يعنى إيه كلمة دكر؟ (3)
November 4th, 2011 10:36 am
التحريرمقالات
نوارة نجم
وكما أن فى هذه البلاد المباركة «فنجرية بق» بعدد شعر الرأس، وكما أن فيها سبايدرات.. لكنهم لأ… ليسوا كثرا، لأ (إلا سمعة مصر.. لأاااا.. رجالة مصر زى الفل، ده طفرة جينية نادرة.. ثم إنه عنكبوت يعنى)، وكما أن هناك من يقول ولا يفعل، وكما أن هناك من يعد ولا يوفى، وكما أن لدينا من يملأ حياتنا بالمؤتمرات الصحفية المترعة بالكذب الصراح الذى لم يتحرَّ مقترفوه مراعاة الحد الأدنى للذكاء الإنسانى… كما أن مصر فيها كل ذلك، فإن أساسها «الدُّكُرة» ولله الحمد والمنّة.
كان ياما كان، مدرعة يقودها صنديد نشامى، يطارد -بمنتهى الشجاعة- مدنيين عزلاً، يواجهونه بصدور عارية، بينما يتمترس هو بداخل مدرعته وسلاحه، وكان الناس كرد فعل طبيعى يفرون من أمامه، حتى قرر بطل مجهول الاسم أن يقف أمام المدرعة، مما حمّس بقية الشباب الذين كانوا فروا للعودة والوقوف بجوار الشاب: إما أن تمر على جثثنا جميعا، وإما أن تتوقف.
هذا بالضبط ما فعله علاء سيف فى مواجهة المحاكمات العسكرية. اتعشّت يا معلم. لم يعد بإمكان المحاكمات العسكرية ونيابتها، أن تُدخِل الرهبة فى قلوب المدنيين كما كانت من قبل، سواء أطلقوا سراح علاء أو قرروا عقوبته لرفضه المثول أمامهم والإجابة عن أسئلتهم، فقد قام المواطن علاء أحمد سيف الإسلام حمد، بجر سطر تحت حقبة عسكرية ولّت وانقضت، ولم يعد ممكنا أن تقوم النيابة العسكرية باستجواب أى من المدنيين، أنت ذاتك، لم يعد بإمكانك الفرار من أمام المدرعة كالسابق.
أنت أيها المواطن، سواء كنت دكرا أم فنجرى بق أم -عدم اللا مؤاغزة- سبايدرا، لن تتمكن بعد ذلك من المثول أمام النيابة العسكرية والسماح لهم بالتحقيق معك، ويا سلام بقى، يا سلام لو قرر أحد النشطاء المثول أمام النيابة العسكرية وقبول استجوابها، ستكون هذه هى العملية الانتحارية بحق، وسيخرج ذلك الناشط بجُرسة وزفة لم تقم للمخلوع ذاته.
إذن، فعلى النيابة العسكرية أن تكف عن استدعاء المدنيين، أو تقوم بحبس كل المدنيين، وفى الحالتين، فقدت النيابة العسكرية، والمحاكم العسكرية، والخضة الميرى هيبتها، وأصبح المحقق مضطرا أن يقبل الإهانات من النشطاء فى كل مرة يستدعيهم إليه، حتى إن حكم عليهم بالإعدام… ماهو اتهزأ خلاص، وحبذا لو توالت الاستدعاءات ليتكرر عليهم السؤال الذى طرحه علاء سيف: مش لابس الطاقية ليه؟
الأمر الثانى، لقد أفلت القتلة بفعلتهم وقتلهم الأبرياء، لكنهم ما زالوا يرتعدون خوفا من الملاحقة، فما كان منهم إلا أن اتهموا الضحية، وأمعنوا فى التنكيل بها، حتى يضمنوا تماما أنه لا يسعى خلفهم طالب ثأر أو نقود. لعبة قديمة، دنيئة، مظلمة الظلم، ممعنة فى الشر، وفاااااااشلة.
التنصل من مذبحة ماسبيرو، ثم استغلال النوازع العنصرية والتحزبات العصبية لقبائل كانت فى السابق ديانات وفقدت فحواها لنزع الإنسانية من الضحية، والرقص على جثث القديسين الذين قتلوا مظلومين وستطاردكم دماؤهم الذكية أينما حللتم (كلكم على فكرة، لا قائد المدرعة المرتبك ولا الطرف الثالث فحسب، بل كل مواطن ردد الرواية المنحطّة أو صمت على قتل الأبرياء)، ثم تزييف شهادات لشخصيات كرتونية، أحدها لشخص تبهرنى مهارته فى ضبط رسمة حاجبيه بصنعة لا تنافسه فيها أجعص كوافيرة، والثانية لشخصية أخرى مجهولة تعانى من آلام الضرس، وخلل فى الفهم الجغرافى لمنطقة وسط المدينة، حيث تروى لنا أنها كانت فوق كوبرى أكتوبر ومرت من وسط ميدان عبد المنعم رياض حيث رأت علاء وهو يحمل سلاحا فى ملاءة! لم يكتفِ القتلة باتهام المقتولين.
لم يكتفوا بإلهائنا بالنازلة تلو النازلة، والجنازة تلو الجنازة، والخزعبلات الدستورية، والتقيؤات الإعلامية، ولم يهدأ خاطرهم ويطمئنوا من الصمت الذى خيم على أهالى الشهداء وذويهم، بل ظلت المقتلة ماثلة أمامهم، تنبئهم بنذير الشؤم القادم إليهم وإلى كل من مالأهم، بعون الله وحوله، فتفتقت أذهانهم عن إحياء القضية من جانبهم باتهام النشطاء اتهامات مضحكة، عبثية التلفيق، ليتحمل النشطاء عبء المساءلة القانونية عنهم، وبلغ بهم التخبط أن يستعينوا بشهادات لمواطنين لا يصلحان ولا حتى للفشل، ظنا منهم أن ذلك سيدرأ المحاسبة عنهم. كذا فعل علاء مثل شاب المدرعة ورفض أن يقوم المتهم والقاتل بالتحقيق مع المجنى عليه، لنعود من حيث بدأنا: أنا أيضا أتهم المجلس العسكرى فى دماء شهداء ماسبيرو، وإن لم يتحركوا الآن لمحاسبة المتورطين الحقيقيين فى قتل الشهداء، فسيأتى اليوم الذى يحاسَبون فيه هم، مرة على التقصير، وأخرى على التواطؤ، ولكم فى اللى لعب فى مناخيره عبرة يا أولى البِزّات.