بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خواطر حول الثورة السورية (2)
قمة الكبار/G8
شبكة البصرة
http://www.albasrah.net/ar_articles_2013...200613.htm
د. محمد أحمد الزعبي
1. في السابع عشر من أبريل (17/6/2013)، ولمدة يومين كاملين، اجتمع في إيرلندا الشمالية (الثمانية الكبار) ليتدارسوا في الغرف المغلقة، كيف يمكنهم، حل الأزمة السورية، مع المحافظة على مصالحهم وهيمنتهم على الآخرين في آن معاً، تلك الهيمنة المتواصلة، منذ كريستوف كولومبوس في القرن الخامس عشر، وحتى باراك أوباما في القرن الواحد والعشرين، والتي جعلت من هؤلاء الكبار صناع وتجار ومحتكري سلاح، وحولت الآخرين إلى مجرد مستجدين ومستهلكين لهذا السلاح. (أنظر: هارالد نويبرت، النظام العالمي الجديد ومشاكل العالم الثالث،على ضوء اكتشاف أمريكا قبل 500 عام، ترجمة محمد الزعبي وممتاز كريدي، بيروت 1996). وتعود الأسباب العميقة والبعيدة لاكتساب هؤلاء الكبار هذه الصفة (الكبار)، وبالتالي تحكمهم على المستوى العالمي بورقة احتكار وتجارة السلاح (وهذا حسب شهادة بعض من أهلها على نفسه) إلى :
- يقول المؤرخ الفرنسي فرديناند بروديل "إذا لم يخذلنا انطباعنا الأول، فإن مناطق العالم الكثيفة بالسكان... [كانت ]في القرن 16، لاتزال متشابهة جداً، بل تكاد تكون شبه متساوية، علماً بأن أي سبق ضئيل كان يكفي دون شك لخلق وتأمين مزايا تصبح فيما بعد تفوقاً، فيما يتحول ضعف الطرف الآخر تدريجياً إلى تبعية" (نفس المرجع، صفحة 31).
- يتحدث الباحث بول كينيدي Paul Kennedy... عن "معجزة اقتصادية" ضمنت لأوروبا، حسب رأيه تفوقاً على بقية العالم منذ القرن الـ 15، "ولأن هذه المعجزة فريدة من نوعها تاريخياً، فإنه من المعقول الإقرار، بأنه لوكان هناك تماثل في المكونات في مكان آخر، لأعطى نتيجة مشابهة" (نفس المرجع، ص 32).
- ولقد كانت هذه المعجزة الإقتصادية، بكلمات الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي هي : "ومن اليسير البرهان على النظرية الآتية : إن "النمو" و"التخلف" يرتبطان برباط جدلي. وإن علاقتهما المتبادلة هي علاقة شرط وإنجاب، وبعبارة مشخصة على نحو أعظم، إن شرط "نمو" (الغرب) إنما كان بالضرورة وليد نهب ثروات القارات الثلاث (آسيا، أفريقيا، أمريكا اللاتينية، م. ز.) ونقلها إلى أوروبا وإلى أمريكة" (روجيه غارودي، حوار الحضارات، ترجمة عادل العوا، بيروت ـ باريس 1982، ص 45)
- وحسب هارالد نويبرت، فقد ولدت في الفترة مابين القرنين 14 و17 في بعض بلدان أوروبا، الظروف المواتية لمواصلة تطور البشرية، وهي ظروف لم تتوافر في العصر القديم، ولا في مجتمعات آسيا وأمريكا رغم تطورها الحضاري. (نفس المرجع ص 34).. فالحملات الصليبية التي سارت في القرون الوسطى نحو الشرق الأوسط، كانت في الأساس، بدافع جني ثمار الحضارات الشرقية لصالح أوروبا، بالنار والحديد، والسلب والنهب. فقد برزت التأثيرات البيزنطية في الفن المعماري، وبرزت التأثيرات العربية والشرقية الأخرى في علوم الرياضيات والفلك والجغرافيا والملاحة والطب، وظهر ذلك بصورة خاصة في إسبانيا بالذات حيث استمر الحضور العربي حتى نهاية القرن 15، وساد فترة طويلة " تفوق العالم الإسلامي الفكري في علم القرون الوسطى " في مجال العلوم المذكورة. ولقد مارس علماء عظام في الشرق، تأثيراً قوياً على الفكرالفلسفي والمعارف العلمية في أوروبا، نذكرمن بينهم - على سبيل المثال - : ابن سينا (980 ـ 1037)، وابن رشد (1126 ـ 1198) وابن خلدون (1332 - 1406). (نفس المرجع، ص 34/45).
كما أن إدخال واستعمال البارود، قد أدّى منذ القرن 14، إلى حدوث ثورة حقيقية في المجال الحربي، كان من نتائجها، التفوق على كل من لم يلحق بالركب، في ذلك المضمار. (نفس المرجع، ص 35).
في الشاهد السابق تعبيران لهما دلالة كبيرة، فيما يتعلق بفكرة هذه المقالة (قمة الكبار!!)، هما: كلمتا "إدخال، واستعمال" البارود، حيث تشيرالمفردة الأولى منهما، إلى أن البارود ليس ابتكاراً أو اختراعاً أوروبياً، وإنما هو صيني (كما هو معروف)، تم إدخاله إلى أوروبا. أما المفردة الثانية (استعمال)، فتشير - من وجهة نظرنا - إلى ضمور البعد الأخلاقي في التعامل مع أرواح الآخرين، والذي وصل إلى مدياته القصوى آنذاك، في استخدام أسلحة الدمار الشامل في ناغازاكي وهوروشيما في الحرب العالمية الثانية.
إن محاولة دول الـ G8 الحالية احتكار السلاح النووي لأنفسهم فقط، كوسيلة بيدهم للهيمنة السياسية الاقتصادية على بقية دول العالم، ولا سيما الغنية منها بالثروات الطبيعية، وخاصة النفط، إنما يصب بنفس طاحونة ضمور البعد الأخلاقي التي أشرنا إليه. ولابد من أن نضيف هنا إلى مسألتي، السلاح النووي، والضمور الأخلاقي للدول الرأسمالية والصناعية الكبرى في العالم مسألة ثالثة، هي استخدام هذه الدول ورقة "الديموقراطية"، وحقوق الإنسان، تلك الورقة التي وضعتهم حيال ثورات الربيع العربي، في مصر وتونس خاصة، في حيص بيص، فمن جهة، لايريدون التخلي عن مصالحهم الاقتصادية التي ارتبطت منذ الحرب العالية الأولى بوجود تلك الأنظمة والزعامات العربية المستبدة، المدعومة من قبلهم، ومن جهة أخرى، يريدون المحافظة على، مازرعوه في رؤوس الآخرين، بمن فيهم شعوبهم نفسها، من أنهم دول ديموقراطية، وأن أنظمتهم تمتاز عما سواها من أنظمة بقية دول العالم، بما فيه الأنظمةالاستبدادية التي يدعمونها، بهذه الصفة، أي الديموقراطية.
يتم في الوطن العربي هذه الأيام، تداول مقولة أن هؤلاء "الكبار"، وبالتعاون مع بعض الدول العربية والإسلامية، يريدون أن يجعلوا من سورية "مقبرة للربيع العربي". إن هذا يذكرني ببيت شعر الأخطل الكبير في هجائه للفرزدق : (زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً إبشر بطول سلامة يامربع).
يبدو لمتتبع أخبار مؤتمر الثمانية الكبار/G8 (أمريكا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، كندا، فرنسا، اليابان، روسيا)، انهم (من حيث الشكل) منقسمون على أنفسهم انقساما حدياً وجديّاً فيما يتعلق بالثورة السورية عامة، وبمسألة تسليح المعارضة السورية خاصة، وأن البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر جاء في مصلحة روسيا، وبالتالي بشار الأسد وإيران وحزب الله بصورة أساسية، وبالتالي فإن السبعة "الكبار" الآخرين، قد تحولوا إلى سبعة "صغار" أمام بوتين العملاق، ولعلهم باتوا بحاجة إلى مساعدة "جبهة النصرة" لتنقذهم من براثن هذا العملاق النووي الخطير!!، ولتلقنهم أيضاً شعار الثورة السورية الجديد: "مالنا غيرك ياالله".
إن مانرغب الإشارة إليه؛ فيما يتعلق بهذا الموضوع، هو، من جهة، أن أحداً لايمكنه أن ينكرأو يتنكر لوجود خلافات واختلافات في الرؤى والمصالح، بين هذه الدول الثمانية، بل إن وجود مثل هذه الخلافات والاختلافات بينها هو الأمر الطبيعي، ولكن من جهة ثانية، فإن هذه الخلافات والاختلافات، تتم جميعها (ومن حيث المضمون) تحت سقف "النظام العالمي الجديد"، أي نظام مابعد سقوط الاتحاد السوفياتي. إن مانعنيه بالنظام العالمي الجديد هنا، هو النظام الذي قسم ويقسم العالم إلى "كبار وصغار"، وبينما يتحدد عدد الكبار بثمانية دول لايزيد عدد سكان بلدانهم عن 890 مليون نسمة (أقل من سدس سكان العالم)، ولا تزيد نسبتهم عن 13% من سكان العالم، فإن أكثر من خمسة مليارات إنسان (أي مايزيد على 85% من سكان العالم) يندرجون تحت المفهوم المقابل لمفهوم "الكبار" ألا وهو مفهوم "الصغار"، رغم وجود دولتين ملياريتين (الصين والهند) بين هؤلاء "الصغار"!!. هذا مع العلم أن معظم هؤلاء "الصغار" هم من الدول الفقيرة والضعيفة، التي عليها أن تفتح بلدانها، برّاً وبحراً وجوّاً، لسادة العالم الكبار، ولشركاتهم الرأسمالية العملاقة عابرة الحدود والقارات والقوميات، ولطائراتهم المختلفة بما فيها تلك المسيرة ذاتياً بدون طيار.
إن معنى أن تتم هذه الخلافات والاختلافات بين الثمانية الكبار، تحت سقف النظام العالمي الجديد، إنما يشير بالنسبة لموضوعنا (الموقف من الثورة السورية)، إلى أن ماهو متفق عليه وحوله بينهم (بما هم محتكري صناعة وتجارة السلاح في العالم)، هو - برأينا - أكثر (وربما بكثير) مما هو مختلف عليه وحوله، وهو ماتشهد به جنيف 1 وجنيف 2، وربما سيصل بنا الأمرإلى جنيف 3، وهذا بالرغم من تلك التسريبات الإعلامية المدروسة والمقصودة، والتي تشي بغير ذلك.
إن الإشكالية القائمة الآن فيى سورية، هي أن ثورة آذار 2011، اندلعت في بلد ينتمي سياسياً وديموغرافياً إلى عالم "الصغار"، ولكن عمقه التاريخي والجغرافي سمح لهذه الثورة، أن تنظر لنفسها على أنها ثورة التحرر من نير التبعية والاستبداد والفساد، ثورة إعادة الاعتبار للحرية والكرامة والديموقراطية للشعب وللمواطن في سورية، وبالتالي إعادة الاعتبار للدور القومي العربي والإسلامي لسوريا، ذلك الدور الذي غيبه نصف قرن من الحكم الديكتاتوري لعائلة الأسد، نصف قرن من الاستبداد والفساد، ومن تغييب الشعب والمواطن، وبالتالي تغييب "المواطنة" المتساوية، التي تمثل ويتمثل شعارها تاريخياً بمقولة "الدين لله والوطن للجميع".
إن مثمّن "كبار" هذا العالم، لاتروق لهم - على ميبدو - هذه الأهداف التحررية لثورة آذار 2011، لأنها تتعارض مع مشاريعهم الاستعمارية، ومع الوضع الجغرافي التراجيدي الذي خلقوه بعد الحرب العالمية الأولى، سواء عن طريق سايكس - بيكو او عن طريق وعد بلفور، أو عن طريق التساند الوظيفي بين تكنولوجيا كل من "المصنع والمدفع"، سواء في سياساتهم عامة، أو في سياساتهم الاقتصادية خاصة، ولاسيما سياستهم تجاه البلدان النامية، ومنها الوطن العربي، ومنه سورية، التي خلقت ثورة آذار 2011 فيها، هذا الوضع العالمي الجديد.
إن الثورة السورية لاتريد أي تدخل عسكري من أحد، ولكنها تدين الصمت العالمي المطبق، ولاسيما صمت السادة الكبار، على تدخل الآخرين (روسيا، إيران، العراق، حزب الله...) في الشأن السوري، ودعمهم لبشار الأسد ضد ثورة الحرية والديموقراطية والكرامة. نعرف أننا سنجد من يقول، ولكن "أصدقاء الشعب السوري" لم يصمتوا على تدخل المذكورين في الشأن السوري، بدلالة مؤتمراتهم، واجتماعاتهم، وبياناتهم، التي باتت أكثر من أن تحصى!!. وردنا عليهم هو، المثل الشعبي الدارج "الكلام مافي عليه جمرك"، والمهم هو الفعل وهو النتيجة وليس الكلام.. لقد أوشك أن يصل عدد ضحايا نظام بشار الأسد وشبيحته وأعوانه، إلى العشرة ملايين بين قتيل، وجريح، وأسير، وسجين، ومشرد، ونازح، ولاجئ، أي تقريباً نصف عدد سكان سورية!!. (أنظر تقرير مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تاريخ 13.6.13، وفضائية الجزيرة، البرنامج الخاص بسوريا، الساعة 19.30 بتوقيت ألمانيا، ونشرة "الجزيرة هذا الصباح" الإخبارية في 20/6/2013)، فأين هم هؤلاء الكبار من كل هذا؟!!.
كان يمكن ألاّ نكون بحاجة إلى سلاح هؤلاء الكبار بالتأكيد، لو أنهم منعوا روسيا وإيران وحزب الله، من التدخل في الشأن السوري، وبالتالي من تزويد بشار الأسد بالمال والرجال والسلاح والخبرات. ولكن ومع كل ذلك، بل ورغم كل ذلك، فلابد أن يكون هؤلاء "الكبار" على يقين تام، بأن الثورة السورية، هي ثورة حرية وكرامة، ثورة ديموقراطية وحقوق وطنية مشروعة، ثورة "الشعب يريد سقوط النظام"، وهي لن تتوقف قبل بلوغها هذه الأهداف الوطنية المشروعة، أياً كانت التضحيات، وأياً تعددت "الجنيفات" شاء من شاء وأبى من أبى. وتقليداً لمعلمنا ابن خلدون نقول : والله أعلم.
19 حزيران، 2013
شبكة البصرة
الخميس 11 شعبان 1434 / 20 حزيران 2013