الضغوط التي أحيط بها عمل المراقبين العرب في سورية منذ اللحظة الأولى عكست الخيبة والفشل اللذين منيت بهما محاولات حمد بن جاسم لاستفزاز القيادة السورية وإظهارها في موقع عدم التعاون من أجل الانتقال إلى الخطوة التي طلبها الأميركيون من حكام قطر وهي إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي على الرغم من اليأس أمام الجدار الصيني الروسي المرتفع و السميك.

التفاف بن جاسم الخائب بعد بروز التعاون الكبير الذي أبدته سورية مع بعثة المراقبين من خلال هجومه المفتعل على البعثة وتشكيكه في كفاءتها كان ثمرة إحباط دمشق لمحاولة توظيف مهمة المراقبين العرب في تكوين مناخ إقليمي ودولي يتبنى رواية مجلس اسطنبول عن الأحداث.

أولا: المحطات التي اجتازتها مهمة المراقبين كشفت عن وجود مجموعات نزيهة داخل البعثة حرصت على المعاينة الموضوعية للوقائع وضغطت في سياق التقرير النهائي لإدراج اعتراف صريح بوجود عصابات مسلحة على الأرض وبوقوع جرائم ترتكبها ضد المواطنين السوريين سواء بالقتل الجماعي أم بالقنص والخطف والابتزاز المالي وكذلك في استهدافها لقوى الجيش ووحدات حفظ النظام التابعة للدولة الوطنية السورية.

وهذا ما حال دون هيمنة مجموعة أخرى داخل البعثة ترتبط بالجهات الاستخبارية المتورطة في خطة استهداف سورية و محاولة تدمير قوتها ، وهذه الحقيقة صفعت حمد بن جاسم ومن يقف وراءه في الحلف الاستعماري الصهيوني الذي تقوده الولايات المتحدة للنيل من سورية.

الكلام عن المعونة التقنية للأمم المتحدة هو غطاء لاستدراج تدخل دولي وحديث بن جاسم عن الاستعانة بخبراء عرب معتمدين دوليا ، هو ستار لتنفيذ قرار المخابرات المركزية الأميركية بطلب اعتماد خريجيها العرب من العملاء الذين أعطتهم معاهد الحزبين الديمقراطي والجمهوري صفة خبير في حقوق الإنسان ، وقد كشف معهد واشنطن التابع للوبي الصهيوني قبل عشرة أيام عن تسليم حمد لائحة أميركية بمئات الأسماء لشخصيات عربية طلب منه ضمها إلى بعثة المراقبين في سورية ولو اقتضى الأمر خوض معركة في الجامعة لرفع عدد المراقبين إلى 2000.

ثانيا: الحملة على المراقبين سوف تستمر من جانب المعارضات السورية المتناحرة والمرتبطة بالخارج بجميع مصنفاتها وكلام مأمون الحمصي على باب الجامعة العربية في القاهرة يوم أمس و لا سيما امتداحه للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي قال الحمصي انه لو بقي رئيسا لما رضي عما اعتبره مسايرة الجامعة للحكومة السورية ، وهذا الكلام الهستيري يعكس حالة الإفلاس والخيبة التي يعيشها الحلف المعادي لسورية بجميع أطرافه ، وخصوصا العملاء الصغار و المرتزقة ، الذين تتشكل منهم غالبية هيئات المعارضات السورية في الخارج والذين يقيمون جميع حساباتهم على استدراج الغزو الأجنبي إلى البلاد لأن الشعب السوري قد فضح أهدافهم وانفضت عنهم أقلية من السوريين صدقت كلام المعارضات عن الإصلاح بينما كشفت الوقائع على امتداد الأشهر الماضية أن هذه المعارضات في غالبها ليست سوى أدوات بيد المخطط الاستعماري الذي يستهدف تدمير سورية وإغراقها في نزيف دموي طويل لمصلحة إسرائيل و هيمنتها على المنطقة.

ثالثا: الرابط الوثيق بين كلام حمد بن جاسم وداوود أوغلو حول سورية في اليومين الماضيين هو الفشل والإفلاس و الهستيريا فقد انتقل وزير خارجية أردوغان والمفوض الأميركي الأول في حكومته وحزبه إلى التحريض المذهبي العلني على الفتنة في لبنان وسورية والعراق وهو يكشف بذلك الأوراق الأخيرة التي يراهن البهلوانات والثعابين العاملين في الطابور الصهيوني .

سمع أوغلو كلاما قاسيا في طهران عن حقيقة البعد الإسرائيلي في مواقف تركيا من سورية و تورطها في مخطط التخريب و الإرهاب ، و كذلك عن ضغوطها لإنجاح صفقة مشبوهة بين الإدارة الأميركية والقيادات المصرية الجديدة لحماية كامب ديفيد وهي الصفقة التي كشفها جيفري فيلتمان من القاهرة وأثارت نقاشا حادا في صفوف الأخوان المسلمين أدى إلى خروج بعض القادة والكوادر من التنظيم ، في تتمة نقاش صاحب زيارة أردوغان لمصر بعد الثورة و ظهرت مؤشراته في اقتحام السفارة الإسرائيلية الذي عارضته القيادة الرسمية للأخوان على الرغم من مشاركة شباب التنظيم في العملية.

رابعا داوود أوغلو ومعلمه أردوغان و كذلك حمد بن جاسم و أميره و بندر بن سلطان و أذنابه في لبنان ، يعيشون حالة من القلق المجنون لأن الفشل في سورية وبالتالي في لبنان والعراق سوف يطرح مصائرهم ومناصبهم على بساط البحث وهم يعرفون أن نهوض القوة السورية في المنطقة من جديد بعد الانتصار على المخطط المعادي سيكون فاتحة مرحلة جديدة صعبة عليهم وعلى كل من تورط في استهداف سورية.

طرق الحرب على سورية مغلقة بقوة منظومة المقاومة و الردع ، وممرات التدويل مسدودة ولم يبق بيد أي كان من المتآمرين غير محاولة التأثير على مهمة البعثة العربية كسبيل للضغط على الموقف السوري وما قصده نزيل نهاريا حمد بن جاسم في مطالبة الرئيس السوري بالموقف التاريخي خلال مؤتمره الصحافي هو بالذات دعوة القيادة السورية إلى قبول العروض الأميركية التي مزقتها يوم كان الأميركيون قد أنجزوا للتو احتلال العاصمة العراقية وحكاية كولن باول مع الرئيس بشار الأسد يعرفها كل من في المنطقة ، فهذا القائد العربي المقاوم تحدى الإمبراطورية الاستعمارية المتغطرسة في ذروة هجومها ، يوم ركعت أمامها دول عظمى في أوروبا كفرنسا وسايرتها دول عظمى أخرى خشيت التصادم معها كروسيا و الصين و الهند ، وهي تجد نفسها اليوم في مرحلة جديدة من الصراع على مستقبل العالم إلى جانب هذا القائد وخياره التحرري مع حلفائه الموثوقين في كتلة المقاومة بدءا من إيران القوة العظمى الصاعدة التي يتراجع الأميركيون أمام تقدمها ، بينما يتسول صعاليك المنطقة من أسيادهم فرص الوساطة معها بحثا عن دور لهم فهذا ما فعله أمير قطر وهذا ما فعله أوغلو في جميع اللقاءات مع المسؤولين الإيرانيين وهم يعلمون أنهم بالكاد يحصلون على دور ساعي البريد مع طهران حاليا وغدا مع دمشق.
وكالة اخبار الشرق الاوسط