منذ فترة قصيرة تمكن الباحثون من الوصول الى طريقة نشوء الخلية الاولى، والان يبدو ان آلية الانتقال من كائنات الخلية الاولى الى كائنات الخلايا المتعددة جرى رفع النقاب عنه. لقد تمكن العلماء من الوصول الى آلية انقسام الخلايا بدون حامض نووي، بحيث ينتج نوعين من الخلايا تعرف بالانقسام الغير متناظر، بتجربة مختبرية جرت على خلايا اصطناعية. هذا النجاح يمكن ان يفسر اسباب ظهور الانقسام المعقد وبالتالي اسباب ظهور الكائنات المتعددة الخلايا.

الانقسام الخلوي الغير متناظر، حيث الخلية الواحدة تنقسم الى قسمين غير متطابقين، ركن رئيسي في نشوء الكائنات العليا، وإلا فلن يتمكن الكائن من الحصول على الانسجة المتنوعة والاعضاء. غير ان الانقسام الغير متناظر عملية معقدة للغاية، يجري التحكم فيه من قبل عدد كبير من الجينات وبروتينات، ولهذا السبب كان من الصعب فهم كيف يمكن لهذا الحدث ان يظهر لدى أشكال الحياة البدائية الاولى.

غير ان العلماء الامريكان تمكنوا الان من عرض كيف يمكن لخلية صناعية، لاتملك حمض نووي، ان تنقسم انقسامات غير متناظرة. Christine Keating & Meghan Andes-Koback, من جامعة بنسلفانيا بدؤا عملهم بخلق نوع من الخلية في ابسط اشكالها. مادة دهنية شكلت الغشاء الخلوي في حين ان محلول من PEG & dextran, لعبوا دور السيتوبلازما في الخلية الحية، والتي عادة تحتوي على كامل المكونات البيوكيميائية الضرورية لانتاج الحياة والحفاظ عليها.

تصبيغ الغشاء والمحتوى
الدهون في الغشاء الخلوي الصناعي جرى صبغها باللون الاحمر، ليمكن رؤيتها تحت التلسكوب، في حين جرى استخدام صبغة زرقاء لتلوين الديكستران في داخل الخلية. PEG & dextran ليسوا قابلين للاختلاط مع بعضهم بسهولة، ولذلك فهم يتموضعون في طبقتين منفصلتين، تقريبا مثل الزيت والماء. غير ان الانفصال بينهم ليس تام، ولذلك PEG والذي على العموم لا لون له، سيحتوي في طوره ، على القليل من الديكستران ليصبح ازرق فاتح، في حين ان الديكستران في طوره من الانقسام الخلوي، يكون ازرق غامق.

في الميكروسكوب تابع الباحثون مراقبة محاولات PEG & dextran تفادي بعضهم البعض. هذا الامر ادى الى ان الخلية الاصطناعية تتمدد ثم ينشا عنها نصفي كرة، احدهم بلون ازرق فاتح والثانية بلون ازرق غامق وكلاهما يحيط بهما الغشاء الخلوي الاحمر. بذلك تظهر لنا آلية تتشابه مع آلية الخلايا الحية التي في طريقها للقيام بإنقسام خلوي غير متناظر.

الشئ الوحيد الذي لاغنى عنه من اجل ان تضطر الخلية الى إتمام عملية الانقسام هو اضافة السكر الى المحلول الذي هم فيه. السكر يقوم ، حرفيا، بمص الماء من المحلول في داخل الخلية، بحيث ان حجم المكونات تصبح اقل، وبالتالي يصبح الغشاء الخلوي كبير. غير ان الخواص الكيميائية والفيزيائية للغشاء لاتسمح بنشوء انثناءات فارغة، لذلك يضغط الغشاء في إتجاه انقسام الخلية الام الى خليتين غير متناظرتين.

في الميكروسكوب ظهر واضحا ان الخلية قامت بالانقسام بالذات في منطقة التماس بين نصفي الكرة. لذلك فالنتيجة تكون انقسام غير متناظر، حيث الخلية الام بمكوناتها المختلفة، انقسمت لتقدم خليتين مختلفتين كل واحدة منهما تحتوي على مكوناتها البيوكيميائية الخاصة. التجربة برهنت ان العملية يمكن ان تحدث في وسط وظروف بسيطة للغاية، وهذا الامر يمكن ان يلقي الضوء على كيفية حدوث النشوء من الاشكال الحياتية البدائية الاولى.

الباحثون اعادوا التجربة مع خلية صناعية اكثر تعقيدا حيث اضافوا نوع جديد من الدهون الى الغشاء الخلوي. وتماما كما ان المحلولين تفادوا الاختلاط مع بعضهم نرى ان نوعي الدهن ابتعدوا عن الاختلاط. هذا الامر كان بالامكان رؤيته بسبب صبغ الدهن الجديد باللون الاخضر. في الميكروسكوب كان بالامكان رؤية ان الغشاء والمركبات السلسلية شكلوا ازواج. نصف الكرة بمحتواها من محلول PEG ذهب مع الدهن الاخضر في حين ان محلول الديكسترين فضل الدهن الاحمر. عند إضافة السكر انقسمت الخلية الام الى خليتين مختلفتين: واحدة خفيفة الزرقة مع غشاء خلوي اخضر والاخرى غامقة الزرقة وغشاء خلوي احمر. ذلك يبرهن على ان مكونات الخلية تملك آلية عمياء تؤثر على بعضها البعض وتتحكم بالاصطفاف الداخلي ومكونات الانقسام لتحسم النتائج الممكنة.



الانقسام الخلوي الثالثمن خلال تغيير كمية الدهون في الغشاء استطاع الباحثون انتاج اشكال اكثر تعقيدا من الغشاء الخلوي الاصطناعي. إذا اصبح هناك فائض من الغشاء الخلوي الاحمر، تنقسم الخلية في البداية الى خليتين ، احداهن - كما في السابق- تحتوي على الديكستران مغلفة بالغشاء الاحمر في حين ان الثانية الغنية بالمحلول الثاني ليس فقط محاطة بالغشاء الاخضر ولكنها ايضا تحتوي على قطعة من دهن الغشاء الاحمر. وهذه الخلية تحتوي ايضا على القليل من الديكستران ، وإذا الباحثون اضافوا المزيد من السكر، يستطيعون تحفيز انقسام خلوي غير متناظر جديد، بحيث يقسم المحتوى المختلف للخلية ويبعد الغشاء الاحمر عن الاخضر لتنتج خلية ثالثة. ذلك يعني ان الخلية الاصلية ، وبعد انقسامين خلويين ، تطورت الى نوع من الكائن المتعدد الخلايا.

تتوقع الباحثة Christine Keating ان تتمكن من جعل " كائنها" ينمو ويتطور من خلال تغذيته بمادتي PEG & dextran وكلا الدهنين ولربما بالمزيد من المركبات الكيميائية. من خلال اضافة الانزيم القادر على حياكة دهون الغشاء، ستسطيع جعل الخلية تنقسم بدون اضافة السكر ، وبذلك ستتشابه الخلايا اكثر مع الخلايا الحية. هذه التجربة تجعلنا نفهم افضل كيف نشأت الكائنات الخلوية قبل حوالي المليار سنة والتي فتحت الطريق لنشوء الانسان.

مصدر

مصدر ثان