مقال مهم تم نشره هذا الشهر في دورية اللوموند ديبلوماتيك الفرنسية.



حسين آغا*
روبير ماليه**

هل سيتمكّن جورج بوش من تنفيذ وعده باتفاقٍ فلسطيني-إسرائيلي دون حماس وسورية

للحفاظ على مصداقيّة وعودها باتفاقيةٍ فلسطينية-إسرائيليّة قبل نهاية عام 2008، تُمَكِّن من إنشاء دولة فلسطينّيّة، تطرح إدارة جورج بوش الأمريكيّة مفهوم "اتفاقيّة الرفّ"، التي تبقى معلّقة حتّى تتحسّن الظروف. ولكن هذا الحلّ واقعيّ؟ بل ألا يطيح على العكس بآمال الحلّ بدولتين؟ وهل فعلاً يمكن الوصول إلى الحلّ دون، على الأقلّ، التوصّل إلى تسوية مع حماس، أو بشكلٍ أكثر طموحاً، ضمّ المسار السوري إليه.



في سنتها الأخيرة في الحكم وسنتها الأولى في الدبلوماسية الإسرائيلية-الفلسطينية، قدّمت إدارة بوش أحدث وأغرب فكرة لتحقيق السلام: فكرة "اتفاقية الرّف". منطقها بسيط: على رئيس الوزراء إيهود أولمرت والرئيس محمود عباس التوصّل إلى اتفاقية سلامٍ نهائية مع نهاية العام 2008؛ وفي نفس الوقت تقريباً، يصادق عليها الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني من خلال استفتاءات شعبية أو إنتخابات؛ وعند ذلك، يتمّ وضع الاتفاقية جانباً (على الرّف المذكور سابقاً) حتى تسمح الظروف بتنفيذها؛ لا جدوى من وضع أيٍّ من بنود الاتفاقية موضع التنفيذ فور التوقيع؛ ولا جدوى من أن تتضمّن برنامجاً توافقياً مع تواريخ للبداية والنهاية، وإنّما يتمّ اعتماد تطبيق بنود "اتفاقية الرّف" على تقييمٍ مستقبليّ للفرقاء بأنّ شروطاً معيّنة قد تحقّقت.

هذا المبدأ ليس صدفة، فقد تمّ تفصيله ليتلاءم مع الوضع الغريب لكلٍّ من عباس وأولمرت: فكلاهما في وضعٍ سياسيٍّ هشّ وبحاجة ماسّة لاستعادة شرعيّته؛ ففي حين يُفترض أنّهما يتمتّعان بأكثريّةٍ شعبية واسعة مؤيّدة لمعاهدة سلام، لا يستطيع أيٌّ منهما في هذا الوقت ترجمة الإتفاق إلى حقيقةٍ ملموسة. أضِف إلى ذلك رغبة الرئيس بوش بتحقيق إنجازٍ في نهاية ولايته، مما يوضّح أساساً من أين جاء هذا المفهوم الآن.

للكثيرين المقتنعين بأنّ ساعة الحلّ بتشكيل دولتين قد أزفّت، وأنّه يجب التحرك لإنقاذ التعبير العلماني للقوميّة الفلسطينية ضد الظاهرة الدينية، وأنّه يجب إعادة بعث إيمان قوى السلام على كلا الجانبين بأنّ الاتفاق ممكنٌ؛ يبدو ظاهريّاً أنّ هذه هي أفضل طريقة للمضي قدماً. فبالرغم من ضعفهما، يحتفظ عباس وأولمرت بقدرتهما على توقيع ورقة، أيّ كانت. وبالرغم من صعوبة الموقف، ما زال الشعبان يتوقان لمساومةٍ عادلة. ومهما طال الوقت قبل وضع الاتفاق قيد التنفيذ، فمجرّد التوصل إليه ومنحه شرعيّةً على المستويات المحليّة والإقليميّة والدوليّة يعني على الاقلّ تأمين وتحسين عناصر الإتفاق.

هل ستنجح هذه الحيلة؟ وإن نجحت ما هي قيمتها؟ سيتابع عباس وأولمرت وبوش بحثهم عن "اتفاقية رفّ"، ومن يعلم، قد يحققوا هدفهما. ولكن ماذا سيحصل في حال توقيع اتفاقية من دون أن يلحظها أحد؟

الاتفاقات الفلسطينيّة-الإسرائيليّة بين السياق والمضمون

يشكّل مضمون الاتفاقيات الإسرائيلية الفلسطينية عاملاً مهمّاً ولكن غير كافٍ في تحديد ردّة الفعل الشعبية لدى الطرفين. فقد كان مشروع الأمم المتحدة للتقسيم في العام 1947 قد أعطى الفلسطينيين أكثر من أيّ اقتراحٍ حالي؛ لكنّهم رفضوه لأنّهم في ذلك الوقت كانوا يشكّلون الأكثرية ويتحكّمون بمعظم فلسطين الانتداب. ويقرّ معظم الفلسطينيين بأنّ اتفاقيات أوسلو في العام 1993، كانت في أحسن الاحوال اتفاقات سيّئة سيرفضها الكثيرون إذا عرضت عليهم اليوم؛ فهي لم تتطرّق لا إلى مشروع الدولة، ولا الإستقلال، ولم تحدّد الحدود أو مصير القدس، ولم تلحظ أي إجراءٍ لإيقاف الاستيطان. ولكنّها في الزمن والظروف التي أنجزت فيه، قد تمّ اعتبارها، وعلى نطاقٍ واسعٍ في كلٍّ من الضفة الغربية وغزة، إحدى إنجازات ياسر عرفات التاريخية. المضمون مهمٌّ جداً، ولكن ربّما ما هو أكثر أهميّةً، هو السياق.

قد يكون سياق الأحداث اليوم- السياسي والعملي، والأهم من ذلك، النفسي- هو ما يدفع عباس وأولمرت لإيجاد حلّ؛ ولكنّه أيضاً ما قد يقضي عليه. بالتأكيد لا يملك عباس و أولمرت السلطة الضرورية أو الدعم الشعبي للتفاوض على اتفاقيةٍ تاريخية. فقد تلطّخ إسم أولمرت في حرب 2006 في لبنان ومن جرّاء تقرير فينوغراد في كانون الثاني 2008. وفي حين استمرّ في منصبه، بقي محطّماً سياسيّاً ويفتقد الشرعيّة المطلوبة لفرض اتفاقية لتقسيم القدس أو الانسحاب من معظم أراضي الضفة الغربية. أما عبّاس فقد تضرّر من تفكّك حزبه "فتح"، والانقسام بين فتح وحماس، وفقدانه السيطرة على قطاع غزة منذ هيمنة حركة حماس عليه في حزيران 2007، ومن الاتهامات بأنّه ينفّذ الرهانات الأميركية والإسرائيلية في حربها ضدّ الإسلاميّين. فهو يتكلّم كرئيسٍ لسلطة فلسطينية وقائدٍ لمنظّمة تحرير، كلاهما فارغتا المحتوى. فبالكاد تقوم هذه الألقاب المرموقة بالتغطية على سلطته المعدومة. لذلك سيجد هو أيضاً صعوبةً في المساومة على حقّ اللاجئين بالعودة أو على القدس.

كذلك سيبقى مصير المفاوضات إلى حدٍّ كبيرٍ مرتبطٌ بقرارات حماس. إذ يمكن لحماس، بمتابعة مسارها بالمقاومة وتصعيد هجماتها الصاروخية ضد أهدافٍ إسرائيلية ، تعطيل مسار المحادثات كما أظهرته الأسابيع الأخيرة. وسيضطرّ أولمرت تحت الضغط لإيقاف المفاوضات، في حال لم يتمكّن عباس من إيقاف العنف المتصاعد. كما سيؤدّي الردّ الإسرائيلي الواسع النطاق، مع ما سينتجه من خسائرٍ حتميّة في صفوف المدنيين، إلى إضعاف موقف عباس وتعريضه لانتقادات عنيفة. فكم من الوقت سيمرّ قبل انهيار المفاوضات في وجه إراقة الدماء الفلسطينية والإسرائيلة؟ وليس العنف هو خيار حماس الوحيد، كما ظهر عندما انهار الحائط الفاصل بين غزة ومصر.

حتى ولو افترضنا أنّ بإمكان عباس وأولمرت تخطّي الضعف السياسي، وغضّ النظر عن استفزازت حماس وتوقيع اتفاقية، فماذا بعدها؟ إذ بالنسبة لمعظم الإسرائيليين والفلسطنيين ستجد "اتفاقية الرف" مكانها إلى جانب سلسلة الإتفاقيات غير المطبّقة، ابتداءً من اتفاقية أوسلو وصولاً إلى خارطة الطريق. وسيكون توقيع الاتفاقية بالنسبة للإسرائيليين موازياً لاعترافٍ بسلطة فلسطينية غير قادرة على السيطرة على أراضيها، أو التحدّث باسم أغلبيّة شعبها، أو كبح المناضلين العنيفين، أو إيقاف إطلاق الصواريخ. أمّا الفلسطينيون فسيرونه كفقدانٍ لأقدس حقوقهم مقابل وعودٍ مشكّك بها لأنّ تنفيذها يعتمد على حسن نوايا الخصم. هكذا سيؤدّي التناقض بين الكلمات المنمّقة والحقيقة القاسية إلى تعميق الشك والتهكّم، لدى الطرفين.

والأسوأ من ذلك هو أنّ الإتفاق الذي لا ينفّذ قد يؤدّي إلى إضعاف أيّ دعمٍ للأفكار القيّمة التي يمكن أن يجسّدها؛ وسيكون لدى نقّاد هذا الإتفاق أهدافاً كافية يصوّبون عليها، بما أنّ التنازلات ستكون واضحة ليراها الجميع؛ ولن يكون هناك سوى القليل ليشيد به الداعمون، بما أنّ التنفيذ سيؤجل. هكذا ستبدو الخسائر ملموسةً أكثر من المكاسب؛ وسيكون تحميس المعارضين في كلا الطرفين أسهل من تحريك المناصرين.

ولا تبدو إدارة بوش الداعمة "لاتفاقية رفّ" قلقة حول إمكانية فشل الاستفتاءات حول هذا الاتفاق لدى الفلسطينين أو الإسرائيليين، أو كلاهما. ولكنّها يجب ربّما أن تقلق. فعلى الجانب الفلسطيني، ستأتي المعارضة من الجماعات الإسلامية بالتأكيد، وعلى الأرجح من المنظّمات اليسارية وقوى الرفض ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك من شرائحٍ كبيرة من منظّمة فتح والمستقلّين. فقد أدّى تحالفٌ أقلّ أهميةً إلى تولّي حماس السلطة في العام 2006. وقد تكون ردّة الفعل الإسرائيلية أيضاً سلبيّة من جرّاء العنف الفلسطيني المستمرّ وقلّة ثقتهم بقدرة نظرائهم على تنفيذ الاتفاق. هكذا، في الحالتين، قد تؤدّي الظروف السياسية المحيطة بالاتفاق إلى رفضه. وما معنى ذلك؟ هو أنّ مشروع تحقيق حلٍّ بإنشاء دولتين سينهار معه. وفي النهاية، إنّ أكثر الضربات ضرراً لاتفاقٍ دائمٍ وثابتٍ على أساس دولتين هي الاستعجال بأيّ اتفاقٍ كان.

التوقيت هو مصدر تعقيدٍ آخر. إذ سيأتي أيّ إتفاقٍ في موعدٍ قريبٍ من انتخابات، وربّما لكلا الطرفين. وإذا استلمت سلطة جديدة في أحد الطرفين، لا يبدو واضحاً أنها ستتقيّد بإلتزامات سالفتها. إذ عمليّاً، أدّى كلّ تغييرٍ في الحكومات الإسرائيلية إلى تحدّي وإعادة التفاوض حول اتفاقاتٍ سابقة مع الفلسطينيين. فعندما استلم الحكم، لم ينسحب رئيس الوزراء شمعون بيريز من الخليل كما تمّ الاتفاق عليه مع إسحق رابين؛ وقد شكّك رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو باتفاقيات أوسلو وفاوض على اتفاقية واي؛ كما نكس رئيس الوزراء باراك باتفاقية واي؛ وأظهر رئيس الوزراء شارون اهتمامً ضعيفاً بالتفاهمات السابقة.

أما الوضع الفلسطيني فهو مختلف؛ لكن هذا ليس مدعاةً للارتياح. إذ لا يشترك الفلسطينيّون في خبرة التغيير المستمرّ لمواقفهم، لأنّهم ليسوا خبيرين بتغيير القادة بانتظام. لكن هذا يمكن أن يتغيّر. فمع عدم ثبات سياساتهم، يمكن للفلسطينيين أن يختاروا قادةً يسائلون بدورهم الاتفاقات السابقة، خاصّةً إذا تطرّقت إلى معتقدات أساسيّة، وكانت مبعثاً للجدال ودون مشروعيّة، كما ستكون حال أيّة "اتفاقية رفّ".

وفي الظروف الحالية، سيشكّك الإسرائيليّون بأنّ الاتفاق لا يعكس المشاعر الجماعية للفلسطنيين. وستشكّل خطوة صمّمت أصلاً لاسترضاء حليفهم الاميركي، وإنقاذ شريكهم الفلسطيني، وإنعاش رئيس وزرائهم، صفعةً من الانتهازية السياسية. فما يريدونه، ولن يحصلوا عليه في ظلّ هذه الظروف، هو قبول الفلسطنيين بالوجود الإسرائيلي ضمن حدود 1967، لا كأمرٍ تكتيكيّ أو قابلٍ للعكس، بل كالتزامٍ استراتيجيٍّ ودائمٍ. فلماذا يُلزِم الإسرائيليّون أنفسهم بالتخلّي عن مكاسبٍ ماديّة، مقابل وعودٍ قد يتضِح لاحقاً أنّها زائفة؟

كذلك، سيرى الفلسطينيّون الاتفاق كخيبة أملٍ وتخلّي، أكثر من إنجاز. وهم يدركون مدى ضعفهم وانقسامهم، واعتماد حركتهم الوطنية على حسن النوايا الأجنبية: على الولايات المتحدة للمساعدة الأمنيّة، وعلى جيش الدفاع الإسرائيلية للإبقاء على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وعلى باقي الكرة الأرضية للمعيشة. هم يسمعون ذلك بصوت جورج بوش، عندما يدعو إلى الحلّ كخدمةٍ للفلسطينيين "المُصلَحين"، وكوسيلةٍ لهزم حماس وكبح القوى الراديكاليّة في المنطقة. كما يشعرون بالأمر في موقف أولمرت عندما يحتضن الدولة الفلسطينية كحلٍّ لمشكلة إسرائيل الديموغرافية، بدلا ً من كونها تحقّق الطموحات السياسيّة الفلسطينية. يرونها في مواقف هذين الرجلين المتعالية، التي لا تحترم حركة وطنية فقدت أصلاً احترامها لنفسها، وتستمرّ فقط بفضل رأفة داعميها الأجانب وظلّ مؤسسها الراحل.

كان ياسر عرفات وحده، بعصفه وشجاعته، يستطيع جعل النكسات الفلسطينية، كمساومات أوسلو، تبدو انتصارات. أمّا السلطة الفلسطينية الحالية، المهزومة والواهنة، فيمكنها حتّى أن تجعل إنجازاً، كولادة الدولة، يبدو وكأنّه خسارة. ومرّة أخرى، لا يهمّ مضمون الاتفاقية. بل ما يهم هو كيف يتمّ الإحساس بالنتيجة: كانتصارٍ لمحاربين في سبيل الحرية، أو كعزاءٍ لمهزومين.

فبالنسبة للكثير من الفلسطنيين، لم تكُن الدولة يوماً هدفاً نهائياً، ناهيك عن جائزةٍ مبجّلة. إذ جاء القبول بقيام الدولتين متأخّراً، وبتردّد، وفقط بعدما أقنع عرفات شعبه، من خلال مسارٍ سياسيّ طويلٍ وصعب، بأنّ هذا الإنجاز يستحقّ التهليل. وقد استغرق الأمر لعرفات خمسة عشر عاماً، منذ 1973 عندما اقترحه لأوّل مرّة بين الفلسطينيين، وحتى العام 1988 عتدما تمّت الموافقة عليه بقرارٍ من المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، وذلك لشرعنة الفكرة وتحويل وضعِها من فعل خيانة إلى ذروة نجاح الحركة الوطنية الفلسطينية. فحتّى حينها، كانت الدولة تعني أموراً أكثر سماويّةً: التحرير، وتقرير المصير، والكرامة والإحترام.

أمّا اليوم، فسيكون حلّ الدولتين أقلّ من ذلك بكثيرٍ. إذ سُلِبَ منه كلّ ما له قيمة. وسيراه الفلسطنيين كهديّةٍ مُنِحَت، بدل عن حقٍّ أخذ بالجهد. إذ أن داعميه الثلاث المتحمّسين هم الأقلّ شرعيّة: إسرائيل التي، كما يقول رئيس وزرائها، "ستنتهي" إن لم يكن هناك دولة فلسطينية؛ والولايات المتحدة التي تحاول جاهدة تحقيق "رؤية" الرئيس؛ وتلك الشريحة الضيّقة من النخبة الفلسطينية الطفيلية التي تستفيد كثيراً من السلطة الفلسطينية، ولا تتوقّع أقلّ من ذلك ممن سيخلفها.

ويمكن تحسين زخرفة "اتفاقية الرف" هذه، ومعها إمكانيات نجاحها. فخلال الوقت الذي ستمضيه على الرف، تلك الفترة القاتلة بين التوافق والتطبيق، يمكن تسريع الأمور مع بناء وتدريب قوى أمن فلسطينية أو إدخال قوات دولية. ويمكن لكلا الطرفين اتخاذ خطوات تعطي شعوراً ملموساً بالتقدّم من خلال تنفيذ ما قد يسمّى بخطة طريق. فيمكن للفلسطينيين تقوية قدراتهم الأمنية، وبذل مجهودٍ أكبر لإيقاف الهجمات على إسرائيل. كما تستطيع إسرائيل إطلاق سراح أعدادٍ كبيرة من المعتقلين الفلسطينيين، وإزالة بعض حواجز الطرق والمستوطنات الأمامية، وإصدار قانون يؤمّن تعويضات للمستوطنين الذين يرغبون بمغادرة منازلهم طوعاً. ويمكنها حتّى إعادة مركزة بعض فرقها العسكرية إلى خارج الضفة الغربية وتسليم أراضٍ إضافية للفلسطينيين.

لكن هذه الإجراءات هي ربّما غير مناسبة، وغير قابلة للتنفيذ. إذ أنّها لا تعالج المعضلات التي تطرحها حركة حماس، وهشاشة سلطة القيادة الفلسطينية الحالية، أو ضعف النظام السياسي الإسرائيلي. وهي تفترض رغبة إسرائيل بتقديم ليس تسويات سياسية فقط، بل أيضاً تنازلات عمليّة. ولكنّ إسرائيل، بالرغم من التزاماتها، ورغم الضغط الأميركي والمناورات الرمزية، لا ترغب في تحسين الأوضاع في الضفة الغربية. إذ أنّ دوافعها للقيام بهذا الأمر تتبخّر، مع أو بدون "اتفاقية رف".

وبين جميع عناصر "اتفاقية رف"، يبدو موضوع إدخال قوات دولية هو أكثرها إثارةً، لأنّه بإمكانه ملؤ الفراغ بين التوقّعات الإسرائيلية والأداء الفلسطيني. ولكنّ قد يكون تحقيقه أيضاً هو الأصعب. إذ يتساءل المرء إن كانت إسرائيل تثق بالجيوش الدولية، خاصةً بعد تجاربها مع قوّات الأمم المتحدة في لبنان؛ وأين يمكن إيجاد هذه القوّات ضمن منظور الفشل في العراق والغزوة غير المنتهية في أفغانستان، وخاصةً إذا كانت هذه القوّات ستواجه بيئةً عدائيةًً مع معارضة حماس والجماعات النضاليّة الأخرى.

لا مسار سلام بدون حماس

هناك مساران بديلان قد يحسّنان فرص اتفاقٍ سياسيّ إسرائيلي-فلسطيني قابل للتنفيذ. الأوّل هو أكثرهما تواضعاً، ويبدأ بالإدراك أنّ المواجهة الإسرائيلية-الفلسطينية الثنائية قد انتهت، إذ أنّها أصبحت لعبة ثلاثية الأطراف مع دخول حماس فيها.

إذ لا يمكن للسلطتين الفلسطينية والإسرائيلية إحراز أيّ تقدمٍ في اتفاقية السلام، إذا ما قرّرتا استبعاد حماس. ويمكن للإسلاميين اللجوء للعنف، أو القيام بحملة لحجب الشرعيّة عن عباس وعن أي إتفاقٍ يقيمه، أو منع قيام استفتاء موثوق في غزة، التي يحكمون السيطرة عليها، وكذلك في الضفة الغربية، حيث يتمتّعون بنفوذٍ كبير. وطالما بقيت حماس مستبعدة، وطالما يُرجى من محادثات السلام تهميشها، ستدرك حماس أنّ وجود تحالفٍ بين عباس وإسرائيل يشكل تهديداً لوجودها، وستكون ردّات فعلها على هذا الأساس.

يمكن أن تكون الخطوة الأولى هي إعادة اللحمة بين فتح وحماس، ما يتضمّن إنشاء حكومة وحدة وطنيّة في غزة والضفة الغربية، وإدخال حماس نهائيّاً في منظمة التحرير فلسطينية بعد إصلاحها، ودمج جناحها العسكريّ في البنية الأمنية للسلطة الفلسطيينية. هكذا يمكن لميثاق وحدة وطنية مع حماس أن يمنح عبّاس شرعيّةً كرئيسٍ لمنظمة التحرير الفلسطينية وللسلطة الفلسطينية، والقدرة على المفاوضة باسم شعبه على اتفاقيةٍ لوقف إطلاق النار وعلى العمليّة السياسية مع إسرائيل. ويمكن لحماس أن تلتزم مسبَقاً بالسماح بإقامة استفتاءٍ شعبيّ حول أيّة اتفاقية، والالتزام بنتائجه. وقد لا تكون حماس مستعدة للإعتراف بإسرائيل، لكن يمكنها تقبّل التعايش معها.

ليست حماس بقادرة على فعل هذا فقط؛ بل أنّها قد صرّحت سابقاً، وبالرغم من خطاباتها العنيدة، أنّها مستعدّة على القيام به. ويجب على عباس لا أن يجد هذا مقبولاً فقط، بل أيضاً أن يجده مألوفاً. فقد كان هذا حدسه الأوّل، والخلفية التي قَبِلَ على أساسها مشاركة حماس في إنتخابات 2006: دمج الحركة الإسلامية لدخول النظام السياسي، وإعطاءها حصّة ً في الحكم وإشراكها في عملية السلام، وهذا كلّه تحت قيادته.

ويمكن أن يتبع ذلك مفاوضات حول وقفٍ متبادلٍ لإطلاق النار بين حماس و إسرائيل، وإنهاء حصارغزة، وتبادلٍ للأسرى. ولأنّ عباس سيدير هذه التحرّكات كجزءٍ من اتفاقه مع حماس، ولأنّه لن تكون لحماس سيطرة حصرية على قطاع غزة، يجب أن يزول كلّ قلقٍ لعباس تجاه حدوث أي تقدّمٍ للإسلاميين على حسابه.

وأخيراً، يجب أن تكون الخطوة الثالثة هي تسريع مفاوضات السلام بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي. إذ أنّه، مع انقسام الفلسطينيين ونبذ حماس، تملك الحركة الإسلامية كل الحوافز لنسف أي اتفاق، وإظهارعدائيتها له. وفي المقابل، وإذا أصبحت حماس جزءً من النظام السياسي، سيكون لديها شيئاً تخسره في حال زعزعته. ولا يعني هذا أنّ المعارضة الإسلامية لن ترفض عقد اتفاقٍ مع إسرائيل، ولكن وسائلها للتعبير عن ذلك ستكون مقيّدة. فهي ستقوم بحملة فاعلة لرفض الاتفاق، لكنّها ستسمح بإجراء الاستفتاء وسترضخ لنتائجه، ولو بتردّد.

سيكون موقع عباس أقوى مع تفويض من حماس، ولن تكون شرعية المفاوشات موضع جدل. كما سيمنح إدخال حماس إلى نظامٍ سياسيّ فلسطينيّ متناغم السلطة الفلسطينية قدرةً أكبر على التعامل مع التحديات الأمنية، وبذلك ستتحسن فرص وضع الاتفاق قيد التنفيذ.

لقد بدأت المحاولة لتحقيق معظم هذه الأمور. فقد عملت مصر مؤخّراً لتتوسّط بين إسرائيل وحماس سعياً لتحقيق وقف إطلاقٍ للنار. وتحتضن اليمن محادثات بين فتح وحماس لمحاولة تحقيق توافقٍ بين الطرفين. لكنّه حتى الآن، لم تنجح أيٌّ من هذه التدخلات. بل كانت بعض المساعي فاترة؛ إذ أنّ المعارضة الأميركية والإسرائيلية للوحدة الفلسطينية عنيدة، والتباينات بين الأطراف تبقى حقيقية. ويتطلّب النجاح إدراك أميركا وإسرائيل والفلسطينيين بأنّ الانقسام بين فتح وحماس ليست شرطاً لتحقيق معاهدة سلام، بل هي عثرة تضعف إمكانيات تحقيقها.

الحلّ الطموح هو ربط المسارين الفلسطيني والسوري

وإذا كان كسب حماس هو أكثر الحلّين اعتدالاً، فإن الحلّ الطموح يقضي بدمج سورية بالأمر. في السابق، كان العمل بشكل آني على المسارين السوري والفلسطيني يُعتبر أمراً خطيراً وغير عمليّ. وقد جادل الكثيرون بأنّ إسرائيل لا تستطيع معالجة المفاوضات مع الطرفين في الوقت نفسه؛ وحذّر آخرون بأنّ المفاوضات مع سورية ستؤدّي فقط إلى الإلهاء عن محادثات أكثر أهميّةً مع الفلسطينيين. وأصرّ عرفات على اعتقاده بأن الإتفاق بين سورية وإسرائيل سيأتي حتماً على حساب الفلسطينيين. ولكن هل هذا هو الوضع اليوم؟

سيواجه أيّ مسار سلامٍ فلسطيني- إسرائيلي يتجاهل سورية عوائق كبيرة. أولاً لأنّه، في ظلّ إصرار العرب على تحقيق سلام شامل، يؤدّي غياب سورية إلى إستحالة تحقيق إسرائيل علاقات طبيعية مع جيرانها. تملك إسرائيل دوافع اخرى للتوصّل إلى إتفاق مع الفلسطينيين: فهي تريد أن تضع حداً للعنف، وأن تواجه التهديد المستقبلي في إمكانية أن يفوق العرب الإسرائيليين عدداً في إسرائيلَ كبرى تضمّ غزة والضفة الغربية. لكن قلّةٌ من الإسرائيليين يعتقدون بأنّ اتفاقاً مع الفلسطينيين وحدهم سيجلب الإستقرار. أما بالنسبة للجدل الديموغرافي، فقد يكون محقاً، ولكنّه سيبقى نظريّاً لبضعة سنوات على الأقل. هكذا فمن غير المحتمل أن تقتنع إسرائيل بإتخاذ الخطوة الواضحة والمكلفة وهي الإنسحاب من الأراضي، ونقل عشرات الآلاف من المستوطنين، والمخاطرةبنشوء ثورةٍ محلية. وفي المقابل، ولأنّها تعد بتقديم أكثر من ذلك، فإنّ سلاماً شاملاً يضمّ سورية قد يبرّر هذه المجازفة، والقيام بتلك التنازلات.

ثانياً، قد يمنع تأثير سورية على المجموعات النضالية الفلسطينيين من تأمين أمنٍ حقيقي، الذي من دونه يجب الضغط كثيراً على إسرائيل "للتنازل عن أراضٍ جديدة".

ثالثاً، بإمكان سورية حرمان السلطة الفلسطينية من الدعم الضروريّ لها من الدول العربية الاخرى. إذ أنّ هناك بعض القرارات التي لا يستطيع الفلسطيينيون إتخاذها لوحدهم: الوضع النهائي للقدس وأمكنتها المقدسة هو أحدها، وحلّ قضية اللاجئين هو الآخر. فالأوّل يتطلّب مصادقة عربية وإسلامية؛ أما الثاني فيتطلّب تعاون الدول العربية مع الأعداد الكبيرة للاجئين الفلسطينيين. فكّلما ضعفت السياسات الفلسطينية، كلما إزدادت الحاجة للدعم العربي، والسوري منه بشكلٍ خاص. قد يبدو التركيز على دور سورية في هذه المرحلة غريباً. لأنّ نظامها يبدو معزولاً على المستويين الإقليمي والدولي؛ وهي تواجه وضعاً إقتصادياً صعباً؛ ولديها مشكلة طائفيّة داخليّة؛ ولها علاقات مضطّربة مع ما يسمى "التكتّل العربي المعتدل" الذي يشمل مصر والأردن والسعودية. ويعتبر الكثيرون أنّه إذا ما كان هناك من فريقٍ عربيّ، سيلعب دوراً أساسياً في المنطقة، ويساعد على إنجاح الإتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي، فمن المؤكد أنّه سيكون هذا "التكتّل".

لكن هذه صورة هي جزئية فقط. إذ لم يحدّد أعضاء "التكتّل العربي المعتدل" استراتيجية متناسقة وذات مغزى تجاه إيران؛ كما انّهم غائبون فعلياً عن العراق؛ ولم يتمكّنوا من تحقيق إرادتهم في لبنان. بل برهنوا عن عدم قدرتهم على استخدام تأثيرهم حتّى على السلطة الفلسطينية من أجل تحقيق التوافق بين حماس وفتح، أو النصر لطرفهم المفضّل. ويبقى مستقبل مسار أنابوليس الدبلوماسي الذي يدعمونه غير واضح الملامح. في هذه الأثناء، تملك سورية على الأقل استرتيجية تحالف واضحة مع إيران؛ ولها علاقات جيدة مع الحكومة العراقية، ومع المعارضة والمتمرّدين على حدّ سواء؛ وتدعم أكثر القوى نفوذاً على الأرض في لبنان؛ وتؤمّن المساعدة للمعارضة الفلسطينية والمجموعات الإسلامية دون التخاصم مع عباس؛ كما أنّه ليس لديها الكثير لتخسره في حال فشل مسار السلام الحالي. لذلك تبقى سورية، بالرغم من مشاكلها وبغضّ النظر إذا كانت تُفسد جهود الآخرين أو تدعم مصالحها، حاضرة بشكلٍ مباشر وعلى عدّة جبهات، أكثر من مصر أو الأردن أوالمملكة العربية السعودية.

وقد ولّد النقاش حول المضي بإتفاقٍ سوري-إسرائيلي الكثير من سوء الفهم. حيث يقول المدافعون عنه أنّ دمشق قد تقطع علاقتها مع إيران وحماس وحزب الله، كجزءٍ من اتفاقية تستعيد من خلالها هضبة الجولان. ويعترض معارضوه، أن لا فائدة من اتفاق، لأنّ سورية لن تتّخذ هذه الخطوات. لكنّ كليهما لم يصيبا الهدف. فمن غير الوراد أن تقطع سورية علاقةً دامت ثلاثين عاماً مع طهران، أو أن تتخلّى عن حليفها اللبناني ومصدر نفوذها الأوّل في ذلك البلد، أو أن تترك لمصيرهم شركائها الفلسطينيين في منظّمة التحرير الفلسطينية والجماعات الإسلامية. إذ رفدت هذه العلاقات المبنيّة عبر السنين مصالح سورية الاستراتيجية والسياسية على مجموعة كبيرة من القضايا الإقليمية، يشكّل الصراع الإسرائيلي واحدة منها فقط: العراق ولبنان وتركيا والخليج، بالإضافة إلى قضايا إقتصاديّة واستخباراتية. لن تضحّي سورية إذاً بنفوذها في المنطقة من أجل اتفاقٍ مع إسرائيل، أو من أجل فرصٍ غير أكيدة لإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة.

ولكن هل يعني هذا الخيار السوري أنّ الاتفاقية لا تستحقّ المتابعة؟ لقد حافظت مصر، بعد اتفاقيّة السلام مع إسرائيل، على روابطها مع منظّمة التحرير الفلسطينية التي كانت مزدراة من الجميع في حينها؛ بل أنّ المنظمة هي التي فسخت علاقتها بمصر وليس العكس. وبعد ثلاث سنوات، ذهب عرفات إلى مصر بعدما طٌرد من بيروت في العام 1982. وأمّنت مصر الدعم السياسي والدبلوماسي له ولمنظّمة التحرير في ذروة الإنتفاضة في أواخر الثمانينات. كذلك، بعد تأسيس علاقاتٍ مع إسرائيل، حافظت الأردن على روابطها مع حماس، واستقبلت زعمائها في ذروة حملة التفجيرات الإنتحارية في منتصف التسعينات. وقليلون فقط يتذكرون اليوم أنّ الملك حسين هو الذي أنقذ حياة زعيم حركة حماس الحالي خالد مشعل، أو أنّه أصرّ على إسرائيل أن تطلق سراح مؤسس حماس المعتقل حينها الشيخ أحمد ياسين.

لن تقطع سوريا إذاً علاقاتها مع حلفائها، ولكن يمكن لها أن تتحرّك بأساليب أكثر حذاقةً. فليس أيّاً من حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي فقط أداة بيد سورية؛ لكنّهم يعتمدون على دعمٍ حيويّ من دمشق ويمكنهم قراءة الخريطة الإقليمية. هم اليوم يشعرون بأنّ الرياح تدفع أشرعتهم؛ كما يستشعرون الجوّ الشعبي الرافض، ويؤمِنون أنّه بإمكانهم، مع المساعدة السورية والإيرانية، الإبحار بإتجاه أهدافهم. ولكن استئناف المفاوضات الإسرائيلية-السورية والتوصّل إلى إتفاق فعلي، سيبعثان إشارات أكيدة بتغيّر وجهة الرياح، والخريطة الإقليمية، وبأنّ العمق الاستراتيجي يضيق. وتعرِف سورية أنّه، في حال تحقيق معاهدة سلام، عليها الضغط على حلفائها المناضلين والتوقّف عن دعم نشاطاتهم العسكرية. عندها سيكون من المحتّم على حماس وحزب الله وحركة الجهاد الإسلامي إعادة النظر في خياراتهم. ومن غير المحتمل أن يقوموا بتعديل إيديولوجياتهم، لكنهم سيرغمون على تغيير سلوكهم، وهو أكثر الحلول عملانيّةً.

ما ينطبق عليهم ينطبق أيضاً على إيران. فستحتاج إيران لتعديل علاقتها مع دمشق ومقاربتها للصراع العربي–الإسرائيلي، لأنّها كانت تصرّح بإستمرار أنّها ستقبل بأيّ إتفاقٍ تعقده سورية. وقد تختار متابعة نزاعها مع إسرائيل، لكن سيتوجّب عليها المتابعة بأساليبٍ مختلفة. إذ عندها سيصبح من الصعب دعم المواجهات العسكرية من خلال فرقاءٍ آخرين، لأنّ سورية لا يمكنها السماح بذلك، ولأنّ إيران لا تستطيع إغضاب سورية في قضيّة بهذه الأهمية. لدى الدولتين الكثير من الرهانات المشتركة، لذلك على الارجح سيدوم تحالفهما. ولكن، مثل المجموعات النضاليّة التي تدعمها، ستنجبر طهران على التأقلم مع الظروف الجديدة. لذلك سيصبح بإمكان سورية توجيه إيران نحو الاعتدال، بدل أن تقوم إيران بتوجيه سورية نحو الأصولية. وعندما تنحسِر حدّة الصراع الإسرائيلي-السوري، سيشتدّ التوتّر بين سورية وإيران، بدلاً من أن تزول: حول مستقبل العراق، مثلاً، أو لبنان. قد لا يكون هذا الأمر مثالياً. لكن، بعد قول كلّ شيء، سيكون التأثير الإيراني في سورية، بعد قيام اتفاقٍ مع إسرائيل، أضعف بكثير من تأثيرها في العراق بعد الغزو الاميركي.

وإذا كانت هذه الفرصة تبدو بعيدة المنال، فلنأخذ العبرة من سوابقها. إذ حافظت الأردن، بعد التوصّل إلى سلامٍ مع إسرائيل، على روابطها الوثيقة بعراق صدّام حسين، وبالتأكيد، أكثر من أيّ دولة ٍ عربيةٍ أخرى. ولم تكن هذه بمداعبة غير مؤذية: إذ كان يُشتبه بأنّ صدّام يطوّر أسلحة دمار شامل؛ وكان قد هدّد بإحراق إسرائيل؛ وكان، قبل عدّة سنوات، قد أطلق صواريخ عليها. هكذا قد لا ينظر الإسرائيليّون إلى بشار الأسد كملك حسينٍ ثانٍ؛ ولكن بإمكان الدول العربية تحقيق سلامٍ مع إسرائيل والحفاظ على علاقات متقلّبة ظاهرياً مع أعدائهم اللّدودين. ففي النهاية، يمكن لمنطق الدولة أن يكون أكثر موثوقيّة من الثقة المطلقة.

وإذا ما توصّلت إسرائيل وسورية إلى اتفاقيّة سلام، فلن تتغيّر التحالفات الإقليمية بشكلٍ جذريّ، أو بين ليلةٍ وضحاها. ولن تختفي التهديدات التي تواجه إسرائيل، كما لم تختفِ بعد الإتفاقات مع مصر والأردن، أو كما أنّها لن تختفِ بعد التوافق مع الفلسطينيين. وقد يحارب الكثيرون ضدّ التغيّرات، لكنّ هذه التغيّرات ستكون ملحوظة وأوسع من كلّ الحالات الأخرى. سيكون على سورية إعادة تقييم مواقفها، مما سيجبر إيران على القيام بالمثل، وكلاهما سيجبران المجموعات النضاليّة اللبنانية والفلسطينية على الحذو حذوهما. لا يوجد هناك نتيجة مضمونة؛ ولكن قد ينبثق عن إعادة التقييم المشتركة هذه قراراً جماعياً بالإبتعاد عن العنف والمواجهات المسلّحة.

الاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي: استراتيجيّة واقعيّة أم مطاردة أوهام

في الوقت الحاضر، لا تكمن المشكلة فقط في عدم إيمان الإسرائيليين والفلسطينيين بإمكانية التوصّل إلى اتفاق، بل هي في عدم اكتراثهم للأمر. إذ أنّهم قد اعتادوا هذه الأوضاع إلى درجة عدم اكتراثهم للحلول المحتملة والموعودة والمؤجّلة بشكلّ لا نهائي. دولةٌ فلسطينية، وحدودٌ نهائية معترفٌ بها، وقدسٌ مقسّمة: كلّ هذه أفكارٌ لم تعُد تثير أيّ حماسة، إن كان مع أو ضدّ، بل تثير التأوّهات المشكّكة. هكذا هناك أمرٌ أسوأ من فقدان الإيمان بقيام دولتين، وهو فقدان التّوق إليه.

ويتحوّل التركيز بدلاً من ذلك نحو مسائل محلية وإقليمية. حيث تفتقد الحركة الوطنية الفلسطينية إلى التماسك، وإلى برنامجٍ سياسي، وإلى مركزٍ شرعيّ للسلطة بعد أن كانت هي المناضلة العنيدة لقضيّة تناساها الآخرون؛ فما يشغل الفلسطينيين الآن هو الصراعات الداخليّة، إن كانت ضمن حركة فتح، أو بين فتح وحماس. ومن جهتهم، فقد الإسرائيليون الأمل من أي نتيجةٍ من الفلسطينيين، وأصبحوا يتخبّطون مع شياطينهم الداخليّة: كفاءة إتخاذ القرارات على أعلى مستوى، ومستقبل الجيش، والإنقسام بين المتديّنين والعلمانيين، والتساؤل حول كيفية التعايش مع أقليّةٍ عربية أكثر نضوجاً ووعياً بووجودها.

وتلوح عوامل إقليمية أخرى في الوقت نفسه. إذ أصبحت السياسات الفلسطينية أكثر هشاشةً أمام جهود القوى الأجنبية لتمويل وتسليح والتأثير على المجموعات المحليّة. كما تُلقي المعركة بين من يدعوا الأصوليين والمعتدلين بثقلها. ويطغى إحساس إسرائيل بتهديد إيران وحزب الله على كلّ الملفّات الأخرى، حقيقياً كان أم موهوماً. هكذا تلاشت أهمية ومركزيّة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي كونه عالقاً بين السياسات المحلية والإقليمية. وأصبح من الصعب تخيّل الوصول إلى تسويةٍ عمليّة ومستدامة، من دون إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، أو إعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي.

ما زالت هناك خيارات متعدّدة. فبإمكان الأطراف الإقليمية والدولية الاعتراف بأنّ السعي لتحقيق السلام، من دون إجماعٍ فلسطيني، هو وهم. كما يمكنها مواجهة الواقع بأنّه لا يمكن التوصل إلى استقرارٍ نهائي، من دون سورية. أو بإمكانهم الاستمرار براكمة التمنيّات تلو الأخرى، والاعتقاد بأنّ عباس وأولمرت سيجدان القوّة وسط ضعفهم بطريقةٍ ما؛ وأنّه سيتم التوصل إلى اتفاقية سلام بوسيلةٍ ما؛ وأنّ المعارضة العنيفة لن تنسفه لسببٍ ما؛ وأنّ الاستقطاب الإقليمي لن يتدخّل بلعبةٍ ما؛ وأنّ الدعم الشعبي سيتمّ جمعه بسبيلٍ ما؛ وأنّ هذا الإتفاق سينفّذ بعملٍ ما. في تلك الأحوال، لن يكونوا قد اتّبعوا أيّة إستراتيجية، بل بقوا يطاردون وهماً خطيراً.





* اختصاصي في الشؤون الاسرائيلية الفلسطينية واستاذ في اوكسفورد

** مستشار سابق للرئيس كلينتون ومدير برنامج الشرق الاوسط وافريقيا الشمالية في مجموعة الازمات الدولية.





ينشر هذا المقال بالعربيّة بإذنٍ خاصّ من المؤلّفين وبالتزامن مع نشره في مجلّة New York review of Books.

Arrayولا تبدو إدارة بوش الداعمة "لاتفاقية رفّ" قلقة حول إمكانية فشل الاستفتاءات حول هذا الاتفاق لدى الفلسطينين أو الإسرائيليين، أو كلاهما. ولكنّها يجب ربّما أن تقلق[/quote]
وماذا اذا لم تحز الإتفاقية على دعم الشعبين ؟ ما البديل المطروح ؟

Arrayعلى رئيس الوزراء إيهود أولمرت والرئيس محمود عباس التوصّل إلى اتفاقية سلامٍ نهائية مع نهاية العام 2008؛ وفي نفس الوقت تقريباً، يصادق عليها الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني من خلال استفتاءات شعبية أو إنتخابات؛ وعند ذلك، يتمّ وضع الاتفاقية جانباً (على الرّف المذكور سابقاً) حتى تسمح الظروف بتنفيذه[/quote]

اعتقد انها ليست اتفاقية رف بل " عقلية رف " هى نفس عقلية تأجيل المشاكل
هل يعتقدون ان :
أولمرت + عباس = حل القضية الفلسطينية

ماذا عن اللاجئين وماذا عن طموح عباس المنخفض تماما الإنخفاض لا مقارنة بحماس بل لنقل مقارنة بعرفات . هل هو قمين بتحمل مثل تلك المسئولية التاريخية

المسألة ضبابية للغاية حتى الآن .. أما وجهة نظر الكاتب فى حماس فسليمة جدا ودقيقة وربما ايضا فيما يخص سوريا ولكن لب المشكلة ليست حماس وليست سوريا إنما اصل المشكلة 10 مليون فلسطينى ودولة لا نعرف حدودها ولا مقدراتها ولا سلطاتها ولا مواردها ولا حتى عاصمتها !!!