كامل النجار
لا شك أن كل من يتبع ديناً أو مذهباً يعتبر أن دينه أو مذهبه هو الأفضل وإلا لما اتبعه. وهناك ما لا يقل عن أربعين ديناً ومذهبا في عالم اليوم نذكر منها على سبيل المثال: اليهودية، المسيحية، الإسلام، البوذية، الكنفوشية، الهندوسية، الشنتو، السيخ، الأيزدية، الدروز (أهل التوحيد)، الذرادشتية، البهائية والرومني (الغجر). أغلب هذه الأديان سبقت الإسلام في الظهور، وجميعها تشترك في ثلاثة أشياء:
1- إقامة الشعائر الخاصة بالدين Rituals
2- مجموعة قوانين أخلاقية أو شريعة Code of ethics
3- فلسفة تشرح معنى الحياة Philosophy of life
فلا أعلم بأي شيء يتفوق الإسلام على الأديان الأخرى وبأي حق يصبح نبيه أكرم خلق الله جميعاً. المهم أن الأديان التي سبقت الإسلام، باستثناء اليهودية، لم تقم باحتكار الحقيقة وعاش أتباعها في وئام مع الطبيعة ومع المخالفين لهم في المعتقد. وكانت، وما زالت فلسفتهم: عش واترك الآخر يعيش، أوما كما يقول الناطقون بالإنكليزية: Live and let live. وعندما جاءت اليهودية، احتكر اليهود الإله أو احتكر الإله اليهود وجعلهم شعبه المختار وتجاهل الآخرين، أو هكذا زعم اليهود. ومن وقتها انتهت مقولة: عش واترك غيرك يعيش. ورغم أن اليهودية لم تكن ديانة تبشيرية، بل كانت خاصة فقط ببني إسرائيل، إلا أن إله التوراة فرض على اليهود قتل المخالفين وتدمير معابدهم حتى لا يعبد الناس إلهاً غيره. إنه جنون العظمة.
وجاء الإسلام هجيناً بين اليهودية والوثنية، واختار من اليهودية أبشع قوانينها ومن الوثنية عباداتها وعاداتها من تعدد الأزواج والطلاق الثلاثي والحج وتقبيل الأحجار والأضاحي. وبعد أن استتب له الأمر، خطا إلهه خطوة أبعد من خطوة "يهوه" وقال إنه إله جميع البشر وبالتالي أصبح فرضاً على جميع البشر عبادة إله الإسلام فقط، لا غير، وأصبح كل دين غير الإسلام لاغياً. وعليه احتكر المسلمون الحقيقة الكاملة وسفّهوا معتقدات الغير. وكلما تقادم الزمن كلما زاد اعتداد المسلمين بأنفسهم وبدينهم الذي لا يقبل الله ديناً غيره.
وانطلاقاً من هذه العنجهية كتب أحدهم مقالاً في صحيفة "الوطن" السعودية بتاريخ 22/4/ 2008، تحت عنوان "هذا الكتاب الجديد أسوأ من الرسومات". قال الكاتب (اسم الكتاب وترجمته "لماذا تركنا الإسلام: مسلمون سابقون يتحدثون بصراحة". بداية، غلاف الكتاب صورة تخيلية مفترضة ممزقة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ثانياً، الكتاب يتضمن اعترافات وأحاديث لمن يزعمون أنهم كانوا مسلمين ولكنهم قرروا ترك الإسلام مثيرين تساؤلات حول الإسلام وحول القرآن الكريم. ثالثاً الكتاب يحتوي على عبارات مسيئة جداً إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.) انتهى
ومن البديهي جداً أن أي شخص يترك الإسلام أو المسيحية أو أي معتقد آخر، لا يتركه اعتباطاً وإنما يتركه بعد أن يكون قد أيقن أن مجموعة قوانينه الأخلاقية لا تتفق وأخلاقيات ذلك الشخص، ولذلك ترك الإسلام أو غيره. والشخص الذي يترك ديناً ويعتنق آخراً أو يصبح لا دينياً، لا بد له أن ينفس عن نفسه ذلك الضيق والحرج الذي كان يشعر به قبل أن يترك دينه. ولا غضاضة في ذلك، رغم أن التنفيس يستدعي ذم ما يتركه الإنسان حتى يبرر لنفسه ترك ذلك المعتقد. فليس من المعقول أن يترك أي شخص ديناً ما ثم يمتدحه. ونقد الرسول محمد لا يعني بالضرورة الإساءة له، وربما لا يراه الناقد إساءة إنما إقراراً للحقائق. وكما قال ماركس: نقد الدين هو أساس النقد. ولكن لأن كاتب المقال المذكور يؤمن بأن تارك الإسلام يجب أن يُقتل، فهو يضيق صدراً بهؤلاء الرجال والنساء الذين تركوا الإسلام وقالوا رأيهم فيه. فهذا الرأي بالنسبة للكاتب يمثل تحدياً للمسلمين أكبر من تحدي الرسوم التي قالوا إنها مسيئة لرسولهم. ولا يبدو أن الكاتب قد قرأ الكتاب لأنه من غير المحتمل أن يكون الكتاب قد دخل المملكة، ومع ذلك يقول الكاتب إن الكتاب يحتوي على عبارات مسيئة للنبي. ولكن المسلم لا يحتاج أن يقرأ الكتاب حتى يحكم عليه. فرؤية عنوان الكتاب تكفي.
ثم يسأل كاتب المقال (هل أصبحت الدول الإسلامية ضعيفة الإرادة لدرجة أنه أصبح بإمكان أي شخص الإساءة لديننا وكتابنا ونبينا ونحن لا حول ولا قوة؟) انتهى. وبما أن فقهاء بغداد قد أغلقوا باب الاجتهاد في القرن الثاني عشر الميلادي، فأن الكاتب يريد للدول الإسلامية أن تغلق باب نقد الدين الإسلامي في بلاد الغرب. وطبعاً ليس من العدل أن نلوم شخصاً يعيش في مملكة آل سعود تحت سيطرة آل عبد الوهاب وسياط المطوعين، على عدم استيعابه ما يسمى في الغرب ب "حرية التعبير". فالذي ترك الإسلام أو لم يتركه يستطيع أن يكتب رأيه بكل حرية، وإذا لم نوافق على ما يقول فنستطيع أن نرد عليه ونفند كتابه. فالموضوع لا يستدعي ضعفاً أو قوة من جانب الدول الإسلامية
وبما أن الإسلام، في نظر المسلمين، هو الدين الوحيد الصحيح وما غيره منسوخ، يجوز للمسلمين الإساءة لكل الأديان ولأتباعها، ولكن لا يحق لهؤلاء الأتباع نقد الإسلام، لأن ذلك يعتبر إهانة بالغة لحساسية المسلمين المفرطة. فعندما دعت بعض منظمات المجتمع المصري إلى عقد ندوة في دار الصحافة لمناقشة مشروع مناهضة التمييز الديني خاصة ضد البهائيين، اعترض جمال عبد الرحيم مساعد الأمين العام لنقابة الصحفيين على الاجتماع وقال (إنه يرفض رفضا قاطعا أن تصبح نقابة الصحفيين منبرا للتبشير بالخرافات والخزعبلات للحركة البهائية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل. ثم شن هجوما على نقابة الصحفيين، قائلا إنه من العيب والعار عليها أن تسعى لتأجير قاعاتها لكل من هب ودب من أصحاب الفكر المنحرف دينيا من أجل تحقيق مكاسب مالية) انتهى (صحيفة "المصريون" 2/4/2008).
فيجوز إذاً للسيد جمال عبد الرحيم أن يتجاهل مشاعر البهائيين ويصف معتقداتهم بأنها خرافات وخزعبلات. ولا يجوز طبعاً أن يقول البهائي إن الإسلام خزعبلات وخرافات لأن ذلك يجرح مشاعر المسلمين.
وعندما كتب دكتور محمد عمارة كتابه "فتنة التكفير" وطبعته وزارة الأوقاف المصرية على نفقتها، وقال فيه إن المسيحيين يتساوون مع الزنادقة والمجوس وعبدة الأوثان، وإن دماءهم مستباحة، لم يتحرك الجامع الأزهر أو أي شيخ إسلامي ليدافع عن المسيحيين. وعندما ثارت ثائرة الأقباط ورفعوا دعاوى على د. عمارة، قال الدكتور إن الذنب ليس ذنبه لأنه نقل ذلك من كتب حجة الإسلام الغزالي، وناقل الكفر ليس بكافر. فإهانة المسيحيين، سواء من جانب د. عمارة أو من جانب الغزالي، مباحة في الإسلام لأن مشاعر المسيحيين ليست بنفس أهمية مشاعر المسلمين. ولكننا نسأل: ما دام ناقل الكفر ليس كافراً، لماذا أحرق المسلمون الكنائس وقتلوا المسيحيين عندما نقل البابا بنيدكت السادس عشر من محاورة الإمبراطور عمانيويل مع العالم المسلم الفارسي الأصل؟ والجواب يكمن في أن القاعدة الإسلامية هي إنه يحق لدكتور محمد عمارة وللغزالي ما لا يحق للبابا المسيحي.
يقول الشيخ المصري د. العوا في كتابه "للدين والوطن" (لا يجوز لرجال الدين المسيحي في المجتمع الذي غالبيته من المسلمين أن يناقشوا قضايا الدين الإسلامي وقضايا الفقه الإسلامي وقضايا الشريعة الإسلامية مناقشة من يقبل ما يعجبه ويرفض ما لا يوافق علي هواه ... "فما كان فرضا في دين الإسلام فلا يسوغ لأهل الكتاب من الأديان مناقشته مناقشة المتشككين في صحة العمل به أو ضرورة الإلتزام بما تقرر منه، وألا كان هذا تجريحا للإسلام يوغر القلوب) (مجدي خليل، إيلاف 9/7/2007). فالمسلمون يجوز لهم تشريح الكتاب المقدس للمسيحيين ورفضه جملةً وتفصيلاً لأنه محرّف، أما المسيحيون فلا يجوز لهم مناقشة الإسلام في بلد مثل مصر غالبيته من المسلمين. وقد شرّح ابن قيم الجوزية المسيحية في كتابه "هداية الحيارى" عندما قال عن حرب محمد لأمة المسيح (ثم قاتلها واذلها واخرجها من ديارها وضرب عليها الجزية ، واخبر انها من أهل الجحيم خالدة مخلدة لا يغفر الله لها وانها شر من الحمير ، بل هي شر الدواب عند الله) (ص 19). فكل هذا القدح والذم يجب أن يتغاضى عنه المسيحيون ولا يسمحوا له أن يوغر قلوبهم لأن مشاعرهم أقل من مشاعر المسلمين وقلوبهم ليست صافيةً كقلوب المسلمين. ويجوز للدكتور زغلول النجار أن يقول في حوار مع صحيفة "القاهرة" لسان حال وزارة الثقافة المصرية، بتاريخ 27/9/2005 (لا توجد مقارنة بين نزاهة القرآن وبين هزاءة ورداءة ما يسمى بالكتاب المقدس، فهو مثل الكشكول جمعه اليهود للنصارى، فهو كتاب مليء بالأخطاء العلمية والأخطاء الدينية والأخطاء اللغوية، فلا يقارن أبداً بالقرآن الكريم، وهم أنفسهم لا يعتبرون أن هذا نص سماوي بل نصوص بشرية تعبر عن رسالات نبوية سابق) (موقع الأقباط متحدون
http://www.coptsunited.com ). ويجوز للمستشار المسلم المصري السيد نوفل أن يحكم على راعي الكنيسة القبطية، البابا شنودة، بمراجعة قوانين الزواج والطلاق المعمول بها في ذلك الدين ويفرض علي البابا منح السيد عاطف كيرلس تصريحاً للزواج مرة أخرى بعد أن طلق زوجته الأولي، مع أن شريعة الكنيسة لا تقر الزواج مرة أخرى. ولكن لا يحق للبابا شنودة إبداء الرأي في الشريعة الإسلامية، كما يقول د. العوا.
وليت المسلمين اكتفوا بإعلاء دينهم فوق كل الأديان الأخرى، ولكنهم يطالبون العالم الآن بالاعتراف بأن ممارسة الجنس مع الأطفال وضربهم واستغلالهم جنسياً بنشر صورهم العارية على الانترنت من أجل الكسب المالي، وتجاهل حقوق الطفل الذي يولد خارج مؤسسة الزواج، كلها أشياء محمودة ويجب على المصريين وغيرهم عدم تعديل قوانينهم لحماية هؤلاء الأطفال. فقد حاولت الحكومة المصرية أخيراً وبعد صمت دام عشرات السنين أن تُدخل بعض التعديلات على قانون حماية الطفولة، فهب حماة دين الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لمنع الحكومة من تمرير هذه التعديلات. (فقد بدأ البرلمان المصري مناقشة مشروع قانون مقدم من الحكومة يمنع توثيق الزواج الأقل من 18 سنة ويجرم ختان الإناث، واستغلال الأطفال جنسياً بأي طريقة مباشرة أو عبر وسائل النشر والبث العادي والالكتروني، ويعطي الحق في تسجيل المولود المجهول الأب، باسم والدته) (الشرق الأوسط 23 أبريل 2008)
فكل شخص لدية ذرة من الإنسانية لابد أن يعتبر أن هذه التعديلات تمثل حجر الأساس في حماية إنسانية الأطفال المصريين، ولكن نواب الإخوان المسلمين بالبرلمان المصري هبوا هبة رجل واحد لإسقاط هذه التعديلات في القانون لأنها تتعارض والشريعة الإسلامية السمحة. شريعة تبيح نكاح الطفلة في سن التاسعة، وتجيز حرمانها من المتعة الجنسية بتقطيع عضوها التناسلي لأن الرسول قال "اخفضي ولا تُنهكي"، وشريعة تبيح إلغاء وجود الطفل الذي ولد سفاحاً لأن أحد المسلمين قد غرر بأمه فحملت سفاحاً، ولا ذنب لذلك الطفل فيما حدث، ولكن الرسول قال "الولد للفراش وللعاهر الحجر". ومعنى هذا أن الطفل يتبع للأب وتُرجم أمه، ولكن عندما يكون الأب غير معروف، تُلغي الشريعة وجود ذلك الطفل فلا يُسجل باسم والدته ولا يكون لديه شهادة ميلاد ولا يستطيع دخول المدارس لأنه يفتقد الأوراق الرسمية. وباختصار يكون ذلك الطفل لا وجود له في القانون. وهذا مما يُسعد نواب الإخوان المسلمين لأن مهمتهم في البرلمان المصري هي حماية الشريعة السمحة وليذهب أطفال مصر إلى الجحيم.
ولا يكتفي المسلمون بفرض إرادتهم على الأقليات غير المسلمة في بلدانهم، فهم يريدون الآن فرض إرادتهم على بلاد الكفار في جميع أنحاء العالم. فقد أصدر سيف الإسلام القذافي تحذيراً إلى السيد برلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا المنتخب حديثاً، أن يُلغي تعيين أحد الوزراء الذي كان قد لبس قميصاً قبل عامين مطبوعاً على صدره أحد صور الرسومات المسيئة لنبي الإسلام، وإلا سوف تقطع ليبيا الامدادات البترولية عن إيطاليا. ورغم أن ذلك الوزير كان قد استقال من الحكومة السابقة بسبب هذا القميص، فإن عقابه لابد أن يكون أبدياً ويُمنع من تولي أي منصب وزاري مدى الحياة لأنه تجرأ على إساءة خاتم الأنبياء.
ولو نظرنا إلى العالم اليوم من الشيشنيا في الشرق إلى المغرب في الغرب، مروراً بالفلبين وإندونيسيا والعراق والصومال والسودان والجزائر وباكستان وأفغانستان وغيرها من البلاد، فلا نجد قتلاً ودماراً وتفجيراً إلا في البلاد الإسلامية أو البلاد الأوربية التي سمحت للمسلمين بحق اللجوء السياسي. فلو زال الإسلام من وجه الأرض لزالت كل هذه الحروب وسفك الدماء. فالإسلام ليس هو الحل، كما يقول مرشحو الأحزاب الإسلامية، وإنما هو الإشكال.