لا يُواجه المسؤولون اللبنانيون إرباكاً محرجاً في تعاطيهم مع إعلان ائتلاف سوري معارض جديد. لا يزال لبنان يعترف بالنظام، ولم يلتحق بالدول المؤيدة للمعارضة السورية، ولا أحد يرغب في دعوته إلى تعديل موقفه. الأرض من تحت، لا الائتلافات من فوق، توجّه مسار سوريا
نقولا ناصيف
منذ إعلان لبنان موقفه في مجلس الجامعة العربية، في 12 تشرين الثاني، من الاعتراف بالائتلاف الوطني للمعارضة السورية ــ وهو نأيه بنفسه عنه ــ لم يُواجه المسؤولون اللبنانيون ضغوطاً مباشرة لإعادة النظر فيه، أو حضّ لبنان على الانضمام إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، وكذلك إلى فرنسا والولايات المتحدة وتركيا، في الاعتراف بالائتلاف ممثلاً للشعب السوري. بيد أن المسؤولين اللبنانيين طرحوا بضع ملاحظات بإزاء ردود الفعل على الائتلاف السوري المعارض تعزّز اعتقادهم بضرورة ثباتهم على موقفهم المعلن: لا الحرب على الأرض من تحت قادرة في سوريا على تعديل موازين القوى العسكرية لمصلحة نظام الرئيس بشّار الأسد أو معارضيه وتغليب أحدهما على الآخر، ولا ائتلافات المعارضين من فوق في ظلّ دعم عربي ودولي غير مسبوق قادرة بدورها على فرض حلّ يطيح النظام ويضع السلطة بين أيديهم.
وتكمن ملاحظات المسؤولين اللبنانيين في الآتي:
أولاها، عدم تطابق المواقف العربية والدولية المؤيدة مع رغبة الائتلاف في التعامل معه على أنه الممثل الوحيد للشعب السوري. وحدها أنقرة شذّت عن سائر الدول عندما أضفت هذه الصفة عليه، أياماً قليلة بعد إعلانها أنها قطعت نهائياً كل صلة لها بنظام الرئيس بشّار الأسد. اكتفى الأميركيون والفرنسيون والعرب في الجامعة العربية ومجلس التعاون بعدّ الائتلاف ممثلاً للشعب السوري ليس إلا، وتباينت آراؤهم من اعتباره من الآن حكومة موقتة، ومن مدّه بالسلاح. وقع تناقض بين العرب والعرب، والغرب والغرب، وبين العرب والغرب.
ورغم اتساع دائرة تمثيله معارضة الخارج، لم يحز الائتلاف المعارض الجديد من المجتمع الدولي سوى على ما كان قد حازه من قبله المجلس الوطني في 24 شباط الماضي، عندما اعترف به «المؤتمر الدولي لأصدقاء الشعب السوري» في تونس نصف اعتراف، واصفاً إياه بأنه ممثل شرعي للشعب السوري. وضم المؤتمر حينذاك الحكومات نفسها، وعرّابيها خصوصاً، الذين سارعوا إلى الاعتراف أخيراً بالائتلاف بالصفة نفسها.
ثانيتها، أعلن لبنان مراراً التزامه قرارات الجامعة العربية، وميّز باستمرار بين بياناتها وسياسة النأي بالنفس التي تحمله على تجنّب أي موقف يترك تداعيات سلبية على وضعه الداخلي واستقراره. في الاجتماع الأخير لمجلس الجامعة لم يصدر قرار ملزم للأعضاء، بل بيان. وتبعاً لتقاليد طبعت عمل الجامعة العربية لعقود منذ إنشائها بإزاء القرارات التي تتخذها، تقضي بأن تسلك أحد طريقين لوضعها موضع التنفيذ: رسائل من الأمين العام إلى الدول الأعضاء بغية حملها على التزام القرار ومباشرة تطبيقه، أو إرسال موفد شخصي للهدف نفسه. لم يحصل أي من الخيارين حتى الآن.
ثالثتها، أن الجامعة العربية لم تسحب اعترافها نهائياً من شرعية نظام الأسد، رغم حدّة المواقف والاتهامات التي تسوقها إليه بارتكاب مجازر وجرائم في حقّ مواطنيه. منذ أكثر من سنة لا تشارك سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة بعد تعليق عضويتها، ولم يُتح للمعارضة السورية الحلول محل ممثل النظام إلا قبل أيام، في اجتماع مجلس الجامعة في 12 تشرين الثاني، عندما اتفق على دعوة ممثل للائتلاف إلى حضور اجتماعاته بصفة مراقب. أمسى الائتلاف في منزلة موازية للنظام، ولم يخلفه تماماً في كل امتيازاته. لا شغل كرسيه، ولا اعترف به بديلاً منه، واكتفي ــ حتى الآن على الأقل ــ بصفة مراقب لا يُصوّت.
يجعل هذا الالتباس سوريا بلا صوت في الجامعة، سواء غاب النظام أو حضر معارضوه.
رابعتها، أن الاختبار الفعلي لصدقية علاقة الدول الداعمة، العربية والغربية على السواء، بالائتلاف يكمن في مدى استعدادها لتسليم السفارات السورية في بلدانها لممثلي الائتلاف الذي لا يعدو كونه الآن ــ وكذلك من قبله المجلس الوطني ــ هيئات صورية وإعلامية، لا كيان حقيقياً ومتماسكاً له في ممارسة دوره المعارض سوى من خلال أفرادها وتنقّلهم بين الدول الرئيسية المؤيدة للمجموعات المختلفة التي يتألف منها الائتلاف، الموزّعة بين تركيا وقطر والسعودية والأردن ومصر وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. لم يُمنح أي من هؤلاء مكاتب تمثيلية جدّية فيها.
خطوة كهذه يحسبها الائتلاف ضرورية وحتمية كي يستكمل بها شرعية دولية ملموسة، يضيفها إلى الصفة التي حملها سريعاً كممثل للشعب السوري.
خامستها، باتت المعارضة السورية الخارجية في عهدة جسمين تمثيليين هما المجلس الوطني والائتلاف المعارض. في كليهما ترجح كفة الأخوان المسلمين في السيطرة عليهما. وقد احتاج تحقيق حدّ أدنى من الاندماج الظاهر بينهما إلى خمسة أيام طويلة من التفاوض الشاق في الدوحة، حمل المسؤولين القطريين على التعامل مع المعارضين المشتتي الولاء والاتجاهات والخيارات ويجمعهم عداء مشترك للأسد، بطريقة مماثلة لتعاطيهم مع الأفرقاء اللبنانيين خلال مداولات اتفاق الدوحة عام 2008، عندما أُوصدت دونهم الأبواب ومنعوا من المغادرة إلى حين إبرام تفاهمهم نهائياً.
لعل المفارقة في تشابه الأسماء لدى العائلة السنّية الدمشقية التقليدية. انتخب أحمد معاز الخطيب، الداعية الإسلامي الذي يدعمه الأخوان المسلمون ويُنظر إليه على أنه واجهتهم، رئيساً للائتلاف في مرحلة يعدّها لتحقيق انتقال السلطة من الأسد إلى معارضيه، وربما إلى الأخوان المسلمين أنفسهم. على نحو مماثل قبل عقود، عيّن الرئيس حافظ الأسد، غداة الحركة التصحيحية عام 1970، أحمد الخطيب رئيساً للدولة وشغل هو منصبي رئيس الحكومة ووزير الدفاع توطئة لإجراء انتقال للسلطة إليه يبدأ بتعديل الدستور واستفتاء شعبي، أدى السنة التالية عام 1971 إلى انتخاب الأسد رئيساً للجمهورية طوال 30 عاماً.
سادستها، لا يزال المجتمع الدولي يدعم سياسة النأي بالنفس التي انتهجتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ إعلانها. لا يبدي لبنان استعداداً للاعتراف بالائتلاف المعارض الجديد، ولم يشأ قبلاً الاعتراف بالمجلس الوطني، ولا عدّ كلاً منهما كدول أخرى ممثلاً للشعب السوري، ولا يُظهر في المقابل استعداداً لسحب اعترافه بنظام الأسد، ولا بثنائية انقسام سوريا بين هذين الفريقين.
تجعله سياسة النأي بالنفس أقرب إلى تثبيت موقعه بين الإثنين حتى غداة اندلاع أحداث سوريا قبل 20 شهراً: لا يمدح النظام الذي يعترف به، ولا يستفز المعارضة التي لا يريد الاتصال الرسمي بها، ولا يُجاري جهود الجامعة العربية لإحلال الائتلاف محل النظام في مجلس الجامعة وعلى الخارطة الإقليمية.
يطمئن المسؤولون اللبنانيون إلى أن موقفهم هذا يلقى تفهّم العرب والغرب عندما يقرنون سياسة النأي بالنفس بالاستقرار.
http://www.al-akhbar.com/node/171710