لم يتعوّد التونسيون على مشاهد حرق وتخريب وهدم اضرحة الاولياء الصالحين التي تعتبر جزءً من التراث والذاكرة الوطنية لعموم التونسيين. حرق مقام سيدي بوسعيد الباجي الشهير، خلّف صدمة تحولت الى غضب لعجز السلطات عن وقف مسلسل التخريب والحرق.
زمردة دلهومي من تونس: يتواصل مسلسل حرق وتخريب أضرحة الأولياء الصالحين بتونس، لتفوق حوالي 30 ضريحا بعد الثورة وآخرها مقام «سيدي بوسعيد الباجي» العالم المتصوف الذي منح إسمه للقرية التي تطل على خليج تونس بالضاحية الشمالية للعاصمة وهي قبلة السياح الوافدين من مختلف دول العالم.
صمت الحكومة
أمام صمت الحكومة التي تكتفي بالاستنكار والتنديد دون اتخاذ الإجراءات الاحتياطية والوقائية اللازمة وتحديد هوية وانتماء الجهة التي تقف وراء ظاهرة الاعتداء على الأضرحة التي بدأت تتهاوى الواحدة تلو الأخر، ترتفع أصوات المجتمع المدني منادية بضرورة ايقاف المتورطين.
ويفيد اغلب الناشطين في الحقل الثقافي ومكونات المجتمع المدني ان المتورطين في عمليات حرق مقامات الأولياء هم أشخاص أو جماعات لا ينتمون أصلا للثقافة التونسية وتحكمهم توجهات ومبادئ دخيلة ووافدة وغريبة عن المجتمع خاصة بعد تتالي هذه الظاهرة التي أتت على ابرز رموز الموروث الثقافي بالبلاد التونسية.
ويوجه البعض أصابع الاتهام إلى عناصر إسلامية متشددة باعتبارها ترى في زيارة أضرحة الأولياء الصالحين شركا بالله.
مسلسل الاعتداءات
لعل أهم هذه الاعتداءات انطلقت بهدم الجزء العلوي لقبة الولي الصالح سيدي المحارب الكائن بمنطقة «الفالاز» النائية المطلة على شاطئ البحر بمحافظة المنستير واعتداءات سابقة على مقامي وليين صالحين من خلال النبش عن رفاتهما وهدم قبة زاوية سيدي يعقوب بمنطقة مطماطة الجديدة التابعة لمحافظة قابس بالجنوب التونسي، وهدم ضريح الولي الصالح سيدي عسيلة في بادرو بالعاصمة، وحرق مقام الولي عمر السماتي الموجود بمقبرة في ضواحي مدينة سبيبة من محافظة القصرين بالوسط الغربي وحرق مقام الولي الصالح علي الحشاني بمنزل عبد الرحمان بمحافظة بنزرت بأقصى شمال تونس وحرق مقام «سيدي عبد القادر» بمدينة منزل بوزلفة بالوطن القبلي وحرق مقام السيدة المنوبية بمحافظة منوبة وحرق ضريح سيدي عبد السلام بالعاصمة وضريح «سيدي عبد العزيز» بالمرسى وحرق مقام سيدي صالح بجندوبة بالشمال الغربي للبلاد التونسية ثم اخيرا حرق مقام الولي الصالح سيدي بوسعيد الذي يعتبر من اهم الوجهات السياحية بتونس.
محو الذاكرة
من جهتها، دانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو في بيان تدنيس وحرق مقام الولي الصالح«سيدي بوسعيد الباجي» معتبرة ان حرق هذا المكان الرمزي الذي يعود إلى القرن الثالث عشر والذي أعطى شهادة ميلاد قرية سيدي بوسعيد يمثل خطوة إضافية في حملة تدمير معالم من الذاكرة الثقافية وتاريخ تونس، وهذا التدمير التراجيدي لا يسيء فقط للتراث الروحي والمادي للبلاد ولكنه يستهدف قيم التسامح واحترام المعتقدات المختلفة والتنوع الثقافي".
دعت المنظمة السلطات التونسية لاتخاذ الإجراءات الإستعجالية لحماية المواقع الأثرية التي تمثل ثراء ثقافيا وتاريخيا في مواجهة أي اعتداء يهدد سلامتها، وأبدت اليونسكو استعدادها لتقديم المساعدة الضرورية لإعادة تهيئة المواقع التي تعرضت للاعتداء.
التراث الوطني
يقول الدكتور منتصر حشاني الباحث في التراث الإسلامي والمختص في علم الاجتماع، في إفادة لـ"إيلاف" انه ولئن استنكرت وزارة الثقافة التونسية الاثنين أعمال هدم طالت زوايا ومقامات صوفية في البلاد، تمثل جزءا من التراث الوطني في بعديه المادي واللامادي، فان السلطات المعنية يجب ان تمنع هذه التجاوزات وتضرب بقوة على يد مرتكبيها حتى يكفوا عن "الاعتداءات" التي طالت الزوايا والمقامات التي تختزل الذاكرة الوطنية.
وقال حشاني ان عمليات الحرق والتخريب التي تطال الاضرحة والمقامات لا يمكن ان تنال من المخزون الفكري للفرد او للجماعات لان هذه المقامات تنبع أساسا من الثقافة التي يتلقاها الطفل منذ الصغر، وبالتالي كان لابد من خلق خطاب توعوي فكري يوجه إلى الأطفال والشباب لخلق ثقافة جديدة تستند بالأساس على الفكر والتوعية والتدريس بدل خلق ثقافة التدمير والتخريب والتدنيس التي من شانها ان تعمق الهوة بين المجتمع المتمسك بعاداته وتقاليده وموروثة الثقافي والتراثي، وبين الجماعات المتشددة التي تقوم بهذه الأفعال غير المدروسة وتزيد في نفور المجتمع منها دون اعتماد اسس علمية واضحة.
وقال ان الدعوة يجب ان تتوجه الى هذه الجماعات التي تتلف الأضرحة بالتوجه الى مرتادي المقامات وتنوير عقولهم عبر الحوار الشفاف والخطاب اللين العلمي حتى تزداد ثقة الأفراد في ما يقدمونه ويتعلمون بطريقة او بأخرى ما نزل في كلام الله الجليل وما يجب أخذه من عبر، على حدّ قوله.
وأكد منتصر حشاني الباحث في التراث الإسلامي ضرورة اعطاء الحرية للإفراد لاعتناق كل ما يتصورونه من مبادئ، ففي اخر المطاف المسالة عقائدية وتخضع لعلاقة افقية بين الخالق وعبده ولا يمكن لأي فرد بأي حال من الاحوال التدخّل فيها.
ممارسات غير مجدية
إلى ذلك، تقول امنة المازري وهي باحثة في الجماعات الاسلامية في تصريحها لإيلاف ان هذه الممارسات لن تزيد المسائل إلا تعقيدا ولن تكون فيصلا في قطع الصلة الروحية والعلاقة الميتافيزيقية التي تربط الفرد بالأولياء الصالحين الذين يتبركون بهم ويعتبرونهم مثالا في التقوى والطاعة والايمان.
تضيف: "محاربة الفكر الراسخ لدى اغلب المجتمعات العربية في ان الاولياء الصالحين رجال الله في الدنيا وان بركاتهم قادرة على الخروج بالفرد من الإحساس باليأس الى الانفراج من خلال التضرع بالدعاء وتقديم النذر لا يمكن ان يكون عبر الوسائل العنيفة او الحرق والإتلاف، لان هذه الممارسات ستزيد في عقيدة البعض بان هذه المقامات اتلفت بغاية السرقة لا غير دون الوعي بالخطاب الديني الذي يقف وراء هذه العمليات والذي يهدف الى ايصال رسالة اكيدة مفادها ان ارتياد هذه الاماكن انما هو شرك بالله ورجس من أعمال الشيطان.
سلوك أرعن
تقول امنة المازري ان الجماعات المتشددة التي تأتي مثل هذه الأفعال تعتبر ان ما تقوم به من ممارسات انما يندرج في اطار تطهير الفكر البشري من الاعتقادات الظلامية التي تعتبرها منافية لما يقدمه الدين الإسلامي، وهي حسب اعتقادها تفكير خاطئ يسيء الى الفكر الإسلامي، وهو سلوك ارعن يعطي فكرة خاطئة عن السلف الصالح وعن الإسلام وعن القيم الإنسانية.
تضيف: "هي سلوكات غير واعية من شانها ان تبث الفتنة والبغضاء بين افراد الشعب الواحد ولسائل ان يسال في هذا الاطار هل هدم الصحابة بيت الرسول صلّى الله عليه وسلّم ؟ وهل هدم الصالحون من السلف بيوت الصّحابة ؟ انه الجهل بالدين وبالتاريخ و بالسلف الصّالح وهي ممارسات يجب أن يكف مرتكبوها عن القيام بها حتى لا تتعمق الهوة بين الأطراف".
وتؤكد الباحثة أن السجلات التاريخية في الأبحاث التاريخية تفيد بان المقام الذي تم اتلافه وحرقه هو للولي الصالح سيدي أبو سعيد خلف بن يحيى التميمي الباجي 551هـ- 628هـ / 1156م – 1230م.. كان صوفيا دافع عن الإسلام ضد حملات المشركين عندما كان من بين الجنود الذين يراقبون السّاحل، ووهب نفسه للتأمل والتمارين الروحية وتفرّغ الى الصلاة وتقديم الدروس الى التلاميذ ودفن أبو سعيد في مدينة سيدي بوسعيد التي سميت باسمه تخليدا لذكراه ولم يقع بناء جامع الزاوية إلا في القرن 18 حيث احتضن ضريحه بأمر من محمود باي ثم شيد لنفسه مسكنا بالقرب من المسجد.
أبحاث وتحقيق
ومن جهته، ذكر احد المسؤولين بأمن منطقة سيدي بوسعيد لـ"إيلاف" ان مهمة الابحاث في هذه القضية اوكلت الى الفرق المختصة، وانه الى اليوم لم تحدد هوية الافراد الذين اتوا بمثل هذه الافعال وقال ان البعض يعتقد ان عطبا كهربائيا وراء هذه الحادثة بانتظار ما ستفرزه الأبحاث لاحقا.
Share on facebook Share on twitter Share on linkedin Share on gmail Share on hotmail Email pic
عدد التعليقات 2
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
1.السلفية
عراقي يكره البعثية - GMT 23:19 2013 السبت 19 يناير
هل تتصور الشيوعية او الامبريالية او البوذية او الوجودية او العبثية او اللا ادرية او المسيحية او اليهودية او الاباحية او المثلية الجنسية او الطوبائية او النازية او الفاشية او الهندوسية او السيخية من تقوم بهذه الافعال ؟؟ لا والف لا ..لايوجد الا مجموعة بربرية متوحشة هي السلفية الارهابية عدوة الانسان والانسانية
51 قيّم التعليق -4أبلغ عن إساءةإرســال رد
2.كاميكاز الامة المهزومة
احمد هاشم الحبوبي - GMT 23:47 2013 السبت 19 يناير
فكر بائس ومتهافت يقودنا من فشل الى فشل. حين ايقن اليابانيون بقرب هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، لم يبق امامهم سوى الانتحار لتجنب الاقرار بهزيمة فكرهم قبل كل شيء. والان نعاني نحن العرب واغلب المسلمين من نفس الازمة، فنحن امة مهزومة وعاجزة. وبدلا من تحري وسائل النهوض والتطور؛ اخترنا الهزيمة والعودة القهقرى الى مجاهل التاريخ لنداري عجزنا وكسلنا وجدبنا الفكري. لم يحترف كاميكاز امتنا المهزومة سوى قتل الابرياء وتدمير كل ما تطاله اياديهم، ألا تبت اياديهم.
---------------------------------------------------
حريييييياه ...حريييييياه