صفحات من مذكرات أكرم الحوراني ـ 2
http://syriatruth.org/Al-Hakikah/index.php...iew&id=3015
نعيش هذه الأيام ذكرى مرور 45 عاما على انقلاب 8 آذار / مارس 1963 الذي جاء بالبعث إلى السلطة . وبالنظر لـ " الغموض " الذي اكتنف الوضع العام خلال الأشهر التي سبقت الانقلاب على الصعيدين الداخلي والإقليمي ( والدولي المتصل بشؤون المنطقة) ، أقلّه بالنسبة لأجيال عديدة لاحقة من ضحايا التجهيل الرسمي والمعارض ، رأينا أن تكون الاقتطافات الثانية من مذكرات الزعيم الوطني أكرم الحوراني حول تلك الفترة بالذات .
لكن ، قبل أن نترك للسادة القراء المجال لمطالعة هذا المقتطف ، نود أن نلفت انتباههم إلى مفارقة مذهلة حصلت معنا على خلفية نشر الجزء الأول من هذه المقتطفات . فقد وصلتنا رسالة مغفلة تبين لنا بعد فحصها إلكترونيا أنها قادمة من بريد أحد كوادر الصف الأول في إئتلاف " إعلان دمشق " . وقد عبر هذا " القيادي المستقبلي " ، الذي يمكن أن يصبح رئيس جمهورية في غفلة من غفلات الدهر ، عن قرفه واشمئزازه لإقدامنا على اختيار ذلك الفصل من من مذكرات الحوراني دون غيره من الفصول الأخرى !
أما سبب هذا الاشمئزاز والقرف فبسيط : إن الحوراني عرض في تلك الصفحات لملابسات تأسيس " التجمع الوطني الديمقراطي " ودور المخابرات العراقيه في تأسيسه ، وكيف سعت إلى " خردقة " المعارضة السورية وتجويفها! ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل وصف هذا القيادي المستقبلي الحوراني بأنه " كذاب و قليل الشرف والأمانة " ! أما نحن فكان نصيبنا من الشتيمة ليس أقل من ذلك ، إذ وصفنا بـ " نبّاشي المزابل وناشري الروائح الكريهة " !
من جهتنا ، نحن نسامح هذا الأخ ، ولكن السؤال هو : هل تسامحه زميلته في المجلس الوطني للإعلان ، فداء الحوراني ، على التعفيس بحوافره في إرث والدها على هذا النحو !؟ ونعني بالتحديد فداء الحوراني التي يضعون صورتها على موقعهم الرسمي بعد أن صنعوا منها جان دارك سوريا وروزا لوكسمبورغـ "ها" الوطنية الخاصة و " خطها الأحمر " الوطني كما يقول عبد الرزاق عيد !؟
ليس هذا أمرا مهما . فالحوراني يبقى الحوراني ـ الشجرة الباسقة في تاريخ سوريا التي لن يؤثر فيها هبوب هذا العجاج الديري المحمل بالغبار والزبل. ما هو أكثر أهمية هو أن الواقعة تظهر إلى مدى ضرب النفاق الرخيص ،والدجل الأكثر رخصا ، جذورهما في مناحي الحياة السياسية ، سلطة ومعارضة على السواء. كما ويظهر أن تسعة أعشار مخاتير " إعلان دمشق" إنما يستخدمون اسم فداء الحوراني على طريقة " فتيات الإعلانات " ، لكن بدل أن تظهر مع منظف للغسالات أو علكة سهام ، يتم تحويلها هي بالذات إلى منظف لأوساخهم وعلكة في أفواه مليئة بـ .. البراز السياسي ، كما قال تروتسكي ذات يوم!
والآن ، نترككم مع " أبو جهاد " في هذا الجزء من المقتطفات ، وهي مأخوذة من المجلد الرابع في مذكراته ( الصفحات: 3124 ـ 3164 ):
ـــــــــــــــــــــــــ
1963 : رئيس الجمهورية ناظم القدسي وقائد الجيش عبد الكريم زهر الدين يشجعان الفئات المعارضة لحكومة خالد العظم- كان الخلاف على الغاء قانون الطوارئ واطلاق الحريات العامة اهم نقاط الخلاف بين العظم والقدسي- الاشتراكيون العرب مع الغاء قانون الطوارئ- الاخوان المسلمون يعودون لترديد النغمة الامريكية حول الشيوعية التي تهدد سورية- تآكل الوضع في سورية بسبب صراع اطراف الحكم والاشتراكيون العرب يستقيلون من حكومة العظم -انقلاب الثامن من شباط 1963 في العراق وميشيل عفلق يحاول ان يقطع كل صلة للاشتراكيين العرب بثورة العراق - خلفيات انقلاب الثامن من آذار 1963 : ناظم القدسي وزهر الدين يطلبات مني بواسطة العقيد مزيد هنيدي الاشتراك معهما في انقلاب وزياد الحريري يرسل اخاه الشاعر محمد لاستشارتي في ذلك.
الوضع السياسي والاقتصادي خلال الاشهر الثلاثة السابقة لانقلاب الثامن من آذار 1963.
كان الهدف الرئيسي لحكومة خالد العظم الغاء حالة الطوارئ وتهيئة البلاد لاعادة الحياة البرلمانية الديمقراطية، وذلك باصدار قانون لتنظيم الاحزاب والصحافة، وقد ادى هذا لاستفحال الخلاف بين عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش وناظم القدسي رئيس الجمهورية مع خالد العظم وحكومته، لانهما كانا يريان في عودة الحياة الديمقراطية انتزاعا للسلطة من ايديهما.
ولما لم يكن بمقدورهما ان يتخلصا من حكومة خالد العظم بمجابهة مباشرة فقد لجآ الى التآمر على الحكومة بتشجيع كل الفئات المعارضة لها :
فالناصريون كانوا يعارضون الانتخابات المزمع اجراؤها في شهر تموز 1963 لأن جمال عبد الناصر كان يبذل كل ما يستطيع لاسقاط حكومة خالد العظم قبل ان تجري هذه الانتخابات التي يمكن ان تقيم وضعا دستوريا وديمقراطيا مستقرا في سورية، لذلك نشطت اجهزة المخابرات الناصرية في سورية بالتحريض على التظاهر وبذل الاموال حتى للطلاب، وقد اصبح معروفا (1) ان مديرة احدى ثانويات دمشق في حي المزرعة كانت تضع خمس ليرات واحيانا عشرا في جيب كل طالبة عند بدء المظاهرة.
كما كان الاخوان المسلمون بقيادة عصام العطار يعارضون اجراء انتخابات حرة في ظل حكومة خالد العظم، مما سيؤدي الى نجاح عدد كبير من الاشتراكيين وانصارهم في المجلس النيابي المرتقب، فقد نجح الاشتراكيون العرب نجاحا مرموقا في الانتخابات السابقة التي جرت بعد الانفصال رغم ان مقاليد الحكومة والجيش كانت بيد مأمون الكزبري وضباط الانفصال الموالين للاخوان المسلمين والتجار والاقتصاديين.
ومن جهة ثالثة فقد كان الاقطاعيون بطبيعة اوضاعهم يناصبون حكومة خالد العظم العداء بعد ان جدت بتنفيذ قانون الاصلاح الزراعي واجرت عليه بعض التعديلات لصالح الفلاحين.
كما اصبحت جريدة البعث التي منح ناظم القدسي امتيازها لصلاح البيطار المتحالف مع الناصريين، وجريدة اللواء التي أعطى امتيازها للاخوان المسلمين المتحالفين مع الاقطاعيين والناصريين منبرا لمعارضة حكومة خالد العظم، ولما كان الاشتراكيون العرب سندها القوي، وكانت حماه المنارة التي شعت منها الدعوة الى الديمقراطية الاجتماعية فقد ركز الاخوان المسلمون حملتهم ضد الاشتراكيين العرب في حماه ودمشق ووثقوا حلفهم القديم مع بقايا الاقطاع، وهو الحلف الذي عقدوه في الانتخابات التي تلت الانفصال، وهكذا فقد تكررت زيارات عصام العطار لمدينة حماه حيث كان يحرض طلاب الاخوان وطلاب الاسر الاقطاعية للاعتداء على طلاب الاشتراكيين العرب، ولكن ضبط النفس من قبل الاشتراكيين حال دون اتساع الفتنة وامتدادها الى الشارع مما يعطي لزهر الدين وناظم القدسي حجة لارجاع حكم الطوارئ، وقد ادت هذه الاعتداءات الى تعليق الدروس في بعض مدارس المدينة (النصر 13/11/1962).
لقد استغل رشاد برمدا وزير التربية والتعليم (حزب الشعب) هذا الوضع في مدارس المدينة ليشير باصبع الاتهام الى الحزب العربي الاشتراكي ويبرئ الاخوان المسلمين عندما صرح : "انني نبهت كثيرا الى اضرار زج الطلاب في مضمار الحزبية، وسنظل ننبه، وسنعمل جهدنا وطاقتنا لابعاد الطلاب عن الحزبية، على ان نعتني اولا بدعم الايمان بالله تعالى".
لقد اراد برمدا بهذا التصريح ان يصور الخلاف بين الاخوان والاشتراكيين العرب بأنه خلاف بين الايمان بالله وبين الالحاد، وتغطية لهذه الاقوال المتحيزة فقد صرح للصحف بأن التحقيق يجري في حوادث حماه وانه سيتخذ الاجراءات بحق الذين كانوا السبب في اثارة الفتنة، وقد تناسى برمدا في كل ما قاله وما صرح به وبصفته وزيرا للتربية والتعليم ان يشير الى ان عصام العطار قد اتخذ من المسجد الذي يقوم في وسط جامعة دمشق منبرا للتحريض على الاشتراكيين العرب، والى الاعتداءات التي اثارها هذا التحريض بين الطلاب.
كان الخلاف على الغاء قانون الطوارئ من اهم نقاط الخلاف بين ناظم القدسي وزهر الدين وبين خالد العظم الذي يشير الى ذلك في مذكراته :
"لقد كان رئيس الجمهورية واللواء زهر الدين يعارضان الغاء الاحكام العرفية زاعمين ان البلاد لا تزال تشكو من وجود بعض العناصر الناصرية التي سوف تنشط وتستفيد من الغاء حالة الطوارئ للقيام بمظاهرات واعمال تخريبية، وفي صبيحة اليوم الذي دعي فيه مجلس الوزراء الى الاجتماع لبحث الموضوع والبت فيه نهائيا، استدعاني الدكتور ناظم القدسي فوجدت قائد الجيش عنده، فتكلم الرئيس بما لا يخرج عن رأيه السابق في ابقاء حالة الطوارئ، وايده زهر الدين مؤكدا انه لا يتحمل اي مسؤولية اذا اطلقت الحريات، غير ان الاشتراكيين من الوزراء اعترضوا على تأجيل الغاء قانون الطوارئ ووقف الى جانبهم جميع الوزراء".
ويستطرد خالد العظم في مذكراته قائلا :
"وثمة من يقول ان الغاء حالة الطوارئ قد ادى الى انقلاب الثامن من آذار 1963 وان الحكومة تراخت في قمع المؤامرات الناصرية مما ادى الى تلك النتيجة، وانني ارد هذه التهمة وهذا الظن، اذ ان انقلاب 8 آذار لم تقم به الجماهير ولا الجماعات الناصرية، ولم تغل أيدي رجال دوائر الامن لقمع تلك الفتنة بسبب تقييد صلاحياتها، بل كان الانقلاب من صنع الضباط وبالاتصال مع جماعة العراق العسكريين، ولم يكن لقانون الطوارئ دخل في امكان قمع تلك الحركة بقانون ينفذ على المدنيين دون العسكريين"
"وكما اننا لم نجد انفسنا عاجزين عن قمع المظاهرات البسيطة التي قام بها بعض الطلاب الناصريين بما لدى سلطات الامن من صلاحيات عادية وبما لدينا من قوانين جزائية" (ص331-332 الجزء الثالث)
لقد أخذ الوضع في سورية يستقر بالرغم من الغاء حالة الطوارئ بعد ان حددت حكومة خالد العظم الاسس التي سيقوم عليها مستقبل سورية الاقتصادي والسياسي والتنموي في الخطاب الذي اذاعه العظم بتاريخ 21/12/1962، مما ادى الى مزيد من طمأنة الفعاليات الاقتصادية التي كانت قد عقدت مؤتمرا لها في حلب (19/11/1962 النصر) بعد ان زالت كل العوائق التي كانت تكبل الاقتصاد السوري ونموه الى درجة كبيرة واصبح من المأمول عودة رؤوس الاموال التي هربت في عهد الوحدة الى خارج سورية.
وكان البيان الذي القاه خالد العظم رئيس الوزارة القومية من اهم البيانات التي رسمت بالتفصيل، تصور الوزارة لسورية المستقبل، سياسيا واقتصاديا، واجتماعيا وفيما يلي اهم فقراته (الرأي العام 22/12/1962)
"ان اهتمامنا الاول منصب على ترسيخ دعائم الاستقرار في الوطن، وضمانة الحريات العامة للمواطنين، وليس للحريات عندنا من حدود سوى ما تفرضه مصلحة الوطن العليا، وفقا لاحكام القانون. اننا نعمل دائما لتوطيد الاستقرار على دعائم من الحرية، ونريد ان نستزيد من الحرية البناءة، لنزيد في تدعيم الاستقرار.
لذلك فإن حكومتكم القومية مازالت عند العهد الذي قطعته لكم، بأنها ماضية في اعداد التشريع الذي تقتضيه المصلحة العامة لالغاء حالة الطوارئ، في الموعد المضروب، لتنتقل بعد ذلك الى اعداد التشريعات اللازمة للسماح بتأليف الاحزاب السياسية ووضع قانون الانتخابات العامة، كمقدمة لاجراء الانتخابات الحرة النزيهة في شهر تموز القادم ان شاء الله.
ورغم ان حالة الطوارئ من الناحية النظرية والقانونية مازالت قائمة في البلاد لايام محدودة اخرى، فإن كل مواطن منصف يقر ان الحريات العامة التي يتمتع بها شعبنا افضل من الحريات العامة المتوفرة لأي شعب آخر في الشرق الاوسط كله. ومثل هذه الحقيقة الحية لا يمكن ان ينكرها او يشك بها الا مكابر او مغرض".
"اما اهتمامنا الثاني، فإنه منصب في الوقت نفسه على انجاز بعض مشاريعنا الانمائية التي بدأناها وسأحدثكم عنها بعد قليل بالتفصيل، والوصول في الوقت نفسه الى الطريقة الافضل لتحقيق مشروع سورية الانمائي الاول، مشروع سد الفرات. وكما سبق ان قلت لكم مرارا، فإن الذي تهتم به سورية حكومة وشعبا هو اقامة هذا المشروع وانجازه، والحكومة متيقنة ان هذا المشروع سينفذ وان سورية قادرة على تنفذه بمواردها، ان احتاج الامر ولكنها مازالت تؤثر ان تنفذ مشروعها العظيم ليفيد المواطنون والوطن من خيراته وثمراته بأسرع وقت ممكن. كما انها تحرص في الوقت نفسه على انجاز بعض مشاريعها الانمائية الاخرى في الوقت الذي تنفذ فيه مشروعها الانمائي الاول.
ولهذا فقد سلكت الحكومة طريق التعاقد مع بعض الدول الاجنبية للحصول على تسهيلات ائتمانية، لانها تريد ان تسرع في تنفيذ مشاريعها الاساسية كلها، لتزيد في دخلها القومي، لصالح رفع السوية المعاشية لابنائها جميعا وبأسرع ما يمكن.
وانا لا اريد ان يفهم احد من ذلك اننا نؤثر من حيث المبدأ دولة اجنبية على دولة اجنبية اخرى في التعاقد على المعونات والتسهيلات الائتمانية لتنفيذ مشاريعنا الانمائية وانما الذي نؤثره دائما هو التعاقد مع الدولة التي تقدم لنا الشروط الفنية والمالية الافضل لصالح تنفيذ مشاريعنا، اذا ما تساوت النيات الطيبة في العروض، ومعيار النوايا الطبية عندنا الافعال الصادقة لا الاقوال والوعود المعسولة. وعلى هذا الاساس فقد عقدنا اتفاقا مع الولايات المتحدة لانشاء صوامع الاغلال وبموجب هذا الاتفاق حصلنا على قرض قيمته 15 مليون دولار يسدد خلال اربعين سنة بفائدة قدرها 3/4 بالمائة، وهذا القرض يسد الجزء الاكبر من نفقات هذا المشروع الحيوي الذي يكلف انشاؤه 82 مليون ليرة. وابتداء من مطلع عامنا الجديد، ستباشر سورية باقامة احدى عشرة مجموعة من الصوامع ومستودعات الحبوب في مختلف مناطقها".
"عودة الان - ايها الاخوات والاخوان - الى نقطة اهتمامنا الثالثة، نقطة السعي المخلص لحكومتكم القومية، لكي ترفع سورية العربية راية نظامها الجديد عاليا، نظام التلازم بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية في ظل الدستور والحرية والعدالة، فقد انتهت التجارب الطويلة التي مرت بها سورية، وكان بعضها شديد القسوة، الى اقتناع ابنائها ان كل قتل للحريات السياسية على حساب انجاز الاصلاحات الاجتماعية اولا انما هو قتل لانسانية الانسان، والانسان اعز ما في هذا الوجود، كما اقتنعت اكثرية ابنائها في الوقت نفسه انه ليس من حرية صحيحة لاصحاب البطون الجائعة، والعقول الجاهلة، والاجساد المريضة.
ولهذا فإن سورية العربية اليوم ترفع الراية الثالثة في الوطن العربي، راية التلازم الذي لا انفصام له بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، وتنادي ان الانسان العربي بحاجة الى الحرية، والى الخبز، والى الكرامة معا، وان كل تضييق لهذه الحاجات المتلازمة الثلاث او تفريق بينها انما هو قتل عمد لها جميعا، بل قتل لانسانية الانسان، ومن هنا تجدون انني وزملائي السادة الوزراء في حكومتكم القومية قد جهدنا لاشباع جو وطننا حرية، وعدلا، وعملا، ومشاريع مثمرة، تكون خيراتها للمواطنين جميعا، فبقدر حرصنا على اشاعة الاستقرار، والثقة، واطلاق حرية تشكيل الاحزاب السياسية، والاعداد لانتخابات نيابية حرة، وتنفيذ مشاريع الوطن الانمائية لتزيد في ثورتها القومية، حرصنا على صحة تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي، واسرعنا في تمليك الاراضي للفلاحين، واعددنا ما يلزم للتعويض على من شملهم قانون تحديد الملكية الزراعية، وحافظنا على مكتسبات العمال، وسعينا لتصريف امور الدولة على وجه الحق ضمن حدود القوانين والانظمة".
"اننا في هذه الايام نشهد تمخضا لاقامة احزاب سياسية جديدة، وقيام الاحزاب السياسية امر طبيعي في بلد ينشد الديمقراطية والتمكين لها، لانه لا حياة ديمقراطية عمليا، ومن غير قيام احزاب سياسية".
"ولكن دعوني اقل لكم عامة، ولمن يتطلعون لتشكيل احزاب سياسية خاصة ان قيام الاحزاب السياسية في هذه المرحلة التي يجتازها وطننا، يجب الا يعني قيام حرب باردة او حامية بين الاحزاب".
"المهم ان يعرف كل حزب سياسي، ان ما من حزب واحد في هذه المرحلة التي يعيشها الوطن له الاكثرية المطلقة وبالتالي ما من حزب يستطيع ان يستلم مسؤولية الحكم لوحده. وما دامت هذه هي ارادة الشعب، فمعنى ذلك ان الشعب يريد من الاحزاب بدورها ان تتعايش وتتعاون".
"ان طبيعة بلادنا لا تسمح بعد لأي حزب سياسي ان تكون له صلة الاغلبية المطلقة في هذه المرحلة لينفرد بالحكم لوحده. وكل محاولة للاصطناع لا تعكس واقع الشعب وارادته، لن تكون نتائجها خيرة لا على الذي يصطنعونها، ولا على النظام الديمقراطي ولا على الوطن.
وارى ان الحكم القومي المستند الى ميثاق وطني يجب ان يدوم حتى تحقيق هذا الميثاق، وعندها يكون الوطن قد نعم خلال فترة معقولة بحكم مستقر يشترك فيه جميع العناصر السياسية الحزبية كما يصبح الحكم مستندا الى تنفيذ منهاج معين في فترة محدودة ومعينة، فإذا ما انتهى تنفيذ هذا المنهاج، كان للاحزاب السياسية، اما ان تتفق على منهاج آخر، وتبقى معا في حكم قومي، ريثما يتم تحقيق المنهاج الوطني الثاني او ينسجم بعضها في تشكيل حكم ائتلافي لتنفيذ منهاج جديد واضح، في حين تمارس الاحزاب الاخرى التي ليس لها الاكثرية في المجلس مهمة المراقبة والمعارضة البناءة وفق الانظمة الديمقراطية الدستورية".
ان الديمقراطية الصحيحة والسليمة يجب ان ترسخ في نفوس المواطنين وعقولهم جميعا، وكما ادت سورية العربية دورها الطليعي في موكب العمل للتحرر العربي الشامل من الاستعمار ونفوذه، حتى اصبحت بلدا من اصحاب الرسالات في هذا المضمار، فيجب ان تؤدي دورها الطليعي الجديد في ترسيخ المفهوم الديمقراطي الصحيح في الوطن العربي كله، دون ما تدخل بالشؤون الداخلية لأي جزء من اجزائه، لان النموذج الحي هو النموذج الذي يحتذى ولنتعاهد جميعا على ان نجعل من بلدنا النموذج الحي للحكم الديمقراطي الصحيح والسليم لتؤدي سورية العربية رسالتها نحو الامة العربية جمعاء، لخيرها ولخير الانسانية".
ثم يعدد البيان المشاريع الانمائية التي تنوي حكومته الاهتمام بها وفي مقدمتها سد الفرات، ثم ارواء الاراضي المستحدثة في الغاب من سد الرستن واستثمار مياه نهر السن، وتوسيع زراعة الحمضيات، انشاء مرفأ في طرطوس ليكون اكبر ميناء في الشرق العربي وربطه بسكة حديد مع حمص ووضعه تحت تصرف الاشقاء العرب، متابعة تنفيذ مشروع الروج، استثمار مياه اليرموك، توسيع مرفأ اللاذقية ومطارها، انشاء اسطول تجاري سوري، الاسراع بتوزيع الاراضي في منطقة اللاذقية واعطاء الاولوية في التوزيع للمحتاجين من سكان المحافظة المجاورين للغاب عند توزيع اراضي الغاب، بالاضافة الى عدد آخر من المشروعات، مع ملاحظة ان جميع المشروعات القائمة حتى الان في سورية قد استطاعت الدولة ان تسدد نفقاتها من اموالها الجاهزة بدون اي مساعدة خارجية الى ان يقول : وليسمح لي المواطنون الاعزاء ان اؤكد مجددا بأن سورية تستطيع عند الحاجة ان تعتمد على نفسها سواء في تأمين وسائل الدفاع الوطني بدون الحاجة الى اخذ الاسلحة والعتاد بالمجان من أية دولة اجنبية وذلك حتى لا تسخر سياستها لسياسة الدولة المتبرعة بالاسلحة وسواء في تأمين وسائل ازدهارها الاقتصادي عن طريق تنفيذ المشاريع الانمائية الى تدر على الخزينة موارد كبيرة وتسهم في رفع السوية الاجتماعية والاقتصادية بشكل مطرد وملموس.
وينتهي خالد العظم الى القول:
"وعندما نستطيع ان ننهي بعض تشريعاتنا الاساسية، وندفع الى الامام مشاريعنا الانمائية، ونجري الانتخابات النيابية الحرة في موعدها المحدد، اتقدم عندها الى مجلسنا النيابي الجديد لاقدم له كشف الحساب، وانا واثق بأنني قد بلغت اقصى ما يتمناه رجل سياسي مثلي، من اختتام لعمله السياسي على وجه تطلع معه لارضاء الاله الذي اعانه، وضميره الذي حركه، والشعب الذي احبه ووثق به، وعندها اكون قد اكتسبت الفخر الذي سأبقى معتزا به ما حييت، فخر كل من آمن بشعبه وعمل لوطنه، واعطى لخير بلده كل ما اعانه الله عليه".
رحم الله خالد العظم لقد كان وطنيا ورجل دولة بحق.
كان البدء بتنفيذ سد الفرات اهتماما رئيسيا لي في تلك الفترة ولوزرائنا المشاركين في الوزارة القومية، ولكنني كنت شاكا باقدام المانيا الغربية على تنفيذه، وقد اعربت عن ذلك بحديث لمجلة الشام نشرته بتاريخ 16/12/1962:
الاقتصاد هو الموجه الحقيقى للسياسة، وقد اصبح الاقتصاد في هذا العصر دعامة كل امر من الامور، وكل شأن من الشؤون، لذلك ارى دوما ان برامج التنمية في بلادنا هي اهم القضايا التي يجب ان نعالجها، ولا يمكننا الوقوف في وجه المطامع الاستعمارية الصهيونية الا بقدر ما نحققه لبلادنا من تقدم في الميدان الاقتصادي.
ان اول دعائم الاقتصاد في الشرق العربي هي مشاريع الري، فلا حضارة ولا صناعة ولا تجارة ولا تقدم ولا ازدهار الا بقدر ما نحيي ونروي من اراضينا، فالاقتصاد الزراعي الثابت القائم على مشاريع الري والغراس والتحريج هو البداية لتطوير التصنيع وازدهار التجارة بل هو الاساس لاشادة الحضارة وتحقيق التقدم والرخاء لهذه البلاد. وان الاقتصاد الزراعي الذي يعتمد على الامطار وحدها اقتصاد قلق مضطرب يهدد بالرجوع دوما الى حالة البداوة.
ان سد الفرات يروي حوالي تسعة ملايين دونم، اي ضعف اراضي المساحة المروية الان في سورية، وعدا ذلك فإنه يولد طاقة كهربائية بما تزيد على ثلاثمائة الف كيلووات، وهي طاقة كافية لانارة سورية بكاملها وستسخر للازدهار الصناعي دون شك، ان الغرب قد انفق كثيرا لتحقيق توازن القوى بين العرب واسرائيل خلال الخمسة عشر عاما المنصرمة لذا كان علينا ان نقلب هذا التوازن لمصلحة العرب، ان القوى العسكرية اليوم اصبحت اقتصادا وارقاما، وان هذه القوى اضحت تقدما وعلما، فالتقدم العلمي نفسه اصبح ايضا اقتصادا وارقاما، وان القوة العسكرية لأمة من الامم تكمن في قوة اقتصادها. وسد الفرات سيستوعب ويمتص كثافة السكان في سورية في الاعوام المقبلة، وسيزيد من انتاجنا الزراعي والصناعي والتجاري.
لقد بدئ بتنفيذ هذا المشروع عام (1957) حيث كان في برنامج التنمية الذي وضع عام (1956)، اقول بدء بتنفيذه فعلا، لان الدراسات التفصيلية كانت قد طرحت آنئذ في مناقصة عالمية، ولا ادري ما هو السر الذي دعا الى الغاء هذه المناقصة. ثم قامت الوحدة عام (1958) واجرى الخبراء السوفييت دراسة اولية على هذا المشروع، وكانت دراسة مفيدة ومجدية. وبعد استقالتنا عام (1959) عقد جمال عبد الناصر اتفاقا مع المانيا الغربية لتنفيذ هذا المشروع، ومنذ ذلك الحين وحتى الان لم تنته الدراسة التفصيلية، وما تزال المانيا الغربية تماطل وتراوغ، فطورا تدعي بأنها ابرمت الاتفاق مع الجمهورية العربية المتحدة، وان سورية اصبحت غير محتاجة لهذا المشروع او غير قادرة على ايفاء التزاماتها المالية من جراء تنفيذه، او انها -اي المانيا- تعلق عقد اتفاقها معنا على اجراء مباحثاته مع تركيا.
والحقيقة الواضحة كما قلنا في اجتماع جرى في لجان المجلس النيابي السابق بحضور رئيس الحكومة الدكتور معروف الدواليبي، والسيد نور الدين كحالة، ان المانيا الغربية لا يمكن ان تنفذ هذا المشروع، وانها تماطل وتراوغ لاضاعة الوقت، وأنها واقعة تحت ضغط امريكا والصهيونية العالمية التي ترى في تنفيذ مشروع سد الفرات نتائج هامة وخطرة على المصالح الاستعمارية والصهيونية في المنطقة العربية كلها.
ويمضي عام على الاجتماع المذكور ولا تزال المانيا تسوف وتخاتل، وهكذا انصرمت خمس سنوات من حياتنا الاقتصادية دون ان تنتهي الدراسة، ودون ان نبت بالطريقة التي نمول بها مشروعنا الضخم.
وفي هذا الوقت بالذات يحرك الاستعمار عملاءه لاثارة الفوضى والتخريب في بلادنا، واصطناع خطر الشيوعية عليها، مع ان سورية امنع بلاد العرب امام الغزو العقائدي الشيوعي، ولكن الغرض مكشوف ومفضوح، فالاستعمار والصهيونية المتآمرة مع المانيا الغربية، لمماطلتنا وإضاعة الوقت علينا، تستهدف تخويفنا من الخطر الشيوعي حتى لا نفكر في الاتجاه نحو الاتحاد السوفيتي او دول اخرى لتمويل هذا المشروع.
انني اجزم بأن استثمار البترول في سورية، وانشاء سد الفرات، هما المحرك للاستعمار والصهيونية لاثارة القلق والفوضى والتخريب في بلادنا، واصطناع الخطر الشيوعي علينا حتى لا تتمكن سورية من استثمار بترولها وانشاء سد الفرات فيها. وهذا هو سر المعركة القائمة بين الاستعمار والصهيونية وبين شعبنا المناضل لتحقيق تقدمه وارتقائه ورفاهه.
منذ اكثر من عام قرأت لأحد النواب الالمان اليهود استجوابا يطلب فيه من حكومته، (وهي المانيا الغربية طبعا) ان لا تمول سد الفرات لأنه انحياز واضح للعرب وتهديد فاضح لاسرائيل، والان اقرأ في الصحف ما يفيد ان السد هيرستنماير (وهو رئيس البوندستاغ الالماني الغربي) قام بزيادة رسمية لاسرائيل في اواخر شهر تشرين الثاني المنصرم، وان هذه الزيارة استغرقت تسعة ايام، كما زارها قبل ذلك السيد باول اديناور وهو ابن مستشار المانيا الغربية اديناور، والسيد ديللار نائب رئيس البوندستاغ وذلك بمناسبة مرور عشر سنوات على توقيع اتفاقية التعويضات بين اسرائيل والمانيا الغربية، هذه التعويضات التي منحت بموجبها المانيا الغربية لاسرئيل (850) مليون دولار تدفع على اثني عشر عاما. والى جانب آخر تعاون عسكري بين اسرائيل والمانيا.. ففي عام 1960 قررت حكومة اديناور ان تخصص في موازنة الطاقة الذرية اعتمادا قدره ثلاثون مليون مارك لتمويل الابحاث الذرية الجارية في اسرائيل، كما قدمت حكومة بون مساعدات شملت بناء عدد من الاهداف العسكرية والحربية.. وفي اجتماع (هيرمستنماير) اثناء زيارته الاخيرة المذكورة لاسرائيل تحدث عن استعداد حكومة المانيا الغربية لبناء مؤسستين صناعيتين ضخمتين لحساب اسرائيل في افريقيا.. وغير ذلك كثير من المساعدات الالمانية لاسرائيل.
ولكن محاولات امريكا واسرائيل لن تؤثر ابدا على اشادة سد الفرات، لأن بامكان سورية الاعتماد على الاتحاد السوفييتي في تنفيذ هذا المشروع مثلما اعتمد جمال عبد الناصر على الاتحاد السوفيتي نفسه في بناء المرحلتين من مشروع السد العالي. كما اجزم ايضا بأن سورية قادرة وحدها اذا استثمرت مواردها البترولية على تمويل مشروع سد الفرات دون اي تأخير او ابطاء فيما اذا تعذر عليها الاعتماد على الاتحاد السوفيتي.
واذا لجأنا في تمويل مشروع سد الفرات الذي استنكفت المانيا الغربية عن تمويله الى الاتحاد السوفيتي، فليس لاننا عاجزون عن انشائه بانفسنا، بل لاننا نريد كسب الوقت الثمين، وحتى لا تتأخر برامج التنمية الاخرى عن مواعيدها، لاننا في سباق مع اسرائيل والاستعمار، وعامل كسب الوقت مهم واساسي في المعركة القائمة بينهما وبين العرب.
لذلك كان من اهم واجبات الحكومة القومية القائمة، قطع الطريق على التسويف والمماطلة واضاعة الوقت، والبت في طريقة تمويل هذا المشروع الكبير، فقد كفانا اننا اضعنا خمسة اعوام سدى مع انه كان يمكن تحقيق المرحلة الاولى لهذا السد والمقدر لها ثلاثة اعوام، وكنا بدأنا بتنفيذ المرحلة الثانية وان وراء المانيا الغربية في تسويفها ومماطلتها امريكا واسرائيل، وليس المقصود فقط هدر الوقت، بل المقصود ايضا الضغط على سورية في قضية استثمار بترولها في المفاوضات الجارية مع شركة كونكورديا الالمانية الغربية.
في هذه الفترة عندما كانت سورية تحاول ان تلتقط انفاسها، وان تعيد الحياة لاقتصادها، كان عصام العطار يتجول في المدن السورية، ومنها مدينة حلب، ليخطب في مساجدها معرضا بالاشتراكيين وبحكومة خالد العظم، محرضا عليهما، مرددا النغمة القديمة حول التخوف من الشيوعية بالوقت الذي كانت فيه حكومة العظم جادة في تشجيع القطاع الخاص، وتنشيطه والاعتماد عليه، وعلى تنمية الاقتصاد السوري، وقد تولى الاقتصادي السوري المشهور عزت الطرابلسي هذه المهمة فبدأ بتحضير المشاريع التالية التي رفعها الى مجلس الوزراء لاقرارها :
1- انشاء صندوق توفير بريدي يشجع الافراد على الادخار ويكون موردا للحكومة في مشاريعها التنموية.
2- انشاء بورصة للاسهم المالية.
3- تعديل قانون البنك الصناعي.
4- انشاء مراقبة للتصدير.
5- انشاء اسطول تجاري.
وكان الوضع الاقتصادي في سورية كما تحدث عنه الدكتور عزت الطرابلسي لوكالة الانباء العربية:
"ان الاقتصاد السوري تميز عام 1962 بزيادة محسوسة بالدخل القومي بلغت 350 مليون ليرة بحيث بلغ الدخل (2.750) مليارين وسبعمائة وخمسين مليون ليرة، وذلك بسبب زيادة الانتاج الزراعي لجودة الموسم، ونشاط الحقل الصناعي وحركة المطار والفعالية التجارية... ان هذا العام تميز باستقرار اقتصادي وثبات قوة النقد السوري رغم الاستيرادات والنفقات غير المنظورة مما يجعل عام 1963 اكثر ازدهارا في مختلف النشاطات الاقتصادية. (النصر 9/12/1963)
لقد رأيت من المفيد ان اسافر الى حلب، المدينة الاولى في سورية من حيث فعالياتها الاقتصادية، لامحو الآثار التي خلفتها خطب عصام العطار في المساجد واتصالاته بالجمعيات الدينية والفئات اليمينية، فعقدت مؤتمرا اجبت فيه بكل صراحة على مختلف الاسئلة التي طرحها علي الصحفيون الحلبيون وقد نشرت الحديث تحت العناوين التالية :
مسؤولية الاحزاب في الصمود امام المغامرين.
نحن مع اليمين الوطني لما فيه مصلحة الوطن.
عقد السيد اكرم الحوراني مؤتمرا صحفيا في حلب اجاب فيه على عدد من الاسئلة التي وجهت اليه فأجاب على سؤال عن رأيه بما اعلنه السيد رشاد برمدا بالعودة الى قانون الاحزاب السابق فقال : ان الحريات العامة نص عليها الدستور السوري عام 1950 والذي اقر مجددا في العام الماضي وموضوع تشكيل الاحزاب هو شرط من شروط الدستور السوري الجديد واعتقد ان القانون المزمع اصداره سيكون منسجما مع نصوص دستورنا والقوانين المكملة له المتعلقة بالحريات العامة خاصة وان الدستور السوري دستور تقدمي نصا وروحا بعد ان الغيت المادة الرجعية الوحيدة فيه والمتعلقة بالاصلاح الزراعي.
وقال ان الحكومة اعطيت مهلة سنة لاعادة البلاد الى الحياة البرلمانية الديمقراطية لذلك فهي ستعمل على وضع قانون الاحزاب وستجري الانتخابات في البلاد.
وقال ان الاحزاب السياسية هي تلبية لتحقيق اماني الشعب بالتطور والتقدم وبقدر ما تلتزم الاحزاب التي ستنشأ بالمنطق تصمد امام المغامرات والمغامرين الذين يودون اقامة حكم ديكتاتوري وفردي وان شعب سورية عانى كثيرا من المغامرات الديكتاتورية ونرجو ان تكون الديمقراطية السياسية التي تطبق في بلادنا والقائمة على الديمقراطية الاجتماعية حصنا حصينا للبلاد.
واجاب السيد اكرم الحوراني على سؤال لوكالة انباء الشرق العربي عن رأيه في تخفيف عدد النواب في المجلس النيابي السوري بأن كثرة العدد او قلته لا قيمة لها اذا كانت المجموعة او اكثريتها صالحة، واذا تمكن الشعب من تحدي الظروف المحيطة به وتمكن ايضا من ارسال ممثلين امناء الى المجلس النيابي يصبح العدد الكثير خيرا، وقال ان تخفيض عدد النواب ليس له مبررات، فالموضوع تمثيل الشعب تمثيلا صحيحا.
واجاب على سؤال اخر حول التكتل الاشتراكي الذي دعا اليه بان هذا التكتل هو عملية مؤقتة لظروف محدودة اما الاحزاب فهي لغير الظروف المحدودة. ونفي ما ذكر بشأن احاديثه مع بعض السياسيين حول عودة بعض السياسيين المحكومين والذين هم خارج البلاد.
واجاب على سؤال اخر فيما اذا كان بالامكان ان يعمل الاشتراكيون الى جانب اليمينيين بأنه يجب التفريق بين اليمين الوطني والعميل واضاف نحن مع اليمين الوطني على اساس وطني ديمقراطي لما فيه مصلحة الوطن العربي وتوجد امثلة كثيرة على هذا التعاون وذلك عندما تعرضت البلاد في بعض الظروف للمخاطر وقفنا جميعا صفا واحدا. واشار الى انه يوجد في اليمين عملاء كما يوجد في اليسار ايضا عملاء.
وقال عن التنظيم الجديد لحزب البعث العربي الاشتراكي بأنه سيطرا عليه تعديل وتؤخذ بعين الاعتبار التجارب التي مرت على البلاد والمؤامرات التي تعرضت لها سورية.. وقال اعتقد ان جميع الاحزاب سيطرا على برامجها القديمة تعديل بسبب التجارب التي مرت بها سورية وخاصة التجربة الاخيرة التي ما تزال قائمة لم تنته بعد. وقال عن رأيه بتعدد الاحزاب بأن هذا الموضوع سيقرره الشعب كما ان الاحزاب المصطنعة ستنهار تلقائيا.
واجاب السيد اكرم الحوراني على سؤال اخر عن رأيه بالوحدة العربية بأنها يجب ان تقوم على اساس الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية وذلك لمنع التسلط والاستغلال وتكون هذه الوحدة قائمة على اساس التكافؤ والمساواة ومنع جعلها مطية للاستغلال والانتهازية والتجارة باسم القومية العربية بالاضافة الى ضرورة عدم وجود متناقضات في الانظمة.
واعلن بأن حزب البعث الاشتراكي سيعمل ما في وسعه للدفاع عن حقوق العمال والفلاحين والطبقات الاخرى الكادحة. واكد بأن الاشتراكيين يؤيدون العمل لتصنيع البلاد وتشجيع رأس المال الوطني، وقال بقدر ما نصنع بلادنا تكون لدينا القدرة للوقوف بوجه الاستعمار واسرائيل كما اننا دعاة لتوسيع عمل نطاق القطاع العام.
وقال ان التأميم في سورية لم يوجده عبد الناصر فسورية اممت شركات الماء والكهرباء وبنك الاصدار قبل ان يعرف عبد الناصر في العالم العربي. واكد السيد الحوراني بأن موضوع فلسطين يجب ان يحتل تفكير مجموع الدول العربية لان قضية فلسطين هي التي طرحت قضية الوحدة بين الدول العربية.
وقال عن رأيه في المساعدات والقروض الاجنبية بأن الميثاق الوطني عام 1956 الذي وقعه رجال السياسة في سورية ينص على الحياد الايجابي وعدم الانحياز وقبول المساعدات من الشرق والغرب شريطة ان لا تكون هناك اي شروط سياسية ضمنية او غير ضمنية. واكد بأن مشاريع التنمية في سورية انما نفذت بأموال وطنية سورية دون الاستعانة باموال اجنبية وقال ان باستطاعة سورية ان تنفذ مشروع سد الفرات اذا ما تخلت المانيا الاتحادية بتعهداتها عن تنفيذ السد وضرب على ذلك مثلا بالتأمينات الاجتماعية التي تعطي سنويا ما يقارب من 70 مليون ل.س.
وتحدث عن قضية اليمن فقال : اننا نؤيد الثورة لأننا نريد التحرر وثورة اليمن وتحررها رائدنا الاساسي. اما ان تنحرف هذه الثورة او تستغل فهذا ما لا نرضى به مطلقا. وقال لم يكن في يوم من الايام ليخطر ببالي او ببال اي عربي في ان يقتل العربي اخاه العربي على ارض عربية ولكن هذا ما يحدث على ارض اليمن العربي. وتقول وكالة انباء الشرق العربي ان السيد اكرم الحوراني دعا في نهاية مؤتمره الصحفي الى العمل من اجل خير سورية والوطن العربي وتوحيد الجهود بين العاملين في الحقل السياسي من اجل وحدة ابناء سورية والوطن العربي الكبير. (النصر 7/1/1963 عن وكالة انباء الشرق العربي)
محاولة انقلابية فاشلة بقيادة النحلاوي في الثالث عشر من كانون الثاني 1963:
في اوائل شهر كانون الثاني 1963 راجت في دمشق شائعات بأن عبد الكريم النحلاوي ورفاقه قد عادوا سرا الى سورية للقيام بانقلاب بالاتفاق مع الناصريين (ورد صراحة خلال مباحثات الوحدة الثلاثية الحديث عن اتصالات النحلاوي مع الناصريين ومع عبد الناصر الذي لم ينف ذلك. (ص126)
وفي تاريخ 13/1/63 استدعيت الى رئاسة الجمهورية بعد ان سمعت ان حركة تمرد في الجيش قامت في صباح ذلك اليوم ولكنها احبطت عندما اقترب زياد الحريري مع قواته في الجبهة واصبح على ثلاثين كيلومترا من دمشق.
عندما دخلت القصر الجمهوري وجدت عبد الكريم النحلاوي جالسا في الصالون غاضبا ممتقع الوجه، ووجدت عصام العطار في غرفة رئيس الجمهورية الذي اخبرني بمحاولة النحلاوي الفاشلة وانها حلت سلما.
لقد استغربت يومذاك دعوتي لهذا الاجتماع وقلت في نفسي لعل القدسي يريد مني ان انصح عبد الكريم النحلاوي بمغادرة البلاد وهو ما اتفق عليه مع قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين.
ولما خرجت وانا على هذا الظن، وخوفا من صدام الجيش والتماسا لخروج النحلاوي سلما من البلاد سلمت عليه وجلست بجانبه وكانت المرة الثانية التي اراه فيها بعد المرة الاولى التي جرت اثر اعتقالي بعد حركة الثامن والعشرين من آذار 1962 كما ذكرت سابقا، وقد حاولت ان أهدئ من روعه.
كما نصحته بأن استمرار الخلافات والتناحر بين ضباط الجيش سيكون له عواقبه الوخيمة على البلاد وعلى القضية العربية وان الروح الوطنية التي يتحلى بها ضباطنا في الجيش السوري ستتغلب في النهاية على هذه الخلافات، ولكن النحلاوي لم يجبني بكلمة بل ظل صامتا ومشيحا بوجهه عني، وقد بررت ذلك يومذاك بكونه من الاخوان وبالخصومة مع البعثيين مما جعله يتابع تسريح اعداد كبيرة من الضباط الموالين للبعث بعد الانفصال.
لقد جاء في مذكرات قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين وصف لهذه المحاولة الانقلابية الفاشلة :
"في يوم 11/1/1963 دخل النحلاوي ورفاقه الذين اقصاهم مؤتمر حمص الى سورية عن طريق مخفر باب الهوا المتاخم للحدود السورية التركية، وبتاريخ 13/1/1963 برزت حركة العصيان في كل من معسكرات قطنا والقابون والكسوة" ويشير زهر الدين باصبع الاتهام للقدسي عندما يقول :
"اطلعت الدكتور ناظم القدسي ومجلس الوزراء على عودة النحلاوي ومحاولته الانقلابية، ولما ذهبت اليه مرة ثانية، فإذا بالنحلاوي ورفاقه موجودين في القصر الجمهوري وهم مهيب الهندي وفايز الرفاعي، وقالا لي بحضور رئيس الجمهورية بأنهما حضرا الى بلدهما بعد ان سرحا من الجيش وانهما لا يرغبان بالتوظف في وزارة الخارجية" ثم يقول :
"ان النحلاوي عندما قام بالمحاولة وضع شروطا لوضع حد لها وهي :
1- الغاء امر نقله الى وزارة الخارجية واعادته ورفاقه الى الجيش فورا.
2- اخراج كل من اللواء مقعبري والعميد خليل الموصلي والعقيد عدنان عقيل من لجنة الضباط لانتمائهم للحزب الشيوعي.
3- الاسراع بالمحاكمات وضرورة تنفيذ الاحكام التي ستصدر بحق الذين ارتكبوا جرائم القتل في عصيان حلب.
4- العودة الى مؤتمر حمص وتنفيذ المقررات التي لم تنفذ.
5- الدعوة الى وحدة فورية مشروطة مع مصر شريطة تبديل قيادة الثورة المصرية. (ص360 وما بعدها من مذكرات عبد الكريم زهر الدين).
ومن هذا الشرط الاخير يظهر ان مشروع عودة الوحدة بقيادة المشير عبد الحكيم عامر كان لا يزال واحدا من خيوط هذه المحاولة بالتفاهم مع المخابرات المصرية التي تنتمي للمشير، كما اعتقد بأن هذه المحاولة الانقلابية كانت بالتفاهم مع عصام العطار وبالرضى الضمني من ناظم القدسي، الذي لم يتخذ اي تدبير لمعاقبة النحلاوي ورفاقه بالاحالة الى المحكمة بتهمة التمرد والعصيان، وانما سمح لهم بمغادرة البلاد. بعد هذه الاحداث اتخذ قرار بايفاد زيارة الحريري في بعثة عسكرية الى موسكو ولكن هذا القرار لم ينفذ، ويتحدث عبد الكريم زهر الدين عن ملابسات هذا الايفاد بأنه قرار اتخذه مع لجنة الضباط بالاضافة الى ايفاد ضباط آخرين من كتلة الشوام منهم العميد موفق عصاصة ومسلم الصباغ وسليم شرف الى الاتحاد السوفيتي وهؤلاء اخذ رأيهم في الايفاد بينما لم يؤخذ رأي زياد، ولكنهم بدلوا رأيهم مما دعا زياد الى مقابلته وطلب عدم ارساله الى روسيا أسوة بالآخرين، ويعلق زهر الدين في مذكراته على ذلك بما يلي :
"لم اتمكن من تلبية هذا الطلب العادل من زياد الحريري، وهنا لابد من القول الى الدمشقيين الذين انتقدوا فيما بعد الفريق زهر الدين نظرا لتساهله مع زياد الحريري بأنه كان ينبغي ان ينتقدوا رفاقهم الذين بدلوا رأيهم في آخر لحظة وامتنعوا عن السفر الى موسكو رغما عن استشارتهم المسبقة لأنهم أعطوا الفرصة لزياد الحريري للانسحاب من البعثة" (ص347)
وفي تاريخ 1/3/1963 اصدر زهر الدين امر تعيين العقيد زياد الحريري ملحقا عسكريا في بغداد، وتعيين العميد مسلم الصباغ من كتلة الشوام بدلا عنه قائدا للجبهة، والعميد راشد القطيني (الناصري) رئيسا لشعبة المخابرات، كما صدر امر بانهاء مهمة مطيع السمان (من الضباط الشوام) في قيادة قوى الامن الداخلي ووضعه تحت تصرف القيادة العامة.. وعندما اصر مطيع السمان على عدم تنفيذ هذا الامر ودعمه في ذلك كافة ضباط اليمين، استفادت الفئة المعارضة من هذا الوضع وحرضت زياد على عدم تنفيذ امر القيادة العامة.
ان اصرار عبد الكريم زهر الدين وناظم القدسي على اقصاء زياد الحريري عن قيادة الجبهة اولا الى الاتحاد السوفيتي ثم ملحقا عسكريا الى بغداد، هو اعتقادهما الخاطئ بصلتي مع زياد الحريري الحموي، الذي تربطه بي صلة المصاهرة، وهذا ما يفسر طلب ناظم القدسي الاجتماع بي مع عصام العطار في القصر الجمهوري باعتبار ان العطار وراء عصيان عبد الكريم نحلاوي، وانني وراء زحف زياد الحريري من الجبهة الذي احبط محاولة الانقلاب، كما يفسر ارسال العقيد مزيد الهنيدي الضابط البعثي من قبل ناظم القدسي وعبد الكريم زهر الدين للاتفاق معي للاطاحة بالوضع في سورية، كما سيرد فيما بعد.
لقد توهم عبد الكريم زهر الدين ان تعيينه راشد العطيني رئيسا للمخابرات، والصباغ قائدا للجبهة سيرضي جماعته والناصريين في آن واحد، وسيبعد زياد الحريري عن قيادة الانقلاب وسيجعله يصل الى ما يأمله من البقاء في قيادة الجيش بمساعدة الناصريين والبعثيين ومن بقي من جماعته من ضباط الانفصال.
وهكذا كانت قيادة زهر الدين للجيش ورئاسة ناظم القدسي للجمهورية ومحاولات النحلاوي ورفاقه المتكررة ومن وراءهم من الاخوان المسلمين بالاتفاق مع المخابرات المصرية السبب الرئيسي في القضاء على محاولات الاشتراكيين العرب، بصورة خاصة، للعودة بسورية الى الاوضاع الدستورية الديمقراطية.
ولكن المسؤولية الاولى تقع على عاتق النحلاوي ورفاقه، وعلى من وراءهم من الطامعين بالتفرد في حكم سورية بأي صورة كانت، ولقد مهد النحلاوي بغباء في حركته بتاريخ 13/1/63 لانقلاب الثامن من آذار 1963 الذي قضى نهائيا على آمال الشعب في سورية بالعودة الى الحياة الديمقراطية وعلى محاولات الاشتراكيين العرب وخالد العظم لاجراء الانتخابات التي تقررت في شهر حزيران 1963.
ان لؤي الاتاسي الضابط الناصري الذي اصبح قائدا للجيش ورئيسا للدولة بعد انقلاب الثامن من آذار 1963 يقول في محادثات الوحدة الثلاثية عن حركة النحلاوي الاخيرة ما يلي :
"يلّي صار بحركة النحلاوي الأخيرة انه كان فعلا متصلا بجماعتنا، وجماعتنا شجعوه عمليا، وورطوه بعد ذلك تركوه، راحت عناصره الاساسية، كلها طبت في السجن، وقعدت (في السجن) ليوم 8 آذار (1963)، لذلك يقولون : الوحدويين أخلوا بنا وسابونا، كذابين" (محادثات الوحدة الثلاثية ص126).
كان انقلاب الثامن من شباط 1963 في العراق مقدمة، بعد شهر واحد لانقلاب الثامن من آذار1963 في سورية :
بدأ الوضع الذي كانت تمر به سورية خلال شهر كانون الثاني 1963 بالتآكل من داخله بسبب صراع اطراف الحكم المشتركة فيه.
وكانت اكبر مسؤولية في هذا التآكل تقع على عاتق الاخوان المسلمين -بقيادة عصام العطار- الذين كانت لهم اليد الطولى في انهيار الوضع الديمقراطي.
ولتوضيح ذلك يجب ان نعود قليلا الى انقلاب الانفصال في 28/9/61 الذي كان طابعه اخوانيا يمينيا مما شجع الاخوان المسلمين -لاول مرة في مدينة حماه- على ترشيح مصطفى الصيرفي ونعسان عروانة للنيابة في قائمة واحدة مع الاقطاعيين، ولكن هذه القائمة سقطت بأكملها.
وبمناسبة تشكيل خالد العظم وزارته، طلب منه عصام العطار ترشيح مصطفى الصيرفي للوزارة، فلم يلب خالد العظم طلبه، وانما اختار نبيل الطويل وعمر عودة الخطيب واحمد مظهر العظمة عن الاخوان وزراء في حكومته، وكان غرض عصام العطار من ترشيح الصيرفي للوزارة تلميعا لاسمه بعد سقوطه في المعركة الانتخابية لانجاحه في المعركة القادمة، ليدق اسفينا في مدينة حماه التي لم يكن للاخوان فيها اثر يذكر، وكان معروفا ان مصطفى الصيرفي هو من اتباع عبد الحميد السراج الذي رشحه في عهد الوحدة لانتخابات الاتحاد القومي.
ويشير خالد العظم الى محاولة عصام العطار ادخال الصيرفي الى الوزارة في مذكراته:
"ان عصام العطار بذل جهدا كبيرا لادخال الصيرفي في الحكومة سواء عند تأليفها او عند خلو وزارة العمل باستقالة منصور الاطرش" (ص434 الجزء الثالث)
لقد اس