خسارة و أيما خسارة رحيل هذا الفنان الرائع الذي وصل الى العالمية من خلال المحلية و الحس الانساني الذي تميز بهما فأطلق ريشته المغموسة بألوان الفرح و الكدح لتجسد البسطاء فلاحا و كادحا و حائكة و غيرها معلنا انحيازه الى جانبهم و الى جانب حقهم في عالم أكثر عدالة وانسانية.
جمال الالوان في لوحاته مبهر و أخاذ اذ أنها تنشر الفرح و التفاؤل و السعادة في نفس المتأمل لها. و مساحات الضوء الوفيرة في تناقضها مع الألوان الأخرى تجسد صراعات اجتماعية و نفسية يبشر الضوء فيها بغد أكثر اشراقا ليشكل قوة دافعة و محفزة على التقدم للأمام.
الأزرق في الكثير من اللوحات هو خضم هذه الحياة بأمواجه المتلاطمة و قواه و أهدافه و غاياته المتصارعة ... و مع ذلك فالأزرق جميل و "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" على راي الخالد درويش الذي قال أيضا "ان التشابه للرمال .. و أنت للأزرق".
غلبة البني أو الرمادي في لوحات حامد عويس هي شهادة انتماء و تحيز الى "صف الجوع الكافر .. ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار" على راي مظفر النواب دام ظله. هذا الانحياز عبر عنه أيضا في أجساد الشخصيات الممتلئة لكننا نحسها مضغوطة و محشورة في حدودها. انها الضغوط و المعاناة التي يكابدها بسطاء الناس في عالم السوق المتوحشة و لا بد للمضغوط من انفجار.
بصدد المرأة لم يرى عويس في المرأة جسدا جميلا بل انسان و قوة اجتماعية و ينبوع حياة فصورها الى جانب الرجل شريكة فرح و ترح و أمل و وقف الى جانبها كما تقول اللوحة الثانية اذ تسير بثقة و قوة للأمام ناظرة الى الأمام و عينها على الغد و كل اللوحة تسبح في النور المحيط.
البيئة المصرية بفلاحيها و صيادي أسماكها و عمالها و قراها و مقاهيها بمعزل عن أي عنصر دخيل هي عالم عويس الذي انتمى اليه و اعتز به فلم يقع في شباك التغريب و حمل قضايا مجتمعات تقبع فيما وراء البحار. هذا الموقف يذكرني بالفنانة التشكيلية الفلسطينية تمام الأكحل شموط التي قالت في مقابلة ان لهم قضاياهم التي تعبر عنهم بينما انا قضاياي مختلفة. و كرست فرشاتها لتجسد هموم شعب تمرس في المعاناة و النضال طامحا للتحرر.
و المحلية لا تعني التقوقع بل ان تمثل روح الجماعة كجماعة انسانية مدخل الى العالمية طرقه عويس بكل كفاءة و اقتدار و موهبة.
لم يؤمن عويس ب"الجمال من أجل الجمال" و لا الفن للفن" و لا ب"الجمهور عاوز كدة" بل آمن بالفن رسالة و قضية و موقف.