طريف سردست: هجرة وانتشار الانسان الحديث، الهومو سابينس، على الكرة الارضية التي جرت قبل 100 الف سنة، لم تكن هي الهجرة الاولى التي تحدث للحيوانات البرية على الارض، إذ ان الانسان هومو ايريكتوس نجح قبل 1,5 مليون سنة، في الهجرة الى اطراف الارض. بالمجموع يمكن القول ان الانسان وابناء عمومته الاقدم هيمنوا على الارض على مدى مليونين سنة على الاقل. غير ان هذا الرقم لاقيمة له بالمقارنة مع هيمنة انصاف البشر او انصاف القرود، التي سبقتنا واستمرت لعشرة ملايين سنة، وهيئت الظروف لظهورنا.
Proconsul africanus
من الصعب تحديد المكان الذي تفرع عنه الانسان من شجرة القرود البشرية، إذ من الطبيعي ان القرود البشرية الاوائل لم يكونوا يشبهون القرود البشرية كثيرا ولم يشبهوا الانسان. وعلى الرغم ذلك تمكن الخبراء من العثور على مستحاثات تملك ملامح خاصة يمكن تصنيفها في مجموعة القرود البشرية. احدى اوائل الملامح المميزة التي تطورت تبرز لنا في الجماجم المستحاثية.
اقدم الاقارب التي يمكن نسبها الى القرود الانسانية، بكل ثقة، هي Proconsul. هذا النوع عاش في افريقيا منذ 20 مليون سنة. توجد انواع اخرى في هذه العائلة، اصغرهم بحجم قرود الغيبون. gibbon monkey, واكبرهم بحجم الشمبانزي. يمكن التعرف عليهم من خلال ملامح الدماغ، مثلا، حيث حجم الدماغ يصل الى 170 سنتمتر مكعب، مما يجعلهم اكثر تفوقا على بقية القرود. ولكن بالمقارنة مع الانسان الحالي، الذي يبلغ حجم دماغه الضعف، لازال الفرق كبيرا.
بروكونسول لم يكن يعيش في اعالي الاشجار وانما كان يمشي على الارض ويستطيع ان يحفظ توازنه على الاربعة عندما يكون على الاغصان. وكما هو الحال عند الكلاب، مثلا، يستطيع التقدم الى الامام والى الخلف ولكن ليس الى الجوانب. ومن شكل الاسنان وطريقة تآكلهم يظهر ان هذا القرد الانساني كان يأكل الاعشاب والفواكه. في جزيرة في بحيرة فكتوريا جرى العثور على هيكل كامل، تقريبا، لفرد من هذا النوع، عام 1948K ، كشف لنا انه لم يكن يملك ذيل، تماما مثل جميع القرود الانسانية التي لازالت موجودة اليوم.
بروكنسزل ظهر وانقرض في افريقيا. ابكر الاثار له تعود الى ماقبل 14 مليون سنة. في نفس الفترة كان يعيش الكثير من انواع القرود البشرية الاخرى في افريقيا، ومنهم النسيب Afropithecus. عن هذا النسب انحدر تحديدا انحدرت اجيال استغلت حدث جيلوجي خاص سمح لها بإستعمار العالم.
ملامح وجه بروكونسول
قبل 17 مليون سنة اصطدمت القارة الافريقية بأوروبا. القارة الافريقية انزلقت نحو الشمال الشرقي واصطدمت بالقارة الافريقية ورصيف الجزيرة العربية. بنتيجة هذا الاصطدام انضغت كمية كبيرة من الارض وصعدت الى فوق سطح البحر مما سمح للحيوانات البرية الانتقال من افريقيا الى اوروبا والى اسيا.
في البدء هاجرت القرود البشرية الى اوروبا. من خلال المستحاثات نستطيع ملاحقة طريق الهجرة الى الجزيرة العربية، حيث عاش هنا، قبل 16 مليون سنة، النوع Heliopithecus, والذي يشبه جده الى درجة كبيرة بحيث ان بعض العلماء يصرون على انه Afropithecus. الاسنان كانت قوية مغطاة بطبقة صلبة وغنية بالمعادن، وكان يعيش على اكل الجوز والمكسرات. وفي ذلك الوقت كانت بيئة الجزيرة العربية مغطاة بالاشجار والغابات الكثيفة.
في اوروبا، نشأت خلال 1,5 مليون سنة انواع جديدة وانتشروا بسرعة الى مناطق جديدة. بعد وصولهم الى الشمال بدؤا في اجتياح وسط وغرب اوروبا. بعد نصف مليون سنة من هجرتهم الى اوروبا، اي قبل 16,5 مليون سنة، كان القرد الانساني على ابواب التشكيل. في كلا من المانيا وتركيا جرى العثور على مستحاثات لنوع Griphopithecus, متطور للغاية بالمقارنة مع الانواع الاصلية التي جاءت من افريقيا.
الامر نفسه يتعلق بالنسب Dryopithecus, وهي عائلة كانت في الغابات الاوروبية قبل 13 مليون سنة. لو التقينا بواحد من هذا النوع اليوم فلن يكون هناك شك في انتماءه الى القرود البشرية. لقد كان بحجم الشمبانزي، ودماغه يوازي حجم دماغ الشمبانزي اليوم. وكان يتحرك بنفس طريقة حركة القرود البشرية اليوم. وبيده القوية كان قادرا على الانتقال عبر الاغصان واكتافه كانت سلسة وذراعه كان بالامكان لها ان تمتد مستقيمة بمساعدة كوع قوي وعظام صلبة. والجمجمة تذكر بجمجمة القرود البشرية، حيث الجبهة قصيرة ومنطقة الانف مسطحة والقحفة طويلة. اكثر ماتشبه راس شمبانزي صغير.
بعد اوروبا هاجر القرد البشري الى اسيا، ولكن قبل 13 مليون سنة اصبحت انواعهم اكبر في زوايا العالم، بما فيه نوع Sivapithecus. تماما مثل قريبه الاوروبي كان يملك طقم اسنان تسمح له بقضم الطعام النباتي الطري والفواكه. الاسنان الامامية كانت كبيرة والاضراص كانت مفلطحة، والانف قصير. غير ان حاسة الشم لم يعد لها اهمية مثل حاسة البصر. غير انه كان يملك طريقته الخاصة في التنقل، مع احتفاظه بقدرة على تسلق الاشجار والتعلق بالاغصان، ولكنه كان افضل بالانتقال على اربعة على الارض، بطريقة لم نشاهدها عند اي حيوان اخر.
scheme of the Hominoidea
انصاف البشر/انصاف القرود تمكنوا من استعمار اجزاء كبيرة من اوروبا واسيا بسرعة لكون الطقس كان معتدلا ومداريا، والاراضي كانت مغطاة بالاشجار الكثيفة المثمرة والمكسرات. في ذلك الوقت كان بالامكان الانتقال من وسط افريقيا الى المانيا على رؤؤس الاشجار وبدون الحاجة الى النزول الى الارض.
غير ان رياح جديدة جاءت، إذ بتأثير ضغط افريقيا على الرصيف القاري الاوروبي ازداد ارتفاع الاراضي وانتصبت جبال في اوروبا مثل جبال الالب. وتغيرت التيارات البحرية وازداد حجم الجليد في القطب الجنوبي والقطب الشمالي فتغير طقس الكرة الارضية. في اوروبا نشأت الفصول الاربعة التي نراها اليوم. الغابات اختفت من مساحات كبيرة، وظهر مكانها سهول. ومكان الغابات القديمة ظهرت اشجار جديدة تعطي فواكه في فصل محدد من السنة، في حين ان الغابات الاستوائية كانت تملك فواكه على طول السنة.
وحتى في اسيا تغير الطقس. وتحت ضغط هذه التغييرات تغيرت طبيعة المواسم النباتية التي صارت تراعي موسم الامطار. والاشجار اصبحت تعطي الفواكه والثمار في مواسم معينة. هذه التغييرات فرضت شروطها الجديدة على تطور الكائنات الحية والحياة البرية.
النباتات العشبية تستهلك غاز الكربون بطريقة تختلف عن بقية النباتات، لذلك قياس كمية الكربون في بقايا النباتات على اسنان المستحاثات، تجعلنا نعلم ان السهوب المفتوحة انتشرت قبل 8-9 مليون سنة في اسيا، مثلا في باكستان، حيث تم العثور في الطبقات الجيلوجية القديمة على الكثير من مستحاثات القرود البشرية.
في الجنوب من آسيا كانت القرود البشرية لازالت تستطيع العثور على غابات استوائية غنية بالطعام. اليوم يعيش اورانجوتانغ في غابات سومطرة وبورنيو، وهو نوع منحدر مباشرة عن Sivapithecus.
القرود البشرية غيبون يصل مكان تواجدها حتى بوتون وتايلند الى الشمال. وتمكنوا من التلائم مع تغييرات الطقس من خلال حماية منطقة نفوذ كبيرة تسمح لهم بالعثور على الطعام بغض النظر عن فصل السنة. نحن لانعرف جدود الغابون، ولكن من الواضح ان فرعهم على شجرة العائلة قديم للغاية، ويحتمل ان يكونوا تفرعوا منذ بدء الهجرة من افريقيا.
لايوجد اي نوع من مهاجري القرود البشرية الى اوروبا تمكنت من البقاء على قيد الحياة غير ان جماعات من نسل العشيرة Dryopithecus, تمكنوا من العودة الى افريقيا، وعند عودتهم وجدوا افريقيا خالية من القرود البشرية تماما. انواع قليلة، ومنها Kenyapithecus, كانت لاتزال موجودة في افريقيا قبل 13 مليون سنة، ولكن بعد ذلك اختغت جميع اثار وجود القرود البشرية من افريقيا، إذ لم يحدث ان تم العثور على مستحاثاة عمرها احدث من 13 مليون سنة.
وعلى الرغم من فقدان الاثار ينطلق اليلوجيون من ان افريقيا اعيد استعمارها من قبل القرود البشرية قبل 9-6 مليون سنة. هذه الكائنات التي جاءت من اوروبا هي التي انحدر عنها القرود البشرية الحالية والتي تعيش في حزام الغابات الاستوائية على عرض افريقيا، وهي نفسها التي انحدر عنها الانسان.
ومع العودة الى افريقيا انتهى العصر الذهبي للقرود البشرية على الارض ليبدأ عصر الانسانيات.