النظرمن الداخل، والنظرمن الخارج:

كان عالم الإجتماع العراقي الراحل، المرحوم على الوردي، شديد الضجروالقرف من الوضع الإجتماعي العراقي(من ناحية السلوكيات والنظرللأمور) لينعكس ذلك على جل أرائه وأفكاره المطروحة في كتبه.

فمن الحوادث والقصص التي يوردهافي كتاباته، هوحواره مع أحد المثقفين العراقيين، ولاأتذكركون ذلك المثقف أديب أوعالم دين أم ماذا؟؟ المهم كان واحداممن له إعتبارمن العراقيين، ليحاوردكتورافي الإجتماع، من وزن المرحوم على الوردي.

يذكرفي معرض حواره مع ذلك المثقف العراقي، نقله لقصة نقاشه مع أحد إساتذة الإستشراق في جامعات الخارج، وكيف تذمرالوردي، لذلك المستشرق من قصة الصراع بين المؤلفين القدامى، من المسلمين العرب، وإنحيازالبعض للإمام علي (ع)، بينما إنحاز الآخر للخليفة الثاني عمر.

يقول الدكتورالوردي، وبعد نقله لقصة ذلك النقاش مع المستشرق:

إمتعض المثقف العراقي، ليصرخ بوجه الوردي: ليش تفضحنا؟؟؟!!!!!

والمغزى من كل ماذكرناه، هوأن نعطي القارئ المثال الحي، على النظرللأمورمن الخارج، مقارنة بالنظرإليها من الداخل.

فمن يناقش قصة الصراع والخلاف بين صحابي وآخر، إنماينظرللأمورمن الداخل. يعني قضية إسلامية داخلية، وليس قضية خارجة عن الإسلام.

لأن كلاالصحابيان مسلمان. وليس فيهمامن هوخارج الإسلام.

وهذه قضية مهمة. في كونهاتضع حدا لمن يتصوركل نقدأوتسؤال عن صحابي، يفضي ويهدف إلى تكفيرذلك الصحابي، وإخراجه من إسلامه و...و...الخ.

والسؤال هو: هل يفهم السلفي المتشدد، وصاحب شعارالإسلام الصحيح!!! إلى مفهوم النظرة من الداخل للأمور؟؟؟

بكل أسف المتشدد السلفي والمتنطع في تفكيره، لايفهم مسألة خارج وداخل. فالكل عنده كافروضال!! إلاماهو عليه!! ومايصرعلى إطلاقه ب(الإسلام الصحيح)!!

وهذامبدء خطر، يلغي إنسانية الرسالة الإسلامية، بعرضهارسالة نقمة من العالمين!! وليس رحمة للعالمين، كماوصفها سيد المرسلين(ص).

العالمين تعني كل العالم، وليس فقط المسلمين.

فالمثقف العراقي الذي صرخ بوجه الدكتورالوردي صائحا: لم تفضحنا؟؟؟ كان ينظرللمسألة من الداخل.

بمعنى هذه قضية إسلامية تناقش في الداخل بين المسلمين، ولاتستعرض أمام من لايؤمن بإعتبارية على أوعمر. لأن غيرالمسلم لايهمه موقع عمرولاموقع علي، لأنه لايؤمن بالإسلام الذي صنع علي وعمرأصلا.

لكن الدكتورالوردي الذي كان يناقش المستشرق، كان الواجب عليه أن ينظرللمسألة من خارجها، وليس من داخلها. بمعنى كان يجب عليه أن يقف على الحياد، ولايأخذجانب جهة محسوبة على الدين الإسلامي، لكي ينهض نقاش بينه وبين المستشرق.

النظرللأمورمن الداخل، لايعطيك الصورة الكلية الشاملة للمشهد. بل يعرض عليك الصورةالجانبية. وحتى لوإلتزم المتأمل الحياد، ففي النهاية هوينظرلها من داخلها.

لكن النظرة للأمورمن خارجها، حتماسيعطي الناظرالصورة الكلية الشاملة.

فالخلاف بين الصحابة، إذانوقش من الداخل، حتماستتضبب صورته ليبدوقاتماغيرواضح الملامح.

لكن لونوقش من الخارج. بمعنى لونوقش من خارج الإطارالإسلامي، فحتماسيقودناالنقاش إلى نتائج مرضية عادلة غيرمجحفة بحق أحد.

فالذي يريد النقاش الموضوعي الجدي، والبعيد عن المؤثرات الشخصية وتداعيات الخلفية، حتماسيجد ضالته في النظرة الخارجية للأمور.

كيف يحصل ذلك؟؟؟

لانستطيع أن ننفذللداخل، لتقييمه التقييم الصحيح، بدون فهم الإطاروالحاضنة التي تحتضن الجميع.

فمتى مافهمناالإطاروالصيغة العامة للإسلام، عرفناكيف نربط مركباته الداخلية ببعضهاالبعض، وبالمبدء العام الرابط لهاجميعا.

ولنأخذ مثالاللتوضيح:

كل المسلمين يقيمون الصلواة اليومية كفرض واجب، وكذلك صوم شهررمضان، والحج إلى بيت الله، من إستطاع إليه سبيلا...........الخ من الواجبات العبادية المعروفة.

والأن الأداء في الإتيان بتلك الواجبات، يختلف قليلا من مدرسة لأخرى. مثلاكالجمع في صلاة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء الذي ترخص به مدرسة أهل البيت، بينمالاترى ذلك المدارس السنية.....الخ.

فلونظرنا من الداخل لطبيعة الخلاف، لشاهدناإصرارمن كل المدرستين على إن ماتقوم به المدرسة الشيعية صحيح. ونفس الشئ تقوله المدرسة السنية عن نفسها. بمعنى كل مقتنع بصحة طريقة أدائه للصلاة.

وهناتبرزالنظرة من الداخل للأمور، الحالة الخلافية التصادمية. بمعنى النظرة للأمورمن الداخل، مدعاة لخلاف بين المدارس الإسلامية، لأن كل مدرسة تصرعلى إنهاالصح والأخرى خطأ.

ولكن لونظرناللأمورمن الخارج، بمعنى من خلال الصيغة العامة للإسلام كدين. لعرفنابإن العبادات مفروضةعلى المسلم، يعني أنت تصلي وتصوم وتحج..الخ طاعة لله، وليس لكي ترضي فلان وعلان من الناس.

وعندماتتحسس ذلك من خلال نظرتك للأمورمن الخارج، تتصاغرأمامك الخلافات بين المدارس الإسلامية المختلفة. لتقول يعني هي صلاة لله يصليهاالمسلم. والله رب العبادهوالذي سيقبل الصلاة من المسلم، أم يرفضها، وليس من حق فلان وعلان أن يخطأني في طريقة أداء صلاتي.

وهكذانرى بإن النظرة للأمورمن الخارج، تبرزلناالحالة التآلفية التوافقيه بين المسلمين، حيث الكل يصلي ويصوم ويحج...الخ ورب العباد هوالمقيم لأداء المسلم المقيم لتلك الواجبات.

وهكذاالأمورتسري لباقي قضاياالإسلام والشريعة، لتبرهن على إن النظرة للأمورمن الخارج، أجدى وأجدرمن النظرة للأمورمن الداخل.

وآخردعواناأن الحمد لله رب العالمين.