غيب الموت اليوم الجمعة عن عمر ناهز 102 من الأعوام، الجنرال فو نجوين جياب الرمز البارز في الكفاح لاستقلال فيتنام عن فرنسا وتحقيق النصر في الحرب الفيتنامية ضد الولايات المتحدة، حسبما قال مسئولون رفيعو المستوى بالجيش وأحد أقاربه.
وتوفي الجنرال في مستشفى عسكري في العاصمة هانوي، حسبما قال مسئول عسكري بارز في المستشفى. موضحاً أن جياب توفي جراء تقدمه في السن، وليس بسبب أي مرض، وذكر أن جسده تقرح جراء الاستلقاء في السرير لفترة طويلة. وأكد أحد أقاربه أن خبر وفاته سيعلن بعدما يصدق عليه أمين الحزب الشيوعي.
يذكر أن الجنرال جياب هو أسطورة حرب العصابات وأحد الزعماء التاريخيين للحزب الشيوعي الفيتنامي، وهو قائد قوات “الفيتمنه” وتمكن بعد سلسلة طويلة من المعارك من سحق القوات الفرنسية في معركة “ديان بيان فو “، في يونيو 1954 التي حفرت خلالها قوات الفدائيين الفيتناميين أنفاقا تحت الأرض لعدة أميال لتخرج من نهاياتها وتفاجئ القوات الفرنسية وعددها 18 ألف في ديان بيان فو، بعاصفة أتت عليها فقتل في المعركة ثلث القوات الفرنسية، وأسر الثلثين الباقيين وكان نصفهم من الجرحى واستسلمت فرنسا وحملت عصاها الاستعمارية الحقيرة ورحلت تجر أذيال الخزي والعار بعد أن نهبت وخربت وقتلت أعدادا ضخمة من أبناء فيتنام بلا أي رحمة أو وازع من ضمير، وكان من بين قتلاها والد الجنرال جياب وشقيقه وزوجته الأولى وولده.
وحصل جياب مع الزعيم الفيتنامي الأشهر “هوشي منه” على استقلال القسم الشمالي من بلادهم تحت اسم فيتنام الشمالية، وبدأت المواجهة مع القوات الأمريكية التي دخلت بكل ثقلها إلى جانب العملاء الذين نصبتهم في الحكم في جنوب فيتنام، وتصاعدت حركة المقاومة الوطنية في الجنوب تحت مسمى “الفيتكونج” تحت قيادة ومشاركة وتمويل وتسليح فيتنام الشمالية. وبعد سلسلة طويلة من المعارك الرهيبة، وبعد أن استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة المحرمة دوليا لإحراز أي انتصار، اضطرت عام 1969 للانسحاب مع جثث نحو 59 ألف من قتلاها، وكان نصر الفيتناميين الشماليين عليها أنشودة لكل المقاتلين من أجل تحرر بلادهم وشعوبهم.
ودارت مواجهات أخرى رهيبة بين فيتنام الشمالية وعاصمتها هانوي، وحكومة العملاء في سايجون والتي كانت الولايات المتحدة تدعمها بكل قوة، وفي عام 1975 أحرزت فيتنام الشمالية نصرها النهائي وسحقت قوات جيش العملاء ودخلت سايجون بعد معركة خالدة في تاريخ فيتنام والعسكرية العالمية.
وخاض “جياب” وهو وزير للدفاع معركة “منقار الببغاء” ضد قوات الخمير الحمر في كمبوديا وسحقهم في تلك المعركة وأوقف اعتداءاتهم على بلاده. وفي عام 1979، ومع تصاعد الخلاف الأيديولوجي مع الصين، اجتاحت القوات الصينية الحدود الشمالية لفيتنام، لكنها عانت من خسائر مروعة إزاء تفوق أسلحة وتكتيكات الفيتناميين، وانسحبت بعد ذلك واستعادت الدولتان علاقتهما القوية في وقت لاحق.
وكان جياب -الذي قضى السنوات الأربع الأخيرة في المستشفى- آخر قائد تاريخي لفيتنام الشيوعية على قيد الحياة، وكان من أحب قادة فيتنام إلى شعبه بعد مؤسس الحزب الشيوعي هو شي منه.
ويعد جياب -الذي ألف عددا من الكتب في مجال الإستراتيجيات العسكرية- مؤسس الجيش الشعبي الفيتنامي، وألهمت خططه الحربية المقاتلين في مختلف أنحاء العالم الذين كانوا يسعون إلى التحرر من الاستعمار.
ورحب جياب بعودة الدفئ إلى العلاقات بين فيتنام والولايات المتحدة الأميركية في سنة 1995، وقال “نستطيع أن نترك الماضي ورائنا ولكن لا نستطيع نسيانه”.