بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
التكامل بين فعل المقاومة العراقية والحراك الشعبي العراقي
سيُسقط الديكتاتورية الملوَّثة بالخيانة الوطنية والفساد والجريمة المنظمة
شبكة البصرة
حسن خليل غريب
التعتيم على نشاط المقاومة لن يحجب رؤية تأثيرها
http://www.albasrah.net/ar_articles_2012...261212.htm
إن أنسى، فلن أنسى تلك اللحظة التي دخل فيها الغزاة الأميركيون إلى بغداد. حينذاك أضمروا بقصفها بقنابل النيوترون بعد تقسيمها إلى مربعات، وهي القنبلة التي استخدموها بمعركة مطار صدام الدولي بعد أن ألحقت بهم المقاومة خسائر فادحة. ولحسم المعركة خشية من أن تتحول العاصمة العراقية إلى وكر يستنزف قدرات الجيش الأميركي، حسب وكالات الأنباء الروسية حينذاك، أعدَّ جيش الاحتلال الأميركي لتطبيق (الخيار صفر)، أي سياسة الإفناء بقنابل النيوترون لبغداد كلها بمن فيها من بشر.
وإن أنسى، فلن أنسى حالة الإحباط التي أصابت كثيرين بعد أن رأوا جيش هولاكو العصر يلوِّث شوارع بغداد النظيفة الطاهرة. حينذاك حسب الكثيرون أن العراق لن يتخلص من دنس المعتدين إلى الأبد. أما في المقابل فكان البعض الآخر يراقب المعركة بمنظار استراتيجي لإدراكهم أن المواجهة مع العدوان لم تنته بل ابتدأت. فكانت البداية على طريقة استخدام البدائل في المواجهة، وليست تلك البداية إلاَّ ما خططت له قيادة الحزب والثورة في العراق، وذلك بتطبيق استراتيجية الكفاح الشعبي المسلَّح. وكانت لحظة الإعلان عن البدء بصفحة المقاومة الشعبية مما لا يُنسى، ولهذا لن أنسى تلك اللحظة. لن أنساها لأنها أعادت الثقة للنفوس التي اضطربت فأصابها الإحباط.
وإن أنسى فلن أنسى تلك اللحظة التي تساءل بها البعض قائلين: ضمن التعتيم الإعلامي على أداء المقاومة، وفي ظل انعدام وسائل الإعلام الموالية لها، وفي ضوء ضعف الإمكانيات، كيف سيكون العمل؟ وما هو الحل؟ فكانت المراهنة على أن مدى تأثير حرب التحرير الشعبية على قوات الاحتلال سيفرض نفسه على الإعلام، وسيكون الإعلام الآخر مرغماً على خدمة المقاومة من حيث لا تدري. ولذلك عمَّت أخبار المقاومة الآفاق، وأنهكت أفعالها أكبر تجمع دولي في العدوان على العراق واحتلاله، وظلَّت سواعد المقاتلين تلاحق القوات المعتدية المشاركة للاحتلال الأميركي، فكانت تهرب الواحدة منها تلو الأخرى، حتى أعلن رئيس الولايات المتحدة الأميركية بنفسه انسحاباً أميركياً مُذلاًّ من العراق زعم أنه انسحاب مُشرِّف.
لم يصدِّق من كان يتابع ظواهر الوقائع فقط على قلَّتها أن المقاومة العراقية هي التي ألحقت الهزيمة بكل الدول التي عُرفت في تلك المرحلة بـ(قوات الائتلاف)، وفي المقدمة منها القوات البريطانية والأميركية. وأما السبب فكان عائداً إلى ضعف الإعلام المؤيد للمقاومة، وقوة الإعلام المعادي لها.
تلك اللحظات التي ذكرت أنني لن أنساها، والتي ضلَّلت البعض وحالت دون استشرافهم للنتائج الباهرة التي أنجزنها المقاومة العراقية. وطغت عليهم وسائل التضليل لأنهم لم ينظروا إلى الوقائع نظرة استشراف استراتيجي، بينما المنظار الاستراتيجي يعتمد على تحليل عوامل النجاح الثوري للمقاومة العراقية، تلك العوامل مكونة من المنهج السياسي الاستراتيجي أولاً، والقوة البشرية التي تحمل هذا المنهج ثانياً، وتعمل على ترجمته إلى واقع تنفيذي ثالثاً. أي باختصار، فقد تلازمت الاستراتيجية النظرية للمقاومة وتكاملت مع القوة المنظَّمَة التي تعمل على تطبيقها. لذا كان اللقاء بين البعث واستراتيجيته في تحرير العراق لقاءً على مستوى عالٍ من الوعي والأداء.
وإذا ما أدركنا أن المقاومة العراقية ما تزال مستمرة في نضالها، وذلك على الرغم من أن التعتيم الإعلامي على إنجازاتها لا يزال مستمراً بعد الهزيمة الكبرى للقوات الأميركية كما كان قبل تلك الهزيمة. وهذا ما يدفعنا للمساهمة في سد النقص في الإعلام المؤيد، على الرغم من ضعف الإمكانيات. وللكشف عما تعتِّم به أجهزة الإعلام المعادية عن نشاط المقاومة الحالي، وكي نقدِّم صورة أقرب ما تكون من الموضوعية عن واقعها الآن، فيجب أن نضع المعادلة العلمية التي تربط بين البعث واستراتيجيته في الحسبان، وهذا الربط لا يزال يشكل المعيار الموضوعي الذي نقيس به نتائج حركتها الراهنة في معركة المواجهة التي تدور اليوم بينها وبين فلول الاحتلال الأم.
لقد كان الهدف من الكتابة عن هذا الجانب رداً على ما يتم التساؤل عنه الآن ومفاده: بعد إعلان الانسحاب الأميركي من العراق، أي بمعنى تقليص الوجود العسكري الأميركي المباشر، وبعد تلزيم النظام الإيراني ملف العراق لتستبيحه وتعمل على تفكيك ما تستطيع من نسيجه الاجتماعي والوطني، لا نسمع عن أي فعل للمقاومة. فما هو السبب؟
وإسهاماً في توضيح ما يتم التساؤل عنه، لا بدَّ من عودة للمقارنة بين التساؤل الذي رفعه الرافضون للاحتلال في بداية العدوان وبعد إتمام فصوله العسكرية، وبين التساؤل الراهن. ولذلك نقول بداية: إن النظر بمنظار خبري إلى واقع العراق الآن، كما إلى واقع المقاومة العراقية، سيؤدي إلى غموض وعجز عن رؤية مستقبل المواجهة التي ما تزال المقاومة تقودها ضد ما تبقى من قوات أميركية أولاً، وضد الاحتلال الإيراني البديل ثانياً، وضد أدواتهما في الحكم ثالثاً. فمن ينتظر الخبر ليطمئن قلبه فإن الخبر لن يأتيه، وأما السبب فيعود إلى منهج التعتيم الإعلامي المنظَّم ضد حركة المقاومة ونضالاتها في هذه المرحلة. ولهذا يجب النظر إلى ما يدور الآن من منظار استراتيجي يستند إلى أن المقاومة ما تزال تستكمل ما نصَّ عليه منهجها السياسي الاستراتيجي أولاً، وعليه أن لا يغفل ثانياً أن القيادة التي أنجزت أهم أهداف ذلك المنهج ما تزال هي نفسها التي تقود هذه المرحلة وتديرها. فمن أنجز ما هو أمرُّ وأقسى، فلن تعوزه المقدرة والحكمة من متابعة إنجاز ما تبقى من مراحل تحرير العراق بشكل ناجز وتام. وحول ذلك فالرؤية بمنظار استراتيجي سيكشف ما هو غير مرئي في المشهد، وبالتالي سيساعد على وضع التحليل السليم في الموقع السليم.
وليس أكثر دلالة على ذلك أن ما كان مخفياً في مرحلة الاحتلال الأولى، لم يشكل حينذاك عائقاً أمام من كان يحلل الوضع بأفق استراتيجي، ولم يمنعه من رؤية نتائج المستقبل في أن المقاومة ستؤدي إلى إلحاق الهزيمة بالاحتلال على الرغم من كثرة من شاركوا فيه ودعموه. وكان التحليل الاستراتيجي السليم يستشرف تلك النتائج بغض النظر عن تحديد توقيتات محددة، لأن النظر إلى نتائج المستقبل ضمن تحديدات زمنية لهو ضرب من التنجيم.
استناداً إلى العوامل المعرفية أعلاه، نرى في المشهد الراهن، الذي نتابع فيه أعمال المقاومة العراقية في هذه المرحلة، أن هناك أعمالاً منظورة، وأعمالاً غير منظورة. وحتى الأعمال المنظورة يتم التعتيم عليها من وسائل الإعلام المعادي، وأما السبب في التعتيم فلأنه بالمقدار الذي تنكشف حقيقة تأثير المقاومة أمام أنظار الأكثرية الساحقة من العراقيين، فإنها ستزوِّد تلك الأكثرية بشحنات معنوية كافية لدفعها إلى المشاركة في تقويض ما بقي من آثار للاحتلال. وأما تلك الآثار فهي ثلاثة بقايا تبدأ بمن تبقى من وجود للاحتلال العسكري الأميركي أولاً، وعمليته السياسية ثانياً، وعوامل التأثير الإيراني ثالثاً.
ومن أجل توضيح دور المقاومة العراقية في هذه المرحلة نرى العودة للتذكير باستراتيجيتها المعلنة منذ التاسع من أيلول من العام 2003، وبما جاء في بيان قيادة قطر العراق المؤرخ في 8 تشرين الأول من العام 2003. واستراتيجية المقاومة المعلنة هي تحرير العراق بشكل تام من الاحتلال الأميركي، ومن عملائه، وحرق أصابع دول الإقليم التي تواطأت مع الاحتلال. ولأن الاحتلال الأميركي الأم، والاحتلال الإيراني البديل يتستران تحت خيمة اسمها (العملية السياسية) التي يقودها العميل نوري المالكي، فإن حركة المقاومة العراقية النضالية تولي اهتمامها الرئيسي من أجل تقويض أعمدة تلك الخيمة لتجويفها من الداخل، وإسقاطها شعبياً.
نحسب الآن أن آليات مهمات المقاومة العراقية قد طرأ عليها متغيرات استناداً إلى أرضية المتغيرات التي حصلت بعد هزيمة الجيش الأميركي. ومن أهم هذه المتغيرات هي تحديد أولوياتها في العمل، وذلك بترجيح كفة الدور السياسي على كفة الدور العسكري. أي إن العمل على إسقاط (العملية السياسية) حلَّ في المرتبة الأولى، ويليها مواجهة التأثير والتواجد الإيراني، وأما التأثير العسكري الأميركي فقد حلَّ في المرتبة الأخيرة. علماً أن العاملين الإيراني والإميركي في هذه المرحلة يستظلان تحت خيمة (العملية السياسية) ويستمدان شرعية تدخلهما في العراق منها، بعد أن كبَّلاها بمجموعة من الاتفاقيات العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية. وهذا يعني أن تقويض تلك العملية فيه إضعاف لقوى التأثير الخارجي، ومقدمة لإلحاق الهزيمة بكليهما معاً. ومن أجل ذلك يرتفع سؤالنا: إلى متى تظل الديكتاتورية في العراق، الملوَّثة بالخيانة الوطنية والفساد والجريمة المنظمة، من المسكوت عنه؟
من أجل إنجاز هذه المهمة نستنتج أن المقاومة العراقية تقوم بعملها على صعيدين اثنين، وهما: استكمال العمل العسكري حيث يتطلب الأمر ذلك ويقوم بأوده الجهاز العسكري والأمني التابع للمقاومة، والقيام بأداء سياسي على أن يتكامل مع حركة الشعب العراقي.
أولاً: الصفحة العسكرية:
إذن، بعد إنجاز الصفحة العسكرية بدرجة امتياز تصل إلى حدود الذهول من السرعة التي حصلت فيها، انتقلت مهمات المقاومة العراقية الآن إلى صفحات سياسية تعادل في تعقيدها الصفحات العسكرية مع فارق وحيد هو أن سلاحها سياسي يقتضي الحنكة والوعي واتخاذ الخطوة المناسبة كلما نضجت ظروف اتخاذها. لكن هذا لا يعني أن العمل العسكري قد انتهى، وإنما تأثيره انكفأ إلى الدرجة الأخيرة أمام أهمية العمل السياسي والأمني. وانكفاء دوره عائد لمتغيرين اثنين، وهما:
1- استهداف ما تبقى من جنود الاحتلال الأميركي إلى قواعد عسكرية بعيدة عن متناول المقاومة العراقية، والتلطي خلف واجهة سياسية وأمنية وعسكرية عراقية تشكل له الحماية والغطاء، وتوفِّر عليه الكثير من الخسائر بالمال والأرواح، وهذا يعني أن العمل العسكري قد خفَّ تأثيره، واقتصر على قصف تلك القواعد بالمدفعية والصواريخ.
2- استهداف عملاء الاحتلالين الأميركي والإيراني، سواءٌ أكانوا في أعلى الهرم السياسي والعسكري والأمني، أم كانوا من صغار المجنَّدين من الذين يصرون على تهديد أمن المقاومة والشعب.
ثانياً: الصفحة السياسية:
إن العمل السياسي، في هذه المرحلة يتفرَّع إلى مهمتين: داخلية وخارجية.
1- المهمة السياسية الخارجية وهدفها بناء علاقات في شتى الاتجاهات العربية والإقليمية والدولية. ومما يتسرَّب من أخبار يمكن التقاطها من هنا أو هناك، يشير إلى أن مكتب العلاقات الخارجية للمقاومة ينشط في هذا الاتجاه، سواءٌ ببناء علاقات مع الدول مستفيداً من التقاطعات بالمواقف السياسية والأمنية، أم ببناء علاقات مع الهيئات والجمعيات الأهلية أو الدولية أو الإنسانية من أجل كشف ما تقوم به قوات الاحتلال الأصيل والاحتلال البديل من جرائم وفساد تحت مظلة (حكومة الاحتلال).
2- المهمة السياسية الداخلية، وتهدف إلى تقويض دعائم (العملية السياسية) بوسائل سياسية أولاً، والعمل الأمني - العسكري بملاحقة رموز تلك العملية، سياسيين وعسكريين، للاقتصاص منهم ثانياً.
إن المتغيرات في واقع الاحتلال، إذن، أدى إلى متغيرات في عمل المقاومة على الصعيد السياسي الداخلي. وتلك المتغيرات تعني على أرض الواقع أنها نقلت المقاومة إلى مواجهة مباشرة مع من يشغلون الواجهة السياسية والأمنية في حكومة الاحتلال. وهذا الوضع يشبه إلى حد كبير مواجهة بين العراقيين أنفسهم، إذ قد يقاتل فيها العراقي عراقياً آخر، وتلك مواجهة يغلب عليها الطابع (الأمني – السياسي)، والتي تستخدم فيها المقاومة سلاحاً يشبه مبضع الجرَّاح الماهر، الذي يعمل على استئصال الجزء الخبيث من المرض من جهة، وأن لا يؤذي الجزء السليم من العضو الذي يخضع للجراحة من جهة أخرى.
يصبح العمل الأمني السياسي الداخلي حاجة وضرورة على شرط ممارسته بدقة وحرص وعناية فائقة، وهذا يصبح واضحاً إذا ما عرفنا أن مهمات المقاومة انتقلت من ملاحقة جنود الاحتلال وهي عليه أسهل من ملاحقة عراقي عميل. فجندي الاحتلال مثلاً واضح بلباسه وبندقيته وآليته وقاعدته ومكتبه، أما العميل العراقي الذي ينوب عن الجندي الأميركي فأمر اكتشافه صعب حتى ولو كان يرتدي زي الجندي الحكومي أو الشرطي الحكومي، فهذا أو ذاك قد يكون من المضللين أو من الذين استغلَّ الاحتلال أو عملاؤه وضعهم المعيشي من أجل تجنيدهم في السلك الحكومي الأمني.
في هذه المرحلة، أصبح المقاوم العراقي يقف في مواجهة العراقي الذي يخدم في السلك الحكومي، والخدمة تعني أكثر من جندي أو شرطي، ضابطاً أكان أم فرداً، بل تعني كل موظف يعمل في مؤسسات الدولة الرسمية، ولا تستثني من ذلك بعض المترددين والخائفين من كبار السياسيين.
وإذا كانت الصورة هي على ما قمنا بتصويره، يعني أن جزءاً كبيراً من عمل المقاومة قد يصب في دائرة الحرب الأهلية إذا أخطأت الهدف في التمييز بين من هو مغلوب على أمره، وبين من هو يشارك عن سابق إصرار وتصميم. ومن البيِّن أن المقاومة حريصة على منع الوقوع بالخطأ، خاصة وأنها أعلنت ذلك في أكثر من بيان أو تصريح أو مقابلة صحفية.
ولأن للحركة الشعبية دور أساسي في إسقاط العملية السياسية، يصبح العمل السياسي بين الجماهير ضرورياً لجذب المترددين من أطياف الشعب العراقي، ولذلك يجب أن يتصف بالحذاقة والتطمين والإقناع، كما يتطلب مهارة ودراية في تحريكه للمطالبة بحقوقه المنتهكة على كل الأصعدة. ومن ضمن ما يمكن أن يتصف به جهد المقاومة السياسي مع الجماهير العراقية، نذكِّر ببعض ما يلي:
لما أصبح الاحتلال احتلالاً غير مباشر، وهذا أمر قد لا يدرك العراقي العادي أبعاده وخطورته، فقد تكون نقمته على الاحتلال قد خفَّت بعد تجميع من تبقى في قواعد معظمها بعيداً عن أماكن السكن. وهذا أمرٌ يتطلب الكشف عنه وتعريته، خاصة أن الإعلام المعادي يقوم بحملة تضليل واسعة النطاق. ومن ضمن ذلك إن التضليل الإعلامي، الذي تمارسه أجهزة الإعلام الأميركية والإيرانية، قد مسخ هوية حكومة المالكي العميلة وجعلها تبدو كأنها حكومة شرعية يقودها عراقيون وصلوا إلى الحكم وفق قواعد ديموقراطية مبنية على انتخابات تشريعية.
لهذه الأسباب، يمكن في اللحظة الراهنة اعتبار مهمة المقاومة العراقية ذات شقين:
- الأول وطني، باعتبار حكومة المالكي، التي شكَّلها الاحتلال، بمثابة حكومة للاحتلال، فمن يشارك فيها أو يدعمها يكون كمن يرتكب جريمة الخيانة الوطنية. والعمل ضدها يتساوى مع العمل ضد الاحتلال.
- والثاني مطلبي، ويقتضي استنهاض الشعب العراقي لاستعادة حقوقه وانتزاعها مستفيدة من أخطاء وجرائم من يتولون مسؤولية (العملية السياسية). ومما يساعد على ذلك أن تلك الأخطاء والجرائم أكثر من أن تُحصى. وأن المواطن العراقي ليس بحاجة إلى أدلة وبراهين على وجودها لأن جرائم حكومة المالكي العميلة تلذعه كل يوم في مأكله وملبسه ومرضه ومنع العلم عن أبنائه، و..و..، وهو الضحية التي تنال من الأذى ما تناله.
وطالما أن الأمر هو ما عليه، نتساءل: لماذا لا يثور الشعب العراقي بمقدار ما يناله من أذى حكومته التي لا تترك باباً من أبواب الفساد والجريمة إلاَّ وشرَّعته أمام اللصوص، ويأتي في المقدمة منهم الصف الأول ممن يتولون الحكم في العراق الآن؟
وإذا ما عملنا على مقارنة ما يجري في الشارع العربي مع ما يجب أن يحصل في الشارع العراقي، فنقول إذا كانت أسباب ما يجري في الشارع العربي هي الثورة ضد ظلم أنظمته وتعسفها، فحري بالعراقيين أن يثوروا بوتائر أعلى وأكثر ثورية، لأنهم يواجهون ديكتاتورية ملوَّثة بالخيانة الوطنية لخضوعها لإملاءات التدخل الخارجي من جهة، ولأنها تمارس أقذر أنواع الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحق الشعب الذي تحكمه من جهة أخرى.
واستناداً إلى ذلك، يصح القول بأن الحراك الشعبي في معظم الأقطار العربية يتم من دون قيادة ودليل، أما في العراق فهناك قيادة ودليل استراتيجي ولكن بحراك شعبي يحصل ولكن ليس بالمقدار الذي يهز فيه كراسي ديكتاتورية حكومة المالكي وفسادها وجرائمها.
واستطراداً، نرى أن الشعب، فيما تُسمى انتفاضات (الربيع العربي) يتحرك بوتائر ساخنة ولكن من دون دليل نظري ومن دون قيادة تقوده إلى الشاطئ الآمن، نرى الصورة في العراق معكوسة، فهناك دليل وقيادة، ولكن لا حراك شعبياً ملحوظ المعالم حتى الآن، وحيث يوجد هذا الحراك، فإنه يتم التعتيم عليه وتجهيله، والأخطر من كل ذلك يتم توصيف أسبابه بالعوامل الطائفية والمذهبية وتجهيل أسبابه ودوافعه الوطنية؟
إنه الإعلام المعادي للقضية الوطنية القومية، يبرز الحراك بأثواب إيجابية في أقطار عربية، ويعتِّم عليه في العراق ويتجاهله. إنه بلا شك له علاقة بازدواجية المعايير التي تمارسها قوى التدخل الخارجي في الشؤون العربية. وهنا لا يفوتنا التساؤل: وهل كل جماهير الأقطار العربية، التي تأتلف في حراك شعبي زلزل أنظمة التعسف السياسي والاجتماعي، هي أكثر ثورية من الشعب العراقي؟
جواباً على ذلك، نرى أن الأمر ليس كذلك، بل نقول أكثر: إن الشعب العراقي، بعد أن أثبت كفاءته التاريخية بطرد احتلال أكبر قوة عالمية معاصرة، هو من أكثر المجتمعات العربية وعياً في هذه المراحل، وأكثرها إقداماً لتقديم التضحيات، والدليل على ذلك أنه أعطى الأولوية لمواجهة الاحتلال على ما عداه من مهام أخرى، كما أنجز مهمته بكفاءة عالية ستذكرها كتب التاريخ التي ستُدوَّن لتلك المرحلة.
وأما الآن، بعد أن وُضع في مواجهة مغايرة لمرحلة الاحتلال المباشر، يتحفَّز هنا أو هناك من أجل القيام بثورته المطلبية في وجه حكومة عميلة. ولهذا يصبح من المُلحِّ جداً توضيح أن الاحتلال للعراق ما زال موجوداً ولكن تحت أقنعة عملاء الاحتلال، الذين يتلطون تحت قناع (العملية السياسية)، بمن فيها من عملاء يؤدون أدواراً سياسية، وبمن يؤدي أدواراً عسكرية وأمنية، ومنهم من يؤدي أدواراً في الفساد الإداري والاقتصادي والاجتماعي. لقاء هذا الواقع من الضروري رفع شعارات للمرحلة الراهنة، ومن أهمها: إن الحكومة التي شكَّلها الاحتلال، هي احتلال آخر؛ ومواجهتها في هذه المرحلة مهمة أساسية في مواجهة الاحتلال.
هذا الأمر ليس عصياً على الفهم والإدراك، إذ أن حكومة المالكي الآن تقوم بتنفيذ إملاءات الاحتلال الأميركي من جانب، وإملاءات الاحتلال الإيراني من جانب آخر. وإن المواجهة التي تخوضها المقاومة العراقية ضد طرف من أطراف الاحتلال المُقنَّع، مع ترتيب الأولويات، تؤدي إلى إضعاف الطرفين الآخرين. وفي المحصلة يُعتبر تقويض العملية السياسية، في هذه المرحلة، بمثابة تقويض لأسس الخيمة كلها. وإذا كانت مهمة المقاومة في مرحلتها العسكرية فرض كفاية فالمواجهة الآن في المرحلة الجديدة فرض عين على كل عراقي أن يؤدي دوره فيه. وبإيجاز تقوى عملية تحرير العراق من فلول الاحتلال كلما تكامل جهاد المقاومة العراقية مع الحراك الشعبي العراقي.
وأخيراً نقول: إن ما يتسرب اليوم من أنباء عن مظاهر البداية في حراك شعبي عراقي يُنبئ بالاستمرارية، كما يُنبئ أنه أتي بزخم شديد ولن يتوقَّف حتى تحرير العراق من فلول الاحتلال الأميركي الذي أفل نجمه منذ سنوات، وسيجتاح بقوة زخمه الاحتلال الإيراني البديل، بعد أن يُرغم كل الخونة من العراقيين على الهرب يلوذون بسلامتهم لكي ينعموا بما سرقوه ونهبوه من حق العراق والعراقيين.
شبكة البصرة
الاربعاء 13 صفر 1434 / 26 كانون الاول2012
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط