الطبقة المتوسطة.. ما هي؟
الطبقة المتوسطة.. ما هي؟
بقلم مرسي سعد الدين
مقال لفت نظري في جريدة التايمز اللندنية, يتساءل: هل هناك فعلا طبقة متوسطة الآن؟ وإذا كانت لاتزال هناك تفرقة, فعلي أي أساس توجد هذه التفرقة ــ المال؟ التعليم؟ أو المواقف, ويأتي هذا المقال, وهو في صورة بحث مبني علي آراء مختلفة ــ في الوقت الذي دارت مناقشات حول الهوية والوطنية في انجلترا بعد أن تميزت بتعدد الثقافات والمقال بقلم بني وارك التي قامت باستقصاء آراء عدد ممن يرون أنهم ينتمون إلي الطبقة الوسطي, وحين قرأت المقال دارت في ذهني بعض الأسئلة حول الطبقة المتوسطة في مصر, ولعل الأوضاع التي يعبر عنها المقال تعطي لنا بعض المؤشرات علي الأوضاع في مصر.
وتبدأ الكاتبة المقال بقولها إن الطبقات المتوسطة تكثر من الشراب, وهي مديونة تتعلق حول صحتها ويعانون حول تعليم أبنائها, وهي تري أنه برغم استعمال هذا التعبير كثيرا علي أنه شارة تمنح القبول إلا أنه من الصعب معرفة معني هذه الطبقة, وهي تذكر هنا مقولة أحد زعماء حزب العمال حين قال منذ أحد عشر عاما نحن جميعا طبقة متوسطة الآن.
ونري من استطلاعات الرأي التي قامت بها الكاتبة, أن هناك آراء مختلفة حول ماهية هذه الطبقة, فهناك من يربطها بالجانب المادي أي بتوفير المال أو عدم توافره, بينما يري البعض الآخر أنه يرتبط بنوع العمل الذي يقوم به الفرد وموقفه تجاه بعض الأمور, وهناك آخرون الذين يركزون علي التعليم, وعلي محاولة الآباء أن يوفروا لأبنائهم أحسن تعليم, ومن ثم فهم يضحون لكي يلتحق أبناؤهم بمدارس خاصة, هناك في بعض تلك المدارس الخاصة مناهج لتعليم التلاميذ الاتيكيت, وكيف يشاركون في المحادثات دون أن يعرفوا موضوع الحديث, وينعكس تأثير هذه الدراسة في طريقة تناولهم الطعام.
ويري أحد الباحثين أننا نحكم علي الناس من صوتهم أولا وطريقة تحدثهم ثم منظرهم وطريقة ملبسهم, وبرغم هذه الآراء فلاشك في أن الجانب المادي مهم, فبدونه لن تستطيع الطبقة المتوسطة أن توفر التعليم المناسب لأبنائها, وهو تعليم مصروفاته مرتفعة, وتري ميشيل هاريون رئيسة معهد هنلي, الذي يراقب الاتجاهات الاجتماعية في بريطانيا, أن هناك العديد من الناس ذوي الدخول المتوسطة, ولكن العديد من هؤلاء ليس في استطاعتهم معيشة الحياة التي يريدونها, وتستمر الباحثة لتقول, إن المجتمع أصبح أكثر تعقيدا, حيث امتزجت فيه القيم وعلامات الهون, وهناك طبقات متوسطة متعلمة ليس في استطاعتها الحصول علي ما تريد, والآن في المجتمع الاستهلاكي أصبح التعبير عن طبقتهم مرتبطا بما يبتاعون في السوبر ماركت وأين يقضون إجازاتهم وماذا يقرأون, وهناك طبقات أخري بدون نوعية التعليم المرتبطة بالطبقة المتوسطة, ولكن لديها المال.
ويقول البعض إن قيما معينة هي التي تصف بها الطبقة المتوسطة, وأن ما يحددها ليس دخل أعضائها بل طريقة تفكيرهم, انها مواقفهم وثقافتهم ـ ويري أحد الأشخاص ـ الذين توجهت لهم الكاتبة أنه كان يعتقد أن التعليم ليس مهما ولكنه بعد أن طال به العمر يري أنه مهم للغاية, ويضيف قائلا إن الناس القريبين مني يمتازون بجانب خلاق نتيجة لقراءاتهم وتجد لديهم الكتب, ويعطي نموذجا لابن الطبقة العاملة الذي ينجح في حياته ويخرج عن نطاق طبقته, ولكن دخله المرتفع لن يجعله عضوا في الطبقة المتوسطة, وكل ما نراه ليس إلا مظاهر علي السطح فليس في استطاعتك أن تشتري القيم العميقة.
وتتحدث الكاتبة مع عائلة من زوج يعمل في الصحافة وزوجة تنتمي إلي المهن
professions وتقول الزوجة كانت أمي مدرسة ولم يكن لدينا سيارة كما هو الحال الآن, كما نعتبر أنفسنا ممتازين لأنه كانت لدينا مكتبة غنية بالكتب, كانت الطبقات المهنية, محترمة ولها مكانة عالية حتي ولو لم يكن لديها المال الكثير, والآن قد تصرف المزيد من المال ولكن الطبقة المتوسطة أصبحت تعاني وتقول الزوجة بالنسبة لي لا يهم ماذا تعمل وماذا تكسب, بل انت كشخص.
وتنهي الكاتبة بحثها قائلة إن ما يميز الطبقة المتوسطة المعاصرة أنها أوجدت طرقا جديدة لتتعرف علي نفسها, ان الموسرين ينتمون إلي الطبقة المتوسطة لأن لديهم المال, والمتعلمين ينتمون إليها سواء لديهم المال أو ليس لديهم ونحن نعيش بين أفراد مثلنا لأنه بذلك نشعر بإحساس الانتماء.
ونجد بعد ذلك مقالا بقلم كريس مامون يبدأه قائلا هناك افتراض لدي الطبقة المتوسطة أن كل شخص يسعي لتسلق السلم, ويشتري منزلا كبيرا وسيارة ويقضي اجازات في أماكن بعيدة, ولكن هذا ليس حقيقيا لجميع أعضاء الطبقة المتوسطة, ولكن هذا لا يمنع ربطه أيضا بالطبقة العاملة, وحين نتحسر لعدم وجود تناغم بين الطبقات فإننا نفترض أن الطبقة العاملة تشارك الطبقة المتوسطة في قيمها, وهذا يعني أنها لابد أن تسعي لتصبح طبقة متوسطة, ويعطي الكاتب نموذجا لمدينة هارلو في اسكس التي اقيمت بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة إسكان أهل لندن الذين دمرت منازلهم.
ويختبر الكاتب آراء بعض سكان هذه المدينة وهم مزيج من جميع الطبقات التي تضررت بسبب الحرب, ويقول أحد السكان حين يسأل عن الطبقات: طبقات؟ لا توجد طبقات متوسطة الآن, فأنت اما لديك مال كثير أو بدونه, إن هذا لا يهمني لأني لا أملك مالا, اني لا أنظر إلي الناس علي أنهم أعلي مني أو أقل مني.
ويقول ساكن آخر لا أعتقد أن النظام الطبقي يعتمد علي طريقة التربية أو الأصل, انه يعتمد علي ما نطمح إليه, ان أفراد الطبقة المتوسطة أمامهم فرص أكثر من أفراد الطبقات السفلي حتي ولو لم يكن لديهم المال.
ويعلق الكاتب بأنه توجد فعلا فرص في المدينة ولكن أفراد الطبقة العاملة من النادر أن يستفيدوا بها, ويضيف إن ما يؤكده السكان الذين قابلتهم هو أن التفرقة لاتزال موجودة بين الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة, ولكن بدون الاحساس بالتعالي أو بالنقص, الذي كان يميز النظام الطبقي في الماضي, وإذا كنت من الطبقة العاملة فمن المحتمل أن تبقي كذلك لقدرة الطبقة المتوسطة أن تملأ الوظائف الخالية من بين أعضائها وتوريثها لأبنائها, ولكن من المهم أيضا الاحساس الاجتماعي الذي يجعل الاختلافات الطبقية غير ذات أهمية.
|