{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
صفحات من مذكرات أكرم الحوراني
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
صفحات من مذكرات أكرم الحوراني
ـ 1 ـ

الوثيقة التي ننشرها اليوم مقتطفات من مذكرات الزعيم الوطني الراحل أكرم الحوراني ( 1911ـ 1996) الذي دفن في الأردن ولم تسمح سلطات النظام السوري بإدخال جثمانه.

في هذه الوثيقة ( المأخوذة من مذكراته : المجلد الرابع ، الصفحات 3491ـ 3514) يتحدث الحوراني عن ظروف مغادرته لبنان عشية الحرب الأهلية إلى بغداد ، ثم يعرض لخلافاته مع النظام العراقي ، وتحديدا صدام حسين ، على خلفية التدخل في شؤون المعارضة السورية و العمل على تجنيدها لأهداف النظام الأنانية الضيقة والمشاريع الأميركية ـ السعودية ... بعيدا عن ادعاءات البحث عن " دمقرطة " سوريا .

في هذا السياق يكشف الحوراني عن الظروف التي أحاطت بتشكيل " التجمع الوطني الديمقراطي " السوري و "دور المخابرات العراقية " في ذلك عبر نزار حمدون ( رئيس المكتب السوري ) ومسؤولين عراقيين آخرين . كما ويكشف الحوراني عن أن صدام حسين سحب قواته من الجبهة السورية فور وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية بعد العبور في العام 1973 . ولا بد هنا من ملاحظة وهي أن الحوراني يرتكب هنا " هفوة " بسيطة ، ولكنها مهمة ، حين يشير إلى عدم إبلاغ النظام العراقي بساعة الصفر لشن الحرب من قبل سوريا ومصر . فقد كشف محمد حسنين هيكل مؤخرا عن أن النظام العراقي كان على علم مسبق بالحرب وساعة الصفر ، وقد أرسل له النظامان السوري والمصري مبعثوين إلى بغداد لإبلاغه بذلك قبل بدء الحرب .

يكشف الحوراني هنا أيضا عن علاقة " الأخوان المسلمين " السوريين بالمشروع الأميركي ـ السعودي بعد كامب ديفيد واتصالاتهم بواشنطن ، وكيف جاء اغتيالهم الخبراء السوفييت ، الذين كانوا يساعدون الجيش السوري ، ومذبحة " مدرسة المدفعية " ، في سياق هذه العلاقة ؛ وربما بأوامر مباشرة من واشنطن أو إسرائيل أو السعودية أو العراق أو كلها معا ! وربما ـ أيضا ـ باجتهاد منهم متساوق مع أنهم كانوا دوما يخوضون معاركهم السياسية والعسكرية مع " رموز الدولة " لا رموز السلطة !!

تبقى إشارة " تقنية " أخيرة وهي أننا عمدنا إلى وضع عناوين فرعية للنص بين قوسين كبيرين [..] ، وبألوان بنية تسهيلا على القارىء . وقد أخذ محتوى هذه العناوين من سياق النص.

والآن إلى نص أكرم الحوراني :

[ الظروف عشية حرب 1973 ، وموقف الحوراني من دعم حافظ الأسد في الحرب ، وموقف النظام العراقي ]



أكرم الحوراني
تركت لبنان الى العراق مع زوجتي وأولادي أواخر تشرين الأول 1973، فبالاضافة الى مضايقات أجهزة الأمن السورية ، لم أكن واثقا بأن محاولة الخطف السابقة لن تتكرر مرة أخرى مما كان يحد من حرية تصرفاتي، كما أن بوادر اضطراب الأمن في لبنان كانت قد بدأت باغتيال قادة المقاومة الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان ويوسف النجار الذي اغتيل مع زوجته، وكانت العمارة التي تم فيها الاغتيال قريبة جدا من سكني، وبينما كانت الصحف تتحدث عن اختفاء الأشخاص الذين تركوا السيارات التي استعملت في الاغتيال في منطقة الرمله البيضاء، كانت قوات الأمن اللبنانية تعتقل من العمارة المجاورة التي تطل شرفتها على منزلي عددا من الذين قالت الصحف انهم من الذين يشتبه بأنهم اشتركوا في عملية الاغتيال.

حلقات سابقة :

ـ بيان رئيس الوزراء الأسبق خالد العظم ، وتآمر الأخوان المسلمين مع البعثيين والناصريين على الديمقراطية

لم تكن عملية 11/4/1973 مقتصرة على مقتل قادة المقاومة، وانما هوجمت منطقة الأوزاعي ومنطقة صبرا وشاتيلا ومكتب الجبهة الشعبية وقالت الصحف ان ضحايا الهجوم يفوقون الثلاثين قتيلا ، بينما صرح ناطق اسرائيلي بأن القوات الاسرائيلية ضربت ثلاث قواعد للفدائيين في بيروت في دائرة قطرها 10كم كما ضربت قاعدة رابعة في صيدا.

أما رئيس الوزراء صائب سلام فقد صرح بأنه يعتقد أن المسؤولين الحقيقيين موجودون في صفوف الجيش بينما كان رئيس الجمهورية سليمان فرنجية يرفض هذا الاتهام.

كان كل ما في لبنان يشير الى بوادر الحرب الأهلية.

بعد قليل من سماع نبأ الحرب بين سورية ومصر واسرائيل ، ولم يكن قد مضى على وجودي في بغداد سوى ثلاثة أو أربعة أيام، حضرت اجتماعا في بيت السيد شبلي العيسمي، وكان آنذاك الأمين العام المساعد للقيادة القومية التي حضر أيضا بعض أعضائها، حيث كان الاتجاه العام نحو عدم دخول العراق الحرب الى جانب سورية ومصر، ولكن موقفي كان مغايرا لهذا التوجه بل هددت يومها بأنني سأنهي لجوئي إلى العراق وأعلن إدانتي لموقف القيادة القومية والنظام العراقي، وسأخرج متظاهرا في المظاهرات التي أتوقع حدوثها احتجاجا على عدم دخول العراق الحرب إلى جانب سورية ومصر.

لقد أدى موقفي هذا الى انتقادات من بعض اللاجئين السوريين ومن بعض اعضاء القيادة القومية وحتى من بعض رفاقنا كالمحامي المرحوم عبد الفتاح الزلط الذي كان أثيرا عند الرئيس أحمد حسن البكر، وكان التساؤل:

هل يجوز لجيش العراق أن يحارب الى جانب حافظ أسد؟

ألا يعتبر ذلك دعما لنظامه وخذلانا للمعارضة السورية المتواجدة في العراق؟

بعد ساعة من هذا الاجتماع زارني السيد منذر المطلق زوج احدى كريمات الرئيس أحمد حسن البكر بطلب منه ليستطلع رأيي حول دخول العراق الحرب الى جانب سورية ومصر اللتين بدأتاها دون أي تنسيق مع العراق أو إطلاعه على نيتهما دخولها، بل كان الأمر على العكس إذ اندلعت حرب إعلامية بين سورية والعراق وسط دهشة الناس الذين لم يروا لها سببا ظاهرا أو مبررا، ويبدو أن مبررها الوحيد الذي تبين بعد اندلاع حرب تشرين هو أن يبقى العراق خارج هذه الحرب مما يعرض نظامه لنقمة الشعب وإدانته وبالتالي لسقوطه.

قلت للسيد منذر المطلق:

قل للأخ الرئيس البكر ان رأيي هو دخول الحرب دون تردد وبأسرع ما يمكن لنجدة سورية وجيشها.

كان دخول العراق الحرب بعد عدة ساعات من اندلاعها عندما توجهت دبابات الجيش العراقي الى سورية مجتازة مسافة تقرب من ألف كيلومتر على جنازيرها بسبب افتقار الجيش العراقي آنذاك الى عدد كاف من ناقلات الدبابات، وانني لن أنسى ليلة السابع من تشرين الأول 1973 عندما خرج الشعب العراقي رجالا ونساء وأطفالا يودعون الجيش الذاهب لنجدة سورية فغطت زغاريدهم هدير الدبابات التي كان الجنود يعتلونها هازجين فرحين وكأنهم ذاهبون الى احتفال.

قضيت أيام تلك الحرب لصيقا بالمذياع أتابع تطورها حيث كان الاعلام مختلفا بعض الشيء عما عهدناه في حرب حزيران، فقد كان متحفظا قليل المبالغات، وكنت اعتقد عندما بدأت الحرب تجتاز أيامها الأولى انها ستنتهي الى نصر عربي يؤدي الى حل سياسي مشرف يحفظ الحقوق العربية ويضع حدا للصراع العربي الاسرائيلي.

كنت أزور يوميا القيادة القومية التي يبدو ان ايعازا قد اصدره الرئيس البكر لاطلاعي على تطورات الموقف، كما أرسل إلي المرحوم البكر نسخة - ما أزال أحتفط بها- عن برقية تلقاها من أنور السادات ، وهي جواب عن استفهام عراقي عن أهداف الحرب، وفيها يقول السادات ان الهدف هو التحرير النهائي لسيناء ، وفيما يلي نص البرقية :

من الرئيس محمد أنور السادات

الى الرئيس أحمد حسن البكر

ردا على استفهامكم عن تصورنا للمعركة :

1- تمت المرحلة الأولى من عملية اقتحام المواقع الاسرائيلية عبر القناة بنجاح ويستمر تدعيم رؤوس الجسور.

2- من المتوقع أن تحدث اشتباكات واسعة النطاق خلال الأيام القليلة القادمة مع الاحتياطي الذي يستعد الاسرائيليون لدفعه في المعركة.

3- ستكون المعركة طويلة جدا لأن تحرير الأرض لا يمكن اتمامه في يوم أو اسبوع أو اثنين، وسنعمل على استمرار الحاق أكبر قدر من الخسائر في القوات الاسرائيلية.

4- سنكون مستعدين لوقف اطلاق النار عند انسحاب كل القوات الاسرائيلية من سيناء.

مع خالص تحياتي لكم.

وقت وتاريخ الارسال الساعة 2 صباح يوم 8/10.

وقد أوعز المرحوم أحمد البكر لوزارة الدفاع العراقية باطلاعي على مذاكرات رؤساء أركان الدول العربية عن استراتيجية الحرب القادمة بين اسرائيل والعرب والتي تقضي بألا يتوقف الهجوم العربي المرتقب على سيناء إلا عند مواقع دفاعية في ممرات متلا والجدي(1) ، وهذا ما كنت أسمعه في مناقشات مجلس الوزراء في مصر أثناء الوحدة التي كان يقال فيها أن الممرات هي الموقف الدفاعي الوحيد الذي يمكن منه إحباط الهجوم الاسرائيلي الخاطف الذي كان استراتيجية اسرائيل في حربها مع العرب، مع العلم بأن اسرائيل لا تحتمل حربا طويلة الأمد.

كان يبدو خلال أيام الحرب لمن يتابع جلسات الكنيست الاسرائيلي، على الرغم من التكتم الشديد، ان اسرائيل أصبحت على وشك أن تتقدم بطلب لوقف اطلاق النار، فقد تقدم الجيش السوري في الأيام الأولى الى مشارف صفد كما عبر الجيش المصري القناة ودمر خط بارليف، وأصبحت اسرائيل على وشك الانهيار، ودب الذعر بقياداتها حيث ظهر ذلك فيما بعد في تقرير اللجنة التي ألفت للتحقيق في ملابسات الحرب وقد ترجم هذا التقرير الى العربية ونشر في كتاب تحت عنوان التقصير(2) .

كان من العجيب أن يتوقف هجوم الجيش المصري الكاسح بعد عبوره القناة دون أن يتابع تقدمه الى ممرات متلا والجدي ليتخذ منها مواقع دفاعية كما كان مقررا من قبل رؤساء الأركان العرب، بالاضافة الى أن توقف هجوم ناجح لا يمكن أن تقره أي نظرية عسكرية، مما سمح لشارون أن يستغل هذا الخطأ الفادح في الهجوم المعاكس الذي قام به عبر البحيرات المرة فنجح باجتياز القناة من ثغرة الدفر سوار إلى الضفة الشرقية من القناة، وقد كان معروفا منذ الحرب العالمية الأولى ان القادة الألمان حاولوا اجتياز القناة الى مصر من منطقة البحيرات المرة، وعندما سئل موشى ديان بعد الحرب عن ملابسات فتح ثغرة الدفر سوار واجتياز القناة قال ان الجيش المصري انشغل بعد اجتياز القناة بالتحصينات الدفاعية التي أقامها على الضفة الشرقية، وعلى كل حال فقد كان بتقدير وزير الدفاع القائد السابق للجيش المصري الفريق محمد فوزي وبعض العسكريين المصريين، كما ذكر محمود رياض في مذكراته، انه كان باستطاعة الجيش المصري سد هذه الثغرة التي سببت تطويق الجيش المصري.

ولكن الذي حال دون ذلك هو أنور السادات عندما طلب وقف اطلاق النار، ومن الجدير بالذكر ان السادات كشف فيما بعد عن تلقيه كتابا من وزير الخارجية كيسنجر، اثر اجتياز الجيش المصري قناة السويس يطلب فيه توقف الجيش المصري بداعي ان استمرار الهجوم سيؤدي الى خروج الحرب عن السيطرة، وكان توقف الحرب من الجانب المصري مقدمة للمفاوضات مع اسرائيل عند الكيلو 101، وعزل مصر عن بقية الدول العربية، ثم زيارة السادات القدس وبعدها معاهدة كامب ديفيد التي أخرجت مصر من الصراع العربي الاسرائيلي.

أما في الجبهة السورية فقد كان مقررا من قبل القيادتين السورية والعراقية، قبل وقف اطلاق النار على الجبهة المصرية، القيام بهجوم مضاد ردا على الهجوم الذي قامت به القوات الاسرائيلية، ولكن الخلاف وقع بين القيادتين اثر قبول الجانب السوري وقف اطلاق النار ايضا، ومن المدهش الانسحاب العراقي السريع بعد ذلك، بينما كان من المحتمل أن يؤدي بقاء الجيش العراقي على الجبهة السورية الى دعم مصر وسورية والى انسحاب الاسرائيليين من الجولان وسيناء، ومن هنا يظهر أن الخلافات بين الانظمة العربية كانت دوما لمصلحة الاعداء على حساب المصلحة القومية، وهذا ما يحمل الحكام العرب مسؤولية كل ما منيت به القضية العربية من هزائم.

موقفي المعارض سياسة القطيعة بين الشعبين السوري والعراقي ومن قضايا البترول والمياه بين البلدين.

لقد اطلعت خلال عهد الوحدة بين سورية ومصر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المصري وما يعانيه من متاعب رغم ما كانت تتلقاه مصر من قروض ومعونات اقتصادية من الشرق والغرب معا لتنفيذ برامجها الانمائية في مواجهة التفجر السكاني، وكان ذلك من أسباب عجزها عن تنمية قدراتها الدفاعية بما يتناسب وضرورة مواجهة العدو الصهيوني ، وهذا ما دعا جمال عبد الناصر أن يعلن تخليه عن المعركة مع اسرائيل في خطابه المشهور في غزة، ولا بد هنا من الاشارة الى ما جاء في مذكرات محمود رياض الذي تولى مفاوضات الهدنة في رودس اثر حرب عام 1948 بأن مصر كانت تعتبر أن اتفاقيات الهدنة قد وضعت حدا للحرب مع اسرائيل بالحدود التي رسمتها تلك الاتفاقيات.

كان هذا ما جعلني أقدر أهمية قيام الجبهة الشرقية بين سورية والعراق بسبب ما تتمتع به هذه الجبهة من قدرات اقتصادية وعسكرية بالاضافة الى العمق الستراتيجي. وهذا ما دعاني بعد لجوئي الى لبنان (آذار 1968) ان أقوم بمحاولة مع السوفييت للاعتماد على الجبهة الشرقية ودعمها مثل اعتمادهم على الجبهة الغربية ولا سيما بعد أن استفحلت حرب الاستنزاف بين مصر واسرائيل بينما كانت الجبهة الشرقية ساكنة بل غير قائمة، وهذا ما أنهى حرب الاستنزاف التي شنتها مصر الى الفشل.

كنت اشرح اهمية قيام الجبهة الشرقية مع كل من اجتمع بهم من المسؤولين والشباب والفئات السياسية التي كنت على اتصال معها، وفي أحد هذه الاجتماعات حضر أحد موظفي السفارة السوفيتية في بيروت ، ولا أتذكر اسمه الآن، وقد وجدتها فرصة للقول بأنه على الاصدقاء السوفييت أن يبذلوا كل ما باستطاعتهم لقيام الجبهة الشرقية ودعمها لانه بدون قيام هذه الجبهة فإن اسرائيل ستكون المنتصرة في جميع معاركها مع مصر، ولشد ما فوجئت عندما أجابني هذا الموظف بأن كلامي هذا يتفق مع ما يقوله عملاء الغرب، فأخذتني الحدة وأجبته:

إن موقفك هذا يتفق مع ما يريده عملاء الغرب، وانني أقول بصراحة، وهذا ما يشعر به العرب، بان الاتحاد السوفيتي مقصر كثيرا عن الولايات المتحدة فيما تقدمه لاسرائيل من دعم ومساعدة، وكان حاضرا في هذا الاجتماع الاستاذ سهيل يموت وهو من قدامى المنتسبين للحزب الشيوعي في لبنان وعلى صلة وثيقة بخالد بكداش وكان يحاول أن يبذل كل ما يستطيع للمساعدة ويبدي كل تقدير لحركة الاشتراكيين العرب.

بعد أيام من هذا الاجتماع بلغني سهيل يموت بأن موظفا كبيرا في السفارة السوفيتية يرجو أن يجتمع بك ليطلع على رأيك في موضوع معركة الاستنزاف، وفعلا اجتمعت به في السفارة وتحدثت عن ضرورة بذل كل الجهود لاقامة الجبهة الشرقية بين سورية والعراق مركزا على أهمية العراق الاقتصادية والعسكرية وعلى العمق الاستراتيجي الذي يشكله هذا القطر، وان قيام مثل هذه الجبهة بين سورية والعراق لا بد ان يشجع الأردن على الانضمام اليها في المعركة القادمة ، كما ذكرت بأن المطامع الاسرائيلية تستهدف الجبهة الشرقية لأن الهلال الخصيب هو مستودع الانهار والنفط بينما ليس للصهيونية مطامع تذكر في صحراء سيناء ولا في مصر، وان عدم قيام الجبهة الشرقية يؤدي الى استفراد الجبهة المصرية وانهيارها، فلم يعقب المسؤول السوفيتي على أقوالي ، ولكنه لم يكن كسابقه بادي الامتعاض. كما عقبت بانه بامكان الاتحاد السوفيتي ان يقوم بمساع جدية لاتفاق النظامين البعثيين في سورية والعراق مما يمهد لقيام الجهة الشرقية.

لقد كان النظامان البعثيان في سورية والعراق متشابهين الى حد كبير في اعتمادهما على أجهزة المخابرات والارهاب والولاء العشائري والطائفي والجهوي بدلا من اعتمادها على جماهير الشعب وطلائعه المثقفة النظيفة، وقد جاهرت كثيرا، وأنا في العراق، بوجوب تلاقي النظامين، مما كان موضع دهشة بعض اللاجئين السوريين ونقمة بعضهم الآخر.

وقد ذكرت سابقا أن خلافي مع الحكم البعثي في سورية ونظام جمال عبد الناصر لم يمنعني بعد هزيمة الخامس من حزيران من بذل كل ما أستطيع لقيام جبهة سياسية تضم الاشتراكيين العرب والناصريين وحزب البعث في القطرين، حتى انني أرسلت الاستاذ عبد الفتاح زلط ليجتمع بعبد الناصر ويطلب اليه باسم الاشتراكيين العرب ان يكون قائدا لهذه الجبهة ليعود الوضع الشعبي الى ما كان عليه قبيل قيام الوحدة بين سورية ومصر.

إن الاتفاق بين النظامين البعثيين في سورية والعراق لم يكن فقط ضرورة استراتيجية للوقوف في وجه المطامع الصهيونية ، وانما كان ايضا ضروريا للوقوف في وجه مطامع تركيا وايران اللتين تفتحت شهيتهما القومية بتحريض من الغرب والصهيونية ، للتوسع على حساب الأراضي العربية، ومنذ الحرب العالمية الأولى وبقيادة رضا خان وزير الدفاع الذي نصب نفسه امبراطورا، اغتصبت ايران منطقة الأحواز واستمر هذا التوسع فيما بعد على حساب الأرض العربية خلال حكم ابنه محمد رضا عندما استولت ايران على جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى مع ادعائها بأن البحرين هي أرض ايرانية، ولا شك أن هذا الماضي العدائي كان من خلفية الحرب بين العراق وايران فيما بعد.

أما بالنسبة لتركيا فقد كانت لها مطامعها ايضا في الأرض العربية عندما ادعت اثر الحرب العالمية الاولى أحقيتها بمنطقة الموصل الغنية بالنفط، ولكن بريطانيا الطامعة ايضا بهذا النفط وقفت موقفا حازما أدى الى فشل الادعاءات التركية، بينما تواطأت فرنسا مع الأتراك، عندما كان العالم على أبواب الحرب العالمية الثانية فساعدتهم- لتضمن موقفهم في هذه الحرب- على احتلال لواء اسكندرون السوري ذي الموقع الاستراتيجي الهام والسهول الخصبة الغنية والذي يعتبر ضياعه نكبة عربية لا تقل كثيرا عن ضياع فلسطين، وإذا كانت الانباء حاليا تشير إلى محاولة تركيا الاستفراد بمياه نهر الفرات ، فإنها - ومنذ عشرات السنين قطعت مياه نهر القويق الذي كان يروي مدينة حلب، كما قطعت نهر جغجغ الذي كان يجري في الشمال الشرقي من سورية.

[ مؤمرات نظام صدام حسين على سوريا كبلد .. لا كنظام : خط بترولي عبر تركيا لحرمان سوريا من العائدات ]

لقد كان من سوء حظ البلاد العربية أن تكون محاطة بأطماع بلدين من المفروض أن يكونا صديقين للعرب بدافع من الجوار والعقيدة الاسلامية، كما كان من المفروض أن يقف العراق وسورية موقفا واحدا من الممارسات التركية لاستغلال القسم الاعظم من مياه نهر الفرات فلا يقدم العراق على تمديد خط بترولي عبر تركيا إلا إذا كان مروره مرتبطا باتفاقية دولية تضمن تقاسم المياه -حسب القوانين والاعراف الدولية- تعقد بين تركيا والعراق وسورية، وألا يكون استيعاب هذا الخط البترولي على حساب خط البترول العراقي المار من سورية.

وما أزال أذكر -وكنت آنذاك نائبا في مجلس النواب عام 1943- انني سألت المرحوم سعد الله الجابري، وكان رئيسا للوزراء ، عن هدف زيارة نوري السعيد لسورية فقال لي أن الهدف هو التنسيق بين سورية والعراق تجاه تركيا في سبيل الاتفاق على حصة البلدين من مياه نهر الفرات.

لقد عارضت ضمن ظروفي كلاجئ سياسي في العراق، وضمن الحلقة الضيقة لزواري من اللاجئين السوريين تمديد خط البترول العراقي عبر تركيا، ولكن معارضتي كانت صيحة في واد، كما كنت معارضا بصراحة قطع العلاقات بين النظامين السوري والعراقي واختلافهما دون مبرر ظاهر، بل كان في نتائجه خلافا لمصلحة اعداء الأمة العربية، وقد انعكس هذا الخلاف على مصالح الشعبين ووشائجهما القومية والمادية اكثر بكثير مما انعكست على النظامين الحاكمين البعثيين.

لقد أدى تمديد الخط البترولي عبر تركيا، مع الدعاية الواسعة من قبل النظام العراقي لهذا الخط الذي أطلق عليه اسم الخط الاستراتيجي الى أمرين خطيرين:

1- تحطيم القاعدة الاقتصادية المادية بين سورية والعراق بإغلاق انبوب البترول العراقي عبر سورية نتيجة للممارسات التي كان الطرفان البعثيان سواء في العراق أو سورية مسؤولين عنها، وهكذا حرم الشعب في سورية من عائدات مرور البترول العراقي من القطاع النادر ومن البترول الذي كانت سورية تشتريه بأسعار مخفضة، واتجه النظام السوري الى ايران لتأمين حاجة سورية من البترول (قبل استخراج النفط السوري).

2- استغلت تركيا الخلاف بين النظامين فأقامت سدا ضخما على الفرات ثم اتبعته بسدود أخرى مستغلة استمرار الخلاف بينهما واستولت على القسم الأعظم من مياه النهر خلافا لما هو مقرر في الحقوق الدولية باقتسام مياه الانهر التي تمر عبر عدد من الاقطار المتجاورة.

ومن المضحك المبكي أن تقوم قيامة النظام العراقي باتهام سورية آنذاك بقطع مياه الفرات عن العراق، وفي مقابل هذه الدعاية المضحكة قام النظام السوري بدعاية عجيبة تتهم العراق بمسؤوليته عن انخفاض مستوى نهر الفرات مما سبب أزمة في مياه الشرب في مدينة حلب.



محاولة ثانية لتشكيل جبهة معارضة للنظام الحاكم في سورية :

لقد حاولت عندما كنت لاجئا في العراق، وخلال سنوات امتدت من أواخر السبعينات وحتى عام 1982، تاريخ مذبحة حماه وتشكيل التحالف الوطني لتحرير سورية، أن أقوم بمحاولة جديدة لتجميع القيادات السياسية السورية التي أصبحت مشردة ما بين العراق والجزائر ومختلف الدول العربية والأوروبية بالاضافة الى الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين الذين أجبرهم نظام القمع على مغادرة سورية، ولكنهم أصبحوا يعانون مختلف الضغوط المادية والسياسية والمخابراتية من أنظمة الدول التي لجؤوا اليها، أقول ذلك ولا أستثني نظاما أو دولة، وحتى الدول الأوروبية التي تبدو وكأنها دول ديموقراطية تصون حقوق الانسان وتحفظ حق اللجوء السياسي فقد كان اللاجئون السوريون فيها يعانون ضغوط أجهزتها ومحاولة استيعابهم بما يتماشى مع مصالحها.

وفيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية فقد كنت أرى أن من صالحها قيام مثل هذه الجبهة التي تهدف الى قيام حكم وطني ديموقراطي في سورية يكون لها سندا وظهيرا بدلا من أن تكون ورقة يتم استخدامها والتلاعب بمصيرها من قبل الانظمة العربية، وكنت آمل أن تنعكس محاولة العمل السياسي الجبهوي في الخارج على وضع الفئات السياسية داخل سورية مما يؤدي الى التلاحم بين قوى المعارضة الى موقف سياسي قوي في وجه طغيان النظام العسكري الديكتاتوري.

أما القوى السياسية المعارضة داخل سورية خلال السبعينات وأوائل الثمانينات فكانت - بعد تشرذم الاحزاب القومية واليسارية وتعاون بعض أجنحتها مع السلطة - ممزقة بين اتجاهات ثلاثة لالقاء بينها سواء في الايديولوجية أو نهج العمل.

أولها الجماعات الاسلامية التي اخذت تسلك لمقاومة النظام والوصول الى الحكم طريق الارهاب والسيارات المفخخة والاغتيالات الفردية والجماعية ذات الصبغة الطائفية.

كان الاتجاه الثاني ما يسمى بجماعة أو تنظيم "العمل الشيوعي" الذي استقطب عددا كبيرا من الشباب اليساريين الذين اعتقل عدد كبير منهم ولسنوات متعددة حيث تعرضوا الى الاهانة والتعذيب والاحكام الجائرة التي تجاوز بعضها الخمسة عشر عاما ، بينما كان نهجهم العملي لا يتعدى المنشورات والبيانات والتظاهر، ولا بد من الاشارة الى أن كثيرا من المنتسبين الى جماعة العمل الشيوعي كانوا من الطائفة الحاكمة نفسها.

أما الاتجاه الثالث فكان اتجاه الفئات المثقفة المستقلة عن الاحزاب من أدباء وكتاب وصحافيين ومحامين وأطباء ومهندسين وصيادلة الذين حاولوا من خلال اتحاداتهم ونقاباتهم الوقوف في وجه القمع والتجاوزات، والذين ابتدأ نضالهم اعتبارا من عام 1978 ثم استمر متصاعدا الى عام 1981 عندما حل النظام السوري نقاباتهم، بعد أن أضربت المدن السورية جميعها استجابة لمطالبهم وتوجهاتهم ، كما اعتقل النظام عددا كبيرا منهم قضى بعضهم في سجون النظام اكثر من عشر سنوات(3) .

وفي منتصف الثمانينات شكل الاتحاد الاشتراكي بقيادة الدكتور جمال الاتاسي، وهو الجناح الذي انسحب من الجبهة السياسية التابعة للنظام التي شكلها حافظ أسد، مع جناح الاشتراكيين العرب بقيادة عبد الغني عياش وهو الجناح الذي رفض من البدء التعاون مع النظام مع المكتب السياسي بقيادة المحامي أحمد محفل وهو الجناح الذي انشق عن الحزب الشيوعي السوري. ما سمي بالتجمع القومي الذي نهج لتحقيق أهدافه الديموقراطية والوطنية نهج المعارضة السياسية، ولكن هذا التجمع كان عاجزا عن إحداث أي تغيير في نظام حافظ أسد الديكتاتوري المستند الى المخابرات والتعذيب والقمع.

لقد حاولت بدءا من عام 1977 مع أدنى قدر من المساعدة العراقية- ولم يكن أمامي غير ذلك - تجميع من تبقى من الفئات الحزبية المعارضة في سورية عن طريق تجميع قياداتها في الخارج، وكان النظام العراقي وحده على استعداد للمساعدة لما بينه وبين النظام السوري من عداء، وكنت آمل أن تحقق المعارضة السورية بعد أن تقف على قدميها قدرا من التوجه المستقل يمكن أن يجعلها مقبولة أمام الكثيرين الذين ينظرون -وهم على حق- بأنه لا اختلاف كبيرا بين النظامين العراقي والسوري، بل كنت آمل أن يستطيع مثل هذا التوجه الذي يجعل المصلحة القومية العربية هدفه الأساس أن ينعكس على النظامين السوري والعراقي معا.

وهكذا اصبحت معارضا في آن واحد للنظامين مع اختلاف في الشدة والاسلوب بالنسبة للنظام في العراق، حيث كنت أعيش كلاجئ سياسي، وهي معارضة ابتدأت حتى قبل محاولتي تشكيل جبهة سورية معارضة.

[ اتصالات أولى لتشكيل المعارضة السورية في الخارج ]

بدأت اتصالاتي لتشكيل هذه الجبهة في باريس بالاشتراك مع المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الجناح المنشق عن الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش المتعاون مع النظام السوري) بقيادة الاستاذ أحمد محفل، ومع جماعة المرحوم صلاح جديد، وكان العديد من قيادات هذه الجماعة قد لجأ الى الجزائر، ثم اشترك معنا في هذه الاجتماعات السيد نزار حمدون عن الجانب العراقي وكان رئيسا للمكتب السوري آنذاك، ولكن محاولتي تلك لم يكتب لها النجاح لأنه لم يكن هدف النظام العراقي تشكيل جبهة سورية ديموقراطية معارضة، وانما كان هدفه احتواء الأحزاب واللاجئين السوريين وجماعة صلاح جديد لخدمة أغراضه وتوجهاته السياسية.

كانت جماعة صلاح جديد تشعر بذلك وتصر على استقلالية المعارضة، بل كانت تخفي ضغينة تجاه القيادة القومية والنظام العراقي، وكان طلب هذا النظام من جماعة صلاح جديد تغيير اسم حزبهم (حزب البعث الديموقراطي) كشرط لاشتراك القيادة القومية في الجبهة أمرا غير معقول، ولهذا استمرت مناقشات الاحتواء ومحاولات تغيير الاسم اكثر من سنة خلال اجتماعات عديدة بين باريس وبغداد والجزائر بين جماعة صلاح جديد والقيادة القومية بحضوري وحضور نزار حمدون وشبلي العيسمي الامين المساعدة للقيادة القومية، وأحمد محفل ممثلا عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري ، والدكتورين ابراهيم ماخوس وحبيب حداد ممثلين عن جماعة صلاح جديد، كما حضر بعض الاجتماعات السيد طه ياسين رمضان، وانتهت المحاولة بالفشل لاصرار العراق على موقفه من قيام هذه الجبهة.

كان يبدو - على المستوى النظري - ان المنتمين الى جماعة صلاح جديد هم ماركسيون، وانهم متعاونون تعاونا وثيقا مع المقاومة الفلسطينية التي كانت تمدهم بالمساعدة المادية، كما كانوا على صلة قوية بالنظام الحاكم في الجزائر الذي احتضنهم وساعدهم في عهد هواري بومدين واستمر ذلك في عهد الشاذلي بن جديد، وقد وظفت الجزائر العديد منهم بما فيهم وزير الخارجية السابق الدكتور ابراهيم ماخوس وحبيب حداد ورفاقهم.

أما بالنسبة للمقاومة الفلسطينية فقد كانت تحمل موجدة على النظام العراقي لعدم تدخله مع الجيش السوري في أحداث الأردن عام 1970 لذلك كانت ترفض أي عمل جبهوي مع العراق، أو بالأحرى مع القيادة القومية ، ولكنها كانت تبدي كل الاستعداد للتعاون مع الاشتراكيين العرب، لذلك اجتمعت مع الأخ حمدان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في زوريخ بسويسرا بحضور الاستاذ أحمد محفل فأبدى - باسم المقاومة كل استعداد للمساعدة دون الدخول في الجبهة التي كنا نحاول تشكيلها. وهكذا لم تثمر جميع الاتصالات التي جرت سواء في الجزائر أو باريس إلا عن تعاون المكتب السياسي بقيادة احمد محفل وبيني وبين القيادة القومية في العراق.

[ ما الذي كان يريده صدام حسين من المعارضة السورية ؟]

ولعل ما يوضح موقف النظام العراقي من الوضع السوري أو بالأحرى موقف صدام حسين هو الحديث الذي جرى في بيت الاستاذ شبلي العيسمي خلال مأدبة الغداء التي أقامها العيسمي في منزله احتفاء بعودة الاستاذ ميشيل الى العراق والتي دعيت اليها مع زوجتي. وكان عدد الحضور محدودا جدا مقتصرا على المحتفى به والفريق أمين الحافظ وزوجتاهما ولا أذكر إذا كان أحد من العراقيين موجودا مع نائب الرئيس صدام حسين الذي كان مدعوا الى هذه المأدبة وجاء إليها متأخرا.

قبل حضور صدام حسين افتتح الفريق أمين الحافظ الحديث عن وجوب اهتمام النظام العراقي بالوضع في سورية وبدعم المعارضين السوريين، وقد توجه الى الاستاذ ميشيل بصفته الامين العام للحزب الحاكم في العراق طالبا منه أن يتحدث مع صدام حسين في هذا الموضوع، وبناء على طلب أمين الحافظ بدأ عفلق حديثه مع صدام حسين بقوله :

إن الاخوان السوريين يرجون من النظام العراقي مزيدا من الدعم للمعارضين السوريين ومزيدا من الاهتمام بالوضع السوري، ولكن صدام حسين الذي كان يجلس وعيناه تتطلعان الى سقف الغرفة اكثر من تطلعه الى الحاضرين لم يدع الاستاذ ميشيل يتم حديثه وانما التفت إلي غاضبا وهو يقول وكأنه يحقق معي:

من هو الذي تحدث عن ذلك؟ ثم أردف :

انني لن أتدخل بالوضع السوري إلا عندما تصبح سورية على حافة الهاوية!!

لقد فوجئت بهذا التصرف المهين، ولم أعلق على سؤاله بأي كلمة، وانما أصبحت انتظر بفارغ الصبر وبدون أن اشترك بأي حديث نهاية هذه الجلسة، ولا سيما أنه التفت إلي مرة ثانية مستنكرا خلال حديث عن المملكة العربية السعودية عندما ردد شبلي العيسمي عن لساني حديثا سمعه مني وهو انني احترم الملك فيصل واعتقد انه ملك ذكي يعمل لمصلحة شعبه.

وعندما بدأ الحضور بالانصراف لم أمد يدي لمصافحة صدام حسين ولم أودعه بكلمة فالتفت إلي مودعا باشارة من يده أجبته بمثلها، فكانت تلك المأدبة آخر مرة أراه فيها في جلسة خاصة، كما أصبحت أتحاشاه في المناسبات العامة القليلة التي رأيته فيها والتي لا تتجاوز كما أذكر المرتين أو الثلاث مرات.

كان صدام حسين في موقفه من النظام السوري ومن المعارضين السوريين ولا سيما الديموقراطيين منهم منسجما مع نفسه ومع نظامه، فليس من المعقول أن يسمح هذا النظام بتشكيل معارضة سورية تؤمن بالديموقراطية والتعددية ، كما أن نظاما ديموقراطيا في سورية لا بد أن ينعكس على الأوضاع في العراق، وإذا عدنا الى الماضي فإن الأوضاع الديموقراطية في سورية والنضال الشعبي فيها خلال الخمسينات قد ساهم مع نضال الاحزاب العراقية ونضال الشعب في العراق بالاطاحة بحلف بغداد المدعوم من بريطانيا والولايات المتحدة ، وفي تقديري ان صدام حسين كان حريصا على بقاء النظام السوري بدون أي تغيير فكلاهما، كما أسلفت، متماثلان في اعتمادهما على القمع وعلى أجهزة المخابرات وفي توجهاتهما الطائفية والجهوية، وفي استخدامهما الحزب كأداة للقمع ولافتة يتلطى وراءها رأسا النظاميين لينفيا عن نفسيهما تهمة التفرد والديكتاتورية، وكل ما كان يريده صدام حسين من المعارضة السورية واللاجئين السوريين هو الضغط على النظام السوري لاحتوائه وجعله مواليا له مثلما كانت العلاقة خلال حياة عبد الناصر بين النظام القائم في مصر وحكم عبد السلام عارف في العراق والسلال في اليمن والى حد ما فؤاد شهاب في لبنان.

[ دخول السعودية وواشنطن على خط المعارضة السورية ]

وفي مجال المحاولات لتشكيل جبهة سورية معارضة لا بد لي من التحدث عن بعض الوقائع التي تندرج ضمن هذا الموضوع :

كان الاستاذ صلاح البيطار خلال السبعينات مقيما في باريس يحاول من جهته تجميع القوى السياسية السورية ولكن باتجاه آخر لم تكن السعودية في تقديري أو الولايات المتحدة بعيدتين عنه، فقد اتصل بي السيد حمود الشوفي في باريس وكان آنذاك مندوبا لسورية في الأمم المتحدة وأخبرني أن بعض الزعامات السورية تقترح توقيع بيان يقدم الى حافظ أسد يرجى فيه سحب القوات السورية من لبنان، وان هذا البيان يمكن أن يوقع من قبل سلطان باشا الأطرش وصلاح البيطار وجلال السيد، وقد اعتذرت عن توقيع البيان الذي قدمه لي الشوفي مكتوبا لاعتقادي أنه لا فائدة تذكر من هذا البيان وان تقديمه الى الاسد لا يعني سوى الاعتراف بشرعية نظامه الديكتاتوري الذي فرضه على سورية، وقد تراجع الاستاذ البيطاربعد أن كان موافقا على التوقيع وأبلغني ذلك.

ومن المفارقات ان حمود الشوفي استقال فيما بعد من منصبه كمندوب لسورية في الامم المتحدة وكان موضع ثقة حافظ أسد، وانضم الى المعارضة التي يتولى قيادتها النظام العراقي، وعندما جاء الشوفي اثر استقالته الى بغداد تلقاه النظام باستقبال رسمي، ثم أصبح فيما بعد ركنا من أركان ما سمي بالتحالف الوطني لتحرير سورية، وقد قال لي الاستاذ أحمد محفل الذي كان مطلعا على بعض الوقائع المتعلقة بحمود الشوفي ان النظام العراقي يستخدم الشوفي كقناة بينه وبين الولايات المتحدة، وكان يبدو على وضع الشوفي في الولايات المتحدة وكأنه هو سفير العراق ومندوبه وليس السيد صلاح عمر العلي أحد أركان ثورة تموز عام 1968 والذي كان قبل أن ينضم الى المعارضة العراقية المندوب الرسمي للعراق في الأمم المتحدة.

أما الواقعة الثانية فهي الاجتماع الذي تم بيني وبين موظف في السفارة السورية في باريس من جماعة الاستاذ صلاح البيطار، حيث تم الاجتماع في منزله في احدى ضواحي باريس، ويبدو أن الهدف كان تشكيل جبهة لاقامة وضع في سورية برئاسة صلاح البيطار، مؤيد من السعودية والولايات المتحدة، وفعلا فقد قام ولي العهد السعودي فيما بعد بالاتصال بحافظ أسد لاقناعه بتولي صلاح البيطار رئاسة الحكومة السورية وأن يصبح الشيخ معروف الدواليبي من أركانها، ولكن حافظ أسد رفض المشروع الذي رافقته زيارتان لسورية، الأولى قام بها صلاح البيطار حيث اجتمع مع حافظ أسد عدة ساعات بدون الوصول الى أي اتفاق، كما زارها ايضا الشيخ معروف الدواليبي بدون نتيجة ايضا.

الواقعة الثالثة هي عندما اتصل بي السيد مجاهد سمعان أواخر السبعينات خلال سعيي لتشكيل جبهة من القيادات والفئات السياسية السورية، والسيد سمعان من الضباط الفلسطينيين الذي انتسبوا الى الجيش السوري بعد اصداري قرارا بقبول الفلسطينيين في الجيش عندما كنت وزيرا للدفاع عام 1950، وقد زارني أواخر عام 1965 في بيتي بدمشق، وكان آنذاك مديرا لمكتب اللواء صلاح جديد، مهنئاإياي باسم جديد بالافراج عني من سجن المزة!! مع العلم أن صلاح جديد كان من الذين صوتوا - كما نمي الي - على سجني بعد اصداري بيان البترول الذي تحدثت عنه فيما سبق بالتفصيل في هذه المذكرات.

لقد اجتمع بي السيد مجاهد سمعان عدة اجتماعات في باريس مدعيا أنه يمثل منظمة التحرير، ولا أعرف ما في هذا الادعاء من صحة ، وكان يصر على انشاء جبهة من الاشتراكيين العرب وجماعة صلاح البيطار والمقاومة الفلسطينية فقط، والذي أرجحه ان سمعان كان يعمل في الحقيقة ليس لحساب المقاومة بل لحساب السعودية والولايات المتحدة .

لقد شعرت بخطر اتصالات سمعان معي ولا سيما بعد أن عرفت انه يستخدم شخصا من مدينة حماه من عائلة البرازي كما قالت لي زوجته غير عارفة أن زوجها قال لي انه من عائلة السمان، ويبدو أن حدسي واحساسي بخطر الاتصال بمجاهد سمعان كان في محله كما تأكد لي فيما بعد من الملابسات التي ترافقت مع مقتل المرحوم صلاح البيطار عام 1980.

اغتيال صلاح البيطار (صيف عام 1980)

قبل أن أشير الى بعض الوقائع التي اطلعت عليها شخصيا والمتعلقة باغتيال المرحوم صلاح البيطار لا بد لي من الاشارة الى الخلاف بينه وبين ميشيل عفلق الذي أدى الى استقالته العلنية من حزب البعث، وهي الاستقالة التي نشرتها معظم الصحف اللبنانية عندما ذهب البيطار الى لبنان بعد هربه من السجن وكان قد سجن اثر انقلاب صلاح جديد في شباط 1966، وقد أشرت الى هذه الاستقالة فيما سبق من هذه المذكرات.

كان صلاح البيطار يلقى المسؤولية على ميشيل عفلق بسبب كل ما حدث بعد انقلاب الثامن من آذار عام 1963 من تسلط عسكري وقمع للشعب وقضاء على كل مظاهر الديموقراطية، بينما كان ميشيل عفلق يصرح لمن حوله بأن انقلاب الثامن من آذار وكل ما تلاه كان بالاتفاق مع صلاح البيطار.

لقد اتخذ البيطار، بعد إقامته في لبنان، منهجا مستقلا في معارضته للنظام السوري عن حزب البعث أو غيره من الفئات السياسية، وكانت صلته بالدرجة الأولى بالفريق محمد عمران ، ولم يكن هذا الاتفاق بينهما بعيدا عن دعم السعودية والولايات المتحدة ، وهو دعم له خطورته على النظام في سورية مما أدى الى اغتيال عمران في طرابلس ثم اغتيال صلاح البيطار بعد عدة سنوات في باريس، وفي تقديري أن هذه الاغتيالات كان هدف النظام منها هو افهام السعودية والولايات المتحدة انه وحده النظام الذي يجب اعتماده في حكم سورية.

بعد فترة من اغتيال الفريق عمران ثم نشوب الحرب الاهلية في لبنان توجه البيطار الى فرنسا للاقامة فيها وبدأ يستعد لاصدار صحيفة اسمها الاحياء العربي، وهو الاسم الذي كان متداولا لفترة قصيرة بين مؤسسي حزب البعث قبل أن يستقر الرأي على كلمة بعث.

لقد تجاوزت في لبنان كل تصرفات ميشيل عفلق تجاهي وتجاه حركة الاشتراكيين العرب، سواء ما كان قبل انقلاب الثامن من آذار أو بعده، وأعدت صلتي بهما، فزرت ميشيل عفلق في بيروت خلال مرضه كما أصبحت ألتقي أحيانا بصلاح البيطار ولكن هذه الصلات كانت محدودة ولم تتعد إطار المجاملة، ثم مرت سنوات لم أعد أرى فيها صلاح البيطار الذي أقام في باريس بينما تركت لبنان بسبب خطورة الوضع ولجأت الى العراق، ثم كان المؤتمر الذي دعا إليه النظام العراقي تحت شعار عدم الانحياز هو المناسبة التي التقيت فيها بصلاح البيطار في بغداد بعد تلك السنوات.

[ بيان للقيادة القومية في بغداد على أنغام الموسيقى الأميركية : صدام يريد تحويل سوريا من حليف لموسكو إلى حليف لواشنطن !]

كنت في باريس عندما صدر عن القيادة القومية في بغداد بيان يدعو الى الحياد الايجابي وعدم الانحياز، وأذكر انني تساءلت مع الاستاذ أحمد محفل عن الغرض من هذا البيان الذي صدر بدون مناسبة ولا سيما أن عددا من الدول العربية وجميع الاحزاب الوطنية التقدمية قد تبنت هذا المبدأ منذ مؤتمر باندونغ، ولم نر تفسيرا لذلك حتى صدرت الدعوة الينا لحضور مؤتمر يعقد في بغداد لتأييد هذا البيان، ودعي الى المؤتمر كل من كان يدور في فلك النظام العراقي من شخصيات وفئات حزبية سواء في لبنان أو مصر أو البلاد العربية الأخرى وكذلك في مختلف المهاجر فكان هذا المؤتمر وسيلة لجمع الانصار والمؤيدين للنظام العراقي والدعاية لشخص صدام حسين.

كانت دعوة صلاح البيطار لهذا المؤتمر مناسبة لإجراء المصالحة واحتواء بعض من حوله من الموالين، ولاسيما بعد أن فشلت كل محاولات النظام لاحتواء البعثيين من جماعة صلاح جديد، وقد ألقى صدام حسين في المؤتمر كلمة أشار فيها باعتزاز الى وجود الاستاذ البيطار ووجودي، وكان يأمل أن يلقى البيطار كلمة تشيد به ولكن صلاح لم يفعل بل اقتصرت كلمته على القضية القومية والحياد الايجابي.

لقد غيب ميشيل عفلق عن المؤتمر وكانت الأوامر قد صدرت -كما يبدو- إلى أعضاء القيادة القومية بالالتفاف حول البيطار والاحتفاء به ودعمه، ولكنه بعد إلقاء كلمته التي لم يتعرض بها للاشادة بصدام حسين لم يعامل في حفلة العشاء بالحفاوة التي عومل بها خلال انعقاد المؤتمر ولم يلاحظ له حضور مرموق بينما توجه صدام حسين بالحفاوة لي، وطلب مني أن أكون على يمينه خلال حفل العشاء. وفي تقديري أن سبب ذلك هو المواجهة الحادة التي حدثت بيني وبين أحد الشباب اللبنانيين المدعويين الى هذا المؤتمر وأذكر أن اسمه الدكتور سمير صباغ أو ما يشبه ذلك، وكان هذا الشاب قد طالب خلال مناقشات المؤتمر بوجود قواعد سوفيتية في البلاد العربية مما دعاني للرد عليه خارج قاعة المؤتمر التي لم أشأ الرد عليه فيها بسبب عدم دعوتي للكلام مثلما حدث مع صلاح البيطار، وكان مما قلته لذلك الشاب :

إن إقامة القواعد في بلادنا أمر يطيح بسيادتنا وان التعاون مع الاتحاد السوفيتي شيء واقامة قواعد شيء آخر، وان اسرائيل لم تقبل بإقامة اي قاعدة للولايات المتحدة رغم الدعم الاميركي الكبير، وكان هذا موقفي الدائم منذ الخمسينات عندما بدأت سورية بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي، وأذكر أنني اختلفت مع خالد العظم وعارضت رأيه بطلب عقد معاهدة عدم اعتداء مع الاتحاد السوفيتي، والظاهر أن موقفي هذا هو الذي دعا صدام حسين للاحتفاء بي بهذه الصورة ، لأن حقيقة التجمع الذي دعا اليه النظام العراقي مما يرضي الغرب والولايات المتحدة.

لقد كان المشروع الأول الذي تشابكت فيه عوامل داخلية وعربية ودولية هو قيام حكم في سورية يميني غربي مناهض لليسار وللمعسكر الاشتراكي يعتمد على بقايا القوى العسكرية من جماعة محمد عمران بينما يتولى الحكم صلاح البيطارواليمين المدني.

بعد فشل هذا المشروع اعتمدت الولايات المتحدة على النظام العراقي والاخوان المسلمين لابعاد النظام في سورية عن الاتحاد السوفيتي الذي كان يدعم هذا النظام سياسة وتسليحا، وليست سلسلة الاغتيالات التي حدثت خلال السبعينات للخبراء السوفييت في سورية إلا حلقة من هذا التوجه.

كما انه لا بد لي من الاشارة الى أن من اهداف المؤتمر كما تبين من عدم دعوة ميشيل عفلق، وهو الأمين العام، ودعوة صلاح البيطار والطلب منه أن يخطب في المؤتمر، كذلك التفاف الحزبيين حوله، أن يعتمد صدام حسين على صلاح البيطار بدلا من عفلق في معركته القادمة مع النظام السوري، وهي المعركة التي أدى الاعتماد فيها على الاخوان المسلمين الى مذبحة حماه فيما بعد.

ومع ذلك فان هذا المؤتمر لم يكن الا مصالحة في الظاهر، لأن صلاح البيطار بقي مستمرا في نهجه المعارض للنظام السوري مستقلا عن النظام العراقي والقيادة القومية، وهو النهج الذي اتبعه في جريدة الاحياء العربي التي أصدرها في باريس والذي كان سببا لمزيد من التقارب بيني وبينه، فقد أصبحت أراه غالبا في باريس لنتذاكر معا في الوضع السوري، وكان يزورني ليعطيني جريدة الإحياء العربي كلما صدر عدد جديد منها.

إن جريدة الاحياء العربي بدعوتها الى الديموقراطية وفضحها ممارسات النظام السوري في القمع والتعذيب والفساد ولا سيما بما كتبته عن مذبحة سجن تدمر (صيف عام 1980) وهي المذبحة التي قتل فيها ما يقرب من ألف سجين انتقاما لمحاولة فاشلة لاغتيال حافظ أسد، قد اصبحت جريدة متداولة في الاوساط السورية التي تعارض النظام السوري كما بدأ تأثيرها يمتد الى داخل سورية مما دعاني لتنبيه صلاح البيطار الى وجوب الحذر من النظام السوري الذي لا حدود لبطشه والذي لم يتوان عن اغتيال كمال جنبلاط في لبنان وغيره من الشخصيات السياسية والاعلامية والثقافية من كل الفئات المعارضة ، كما لم يتوان عن تفجير مكتب مجلة الوطن العربي في بيروت بعدما أدليت لها بتصريح حول ممارساته، وفي شارع ماربوف بالقرب من الشانزليزه كان ضحيته امرأة فرنسية وبعض الجرحى.

لقد ألححت على البيطار قبل اغتياله بعدة ايام الا يغادة منزله الى مكتب جريدة الاحياء وأن يكتب مقالاته في المنزل، كما اتفقت معه، وقد أصبحت اشعر أنا ايضا بالخطر، ان نطلب معا الحماية من الحكومة الفرنسية، وعزمنا على مقابلة السيد ريمون اده الذي ترك لبنان بعد محاولة فاشلة لاغتياله من قبل النظام السوري والطلب منه، بماله من معرفة بالاوساط الفرنسية، أن يسعى لتأمين حمايتنا، وقد اخبرني الاستاذ صلاح أنه حاول الاتصال بريمون اده ولكنه لم يستطع لأن اده كان خارج باريس، وعندما اغتيل البيطار لم يكن مضى على تحذيري سوى ثلاثة أو أربعة أيام.

كان الاستاذ عبد الله عبد الدائم البعثي السابق والقريب من الاستاذ البيطار هو أول من أخبرنا بحادث الاغتيال وطلب من زوجتي أن تذهب الى زوجة البيطار لتكون الى جانبها عندما تتلقى النبأ، فكانت أول جملة تفوهت بها زوجة البيطار عندما رأت زوجتي تزورها بغير موعد : هل قتلوا صلاح؟

نفت زوجتي ذلك أولا ثم بدأت تسرب الخبر تدريجيا الى الزوجة والابنة الوحيدة وأخت الزوجة التي قالت بعفوية: لقد قتله ذلك الموعد.

كان الموعد مع شخص مقيم آنذاك في بريطانيا ويبدو أنه من عملاء
04-15-2008, 01:14 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #2
صفحات من مذكرات أكرم الحوراني
صفحات من مذكرات أكرم الحوراني ـ 2

http://syriatruth.org/Al-Hakikah/index.php...iew&id=3015



نعيش هذه الأيام ذكرى مرور 45 عاما على انقلاب 8 آذار / مارس 1963 الذي جاء بالبعث إلى السلطة . وبالنظر لـ " الغموض " الذي اكتنف الوضع العام خلال الأشهر التي سبقت الانقلاب على الصعيدين الداخلي والإقليمي ( والدولي المتصل بشؤون المنطقة) ، أقلّه بالنسبة لأجيال عديدة لاحقة من ضحايا التجهيل الرسمي والمعارض ، رأينا أن تكون الاقتطافات الثانية من مذكرات الزعيم الوطني أكرم الحوراني حول تلك الفترة بالذات .

لكن ، قبل أن نترك للسادة القراء المجال لمطالعة هذا المقتطف ، نود أن نلفت انتباههم إلى مفارقة مذهلة حصلت معنا على خلفية نشر الجزء الأول من هذه المقتطفات . فقد وصلتنا رسالة مغفلة تبين لنا بعد فحصها إلكترونيا أنها قادمة من بريد أحد كوادر الصف الأول في إئتلاف " إعلان دمشق " . وقد عبر هذا " القيادي المستقبلي " ، الذي يمكن أن يصبح رئيس جمهورية في غفلة من غفلات الدهر ، عن قرفه واشمئزازه لإقدامنا على اختيار ذلك الفصل من من مذكرات الحوراني دون غيره من الفصول الأخرى !

أما سبب هذا الاشمئزاز والقرف فبسيط : إن الحوراني عرض في تلك الصفحات لملابسات تأسيس " التجمع الوطني الديمقراطي " ودور المخابرات العراقيه في تأسيسه ، وكيف سعت إلى " خردقة " المعارضة السورية وتجويفها! ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل وصف هذا القيادي المستقبلي الحوراني بأنه " كذاب و قليل الشرف والأمانة " ! أما نحن فكان نصيبنا من الشتيمة ليس أقل من ذلك ، إذ وصفنا بـ " نبّاشي المزابل وناشري الروائح الكريهة " !

من جهتنا ، نحن نسامح هذا الأخ ، ولكن السؤال هو : هل تسامحه زميلته في المجلس الوطني للإعلان ، فداء الحوراني ، على التعفيس بحوافره في إرث والدها على هذا النحو !؟ ونعني بالتحديد فداء الحوراني التي يضعون صورتها على موقعهم الرسمي بعد أن صنعوا منها جان دارك سوريا وروزا لوكسمبورغـ "ها" الوطنية الخاصة و " خطها الأحمر " الوطني كما يقول عبد الرزاق عيد !؟

ليس هذا أمرا مهما . فالحوراني يبقى الحوراني ـ الشجرة الباسقة في تاريخ سوريا التي لن يؤثر فيها هبوب هذا العجاج الديري المحمل بالغبار والزبل. ما هو أكثر أهمية هو أن الواقعة تظهر إلى مدى ضرب النفاق الرخيص ،والدجل الأكثر رخصا ، جذورهما في مناحي الحياة السياسية ، سلطة ومعارضة على السواء. كما ويظهر أن تسعة أعشار مخاتير " إعلان دمشق" إنما يستخدمون اسم فداء الحوراني على طريقة " فتيات الإعلانات " ، لكن بدل أن تظهر مع منظف للغسالات أو علكة سهام ، يتم تحويلها هي بالذات إلى منظف لأوساخهم وعلكة في أفواه مليئة بـ .. البراز السياسي ، كما قال تروتسكي ذات يوم!

والآن ، نترككم مع " أبو جهاد " في هذا الجزء من المقتطفات ، وهي مأخوذة من المجلد الرابع في مذكراته ( الصفحات: 3124 ـ 3164 ):

ـــــــــــــــــــــــــ
1963 : رئيس الجمهورية ناظم القدسي وقائد الجيش عبد الكريم زهر الدين يشجعان الفئات المعارضة لحكومة خالد العظم- كان الخلاف على الغاء قانون الطوارئ واطلاق الحريات العامة اهم نقاط الخلاف بين العظم والقدسي- الاشتراكيون العرب مع الغاء قانون الطوارئ- الاخوان المسلمون يعودون لترديد النغمة الامريكية حول الشيوعية التي تهدد سورية- تآكل الوضع في سورية بسبب صراع اطراف الحكم والاشتراكيون العرب يستقيلون من حكومة العظم -انقلاب الثامن من شباط 1963 في العراق وميشيل عفلق يحاول ان يقطع كل صلة للاشتراكيين العرب بثورة العراق - خلفيات انقلاب الثامن من آذار 1963 : ناظم القدسي وزهر الدين يطلبات مني بواسطة العقيد مزيد هنيدي الاشتراك معهما في انقلاب وزياد الحريري يرسل اخاه الشاعر محمد لاستشارتي في ذلك.

الوضع السياسي والاقتصادي خلال الاشهر الثلاثة السابقة لانقلاب الثامن من آذار 1963.

كان الهدف الرئيسي لحكومة خالد العظم الغاء حالة الطوارئ وتهيئة البلاد لاعادة الحياة البرلمانية الديمقراطية، وذلك باصدار قانون لتنظيم الاحزاب والصحافة، وقد ادى هذا لاستفحال الخلاف بين عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش وناظم القدسي رئيس الجمهورية مع خالد العظم وحكومته، لانهما كانا يريان في عودة الحياة الديمقراطية انتزاعا للسلطة من ايديهما.

ولما لم يكن بمقدورهما ان يتخلصا من حكومة خالد العظم بمجابهة مباشرة فقد لجآ الى التآمر على الحكومة بتشجيع كل الفئات المعارضة لها :

فالناصريون كانوا يعارضون الانتخابات المزمع اجراؤها في شهر تموز 1963 لأن جمال عبد الناصر كان يبذل كل ما يستطيع لاسقاط حكومة خالد العظم قبل ان تجري هذه الانتخابات التي يمكن ان تقيم وضعا دستوريا وديمقراطيا مستقرا في سورية، لذلك نشطت اجهزة المخابرات الناصرية في سورية بالتحريض على التظاهر وبذل الاموال حتى للطلاب، وقد اصبح معروفا (1) ان مديرة احدى ثانويات دمشق في حي المزرعة كانت تضع خمس ليرات واحيانا عشرا في جيب كل طالبة عند بدء المظاهرة.

كما كان الاخوان المسلمون بقيادة عصام العطار يعارضون اجراء انتخابات حرة في ظل حكومة خالد العظم، مما سيؤدي الى نجاح عدد كبير من الاشتراكيين وانصارهم في المجلس النيابي المرتقب، فقد نجح الاشتراكيون العرب نجاحا مرموقا في الانتخابات السابقة التي جرت بعد الانفصال رغم ان مقاليد الحكومة والجيش كانت بيد مأمون الكزبري وضباط الانفصال الموالين للاخوان المسلمين والتجار والاقتصاديين.

ومن جهة ثالثة فقد كان الاقطاعيون بطبيعة اوضاعهم يناصبون حكومة خالد العظم العداء بعد ان جدت بتنفيذ قانون الاصلاح الزراعي واجرت عليه بعض التعديلات لصالح الفلاحين.

كما اصبحت جريدة البعث التي منح ناظم القدسي امتيازها لصلاح البيطار المتحالف مع الناصريين، وجريدة اللواء التي أعطى امتيازها للاخوان المسلمين المتحالفين مع الاقطاعيين والناصريين منبرا لمعارضة حكومة خالد العظم، ولما كان الاشتراكيون العرب سندها القوي، وكانت حماه المنارة التي شعت منها الدعوة الى الديمقراطية الاجتماعية فقد ركز الاخوان المسلمون حملتهم ضد الاشتراكيين العرب في حماه ودمشق ووثقوا حلفهم القديم مع بقايا الاقطاع، وهو الحلف الذي عقدوه في الانتخابات التي تلت الانفصال، وهكذا فقد تكررت زيارات عصام العطار لمدينة حماه حيث كان يحرض طلاب الاخوان وطلاب الاسر الاقطاعية للاعتداء على طلاب الاشتراكيين العرب، ولكن ضبط النفس من قبل الاشتراكيين حال دون اتساع الفتنة وامتدادها الى الشارع مما يعطي لزهر الدين وناظم القدسي حجة لارجاع حكم الطوارئ، وقد ادت هذه الاعتداءات الى تعليق الدروس في بعض مدارس المدينة (النصر 13/11/1962).

لقد استغل رشاد برمدا وزير التربية والتعليم (حزب الشعب) هذا الوضع في مدارس المدينة ليشير باصبع الاتهام الى الحزب العربي الاشتراكي ويبرئ الاخوان المسلمين عندما صرح : "انني نبهت كثيرا الى اضرار زج الطلاب في مضمار الحزبية، وسنظل ننبه، وسنعمل جهدنا وطاقتنا لابعاد الطلاب عن الحزبية، على ان نعتني اولا بدعم الايمان بالله تعالى".

لقد اراد برمدا بهذا التصريح ان يصور الخلاف بين الاخوان والاشتراكيين العرب بأنه خلاف بين الايمان بالله وبين الالحاد، وتغطية لهذه الاقوال المتحيزة فقد صرح للصحف بأن التحقيق يجري في حوادث حماه وانه سيتخذ الاجراءات بحق الذين كانوا السبب في اثارة الفتنة، وقد تناسى برمدا في كل ما قاله وما صرح به وبصفته وزيرا للتربية والتعليم ان يشير الى ان عصام العطار قد اتخذ من المسجد الذي يقوم في وسط جامعة دمشق منبرا للتحريض على الاشتراكيين العرب، والى الاعتداءات التي اثارها هذا التحريض بين الطلاب.



كان الخلاف على الغاء قانون الطوارئ من اهم نقاط الخلاف بين ناظم القدسي وزهر الدين وبين خالد العظم الذي يشير الى ذلك في مذكراته :

"لقد كان رئيس الجمهورية واللواء زهر الدين يعارضان الغاء الاحكام العرفية زاعمين ان البلاد لا تزال تشكو من وجود بعض العناصر الناصرية التي سوف تنشط وتستفيد من الغاء حالة الطوارئ للقيام بمظاهرات واعمال تخريبية، وفي صبيحة اليوم الذي دعي فيه مجلس الوزراء الى الاجتماع لبحث الموضوع والبت فيه نهائيا، استدعاني الدكتور ناظم القدسي فوجدت قائد الجيش عنده، فتكلم الرئيس بما لا يخرج عن رأيه السابق في ابقاء حالة الطوارئ، وايده زهر الدين مؤكدا انه لا يتحمل اي مسؤولية اذا اطلقت الحريات، غير ان الاشتراكيين من الوزراء اعترضوا على تأجيل الغاء قانون الطوارئ ووقف الى جانبهم جميع الوزراء".

ويستطرد خالد العظم في مذكراته قائلا :

"وثمة من يقول ان الغاء حالة الطوارئ قد ادى الى انقلاب الثامن من آذار 1963 وان الحكومة تراخت في قمع المؤامرات الناصرية مما ادى الى تلك النتيجة، وانني ارد هذه التهمة وهذا الظن، اذ ان انقلاب 8 آذار لم تقم به الجماهير ولا الجماعات الناصرية، ولم تغل أيدي رجال دوائر الامن لقمع تلك الفتنة بسبب تقييد صلاحياتها، بل كان الانقلاب من صنع الضباط وبالاتصال مع جماعة العراق العسكريين، ولم يكن لقانون الطوارئ دخل في امكان قمع تلك الحركة بقانون ينفذ على المدنيين دون العسكريين"

"وكما اننا لم نجد انفسنا عاجزين عن قمع المظاهرات البسيطة التي قام بها بعض الطلاب الناصريين بما لدى سلطات الامن من صلاحيات عادية وبما لدينا من قوانين جزائية" (ص331-332 الجزء الثالث)

لقد أخذ الوضع في سورية يستقر بالرغم من الغاء حالة الطوارئ بعد ان حددت حكومة خالد العظم الاسس التي سيقوم عليها مستقبل سورية الاقتصادي والسياسي والتنموي في الخطاب الذي اذاعه العظم بتاريخ 21/12/1962، مما ادى الى مزيد من طمأنة الفعاليات الاقتصادية التي كانت قد عقدت مؤتمرا لها في حلب (19/11/1962 النصر) بعد ان زالت كل العوائق التي كانت تكبل الاقتصاد السوري ونموه الى درجة كبيرة واصبح من المأمول عودة رؤوس الاموال التي هربت في عهد الوحدة الى خارج سورية.

وكان البيان الذي القاه خالد العظم رئيس الوزارة القومية من اهم البيانات التي رسمت بالتفصيل، تصور الوزارة لسورية المستقبل، سياسيا واقتصاديا، واجتماعيا وفيما يلي اهم فقراته (الرأي العام 22/12/1962)

"ان اهتمامنا الاول منصب على ترسيخ دعائم الاستقرار في الوطن، وضمانة الحريات العامة للمواطنين، وليس للحريات عندنا من حدود سوى ما تفرضه مصلحة الوطن العليا، وفقا لاحكام القانون. اننا نعمل دائما لتوطيد الاستقرار على دعائم من الحرية، ونريد ان نستزيد من الحرية البناءة، لنزيد في تدعيم الاستقرار.

لذلك فإن حكومتكم القومية مازالت عند العهد الذي قطعته لكم، بأنها ماضية في اعداد التشريع الذي تقتضيه المصلحة العامة لالغاء حالة الطوارئ، في الموعد المضروب، لتنتقل بعد ذلك الى اعداد التشريعات اللازمة للسماح بتأليف الاحزاب السياسية ووضع قانون الانتخابات العامة، كمقدمة لاجراء الانتخابات الحرة النزيهة في شهر تموز القادم ان شاء الله.

ورغم ان حالة الطوارئ من الناحية النظرية والقانونية مازالت قائمة في البلاد لايام محدودة اخرى، فإن كل مواطن منصف يقر ان الحريات العامة التي يتمتع بها شعبنا افضل من الحريات العامة المتوفرة لأي شعب آخر في الشرق الاوسط كله. ومثل هذه الحقيقة الحية لا يمكن ان ينكرها او يشك بها الا مكابر او مغرض".

"اما اهتمامنا الثاني، فإنه منصب في الوقت نفسه على انجاز بعض مشاريعنا الانمائية التي بدأناها وسأحدثكم عنها بعد قليل بالتفصيل، والوصول في الوقت نفسه الى الطريقة الافضل لتحقيق مشروع سورية الانمائي الاول، مشروع سد الفرات. وكما سبق ان قلت لكم مرارا، فإن الذي تهتم به سورية حكومة وشعبا هو اقامة هذا المشروع وانجازه، والحكومة متيقنة ان هذا المشروع سينفذ وان سورية قادرة على تنفذه بمواردها، ان احتاج الامر ولكنها مازالت تؤثر ان تنفذ مشروعها العظيم ليفيد المواطنون والوطن من خيراته وثمراته بأسرع وقت ممكن. كما انها تحرص في الوقت نفسه على انجاز بعض مشاريعها الانمائية الاخرى في الوقت الذي تنفذ فيه مشروعها الانمائي الاول.

ولهذا فقد سلكت الحكومة طريق التعاقد مع بعض الدول الاجنبية للحصول على تسهيلات ائتمانية، لانها تريد ان تسرع في تنفيذ مشاريعها الاساسية كلها، لتزيد في دخلها القومي، لصالح رفع السوية المعاشية لابنائها جميعا وبأسرع ما يمكن.

وانا لا اريد ان يفهم احد من ذلك اننا نؤثر من حيث المبدأ دولة اجنبية على دولة اجنبية اخرى في التعاقد على المعونات والتسهيلات الائتمانية لتنفيذ مشاريعنا الانمائية وانما الذي نؤثره دائما هو التعاقد مع الدولة التي تقدم لنا الشروط الفنية والمالية الافضل لصالح تنفيذ مشاريعنا، اذا ما تساوت النيات الطيبة في العروض، ومعيار النوايا الطبية عندنا الافعال الصادقة لا الاقوال والوعود المعسولة. وعلى هذا الاساس فقد عقدنا اتفاقا مع الولايات المتحدة لانشاء صوامع الاغلال وبموجب هذا الاتفاق حصلنا على قرض قيمته 15 مليون دولار يسدد خلال اربعين سنة بفائدة قدرها 3/4 بالمائة، وهذا القرض يسد الجزء الاكبر من نفقات هذا المشروع الحيوي الذي يكلف انشاؤه 82 مليون ليرة. وابتداء من مطلع عامنا الجديد، ستباشر سورية باقامة احدى عشرة مجموعة من الصوامع ومستودعات الحبوب في مختلف مناطقها".

"عودة الان - ايها الاخوات والاخوان - الى نقطة اهتمامنا الثالثة، نقطة السعي المخلص لحكومتكم القومية، لكي ترفع سورية العربية راية نظامها الجديد عاليا، نظام التلازم بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية في ظل الدستور والحرية والعدالة، فقد انتهت التجارب الطويلة التي مرت بها سورية، وكان بعضها شديد القسوة، الى اقتناع ابنائها ان كل قتل للحريات السياسية على حساب انجاز الاصلاحات الاجتماعية اولا انما هو قتل لانسانية الانسان، والانسان اعز ما في هذا الوجود، كما اقتنعت اكثرية ابنائها في الوقت نفسه انه ليس من حرية صحيحة لاصحاب البطون الجائعة، والعقول الجاهلة، والاجساد المريضة.

ولهذا فإن سورية العربية اليوم ترفع الراية الثالثة في الوطن العربي، راية التلازم الذي لا انفصام له بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، وتنادي ان الانسان العربي بحاجة الى الحرية، والى الخبز، والى الكرامة معا، وان كل تضييق لهذه الحاجات المتلازمة الثلاث او تفريق بينها انما هو قتل عمد لها جميعا، بل قتل لانسانية الانسان، ومن هنا تجدون انني وزملائي السادة الوزراء في حكومتكم القومية قد جهدنا لاشباع جو وطننا حرية، وعدلا، وعملا، ومشاريع مثمرة، تكون خيراتها للمواطنين جميعا، فبقدر حرصنا على اشاعة الاستقرار، والثقة، واطلاق حرية تشكيل الاحزاب السياسية، والاعداد لانتخابات نيابية حرة، وتنفيذ مشاريع الوطن الانمائية لتزيد في ثورتها القومية، حرصنا على صحة تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي، واسرعنا في تمليك الاراضي للفلاحين، واعددنا ما يلزم للتعويض على من شملهم قانون تحديد الملكية الزراعية، وحافظنا على مكتسبات العمال، وسعينا لتصريف امور الدولة على وجه الحق ضمن حدود القوانين والانظمة".

"اننا في هذه الايام نشهد تمخضا لاقامة احزاب سياسية جديدة، وقيام الاحزاب السياسية امر طبيعي في بلد ينشد الديمقراطية والتمكين لها، لانه لا حياة ديمقراطية عمليا، ومن غير قيام احزاب سياسية".

"ولكن دعوني اقل لكم عامة، ولمن يتطلعون لتشكيل احزاب سياسية خاصة ان قيام الاحزاب السياسية في هذه المرحلة التي يجتازها وطننا، يجب الا يعني قيام حرب باردة او حامية بين الاحزاب".

"المهم ان يعرف كل حزب سياسي، ان ما من حزب واحد في هذه المرحلة التي يعيشها الوطن له الاكثرية المطلقة وبالتالي ما من حزب يستطيع ان يستلم مسؤولية الحكم لوحده. وما دامت هذه هي ارادة الشعب، فمعنى ذلك ان الشعب يريد من الاحزاب بدورها ان تتعايش وتتعاون".

"ان طبيعة بلادنا لا تسمح بعد لأي حزب سياسي ان تكون له صلة الاغلبية المطلقة في هذه المرحلة لينفرد بالحكم لوحده. وكل محاولة للاصطناع لا تعكس واقع الشعب وارادته، لن تكون نتائجها خيرة لا على الذي يصطنعونها، ولا على النظام الديمقراطي ولا على الوطن.

وارى ان الحكم القومي المستند الى ميثاق وطني يجب ان يدوم حتى تحقيق هذا الميثاق، وعندها يكون الوطن قد نعم خلال فترة معقولة بحكم مستقر يشترك فيه جميع العناصر السياسية الحزبية كما يصبح الحكم مستندا الى تنفيذ منهاج معين في فترة محدودة ومعينة، فإذا ما انتهى تنفيذ هذا المنهاج، كان للاحزاب السياسية، اما ان تتفق على منهاج آخر، وتبقى معا في حكم قومي، ريثما يتم تحقيق المنهاج الوطني الثاني او ينسجم بعضها في تشكيل حكم ائتلافي لتنفيذ منهاج جديد واضح، في حين تمارس الاحزاب الاخرى التي ليس لها الاكثرية في المجلس مهمة المراقبة والمعارضة البناءة وفق الانظمة الديمقراطية الدستورية".

ان الديمقراطية الصحيحة والسليمة يجب ان ترسخ في نفوس المواطنين وعقولهم جميعا، وكما ادت سورية العربية دورها الطليعي في موكب العمل للتحرر العربي الشامل من الاستعمار ونفوذه، حتى اصبحت بلدا من اصحاب الرسالات في هذا المضمار، فيجب ان تؤدي دورها الطليعي الجديد في ترسيخ المفهوم الديمقراطي الصحيح في الوطن العربي كله، دون ما تدخل بالشؤون الداخلية لأي جزء من اجزائه، لان النموذج الحي هو النموذج الذي يحتذى ولنتعاهد جميعا على ان نجعل من بلدنا النموذج الحي للحكم الديمقراطي الصحيح والسليم لتؤدي سورية العربية رسالتها نحو الامة العربية جمعاء، لخيرها ولخير الانسانية".

ثم يعدد البيان المشاريع الانمائية التي تنوي حكومته الاهتمام بها وفي مقدمتها سد الفرات، ثم ارواء الاراضي المستحدثة في الغاب من سد الرستن واستثمار مياه نهر السن، وتوسيع زراعة الحمضيات، انشاء مرفأ في طرطوس ليكون اكبر ميناء في الشرق العربي وربطه بسكة حديد مع حمص ووضعه تحت تصرف الاشقاء العرب، متابعة تنفيذ مشروع الروج، استثمار مياه اليرموك، توسيع مرفأ اللاذقية ومطارها، انشاء اسطول تجاري سوري، الاسراع بتوزيع الاراضي في منطقة اللاذقية واعطاء الاولوية في التوزيع للمحتاجين من سكان المحافظة المجاورين للغاب عند توزيع اراضي الغاب، بالاضافة الى عدد آخر من المشروعات، مع ملاحظة ان جميع المشروعات القائمة حتى الان في سورية قد استطاعت الدولة ان تسدد نفقاتها من اموالها الجاهزة بدون اي مساعدة خارجية الى ان يقول : وليسمح لي المواطنون الاعزاء ان اؤكد مجددا بأن سورية تستطيع عند الحاجة ان تعتمد على نفسها سواء في تأمين وسائل الدفاع الوطني بدون الحاجة الى اخذ الاسلحة والعتاد بالمجان من أية دولة اجنبية وذلك حتى لا تسخر سياستها لسياسة الدولة المتبرعة بالاسلحة وسواء في تأمين وسائل ازدهارها الاقتصادي عن طريق تنفيذ المشاريع الانمائية الى تدر على الخزينة موارد كبيرة وتسهم في رفع السوية الاجتماعية والاقتصادية بشكل مطرد وملموس.

وينتهي خالد العظم الى القول:

"وعندما نستطيع ان ننهي بعض تشريعاتنا الاساسية، وندفع الى الامام مشاريعنا الانمائية، ونجري الانتخابات النيابية الحرة في موعدها المحدد، اتقدم عندها الى مجلسنا النيابي الجديد لاقدم له كشف الحساب، وانا واثق بأنني قد بلغت اقصى ما يتمناه رجل سياسي مثلي، من اختتام لعمله السياسي على وجه تطلع معه لارضاء الاله الذي اعانه، وضميره الذي حركه، والشعب الذي احبه ووثق به، وعندها اكون قد اكتسبت الفخر الذي سأبقى معتزا به ما حييت، فخر كل من آمن بشعبه وعمل لوطنه، واعطى لخير بلده كل ما اعانه الله عليه".

رحم الله خالد العظم لقد كان وطنيا ورجل دولة بحق.

كان البدء بتنفيذ سد الفرات اهتماما رئيسيا لي في تلك الفترة ولوزرائنا المشاركين في الوزارة القومية، ولكنني كنت شاكا باقدام المانيا الغربية على تنفيذه، وقد اعربت عن ذلك بحديث لمجلة الشام نشرته بتاريخ 16/12/1962:

الاقتصاد هو الموجه الحقيقى للسياسة، وقد اصبح الاقتصاد في هذا العصر دعامة كل امر من الامور، وكل شأن من الشؤون، لذلك ارى دوما ان برامج التنمية في بلادنا هي اهم القضايا التي يجب ان نعالجها، ولا يمكننا الوقوف في وجه المطامع الاستعمارية الصهيونية الا بقدر ما نحققه لبلادنا من تقدم في الميدان الاقتصادي.

ان اول دعائم الاقتصاد في الشرق العربي هي مشاريع الري، فلا حضارة ولا صناعة ولا تجارة ولا تقدم ولا ازدهار الا بقدر ما نحيي ونروي من اراضينا، فالاقتصاد الزراعي الثابت القائم على مشاريع الري والغراس والتحريج هو البداية لتطوير التصنيع وازدهار التجارة بل هو الاساس لاشادة الحضارة وتحقيق التقدم والرخاء لهذه البلاد. وان الاقتصاد الزراعي الذي يعتمد على الامطار وحدها اقتصاد قلق مضطرب يهدد بالرجوع دوما الى حالة البداوة.

ان سد الفرات يروي حوالي تسعة ملايين دونم، اي ضعف اراضي المساحة المروية الان في سورية، وعدا ذلك فإنه يولد طاقة كهربائية بما تزيد على ثلاثمائة الف كيلووات، وهي طاقة كافية لانارة سورية بكاملها وستسخر للازدهار الصناعي دون شك، ان الغرب قد انفق كثيرا لتحقيق توازن القوى بين العرب واسرائيل خلال الخمسة عشر عاما المنصرمة لذا كان علينا ان نقلب هذا التوازن لمصلحة العرب، ان القوى العسكرية اليوم اصبحت اقتصادا وارقاما، وان هذه القوى اضحت تقدما وعلما، فالتقدم العلمي نفسه اصبح ايضا اقتصادا وارقاما، وان القوة العسكرية لأمة من الامم تكمن في قوة اقتصادها. وسد الفرات سيستوعب ويمتص كثافة السكان في سورية في الاعوام المقبلة، وسيزيد من انتاجنا الزراعي والصناعي والتجاري.

لقد بدئ بتنفيذ هذا المشروع عام (1957) حيث كان في برنامج التنمية الذي وضع عام (1956)، اقول بدء بتنفيذه فعلا، لان الدراسات التفصيلية كانت قد طرحت آنئذ في مناقصة عالمية، ولا ادري ما هو السر الذي دعا الى الغاء هذه المناقصة. ثم قامت الوحدة عام (1958) واجرى الخبراء السوفييت دراسة اولية على هذا المشروع، وكانت دراسة مفيدة ومجدية. وبعد استقالتنا عام (1959) عقد جمال عبد الناصر اتفاقا مع المانيا الغربية لتنفيذ هذا المشروع، ومنذ ذلك الحين وحتى الان لم تنته الدراسة التفصيلية، وما تزال المانيا الغربية تماطل وتراوغ، فطورا تدعي بأنها ابرمت الاتفاق مع الجمهورية العربية المتحدة، وان سورية اصبحت غير محتاجة لهذا المشروع او غير قادرة على ايفاء التزاماتها المالية من جراء تنفيذه، او انها -اي المانيا- تعلق عقد اتفاقها معنا على اجراء مباحثاته مع تركيا.

والحقيقة الواضحة كما قلنا في اجتماع جرى في لجان المجلس النيابي السابق بحضور رئيس الحكومة الدكتور معروف الدواليبي، والسيد نور الدين كحالة، ان المانيا الغربية لا يمكن ان تنفذ هذا المشروع، وانها تماطل وتراوغ لاضاعة الوقت، وأنها واقعة تحت ضغط امريكا والصهيونية العالمية التي ترى في تنفيذ مشروع سد الفرات نتائج هامة وخطرة على المصالح الاستعمارية والصهيونية في المنطقة العربية كلها.

ويمضي عام على الاجتماع المذكور ولا تزال المانيا تسوف وتخاتل، وهكذا انصرمت خمس سنوات من حياتنا الاقتصادية دون ان تنتهي الدراسة، ودون ان نبت بالطريقة التي نمول بها مشروعنا الضخم.

وفي هذا الوقت بالذات يحرك الاستعمار عملاءه لاثارة الفوضى والتخريب في بلادنا، واصطناع خطر الشيوعية عليها، مع ان سورية امنع بلاد العرب امام الغزو العقائدي الشيوعي، ولكن الغرض مكشوف ومفضوح، فالاستعمار والصهيونية المتآمرة مع المانيا الغربية، لمماطلتنا وإضاعة الوقت علينا، تستهدف تخويفنا من الخطر الشيوعي حتى لا نفكر في الاتجاه نحو الاتحاد السوفيتي او دول اخرى لتمويل هذا المشروع.

انني اجزم بأن استثمار البترول في سورية، وانشاء سد الفرات، هما المحرك للاستعمار والصهيونية لاثارة القلق والفوضى والتخريب في بلادنا، واصطناع الخطر الشيوعي علينا حتى لا تتمكن سورية من استثمار بترولها وانشاء سد الفرات فيها. وهذا هو سر المعركة القائمة بين الاستعمار والصهيونية وبين شعبنا المناضل لتحقيق تقدمه وارتقائه ورفاهه.

منذ اكثر من عام قرأت لأحد النواب الالمان اليهود استجوابا يطلب فيه من حكومته، (وهي المانيا الغربية طبعا) ان لا تمول سد الفرات لأنه انحياز واضح للعرب وتهديد فاضح لاسرائيل، والان اقرأ في الصحف ما يفيد ان السد هيرستنماير (وهو رئيس البوندستاغ الالماني الغربي) قام بزيادة رسمية لاسرائيل في اواخر شهر تشرين الثاني المنصرم، وان هذه الزيارة استغرقت تسعة ايام، كما زارها قبل ذلك السيد باول اديناور وهو ابن مستشار المانيا الغربية اديناور، والسيد ديللار نائب رئيس البوندستاغ وذلك بمناسبة مرور عشر سنوات على توقيع اتفاقية التعويضات بين اسرائيل والمانيا الغربية، هذه التعويضات التي منحت بموجبها المانيا الغربية لاسرئيل (850) مليون دولار تدفع على اثني عشر عاما. والى جانب آخر تعاون عسكري بين اسرائيل والمانيا.. ففي عام 1960 قررت حكومة اديناور ان تخصص في موازنة الطاقة الذرية اعتمادا قدره ثلاثون مليون مارك لتمويل الابحاث الذرية الجارية في اسرائيل، كما قدمت حكومة بون مساعدات شملت بناء عدد من الاهداف العسكرية والحربية.. وفي اجتماع (هيرمستنماير) اثناء زيارته الاخيرة المذكورة لاسرائيل تحدث عن استعداد حكومة المانيا الغربية لبناء مؤسستين صناعيتين ضخمتين لحساب اسرائيل في افريقيا.. وغير ذلك كثير من المساعدات الالمانية لاسرائيل.

ولكن محاولات امريكا واسرائيل لن تؤثر ابدا على اشادة سد الفرات، لأن بامكان سورية الاعتماد على الاتحاد السوفييتي في تنفيذ هذا المشروع مثلما اعتمد جمال عبد الناصر على الاتحاد السوفيتي نفسه في بناء المرحلتين من مشروع السد العالي. كما اجزم ايضا بأن سورية قادرة وحدها اذا استثمرت مواردها البترولية على تمويل مشروع سد الفرات دون اي تأخير او ابطاء فيما اذا تعذر عليها الاعتماد على الاتحاد السوفيتي.

واذا لجأنا في تمويل مشروع سد الفرات الذي استنكفت المانيا الغربية عن تمويله الى الاتحاد السوفيتي، فليس لاننا عاجزون عن انشائه بانفسنا، بل لاننا نريد كسب الوقت الثمين، وحتى لا تتأخر برامج التنمية الاخرى عن مواعيدها، لاننا في سباق مع اسرائيل والاستعمار، وعامل كسب الوقت مهم واساسي في المعركة القائمة بينهما وبين العرب.

لذلك كان من اهم واجبات الحكومة القومية القائمة، قطع الطريق على التسويف والمماطلة واضاعة الوقت، والبت في طريقة تمويل هذا المشروع الكبير، فقد كفانا اننا اضعنا خمسة اعوام سدى مع انه كان يمكن تحقيق المرحلة الاولى لهذا السد والمقدر لها ثلاثة اعوام، وكنا بدأنا بتنفيذ المرحلة الثانية وان وراء المانيا الغربية في تسويفها ومماطلتها امريكا واسرائيل، وليس المقصود فقط هدر الوقت، بل المقصود ايضا الضغط على سورية في قضية استثمار بترولها في المفاوضات الجارية مع شركة كونكورديا الالمانية الغربية.

في هذه الفترة عندما كانت سورية تحاول ان تلتقط انفاسها، وان تعيد الحياة لاقتصادها، كان عصام العطار يتجول في المدن السورية، ومنها مدينة حلب، ليخطب في مساجدها معرضا بالاشتراكيين وبحكومة خالد العظم، محرضا عليهما، مرددا النغمة القديمة حول التخوف من الشيوعية بالوقت الذي كانت فيه حكومة العظم جادة في تشجيع القطاع الخاص، وتنشيطه والاعتماد عليه، وعلى تنمية الاقتصاد السوري، وقد تولى الاقتصادي السوري المشهور عزت الطرابلسي هذه المهمة فبدأ بتحضير المشاريع التالية التي رفعها الى مجلس الوزراء لاقرارها :

1- انشاء صندوق توفير بريدي يشجع الافراد على الادخار ويكون موردا للحكومة في مشاريعها التنموية.

2- انشاء بورصة للاسهم المالية.

3- تعديل قانون البنك الصناعي.

4- انشاء مراقبة للتصدير.

5- انشاء اسطول تجاري.

وكان الوضع الاقتصادي في سورية كما تحدث عنه الدكتور عزت الطرابلسي لوكالة الانباء العربية:

"ان الاقتصاد السوري تميز عام 1962 بزيادة محسوسة بالدخل القومي بلغت 350 مليون ليرة بحيث بلغ الدخل (2.750) مليارين وسبعمائة وخمسين مليون ليرة، وذلك بسبب زيادة الانتاج الزراعي لجودة الموسم، ونشاط الحقل الصناعي وحركة المطار والفعالية التجارية... ان هذا العام تميز باستقرار اقتصادي وثبات قوة النقد السوري رغم الاستيرادات والنفقات غير المنظورة مما يجعل عام 1963 اكثر ازدهارا في مختلف النشاطات الاقتصادية. (النصر 9/12/1963)

لقد رأيت من المفيد ان اسافر الى حلب، المدينة الاولى في سورية من حيث فعالياتها الاقتصادية، لامحو الآثار التي خلفتها خطب عصام العطار في المساجد واتصالاته بالجمعيات الدينية والفئات اليمينية، فعقدت مؤتمرا اجبت فيه بكل صراحة على مختلف الاسئلة التي طرحها علي الصحفيون الحلبيون وقد نشرت الحديث تحت العناوين التالية :

مسؤولية الاحزاب في الصمود امام المغامرين.

نحن مع اليمين الوطني لما فيه مصلحة الوطن.

عقد السيد اكرم الحوراني مؤتمرا صحفيا في حلب اجاب فيه على عدد من الاسئلة التي وجهت اليه فأجاب على سؤال عن رأيه بما اعلنه السيد رشاد برمدا بالعودة الى قانون الاحزاب السابق فقال : ان الحريات العامة نص عليها الدستور السوري عام 1950 والذي اقر مجددا في العام الماضي وموضوع تشكيل الاحزاب هو شرط من شروط الدستور السوري الجديد واعتقد ان القانون المزمع اصداره سيكون منسجما مع نصوص دستورنا والقوانين المكملة له المتعلقة بالحريات العامة خاصة وان الدستور السوري دستور تقدمي نصا وروحا بعد ان الغيت المادة الرجعية الوحيدة فيه والمتعلقة بالاصلاح الزراعي.

وقال ان الحكومة اعطيت مهلة سنة لاعادة البلاد الى الحياة البرلمانية الديمقراطية لذلك فهي ستعمل على وضع قانون الاحزاب وستجري الانتخابات في البلاد.

وقال ان الاحزاب السياسية هي تلبية لتحقيق اماني الشعب بالتطور والتقدم وبقدر ما تلتزم الاحزاب التي ستنشأ بالمنطق تصمد امام المغامرات والمغامرين الذين يودون اقامة حكم ديكتاتوري وفردي وان شعب سورية عانى كثيرا من المغامرات الديكتاتورية ونرجو ان تكون الديمقراطية السياسية التي تطبق في بلادنا والقائمة على الديمقراطية الاجتماعية حصنا حصينا للبلاد.

واجاب السيد اكرم الحوراني على سؤال لوكالة انباء الشرق العربي عن رأيه في تخفيف عدد النواب في المجلس النيابي السوري بأن كثرة العدد او قلته لا قيمة لها اذا كانت المجموعة او اكثريتها صالحة، واذا تمكن الشعب من تحدي الظروف المحيطة به وتمكن ايضا من ارسال ممثلين امناء الى المجلس النيابي يصبح العدد الكثير خيرا، وقال ان تخفيض عدد النواب ليس له مبررات، فالموضوع تمثيل الشعب تمثيلا صحيحا.

واجاب على سؤال اخر حول التكتل الاشتراكي الذي دعا اليه بان هذا التكتل هو عملية مؤقتة لظروف محدودة اما الاحزاب فهي لغير الظروف المحدودة. ونفي ما ذكر بشأن احاديثه مع بعض السياسيين حول عودة بعض السياسيين المحكومين والذين هم خارج البلاد.

واجاب على سؤال اخر فيما اذا كان بالامكان ان يعمل الاشتراكيون الى جانب اليمينيين بأنه يجب التفريق بين اليمين الوطني والعميل واضاف نحن مع اليمين الوطني على اساس وطني ديمقراطي لما فيه مصلحة الوطن العربي وتوجد امثلة كثيرة على هذا التعاون وذلك عندما تعرضت البلاد في بعض الظروف للمخاطر وقفنا جميعا صفا واحدا. واشار الى انه يوجد في اليمين عملاء كما يوجد في اليسار ايضا عملاء.

وقال عن التنظيم الجديد لحزب البعث العربي الاشتراكي بأنه سيطرا عليه تعديل وتؤخذ بعين الاعتبار التجارب التي مرت على البلاد والمؤامرات التي تعرضت لها سورية.. وقال اعتقد ان جميع الاحزاب سيطرا على برامجها القديمة تعديل بسبب التجارب التي مرت بها سورية وخاصة التجربة الاخيرة التي ما تزال قائمة لم تنته بعد. وقال عن رأيه بتعدد الاحزاب بأن هذا الموضوع سيقرره الشعب كما ان الاحزاب المصطنعة ستنهار تلقائيا.

واجاب السيد اكرم الحوراني على سؤال اخر عن رأيه بالوحدة العربية بأنها يجب ان تقوم على اساس الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية وذلك لمنع التسلط والاستغلال وتكون هذه الوحدة قائمة على اساس التكافؤ والمساواة ومنع جعلها مطية للاستغلال والانتهازية والتجارة باسم القومية العربية بالاضافة الى ضرورة عدم وجود متناقضات في الانظمة.

واعلن بأن حزب البعث الاشتراكي سيعمل ما في وسعه للدفاع عن حقوق العمال والفلاحين والطبقات الاخرى الكادحة. واكد بأن الاشتراكيين يؤيدون العمل لتصنيع البلاد وتشجيع رأس المال الوطني، وقال بقدر ما نصنع بلادنا تكون لدينا القدرة للوقوف بوجه الاستعمار واسرائيل كما اننا دعاة لتوسيع عمل نطاق القطاع العام.

وقال ان التأميم في سورية لم يوجده عبد الناصر فسورية اممت شركات الماء والكهرباء وبنك الاصدار قبل ان يعرف عبد الناصر في العالم العربي. واكد السيد الحوراني بأن موضوع فلسطين يجب ان يحتل تفكير مجموع الدول العربية لان قضية فلسطين هي التي طرحت قضية الوحدة بين الدول العربية.

وقال عن رأيه في المساعدات والقروض الاجنبية بأن الميثاق الوطني عام 1956 الذي وقعه رجال السياسة في سورية ينص على الحياد الايجابي وعدم الانحياز وقبول المساعدات من الشرق والغرب شريطة ان لا تكون هناك اي شروط سياسية ضمنية او غير ضمنية. واكد بأن مشاريع التنمية في سورية انما نفذت بأموال وطنية سورية دون الاستعانة باموال اجنبية وقال ان باستطاعة سورية ان تنفذ مشروع سد الفرات اذا ما تخلت المانيا الاتحادية بتعهداتها عن تنفيذ السد وضرب على ذلك مثلا بالتأمينات الاجتماعية التي تعطي سنويا ما يقارب من 70 مليون ل.س.

وتحدث عن قضية اليمن فقال : اننا نؤيد الثورة لأننا نريد التحرر وثورة اليمن وتحررها رائدنا الاساسي. اما ان تنحرف هذه الثورة او تستغل فهذا ما لا نرضى به مطلقا. وقال لم يكن في يوم من الايام ليخطر ببالي او ببال اي عربي في ان يقتل العربي اخاه العربي على ارض عربية ولكن هذا ما يحدث على ارض اليمن العربي. وتقول وكالة انباء الشرق العربي ان السيد اكرم الحوراني دعا في نهاية مؤتمره الصحفي الى العمل من اجل خير سورية والوطن العربي وتوحيد الجهود بين العاملين في الحقل السياسي من اجل وحدة ابناء سورية والوطن العربي الكبير. (النصر 7/1/1963 عن وكالة انباء الشرق العربي)



محاولة انقلابية فاشلة بقيادة النحلاوي في الثالث عشر من كانون الثاني 1963:

في اوائل شهر كانون الثاني 1963 راجت في دمشق شائعات بأن عبد الكريم النحلاوي ورفاقه قد عادوا سرا الى سورية للقيام بانقلاب بالاتفاق مع الناصريين (ورد صراحة خلال مباحثات الوحدة الثلاثية الحديث عن اتصالات النحلاوي مع الناصريين ومع عبد الناصر الذي لم ينف ذلك. (ص126)

وفي تاريخ 13/1/63 استدعيت الى رئاسة الجمهورية بعد ان سمعت ان حركة تمرد في الجيش قامت في صباح ذلك اليوم ولكنها احبطت عندما اقترب زياد الحريري مع قواته في الجبهة واصبح على ثلاثين كيلومترا من دمشق.

عندما دخلت القصر الجمهوري وجدت عبد الكريم النحلاوي جالسا في الصالون غاضبا ممتقع الوجه، ووجدت عصام العطار في غرفة رئيس الجمهورية الذي اخبرني بمحاولة النحلاوي الفاشلة وانها حلت سلما.

لقد استغربت يومذاك دعوتي لهذا الاجتماع وقلت في نفسي لعل القدسي يريد مني ان انصح عبد الكريم النحلاوي بمغادرة البلاد وهو ما اتفق عليه مع قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين.

ولما خرجت وانا على هذا الظن، وخوفا من صدام الجيش والتماسا لخروج النحلاوي سلما من البلاد سلمت عليه وجلست بجانبه وكانت المرة الثانية التي اراه فيها بعد المرة الاولى التي جرت اثر اعتقالي بعد حركة الثامن والعشرين من آذار 1962 كما ذكرت سابقا، وقد حاولت ان أهدئ من روعه.

كما نصحته بأن استمرار الخلافات والتناحر بين ضباط الجيش سيكون له عواقبه الوخيمة على البلاد وعلى القضية العربية وان الروح الوطنية التي يتحلى بها ضباطنا في الجيش السوري ستتغلب في النهاية على هذه الخلافات، ولكن النحلاوي لم يجبني بكلمة بل ظل صامتا ومشيحا بوجهه عني، وقد بررت ذلك يومذاك بكونه من الاخوان وبالخصومة مع البعثيين مما جعله يتابع تسريح اعداد كبيرة من الضباط الموالين للبعث بعد الانفصال.

لقد جاء في مذكرات قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين وصف لهذه المحاولة الانقلابية الفاشلة :

"في يوم 11/1/1963 دخل النحلاوي ورفاقه الذين اقصاهم مؤتمر حمص الى سورية عن طريق مخفر باب الهوا المتاخم للحدود السورية التركية، وبتاريخ 13/1/1963 برزت حركة العصيان في كل من معسكرات قطنا والقابون والكسوة" ويشير زهر الدين باصبع الاتهام للقدسي عندما يقول :

"اطلعت الدكتور ناظم القدسي ومجلس الوزراء على عودة النحلاوي ومحاولته الانقلابية، ولما ذهبت اليه مرة ثانية، فإذا بالنحلاوي ورفاقه موجودين في القصر الجمهوري وهم مهيب الهندي وفايز الرفاعي، وقالا لي بحضور رئيس الجمهورية بأنهما حضرا الى بلدهما بعد ان سرحا من الجيش وانهما لا يرغبان بالتوظف في وزارة الخارجية" ثم يقول :

"ان النحلاوي عندما قام بالمحاولة وضع شروطا لوضع حد لها وهي :

1- الغاء امر نقله الى وزارة الخارجية واعادته ورفاقه الى الجيش فورا.

2- اخراج كل من اللواء مقعبري والعميد خليل الموصلي والعقيد عدنان عقيل من لجنة الضباط لانتمائهم للحزب الشيوعي.

3- الاسراع بالمحاكمات وضرورة تنفيذ الاحكام التي ستصدر بحق الذين ارتكبوا جرائم القتل في عصيان حلب.

4- العودة الى مؤتمر حمص وتنفيذ المقررات التي لم تنفذ.

5- الدعوة الى وحدة فورية مشروطة مع مصر شريطة تبديل قيادة الثورة المصرية. (ص360 وما بعدها من مذكرات عبد الكريم زهر الدين).

ومن هذا الشرط الاخير يظهر ان مشروع عودة الوحدة بقيادة المشير عبد الحكيم عامر كان لا يزال واحدا من خيوط هذه المحاولة بالتفاهم مع المخابرات المصرية التي تنتمي للمشير، كما اعتقد بأن هذه المحاولة الانقلابية كانت بالتفاهم مع عصام العطار وبالرضى الضمني من ناظم القدسي، الذي لم يتخذ اي تدبير لمعاقبة النحلاوي ورفاقه بالاحالة الى المحكمة بتهمة التمرد والعصيان، وانما سمح لهم بمغادرة البلاد. بعد هذه الاحداث اتخذ قرار بايفاد زيارة الحريري في بعثة عسكرية الى موسكو ولكن هذا القرار لم ينفذ، ويتحدث عبد الكريم زهر الدين عن ملابسات هذا الايفاد بأنه قرار اتخذه مع لجنة الضباط بالاضافة الى ايفاد ضباط آخرين من كتلة الشوام منهم العميد موفق عصاصة ومسلم الصباغ وسليم شرف الى الاتحاد السوفيتي وهؤلاء اخذ رأيهم في الايفاد بينما لم يؤخذ رأي زياد، ولكنهم بدلوا رأيهم مما دعا زياد الى مقابلته وطلب عدم ارساله الى روسيا أسوة بالآخرين، ويعلق زهر الدين في مذكراته على ذلك بما يلي :

"لم اتمكن من تلبية هذا الطلب العادل من زياد الحريري، وهنا لابد من القول الى الدمشقيين الذين انتقدوا فيما بعد الفريق زهر الدين نظرا لتساهله مع زياد الحريري بأنه كان ينبغي ان ينتقدوا رفاقهم الذين بدلوا رأيهم في آخر لحظة وامتنعوا عن السفر الى موسكو رغما عن استشارتهم المسبقة لأنهم أعطوا الفرصة لزياد الحريري للانسحاب من البعثة" (ص347)

وفي تاريخ 1/3/1963 اصدر زهر الدين امر تعيين العقيد زياد الحريري ملحقا عسكريا في بغداد، وتعيين العميد مسلم الصباغ من كتلة الشوام بدلا عنه قائدا للجبهة، والعميد راشد القطيني (الناصري) رئيسا لشعبة المخابرات، كما صدر امر بانهاء مهمة مطيع السمان (من الضباط الشوام) في قيادة قوى الامن الداخلي ووضعه تحت تصرف القيادة العامة.. وعندما اصر مطيع السمان على عدم تنفيذ هذا الامر ودعمه في ذلك كافة ضباط اليمين، استفادت الفئة المعارضة من هذا الوضع وحرضت زياد على عدم تنفيذ امر القيادة العامة.

ان اصرار عبد الكريم زهر الدين وناظم القدسي على اقصاء زياد الحريري عن قيادة الجبهة اولا الى الاتحاد السوفيتي ثم ملحقا عسكريا الى بغداد، هو اعتقادهما الخاطئ بصلتي مع زياد الحريري الحموي، الذي تربطه بي صلة المصاهرة، وهذا ما يفسر طلب ناظم القدسي الاجتماع بي مع عصام العطار في القصر الجمهوري باعتبار ان العطار وراء عصيان عبد الكريم نحلاوي، وانني وراء زحف زياد الحريري من الجبهة الذي احبط محاولة الانقلاب، كما يفسر ارسال العقيد مزيد الهنيدي الضابط البعثي من قبل ناظم القدسي وعبد الكريم زهر الدين للاتفاق معي للاطاحة بالوضع في سورية، كما سيرد فيما بعد.

لقد توهم عبد الكريم زهر الدين ان تعيينه راشد العطيني رئيسا للمخابرات، والصباغ قائدا للجبهة سيرضي جماعته والناصريين في آن واحد، وسيبعد زياد الحريري عن قيادة الانقلاب وسيجعله يصل الى ما يأمله من البقاء في قيادة الجيش بمساعدة الناصريين والبعثيين ومن بقي من جماعته من ضباط الانفصال.

وهكذا كانت قيادة زهر الدين للجيش ورئاسة ناظم القدسي للجمهورية ومحاولات النحلاوي ورفاقه المتكررة ومن وراءهم من الاخوان المسلمين بالاتفاق مع المخابرات المصرية السبب الرئيسي في القضاء على محاولات الاشتراكيين العرب، بصورة خاصة، للعودة بسورية الى الاوضاع الدستورية الديمقراطية.

ولكن المسؤولية الاولى تقع على عاتق النحلاوي ورفاقه، وعلى من وراءهم من الطامعين بالتفرد في حكم سورية بأي صورة كانت، ولقد مهد النحلاوي بغباء في حركته بتاريخ 13/1/63 لانقلاب الثامن من آذار 1963 الذي قضى نهائيا على آمال الشعب في سورية بالعودة الى الحياة الديمقراطية وعلى محاولات الاشتراكيين العرب وخالد العظم لاجراء الانتخابات التي تقررت في شهر حزيران 1963.

ان لؤي الاتاسي الضابط الناصري الذي اصبح قائدا للجيش ورئيسا للدولة بعد انقلاب الثامن من آذار 1963 يقول في محادثات الوحدة الثلاثية عن حركة النحلاوي الاخيرة ما يلي :

"يلّي صار بحركة النحلاوي الأخيرة انه كان فعلا متصلا بجماعتنا، وجماعتنا شجعوه عمليا، وورطوه بعد ذلك تركوه، راحت عناصره الاساسية، كلها طبت في السجن، وقعدت (في السجن) ليوم 8 آذار (1963)، لذلك يقولون : الوحدويين أخلوا بنا وسابونا، كذابين" (محادثات الوحدة الثلاثية ص126).

كان انقلاب الثامن من شباط 1963 في العراق مقدمة، بعد شهر واحد لانقلاب الثامن من آذار1963 في سورية :

بدأ الوضع الذي كانت تمر به سورية خلال شهر كانون الثاني 1963 بالتآكل من داخله بسبب صراع اطراف الحكم المشتركة فيه.

وكانت اكبر مسؤولية في هذا التآكل تقع على عاتق الاخوان المسلمين -بقيادة عصام العطار- الذين كانت لهم اليد الطولى في انهيار الوضع الديمقراطي.

ولتوضيح ذلك يجب ان نعود قليلا الى انقلاب الانفصال في 28/9/61 الذي كان طابعه اخوانيا يمينيا مما شجع الاخوان المسلمين -لاول مرة في مدينة حماه- على ترشيح مصطفى الصيرفي ونعسان عروانة للنيابة في قائمة واحدة مع الاقطاعيين، ولكن هذه القائمة سقطت بأكملها.

وبمناسبة تشكيل خالد العظم وزارته، طلب منه عصام العطار ترشيح مصطفى الصيرفي للوزارة، فلم يلب خالد العظم طلبه، وانما اختار نبيل الطويل وعمر عودة الخطيب واحمد مظهر العظمة عن الاخوان وزراء في حكومته، وكان غرض عصام العطار من ترشيح الصيرفي للوزارة تلميعا لاسمه بعد سقوطه في المعركة الانتخابية لانجاحه في المعركة القادمة، ليدق اسفينا في مدينة حماه التي لم يكن للاخوان فيها اثر يذكر، وكان معروفا ان مصطفى الصيرفي هو من اتباع عبد الحميد السراج الذي رشحه في عهد الوحدة لانتخابات الاتحاد القومي.

ويشير خالد العظم الى محاولة عصام العطار ادخال الصيرفي الى الوزارة في مذكراته:

"ان عصام العطار بذل جهدا كبيرا لادخال الصيرفي في الحكومة سواء عند تأليفها او عند خلو وزارة العمل باستقالة منصور الاطرش" (ص434 الجزء الثالث)

لقد اس
04-15-2008, 01:15 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #3
صفحات من مذكرات أكرم الحوراني
ان ادعاء عبد الكريم زهر الدين بأنه كان مضللا ليس صحيحا، بل كان ضالعا، وكانت الشبهات تحوم حول موقفه وموقف شريكه ناظم القدسي قبل حركة الثامن من آذار التي لم تمسهما فذهب ناظم القدسي الى داره في حلب، اما عبد الكريم زهر الدين فبعد اثنتي عشر ساعة من اعتقاله اطلق سراحه بعد الاعتذار له، كما اشيع انه عند احتجازه ارسل لمن يقول لقادة الحركة :

ما هكذا تم بيننا الاتفاق.

ويقول زهر الدين في مذكراته :

"ان لؤي الاتاسي بعد تعيينه قائدا عاما للجيش اثر انقلاب الثامن من آذار امر بفرض الاقامة الاجبارية عليه في المنزل، ثم نقل بعد ذلك الى المستشفى العسكري، ويعزو السبب في نقمة الاتاسي عليه هو اتهامه له بأنه كان السبب وراء احالته الى المحكمة العسكرية اثر احداث حلب في 28/3/62.

كما يقول انه بعد صدور مراسيم العزل المدني، اضطر انقلابيوا آذار الى وضع الدكتور القدسي في المستشفى العسكري في دمشق في مطلع شهر ايار عام 1963 (أي بعد شهرين من الانقلاب) ولم يطلق سراح القدسي وزهر الدين الا بعد حركة الناصريين بقيادة جاسم علوان بتاريخ 17/7/63، اثر قرارات صدرت عن قاضي التحقيق العسكري بمنع محاكمتها ومحاكمة معروف الدواليبي وغيرهم من المعتقلين السياسيين والصحافيين ورجال الاحزاب (ص444).

صحيفة الحياة اللبنانية تصف الجو الذي سبق انقلاب الثامن من آذار وتتحدث عن بعض وقائع هذا الانقلاب

لقد كشفت جريدة الحياة بمقالين في عدديها الصادرين بتاريخ 13/14/ 3/1963 عما كان يجري في سورية قبيل انقلاب الثامن من آذار والصورة التي وقع بها هذا الانقلاب، ففي المقال الاول الذي كتبه كامل مروة صاحب الجريدة ورد ما يلي :

"كنت في دمشق عشية 21 شباط الماضي، وكنت على موعد مع الرئيس القدسي في منزله بعد الافطار، فذهبت الى نادي الشرق لقضاء الوقت في انتظار الموعد، فلقيت هنالك صديقا لي يخاطب بالهاتف مرآبا ويطلب بالحاح سيارة تنقله فورا الى بيروت، قلت له :

انا ذاهب الى بيروت بعد ساعة او ساعتين فتعال معي فنظر الى ساعته بعصبية واجاب كلا لا استطيع الانتظار يجب ان اسافر حالا، ثم طوق كتفي بساعده واقتادني الى زاوية وقال لي اسمع:

الحريري زاحف الليلة الى دمشق فأنصحك بالسفر تجنبا للمشاكل اذا وقعت مصادمات، فابتسمت وقلت له اذا كان خبرك صحيحا فسأبقى اذ لن يتاح لي دوما ان اشاهد انقلابا في دمشق، ولا تنسى انني صحفي.

ولا أدري اذا كان صديقي قد سافر ام لا، لكنني ذهبت في موعدي الى بيت الرئيس القدسي فلم اقرأ على وجهه آثار القلق فقلت له في سياق الحديث :

ما هذه الشائعات المتواترة عن الانقلاب، فأجاب بهدوء :

هذا حديث رائج عندنا، وحديثنا اليوم عن الحريري، ولكننا نحاول اقناع الجميع بالتروي وتجنب العنف، وقد نجحنا حتى الآن في تهدئة الاعصاب الثائرة، واملي كبير ان يحالفنا الحظ ليعتاد الجميع على الاستقرار، وغادرت عند منتصف الليل الى بيروت ولم يقع الانقلاب"

كما ورد في التحقيق الذي نشرته جريدة الحياة والذي يصف وقائع انقلاب الثامن من آذار ما يلي :

"يبدو ان الرئيس القدسي لم يعترض على هذه الحركة، كما يقال ان القائد العام للجيش وبعض كبار ضباط القيادة لا يعارضون هذه الحركة، وكان الرئيس القدسي يقول :

يجب على السيد خالد العظم ان يتحمل مسؤولية تعنته وتصلبه.

وقد تردد ان الرئيس القدسي ساند حركة 28 آذار 1962 التي اطاحت بالمجلس النيابي وذلك لأن اكثرية المجلس كانت تمثل اتجاه اليمين بعد ان الغى المجلس بعض القرارات الاقتصادية وقانون الاصلاح الزراعي، فتجنبا من حدوث رد فعل وافق القدسي على الحركة وان يسجن ريثما يحل مجلس النواب نفسه، وانه لا يمانع الآن (اي في الثامن من آذار 1963) من قيام انقلاب ابيض للاطاحة بحكومة العظم لاقامة تعاون بين سورية من جهة والعراق ومصر من جهة اخرى ولو جازف بمنصبه.

وقد أيد الحريري في حركته بعض الضباط في القيادة وفي مقدمتهم راشد القطيني رئيس الشعبة الثانية (مخابرات الجيش)".

"وبدأت ثورة 8 آذار وكان يقودها من دمشق العقيد الحريري الذي اصدر تعليماته الى قطعاته في القنيطرة بالتحرك الى دمشق، وكان قد مضى على وجود الحريري في دمشق اكثر من 12 يوما، فتحركت القطعات وعلى رأسها العميد توفيق الشوا، وقد قطعت القوات العسكرية الطريق من القنيطرة الى دمشق وطولها حوالي 60 كيلومترا دون توقف رغم ان بعض المراكز العسكرية على الطريق كانت تبلغ القيادة هاتفيا نبأ وصول القطعات من الجبهة الى المركز، فتصل الانباء الى العميد القطيني ويصدر تعليماته بالسماح لها بالمرور، وهكذا الى ان وصلت القطعات الى دمشق في دمشق في الساعة الرابعة وعشرين دقيقة وكان في انتظارها الحريري مع العميد القطيني"

كان اول ما اصدره انقلابيو الثامن من آذار ترفيع لؤي الاتاسي الى رتبة فريق وتعيينه قائدا عاما للجيش، وتعيين راشد القطيني نائبا له، وترفيع الحريري الى رتبة لواء وتعيينه رئيسا للاركان، وقد اقتصرت الترفيعات على هؤلاء ولم تشمل احدا من ضباط البعث المشتركين في هذا الانقلاب، كما اعلن عن تشكيل مجلس قيادة الثورة، وكان مجلسا سريا لم تذع اسماء اعضائه، وبالرغم من ان جمال عبد الناصر قد جهد كثيرا عند اجراء محادثات الوحدة الثلاثية بعد اسبوعين من الانقلاب فإن اعضاء الوفد السوري كانوا يتكتمون عن الاسماء، وبعد الحاح عبد الناصر كشف له عبد الكريم زهور عن اسماء اعضاء المجلس الذي كان متمتعا بجميع الصلاحيات الدستورية والتشريعية والتنفيذية وحتى ببعض صلاحيات السلطة القضائية.

وبعد يومين من الانقلاب اعلن المجلس الوطني لقيادة الثورة تشكيل حكومة برئاسة صلاح البيطار الذي احتفظ لنفسه بوزارة الخارجية التي كان يطالب دائما باستلامها في السابق، وعين نهاد القاسم لنيابة الرئاسة ووزارة العدل، وعبد الوهاب حومد للمالية، والعميد اركان حرب محمد الطوخي للدفاع، والعميد اركان حرب امين الحافظ للداخلية (كان آنذاك ملحقا عسكريا في الارجنتين) ومنصور الاطرش للعمل والشؤون والاجتماعية، وعبد الحليم سويدان للزراعة، وسامي الدروبي للتربية والتعليم، وعبد الكريم زهور للاقتصاد، وجمال الاتاسي للاعلام، ودرويش العلواني للاوقاف بالوكالة، ووليد طالب للشؤون البلدية والقروية، وسامي صوفان للتموين، وجهاد ضاحي للمواصلات، واحمد ابو صالح للاشغال العامة، وشبلي العيسمي للاصلاح الزراعي، والدكتور ابراهيم ماخوس للصحة والدكتور سامي الجندي للثـقافة والارشاد.

وبتاريخ 12/3/63 اصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة مرسوما تشريعيا بالغاء امتياز ست عشر صحيفة، من بينها جريدة الحرية التي كان الاشتراكيون العرب يصدرونها في حماه، وذلك بتهمة الانفصال دون ان يكون لهذه الصحف الحق بالتعويض، وصدر الامر بختم مكاتبها ومؤسساتها بالشمع الاحمر، ولم تسمح السلطة بالصدور الا لجريدة الوحدة العربية لنزيه الحكيم، وجريدة بردى لمنير الريس زوج ثريا الحافظ، وجريدة البعث وجريدة الاخوان المسلمين (اللواء) التي كانت تنطق باسم الاخوان والناصريين والبعثيين في آن واحد، كما القى القبض على عدد كبير من اصحاب هذه الصحف ومن القادة السياسيين ورجال الاحزاب وسيقوا الى سجن المزة وسجن الشيخ حسن.

دور زياد الحريري في حركة الثامن من آذار 1963

كان معروفا عن الضابط زياد الحريري عزوفه عن السياسة والسياسيين وعن جميع التكتلات التي نشأت في الجيش، سواء منها الاقليمية او الطائفية او الحزبية، ولم يكن على صلة لا بضباط البعث ولا بضباط الانفصال او الضباط الناصريين بل اقتصرت صلاته على مجموعة محدودة من ضباط الجيش الحمويين امثال مخلص غنامة وعارف الجاجة وزياد حمضمض، فما هي اذن الاغراءات التي شجعت زياد الحريري على القيام بانقلاب الثامن من آذار؟

لقد أصبح نجاح هذا الانقلاب مضمونا بعد الدعم العراقي وبعدما التفت حوله المعارضة الناصرية والبعث القومي، وبعدما ايده اركان النظام، وهكذا عزم الحريري على القيام بانقلابه، ولكنني لا اعتقد بأن زياد كان يحلم بحكم سورية مثل اديب الشيشكي وفي تقديري انه كان قانعا بأن يحل محل عبد الكريم زهر الدين في قيادة الجيش.

أما فيما يتعلق بنشاط المخابرات المركزية في سورية فلابد لي من ذكر الواقعة التالية :

بعد خمس سنوات من انقلاب الثامن من آذار، وعندما كنت منفيا من سورية ولاجئا في بيروت عام 1968، اعترضني زياد الحريري وانا في الطريق لزيارة عاطف دانيال في فندق الكارلتون، وكنت لم ار زياد منذ عدة سنوات قبل الثامن من آذار، وبدون اي مقدمات لحديثه اخبرني بأن نافع دانيال شقيق عاطف دانيال (3) قد طلب اليه ان يصبح عميلا للمخابرات المركزية، كما اخبره بأن صلاح البيطار على صلة بها، وان نافع دانيال هدده بالموت اذا افشى السر، ثم قال :

ان البعثيين بعدما سرحوني من الجيش وارسلوني ابعادا لي عن سورية سفيرا فوق العادة في باريس انتسبت الى احد معاهدها فتعرفت على فتاة المانية جميلة ولما اكتشفت انها جاسوسة يهودية قطعت صلاتي بها.

ولما انتهى من حديثه اخبرته انني في طريقي الى زيارة عاطف دانيال لأعرف رد فعله فصمت دون ان يعلق على ذلك بكلمة.

انني لم اورد هذه الواقعة لاثير الشكوك حول زياد الحريري، بل ذكرتها لأشير الى نشاط المخابرات المركزية لاصطياد العملاء بشتى الاغراءات ولا سيما قيادات الانظمة والجيش والاحزاب والطلاب في الخارج.

لم يكن زياد يتمتع بوعي سياسي ولم يكن له اهتمام بالقضايا العامة، فليس مستبعدا اذن ان تتصل به السفارة الامريكية قبل انقلاب الثامن من آذار لتعده بالدعم والتأييد كما اتصلت به المخابرات المركزية بعد تسريحه من الجيش.

اما عاطف دانيال فكان من رجال الاعمال السوريين مقيما في جنيف وعلى صلات مع بعض رجال المعارضة المغربية وجبهة التحرير الجزائرية وبعض جاليات اليمن الشمالي، وكان من مريدي ميشيل عفلق، ثم اصبح صديقا لعبد الغني قنوت وعبد الفتاح الزلط والدكتور فيصل الركبي وكان يظهر لي كثيرا من عواطف الود والصداقة.

قبل خمسة ايام من انقلاب الثامن من آذار 1963 أخبرني السيد نزار التوام وهو من قدامى المنتسبين الى العربي الاشتراكي بأن قريبه العقيد هيثم المهايني قائد سلاح الطيران قد تبلغ هاتفيا بأن انقلابا سيحدث ذلك اليوم. وأنه خرج من الحمام مسرعا وتوجه فورا الى قاعدة الطيران في بلدة الضمير، وكنت قبل ذلك على معرفة بالعقيد المهايني الذي يشاركنا بعض وجهات نظرنا السياسية.

بعد سماعي الخبر قررت ان اسافر في اليوم نفسه الى بلدة (قارة) حيث نزلت ضيفا على رفيقنا -آنذاك- عبد الحليم قدور، وكنت عازما ان اتوجه من هناك الى لبنان فور سماعي البلاغ الاول، ولكن الانقلاب لم يحدث، فبقيت يومين في قارة ثم عدت الى دمشق، وقبل ذهابي الى قارة كنت قد اخبرت مصطفى حمدون بهذا النبأ ليأخذ حذره، فقال لي بأن ابن عمه وليد حمدون قد بلغه ذلك ايضا، فعاتبته على عدم اتصاله بي وعدم تبليغي ذلك وهو يعلم انني مستهدف من قبل الانقلابيين.

لبثت بعد ذلك في منزلي في دمشق آملا ان ابلغ مرة آخرى بالموعد الجديد للانقلاب، وفي فجر يوم الثامن من آذار حوالي الساعة الرابعة صباحا، ايقظني من نومي الشاب الشهم الطيب مرهف البرازي -وكنت قد ساعدته على تعيينه موظفا صغيرا في الاذاعة -وتقضي المصادفة ان يكون ليلة الانقلاب ساهرا حتى الصباح في بناء الاذاعة، وعندما وصل الملازم سليم حاطوم وسريته لاحتلالها اسرع راكضا من مركز المدينة حيث يقع بناء الاذاعة الى شارع حلب في اقصاها حيث منزلي ليخبرني بالنبأ فقال ان قوة ضئيلة من الجيش احتلت الاذاعة وقد اتيت اليك مسرعا لاطلب منك مغادرة المنزل ولأخبرك بأنه من السهل جدا القضاء على هذه القوة.

غادرت منزلي مسرعا الى منزل المحامي الصديق الدكتور سامي سركيس وكان قريبا من منزلي، ثم توجهت بعد ذلك الى منزل صهري المحامي اسعد الطباع، وخشية من تفتيش هذا المنزل غادرته الى بيت احد اصدقائه، وهنالك اجتمع بي عبد الغني قنوت وكان مضطربا ويبدو على وجهه انه لم ينم تلك الليله، وأظهر لي انه غير متشائم من نتائج هذا الانقلاب، ولما لفت نظره الى احد البيانات المذاعة وفيها تعريض بالاشتراكيين العرب قال لي لابد من تصحيح الوضع ففهمت من ذلك انه لم يكن بعيدا عن الاتصال ببعض الانقلابيين، فغادرت هذا المنزل الى منزل خالة اسعد الطباع، وقد تلقت اختفائي في منزلها ببالغ الترحاب، ومن الجدير بالملاحظة ان السيارة التي اقلتني الى منزلها قد مرت من وسط مظاهرة من اللاجئين الفلسطينيين كانت قد اعدتها اجهزة المخابرات المصرية ابتهاجا بالانقلاب، فشاهدت فيها عددا كبيرا ممن يعرفني من المتظاهرين فلم يعترض سبيلي احد بالرغم من ان السيارة اخترقت المظاهرة ببطء شديد.

وفي صباح الثامن من آذار حلقت طائرة هيثم المهايني قائد سلاح الطيران فوق وزارة الدفاع والاذاعة مهددة الانقلابيين، ولكن تحليقها لم يلبث ان انتهى عندما لم تتحرك اي قطعة من الجيش لمساعدته، وقد قيل فيما بعد ان الانقلابيين هددوه بالاعتداء على زوجته واولاده.

لقد كان من تبقى من ضباط كتلة الشوام في الجيش ناقما على عبد الكريم زهر الدين الذي غدر بهم بعد انقلاب 28/آذار/1962 عندما وافق على تسريح عبد الكريم النحلاوي وبعض رفاقه وابعدهم عن البلاد، وهذا ما جعل انقلاب الثامن من آذار الذي قام به قائد الجبهة زياد الحريري ينجح بلا أي مقاومة.

وعن الضابط عمر عودة -من كتلة الشوام- قائد اللواء المدرع سبعين اهم واقوى الوية الجيش، وكان موقف هذا اللواء اساسيا بالنسبة لانقلاب الثامن من آذار، يقول سامي الجندي : "علمت بعد خروجي من سجني الاخير ان العقيد عودة آمر اللواء سبعين آنئذ كان نائما في بيته على بعد خطوات من بيتي، وان ثمن نومه كان تعيينه محلقا عسكريا في باريس بعد الانقلاب. (البعث، دار النهار، بيروت، ص113)

بعد منتصف ليلة التاسع من آذار داهمت بيتي مجموعة من العسكريين وقد منع رئيسهم (4) احدا من الشباب الذين كانوا قد تطوعوا لحراستي بسبب الاعتداءات الناصرية التي ذكرتها سابقا ان يرافقه الى داخل المنزل، وفي تقدير زوجتي ان وضع المداهمين لم يكن وضع من يريد الاعتقال، وانما وضع من ينوي الاغتيال، فقد القموا رشاشاتهم وهم داخل المنزل، وكانوا على درجة شديدة من الاضطراب لدرجة انهم لم يروا سلاح الحرس، وهو اربعة رشاشات مسندة الى حائط.

وفي اليوم الثالث للانقلاب ارسل الناصري محمد الجراح عددا من ابناء قريته (منين) الى دمشق في سيارات كبيرة، فمروا اولا امام منزلي حيث وقفوا فترة يهتفون هتافات معادية، ولقد سمعت زوجتي واولادي احدهم يقول : انزلوا يا شباب، ولكن احدا لم يستجب له، وتابعت السيارات طريقها الى بيت خالد العظم الذي يقول في مذكراته :

"ان محمد الجراح حمل المتظاهرين بسيارات النقل للهجوم على منزلي لاخراجي منه وسحلي، ولما خاب رجاؤهم رموا الشبابيك والمصابيح الكهربائية بالحجارة، وبلغ الكيد عند بعضهم ان تداعوا رجالا ونساء للوقوف على مقربة من داري لينعموا بمشاهدة منظر سحلي، وكانت ثريا الحافظ قد استحضرت حبالا غليظة ليربطوني بها ويجروني على الارض، كما اعتاد بعض العراقيين ان يفعلوه في كل ثورة تقدمية" (ص438 الجزء الثالث).

وقد اذاعت حكومة البيطار بعد تأليفها بيانا اعلنت فيه عن جائزة مالية قدرها عشرون الف ليرة لمن يدل السلطة على مكان وجودي ثم تلت اذاعة البيان موسيقا حماسية!!

أما زياد الحريري فقد وصف لأحد اقربائه وضعه في الجيش منذ الايام الاولى لانقلاب الثامن من آذار بقوله :

لقد كان الضباط البعثيون ينظرون الي بكراهية وحقد، وكنت اخشى ان يقدموا على اغتيالي كما اغتالوا اربعة من الضباط في حلب اثر انقلاب الثامن والعشرين من آذار 1962.

وهكذا ظهر له منذ اليوم الاول بأن الامل الذي علقه على اقامة التوازن بين الناصريين والبعثيين ليبقى قائدا للجيش كان املا كاذبا وتقديرا ساذجا وكان عليه ان يدرك ان البعثيين والناصريين لن يبقوه على رأس الجيش عندما يستتب الامر لاحد الفريقين.

اما القلة الملتفة حوله من اصدقائه الضباط فلم تكن لتجده نفعا بالرغم من تعيينه، منذ الايام الاولى للانقلاب، احد اصدقائه عارف الجاجة قائدا للواء سبعين.

كان زياد الحريري بعد انقلاب الثامن من آذار الذي قاده بالتحالف مع الناصريين والبعث يقول ان قيادته لهذا الانقلاب كانت بهدف حماية البلاد من المذابح التي يعدها الناصريون والبعثيون ويدعي انه وقف دون اغتيالي واغتيال ناظم القدسي واركان الحكومة، لكن هذا التبرير الذي كان يسره لعائلته في حماة ولأصحابه لم يكن ليقنع احدا، وكان اخوه الشاعر محمد الحريري ووالده عز الدين يتوليان نشر هذه الادعاءات عن لسانه لتخفيف الحملة العارمة عليه في سورية ولا سيما في مدينة حماه التي كانت تحمله مسؤولية الاطاحة بالوضع السابق وما ارتكبه انقلاب الثامن من آذار فكان تسريحه موضع شماتة الشعب السوري، وفيما يلي رسالة بخط زياد الحريري وجهها الى احد أصدقاء اخيه السيد سليمان سركيس محاولا فيها تبرير قيادته انقلاب الثامن من آذار 1963 وقد زودني بهذه الرسالة اخي وصديقي المحامي الدكتور سامي سركيس.

حضرة الاخ الكريم سركيس المحترم

تحية، حدثني عنك أخي محمد كثيرا، وسأراك، لا استطيع تعيين الوقت الان. اريد فقط ان اقول لك شيئا انه : لولاي ولولا البعض أقولها تجوزا لأن الحق انه "لولاي" ولو لم اكن على رأس الحركة او كنت سافرت الى العراق كملحق لوقعت الواقعة بدوني ولنزل هؤلاء المتوحشون الناصريون والبعثيون الحاقدون وهم قلة والعلويون والريفيون زاحفين الى دمشق فسحقوا قتلا دون شفقة ولا رحمة اكرم الحوراني وجماعته في دمشق وناظم القدسي وخالد العظم وصبري العسلي وامين النفوري وكل من له علاقة بالعهد السابق او يتصورون انهم لهم علاقة به مجرد تصور، غير اني -ولا اقولها مدعيا او مزدهيا- حلت دون ذلك فخففت عنهم بما بذلته من جهد حتى قالوا عني اني انحرفت وقاموا في اليوم الثاني من الانقلاب بحركة ضدي كادت تنتصر لولا واحد منهم اخبرني.

وكم شكوا بي من اجل حمايتي للاشتراكين او الشيوعيين ولا تزال تساورهم الشكوك مني ومن بعض مواقف لي انسانية، ولولا بعض ضباط يحبونني شخصيا لما وقفت حتى اليوم وحولي المؤامرات تدور.

اني ارى جاسم علوان واعلم اتصالاته واعرف نشاط الفلسطينيين تماما ولكن لا استطيع الان شيئا او لا استطيع، عبد الناصر يكرهني لأني ترأست الحركة فكأني سرقتها منه فوقفت عثرة في نظره امام الوحدة المباشرة، الف عين تراقبني على ارجاعي المسرحين الذين احاول ان ارجعهم خلسة وفي السر.

كم حاولت يا أخ ان احل الامر مع زهر الدين وناظم القدسي فيبقى الكيان السوري مستقلا ولكن عبثا كانت محاولتي، ولكن عرفت الامر الان فبين يدي تقرير خطير عن اتفاق بين ناصر والنحلاوي على ارجاع الوحدة كما كانت.

سيتألف يا أخ اتحاد اشتراكي ارجو ان يدخل فيه كمية كبيرة من الشباب الطيبين ليجمدوا الاعيب عبد الناصر، وتحملوا البعثيين في هذا الاتحاد فالمهم انقاذ البلد ويجب ان نعلم ان ناصر لا يرتاح للبعثيين سأحاول ان ارفع (العزل) عن كثير من اخواننا.

كتبت لك لتعلم الحقيقة كرجل مثقف عرفه لي اخي محمد ولنقولها يوما ما فيما اذا هوجمت من قبل الناس ولكن لا تقلها اليوم، وربما قتلت ومر وقت يستطيع الناس ان يتكلموا فيه واراد الناس ان يشتموني فقلها لهم يا أخي قل انقذت دمشق.


--------------------------------------------------------------------------------

هوامش النص كما أوردها الحوراني :

(1) خلال فترة العشرة ايام بين خروجي من السجن اواخر عام 1965 ثم سفري الى فرنسا للعلاج زارتني آنسة من عائلة عبيد وهي حاليا زوجة لاحد ابناء عمر اغازلفو والد زوجة عبد الحميد السراج، وقالت لي يومها :

انني ناصرية وخارجة من سجون الثامن من آذار، لقد مورست علي كل انواع التعذيب ومنها وضعي في الدولاب، كما ارتني اسنانها المكسورة من الضرب وذكرت لي تفاصيل واسماء لا مجال لذكرها الان، كما قالت :

انني ازورك الان لانك وقفت بشجاعة امام انقلاب الثامن من آذار رغم ما بيننا من اختلاف في الأراء، وقد اكدت لي يومذاك ما قيل عن مديرة مدرستها ثريا الحافظ التي كانت تحرض الطالبات على التظاهر وتضع في جيب الطالبة خمس او عشر ليرات، ومن الجدير بالذكر ان اعادة ثريا الحافظ الى عملها (وكانت قد سرحت بسبب هذه التصرفات) كان اول قرار اصدره نظام الثامن من آذار.

(2) سبق الحديث عن راشد القطيني كأحد الضباط الذين اعتمد عليهم اديب الشيشكلي، وقد نكل القطيني بأحد سكان خان شيخون من آل النجم من الاشتراكيين العرب عندما ربطه الى فرس قامت بسحله على الارض.

(3) تكشف مباحثات الوحدة الثلاثية عن دور لعاطف دانيال في مؤامرة عويس، وعن دور آخر قام به عندما كان رسولا لميشيل قبيل انعقاد المؤتمر القومي الخامس للاتفاق مع عبد الناصر على اصدار بيان يؤيد فيه هذا المؤتمر جمال عبد الناصر، ولكن البيان الذي صدر، والذي سبق ذكره عند الحديث عن المؤتمر الخامس، كان عكس ما وعد به ميشيل عفلق، فكان لهذا البيان اثر سيء جدا بالنسبة لجمال عبد الناصر كما يظهر من اقواله في مباحثات الوحدة الثلاثية (ص207، 278-280 الطبعة الثالثة دار المسيرة، بيروت).

(4) هو على الاغلب شقيق راشد قطيني رئيس المخابرات استنادا لاوصافه من قبل الحرس.
04-15-2008, 01:49 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
mostafa.palstin غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 74
الانضمام: Nov 2007
مشاركة: #4
صفحات من مذكرات أكرم الحوراني
وهذه صفحات الكتاب كاملة بصيغة chm :

http://www.esnips.com/doc/c9f9e3a7-3157-41...cafd336f/horane

كلمة المرور : arab-unity.net


:redrose:
04-19-2008, 12:17 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  قلب الاخوان " محاكم تفتيش الجماعة " مذكرات ثروت الخرباوي fancyhoney 3 3,363 11-02-2012, 02:23 AM
آخر رد: حمزة الصمادي
  من النهضة الى الردة - جورج طرابيشي .. نسخة صفحات منفردة ali alik 2 4,029 10-26-2010, 02:25 AM
آخر رد: إبراهيم
  نقد نقد العقل العربي - العقل المستقيل في الاسلام - جورج طرابيشي - صفحات منفردة ali alik 0 1,124 07-16-2010, 11:27 PM
آخر رد: ali alik
  مذكرات داعي دعاة الدولة الفاطمية ذات البروج 5 2,687 01-24-2010, 01:23 AM
آخر رد: المروءة والشهامة
  سلسلة صفحات من تاريخ مصر مكتبة مدبولي القاهرة 37 كتابا fancyhoney 0 2,261 12-15-2009, 10:34 PM
آخر رد: fancyhoney

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS