمكن ان تؤدي الى الفخر او السقوط الشنيع. ولربما لن نصل ابدا الى اكتشاف ابعاد للكون اخرى ولكن لو ننجح في البرهنة على ذلك مباشرة او غير مباشرة سيصبح ذلك اكبر اكتشاف للفيزياء في المئة سنة الاخيرة.
لكن بالفعل هناك عدد من التجارب التى ستوفر كما يأمل الفيزيائيون الاختبارات الأولية لنظرية الأوتار الفائقة و هى :
*مصادم الهادرونات الكبير فى سيرن :اذا كان قويا كفاية لتوليد لانتاج ال S- particles أو الجزيئات الفائقة (super particles )و هى الترددات العليا للأوتار التى تتنبأ بها نظرية الأوتار الفائقة .
* فى العام 2015 ستقوم وكالة الفضاء الامريكية ناسا و وكالة الفضاء الأوروبية فى عمل مشترك بارسال المهمة (LISA) و بعدها فى عام 2025 راصد الانفجار الكبير BBO و الذين قد يتمكنا من اختبار الفرضيات المتعلقة بماحدث قبل الانفجار العظيمBig Bang بما فيها التنبؤات الخاصة ببعض نسخ نظرية الأوتار الفائقة كسيناريو ال Big Splat و هو سيناريو نشوء الكون الحالى من تصادم غشاءين لكونين متوازيين و هو ماتمت ترجمته فى نسيج الزمكان space-time لكوننا فى صورة الانفجار العظيم .
* مختبرات عديدة حول العالم تحاول جاهدة رصد المادة المظلمة dark matter و نظرية الأوتار الفائقة تعطى تنبؤات محددة و قابلة للاختبار حول الخصائص الفيزيائية للمادة المظلمة لأنها فى الغالب و كما يظن كثير من العلماء أحد الترددات العليا للأوتار .
* يتبقى أمل بعض الفيزيائيين فى احتمالية أن الانفجار العظيم كان من القوة بحيث أنه تم تفجير و قذف بعض الاوتار الفائقة الصغيرة الى أبعاد فلكية و بذلك يمكننا رصدهم فى الفضاء و اختبار نظرية الاوتار الفائقة بصورة مباشرة ، و لكن هذا الاحتمال ضئيل جدا على أية حال .
المصدر
نظرية الاكوان المتعددة
نظرية الاوتار الفائقة
مصادر انكليزية:
http://wordassociation1.net/sayswho.html
http://en.wikipedia.org/wiki/String_theory