{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
ما هو الدين (الأشقاء الأعداء الثلاثة)
فرج غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 104
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
ما هو الدين (الأشقاء الأعداء الثلاثة)
ما هو الدين؟
هناك من يقول إن " الدين هو المعاملة"، الدين هو الأخلاق، ومنهم من يعتبر أن الدين هو نمط حياة يشمل كل جوانب حياة الفرد المتدين بالعلاقة مع الخالق كما يتصوره هذا الفرد ومنهم من يرى في الدين إطارا لتنظيم حياة الجماعة الدينية ومنهم من يذهب أبعد من ذلك ويعتبر الدين الذي يعتنقه دون غيره من الأديان هو النظام الاجتماعي السياسي الأمثل للبشرية جمعاء ولكل العصور. ولكن كيف؟ بلا كيف! وأين؟ ومتى؟ وكم؟ وهو بذلك يتجاوز إرادة الإله الذي لم يشأ أن يجعل الناس كلهم أمة واحدة.
فالدين يُعرف بالمتدينين به، الأحياء الفاعلين باسمه، وليس بنصوص تقرأ أو ترتل أو تحفظ عن ظهر قلب وتأخذنا بسحر البيان فنهمل المعنى المراد منها والسياق الذي ظهرت فيه والمشكلة التي ترد عليها. والتمييز بين الدين والفكر الديني يعني التمييز بين النص الأصلي والنصوص التابعة له من تفسير وشرح وتأويل. ولكن كل قراءة للنص الأصلي هي تأويل أيضاً وتندرج في باب ما يسمى بالفكر الديني.
المقصود إذن بالدين هنا لا النص الديني ولا نصوص التفسير والتأويل لأن كل ما هو مكتوب بالحبر على الورق لا يحمل أي معنى بحد ذاته ، فالمعنى ليس شيئاً ماديا قائما خارج الذهن! المعنى قائم في الذهن. القراءة الذهنية هي التي تعطي المعنى للنص المكتوب. كل ما هو مكتوب قابل للقراءة. وكل قراءة هي إعادة تأليف للنص، وكأنها عملية خلق جديد للنص على صورة ومثال القارئ.
وبتعبير آخر إنّ القراءة المتمعنة، غير القراءة الصوتية وغير التلاوة أو الترتيل، القراءة بتمعن، القراءة الهادفة لفهم النص، الهادفة لبلوغ المعنى، هي عملية إنتاج معنى أو معان في ذهن القارئ بعد التفاعل مع النص. فذهن القارئ هو بمثابة مصنع أو مطبخ لإنتاج المعنى. والمواد الأولية المستخدمة في عملية الإنتاج هذه تشمل كل ما اختزنه هذا القارئ في ذاكرته من ثقافات وتجارب ومعارف على امتداد عمره. هذا المخزون المعرفي والثقافي يختلف كما ونوعاً من شخص إلى آخر وبالتالي تتعدد القراءات بعدد القراء تقريباً. وهذا ما هو واقع. تعدد القراءات يعني تعدد الفرق والطوائف والأحزاب انطلاقا من كتاب واحد. هذا الواقع المتنوع والمتعدد ليس بالضرورة دليل انحطاط أو تخلف أو تدهور، بل قد يكون دليل صحة وازدهار وإثراء للجميع معاً إذا كان كل طرف من الأطراف يعترف بحق الطرف الآخر بالتساوي مع حقه في الفهم والاقتناع والتعبير بحرية عن أفكاره وقناعاته، حتى لا يُضطر إلى النفاق والتخفي وبالتالي الوقوع في مرض السكيزوفرانيا السائد في المجتمعات التي يحكمها نظام العقيدة الواحدة المفروضة على الجميع بقوة الحديد والنار.
وقد يكون هذا التعدد مصدر تمزق واقتتال لأن كل طرف يدعي أنه هو الحق والآخرون الباطل المطلوب إزهاقه. هذه الحالة الأخيرة نشهدها يومياً في الواقع الذي تعيشه معظم مجتمعاتنا العربية إلى أجل غير مسمى.

بصرف النظر عن مسألة التدين بهذا الدين أو ذاك أو عدم التدين بأي دين وبعيدا عن أي ارتباط عاطفي بأي دين من الأديان الثلاثة أو غيرها، ماذا يلاحظ المراقب الخارجي الذي تفصله مسافات شاسعة لا في الزمكان الفيزيائي (ما لا يقل عن 14 قرنا) وحسب، ولكن وخصوصاً على المستوى التاريخاني، أي الزمكاني الذهني، الوعيي أو المعنوي؟

يلاحظ المراقب الموضوعي أنّ السابق لا يعترف باللاحق، بكل بساطة لأن اعترافه بالدعوة الجديدة يعني اللحاق بهذه الدعوة ة وإلغاء المؤسسة السابقة. قد يحصل مثل هذا التخلي عن دين أو مذهب من جانب فرد أو جماعة ليدخلوا أفواجاً أفواجا في الدعوة الجديدة وخاصة بعد أن صارت حركة قوية إمّا عن اقتناع شخصي أو نفاقا واضطرارا في حال لم يُترك له الخيار على طريقة "أسلِم تسلم"، كما كانت حال الأعراب تجاه الإسلام: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا...". أمّا بالنسبة للجماعة المتمثلة في مؤسسة بأفرادها المحترفين على الأقل فهي مسألة حياة أو موت ولذلك يتشبث القائمون عليها بما شبوا عليه وشابوا هم وآباؤهم وأجدادهم وجداتهم ويعتبرون صاحب الدعوة الجديدة، وهو منهم، مرتكب الخيانة العظمى أو مرتدا والارتداد في منزلة الخيانة العظمى وفي الحالتين العقوبة هي العقوبة القصوى. فلا يتوانون عن محاربته بشتى الوسائل بما في ذلك قتله إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وقد استطاعت طغمة رجال الدين اليهود سبيلا إلى قتل يسوع بتهمة ادعائه أنه المسيح -المخلص) ملك اليهود المنتظر من سلالة الملك داوود كما جاء في كتبهم، رغم رده لهذه التهمة بقوله "إنّ مملكتي ليست في هذا العالم". فالدعوة التي مات من أجلها يسوع ابن مريم (وإن لم يقتلوه بل شبه لهم فالنتيجة واحدة) ازدادت قوة وانتشارا باستشهاده في سبيلها.
وكذلك في بداية الدعوة المحمدية حاول أسياد مكة آنذاك أن يقضوا على الدعوة الجديدة وهي ما زالت في المهد ، الأمر الذي اضطر محمداً وأصحابه إلى الهجرة إلى يثرب.
فاليهودية لا تعترف بالمسيحية ولا تعترف بالإسلام محافظة على بقائها كمؤسسة لها جماعتها ومصالحها المادية والمعنوية.
وكذلك المسيحية كمؤسسة لا تعترف بالإسلام للأسباب نفسها.
ولكن ماذا عن علاقة اللاحق بالسابق؟ هل يعترف اللاحق بالسابق؟
للوهلة الأولى أو عند القراءة الأولى يلاحظ القارئ الموضوعي، المراقب من الخارج، أن اللاحق يستمد شرعيته من السابق ويطرح نفسه كمصلح ومكمل للسابق، لأنه يرى في السابق نواقص وثغرات ومشكلات ويـأخذ على عاتقه مهمة الرد على هذه الأمور. فالقطيعة بين اللاحق والسابق ليست مطلقة، إنها قطيعة ضمن الاستمرارية. وهكذا إنّ اللاحق يعترف بالسابق ولكن بالصورة التي يريدها له ولا يعترف به على حاله التي يتمسك بها السابق نفسه.
في المثال الذي نحن بصدده، المسيحية كانت بمثابة ثورة داخل اليهودية. من أهم التغييرات التي أدخلتها المسيحية على اليهودية الصورة اليهودية عن الإله التي تجعل منه ملكاً لليهود يقود جيوشهم ليحارب أعداءهم ويقتل ويدمر ويغضب ويفرح. هذه الصورة عدّلت فيها المسيحية فجعلت من الإله إله الجميع (أمما وأفرادا) دون استثناء ودون مفاضلة بين قوم وقوم، إله المحبة والرأفة بالجميع. وألغى المسيح العديد من الممنوعات في اليهودية مثل أكل لحم الخنزير والجمع بين الألبان واللحوم، وألغى عقوبة الرجم، كما ألغى الختان كعلامة فارقة تميز "شعب الله المختار" وهل من الصعب أن يعرف الله من هو شعبه المختار؟ وهل له شعب واحد دون غيره من الناس وكأن الآخرين ليسوا من مخلوقات الله؟ لم يرض يسوع بهذا التمييز العنصري المنسوب إلى الله.
ولكن المؤسسة الكنسية هي التي أقامت تمييزا من نوع جديد، إذ أعلنت أن لا خلاص إلاّ بالكنيسة. وسمحت لنفسها بممارسات أقل ما يقال فيها إنها تتعارض مع تعاليم المسيح. منذ أن اعتنقت روما الديانة المسيحية وجعلتها عقيدة رسمية للدولة، راحت المؤسسة الكنسية تتدخل في شؤون الناس وحتى في ضمائرهم. وأنشأت محاكم التفتيش سيئة الصيت بسبب ما ارتكبته من فظاعات في محاولاتها التحكم بضمائر الناس وعقولهم ولم تسعفها مقولة المسيح "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" ، هذه المقولة التي حمّلوها أكثر مما تحمل بكثير وكأنها تقوم في أساس الفصل بين رجال الدين كمؤسسة تمثل فئة من الناس والدولة باعتبارها تمثل كافة الناس. المسألة ليست مسألة عبارة أو مقولة سحرية صار لها فعلها بعد مرور مئات السنين دون أن توحي بشيء من هذا القبيل. وكم من آية في الكتاب الكريم توصي بأن لا إكراه في الدين أو: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. فهل تكفي هذه العبارات والمقولات لاحترام حقوق الكافر بالتساوي مع حقوق المؤمن؟ أم أنها مسألة تطور تاريخي، تطور في الوعي السياسي على كل المستويات وصولا إلى الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف إلى جانب حقه في المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات. المسألة مسالة نضج في الوعي الفردي والجماعي إلى درجة الاعتراف بشخص الآخر لذاته ولا لصفاته. وقد استغرق الأخذ والرد في موضوع العلاقة ما بين المؤسسة الدينية من جهة والدولة من جهة أخرى، في فرنسا مثلا، حوالي قرنين من الزمن قبل أن يستتب الأمر على ما هو عليه الآن حيث تلتزم الدولة بالحياد العقائدي التزامها بحماية حرية المعتقد الديني وغير الديني لجميع مواطنيها وحرية التعبير عن المعتقد للجميع.

وكذلك الإسلام فهو يقدم نفسه مصلحاً لليهودية والمسيحية، ويعترف بنبوة المسيح لا كما يراها المسيحيون ويعترف بنبوة موسى ولكن لا كما يراها اليهود، إذ يعتبر الإسلام أن اليهود والمسيحيين قد حرفوا في الكتاب وبالتالي يتعين عليهم أن يعتمدوا النص الأخير الناسخ للنصين السابقين لتنفتح لهم أبواب ملكوت السماوات والأرض.
ويلاحظ في الإسلام عودة جدلية إلى اليهودية في عدد من الأمور ودمجها بعناصر من المسيحية وصهر الجميع في كتاب واحد، نسخة عربية عن الكتاب الأصل المحفوظ في لوح.
باختصار يمكن القول إنّ السابق لا يعترف باللاحق ، واللاحق لا يعترف بالسابق. فلا نستغرب إذا رأينا القائمين على الأديان الأشقاء الثلاثة ينمّي كل واحد منهم لدى جماعته الشعور بأنه هو صاحب الحق والآخر على ضلال. وهذا ليس اقتناعا منهم بقدر ما هو انتهاز للمكانة وللثقة التي يتمتع بها هؤلاء من جانب المؤمنين البسطاء الذين سلموا أمرهم لأولي الأمر. وإذا كانت هذه هي حال العلاقة بين الأديان الثلاثة فالعلاقة بين الطوائف والفرق ضمن الدين الواحد ليست بأفضل من ذلك. والحالة هذه فمن المستحيل بناء مجتمع إنساني يتطلع إلى مُثُل العدل والإنصاف والمساواة على أساس ديني أو طائفي أو أيّة عقائدية أخرى. وإذا اعتبرنا أن الانتماء الطائفي أو الديني قد مثل في حينه بعض الارتقاء بالنسبة للانتماء العشائري القبلي الذي لم يلغه، ولكنه في أيامنا هذه يبدو أقرب إلى حالة بدائية، أقرب إلى شريعة الغاب منه إلى أي حالة حضارية ثقافية يشيّدها الإنسان بوعيه ويُغنيها بوعيه باستمرار حتى لا يقع في مستنقع الركود والتقليد الأعمى لما هو سائد أو لما هو موروث .
وإن كان الميل الطبيعي أو الغريزي للجماعة الدينية في تمسكها بما هي عليه وبما يمليه عليها "قانون الخمول" االطبيعي طالما أنّ لا أحد يعكر عليها صفو قيلولتها، فقد آن الأوان للصحو ولليقظة. أفلا تكفي هذه القرون من السبات العميق؟
صحيح أنّ هناك روابط عديدة تشد الجماعة بعضها إلى بعض. هذه الروابط هي سياسية (ضد العدو الخارجي)، اقتصادية (العيش المشترك) وثقافية، حيث اللغة المشتركة تلعب دورا أساسيا في إنتاج الهُوية والثقافة وحفظها ونقلها من جيل إلى جيل شفهياً قبل اختراع الكتابة على أيدي السومريين. وبعدها جرى تدوين ما أمكن تدوينه ونقل ما أمكن نقله من السومرية إلى الأكادية والبابلية واللغات القديمة الأخرى. ومن هذه الروابط رابط الدين أيضاً، لا شك في ذلك. (يُذكر هنا أن كلمة "الدين" في عدد من اللغات ذات الأصل اللاتيني تعني "الرابط". ولفظة "دين" بالعربية تعني من جملة ما تعنيه الطاعة والعبودية). فالعنصر الأساسي في تحديد الهوية هو اللغة بما تحمله من ثقافة، والدين هو ظاهرة ثقافية محمولة على اللغة كغيرها من الظواهر الثقافية ولكن الجانب الديني أو الرابط الديني مهما بلغت أهميته فهو لا يشكل الحقيقة الأولى والأخيرة للإنسان ولا يمكن اختزال الهوية إلى الجانب الديني وحسب. فهناك حياة ما قبل الدين وما بعد الدين كما يتضح من تاريخ الأديان وتاريخ الحضارات. وما الدين إلاّ مرحلة، حقبة معينة، من مراحل تطور الوعي الإنساني للوجود ولموقع الإنسان في هذا الوجود، مرحلة أقرب ما يكون إلى مرحلة الطفولة حيث يختلط في ذهن الطفل الخيالي بالواقعي والأسطوري بالتاريخي. خاصة وأن المعرفة العلمية الدقيقة لم تكن موجودة أو لم ترسخ بعد في ذهن الطفل ولا في ذهن البشرية الطفلة. وحتى إلى يومنا هذا وبين الذين تجاوزوا سن الطفولة، كثيرون هم الذين يحتفظون ببراءة الأطفال وحريصون على استمرارها.
بإمكانك أن ترى الملايين بل مئات الملايين من البشر يمارسون شتى أنواع العبادة من شمس أو قمر، من حجر أو صنم أو بقر، أو غير ذلك. فالمثل الشعبي يقول: "كل شيء عادة حتى العبادة" ولا تقل صنميةً عن هذه العبادات عبادة ظاهر النص المادي الحسي، دون المعنى الروحي المتضمن في النص. نوع من وثنية جديدة تكرس عبادة الحرف والصوت والصيغ الجاهزة منذ مئات السنين وطقوسية موروثة من عهود ما قبل التاريخ.

هناك مسألة أخرى لا بد من النظر فيها تتعلق بعدم اعتراف القائمين على دين من الأديان الكتابية بأي دين آخر وخاصة الدينين الآخرين. كيف يمكن للمرء أن يكون مؤمنا بإله كلي القدرة ثم ينفي عن هذا الإله القدرة أو الإرادة في بعث رسول أو نبي آخر برسالة لا تشوبها شائبة، رسالة مماثلة لتلك التي يؤمن بها أتباع الدين الآخر ولا يرى فيها أي تحريف؟ وهنا يجب أن نشدد على كلمة الآخر فهي الكلمة المفتاح لفهم هذه المسألة. وتحديدا الاعتراف بالآخر المماثل والمختلف في آن معا. لنرمز إلى ممثلي الأديان الثلاثة بالحروف A و B و C بدون أي ترتيب زمني أو غيره وذلك بغية التأكيد على استبعاد أي تمييز من أي نوع كان في نظر المراقب الموضوعي من خارج المظلة الدينية لأي من الأديان الثلاثة.

إنّ عدم اعتراف A بالآخر B ولا بالآخرC يُفقده اعتراف B وC به. وهكذا يفقد A كل مصداقيته في نظر كل من B و C . أمّا بالنسبة للمراقب الموضوعي من خارج مظلة الثلاثة، إذ لا ناقة له ولا جمل في هذه المسألة، فلا يسعه إلاّ أن يسجل موقف A الطفولي المراهق الذي يعتبر نفسه مركز الكون، موقف يحتاج إلى خطوتين ليبلغ سن الرشد. ما ينطبق على A يصح على B وC.
الخطوة الأولى تتمثل في الانتقال من القول: "أنا مركز العالم" إلى القول (وهذه عملية تطور ونضج في الوعي): " أنا مركز عالمي الخاص بي" ، أي أنا في مركز العلاقة التي تربطني بالعالم.
الخطوة الثانية تتلخص في القول: "كل من قال أنا، هو أيضا مركز لعالمه"، مركز للعلاقة التي تربطه بالعالم. هذه الخطوة هي اكتشاف الذات في الآخر رغم اختلافه، وقد لا يصل إليها كل إنسان أو كل ممجتمع.
وهكذا إنّ B و A و C في سلم وعي الذات يقفون عند الدرجة صفر حيث الشعار"أنا مركز العالم" وفقط. وهذا يعني عدم معرفة بالذات على حقيقتها وبالتالي استحالة الاعتراف بأي ذات للآخر. فالآخرون هم "الغوييم" ذوو النفوس الدنيا فهم دون الذات صاحبة النفس المنتقاة. وهذا ما يقوم في أساس كل أشكال العبودية والعنصرية التي عرفها التاريخ والتي ما زالت في الواقع الراهن ! وهذا ما تكرسه النظرة الدينية التي يمثلها كل من الثلاثة، والفكر الديني الذي يعلن عن توقفه عند نموذج معين أو عند درجة معينة من تطور الوعي الديني وكأنها هي الكمال مع أنها لم تكن أكثر من بداية مرحلة كغيرها من المراحل جمعت مما سبقها وأسست لما جاء بعدها، هذا الفكر الديني يجمد نفسه عند نقطة معينة ويريد أن يجمد العالم كله عندها فهو يقف ضد سنة الحياة وضد الإرادة الإلهية، ضد حركة التاريخ والزمن وينطبق عليهم قوله: تمنوا الموت إن كنتم صادقين!

ثم كيف يسمح الإله بأن يُحرف كتابه عند قوم وهو حافظه من التحريف والضياع والنسيان عند قوم آخرين؟ وفي كل الأحوال إنه في لوح محفوظ، فكيف السبيل إلى تحريفه؟
وماذا عن صدقية القائمين على هذا الدين أو ذاك في إيمانهم؟ هل هم صادقون في إيمانهم؟ هذا أمر لا يعرفه أحد غير الشخص المعني نفسه ويجب القول أيضا إنّه لا يعنينا البتة لأنه شأن خاص بين الشخص وذاته، بين الشخص وربه ولا سبيل لمعرفة أفكار وآراء الفرد منهم لأن الرأي واحد، إنّه رأي الجماعة أو المؤسسة أو الفرقة، الفرد ليس له وجود مستقل عن الجماعة. في غياب حرية التعبير، النفاق هو سيد الموقف. ويرافق النفاق الانفصام في الشخصية على كل المستويات من رأس الدولة إلى رأس العائلة. الخطاب الرسمي شيء والقناعات الداخلية شيء آخر! هذه "الامتيازات" لا يتمتع بها إلاّ الأنظمة العقائدية!
كيف تكون نشأة الطفل في ظل مثل هذه الأنظمة؟ إن التربية التي يتلقاها الطفل منذ نعومة أظافره تقوم على قمع كل خاطرة أو بادرة أو فكرة تخطر بباله وقد تتعارض مع الخطاب الرسمي ومع التلقين الذي يتلقاه الطفل في البيت وخارج البيت في المدرسة الدينية (تلمود،كاتشيسم، كتّاب). فيردد ويحفظ عن ظهر قلب ما يطلب منه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى بالموازاة مع هذا المسار في العائلة وحسب كل عائلة تختلف النسبة، هناك مستوى معين من اللغة والمواقف وردود الفعل الصادرة عن الأهل بعفوية ثم يخجل الأهل أنفسهم مما قالوه ولسان حالهم يقول: "ما كل ما يُفكر به يقال" وتحدد دائرة الأسئلة الممنوعة والمحظورات، المختلفة من عائلة إلى أخرى. فيتعود الطفل من صغره على أن يكون له شخصيتان أو أكثر، ذا وجهين أو أكثر: وجه في البيت للتعامل مع الأهل، ووجه في الشارع مع الأتراب، ووجه ثالث مع الجهات الرسمية (الإدارة والأساتذة في المدرسة، ولاحقا رؤساء ومرؤوسين مهما كان المنصب والمجال الذي يعمل به المرء). وقد تصل العادة هذه بالبعض حداً يجعل منه رقيبا على نفسه وعلى الآخرين. ولكن مهما كانت السلطة السياسية أو الدينية متسلطة واستبدادية فهي عاجزة عن التحكم بمصائر الملايين من البشر أو التحكم بضمائرهم إلى ما لا نهاية ، ولكن ما هي نسبة المتمردين في ظل هذه الأنظمة؟ وما هي نسبة المنافقين المزايدين على السلطة "الملكيين أكثر من الملك"؟ وكم يبقى للمؤمنين بالنظام وبعقيدته الرسمية؟ للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من دراسة كل حالة بمفردها. وقد يكون من المفيد والطريف الاستئناس بتجربة البلدان التي حكمتها أنظمة توتاليتارية بقوة الحديد والنار، وما آلت إليه الأمور في هذه البلدان!


06-09-2008, 08:35 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  جين الدين fares 10 2,948 07-23-2010, 11:31 PM
آخر رد: the special one
  وصدقت تنبأت نيوترال نبي جديد يوحد الأديان الثلاثة ولة سايت علي الأنترنت ليبرالي_مصري 24 6,181 01-27-2005, 05:21 PM
آخر رد: ليبرالي_مصري

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS