{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
رد على كتاب سارتر " نقد المنطق الديالكتيكى "
لايبنتز غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 409
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #1
رد على كتاب سارتر " نقد المنطق الديالكتيكى "

رد على كتاب سارتر
" نقد المنطق الديالكتيكى "



لوسيان سيف



في فرنسا اليوم , أصيب الفكر اليساري غير الماركسي , أي الفكر البرجوازي الديمقراطي , بما يشبه العقم الذي لا يستطيع إخفاءه . ولا يمكن أن يعتبر هذا العقم من قبيل التراجع المؤقت , لان معالم الأزمة الشاملة واضحة أجلى ما يكون الوضوح . و أجلى ما تكون الأزمة هو ما نراه في عالم الفلسفة : إذ لم نشهد منذ أجيال , مثل هذا الفراغ في هذه السنوات العشر و بمثل هذا الاتجاه الذي نراه منذ عام 1950 فباستثناء بعض الأعمال الدراسية المتخصصة في تاريخ الفلسفة , لا نجد ظلا لعمل قد تتاح له فرصة الوصول إلى القمة , و لا حتى مجرد الشك في تجديد حقيقي . لا شئ أكثر من تكرار للمقاطع القديمة من هوسرل إلى هيدجر , ومن علم النفس إلى علم الاجتماع , ورقصات الفالس المترددة حول الماركسية , حتى حفظناها عن ظهر قلب .. ولكن هذه اللهجة العالية الصوت التي يملكها الفكر البورجوازي الديمقراطي ليست صدفة . فالفلسفة نفسها تتغذى على الحركة الحقيقية للتاريخ , حتى و لو كان ذلك بطريقة ليست مباشرة تماما , وقد تكون تعقيدا , أكثر من أي نشاط فكرى آخر , فحين كان المجتمع البرجوازي " المنحل " لا يزال محافظا على بعض قدرته على الحركة في اتجاه البحث عن الحقيقة , والعدالة , فان الفلسفة البرجوازية الحية كانت معقولة : ولكن البرجوازية كطبقة أصبحت رجعية على طول الخط , فلم يعد هناك شئ يمكن أن يغذى الفلسفة المتجهة اتجاها بورجوازيا , حتى ولو كان هذا الاتجاه ديموقراطيا . فحركة التقدم اليوم تتجه اتجاه الماركسية .

[1]

وهكذا نرى سارتر مؤلفا جديدا . فمنذ " الوجود و العدم " نجد سارتر يؤلف كتابا جديدا من 750 صفحة من القطع الكبير , فيضيف بضع عشرات من الصفحات عن الوجود و العدم نفسه . وقد أكد سارتر نفسه أن هذا الكتاب الضخم ليس سوى الجزء الأول من مؤلف كبير

ويبدو كتاب " نقد المنطق الديالكتيكى " وكأنه يتحدى موقفنا من الفلسفة غير الماركسية المعاصرة. بل وأكثر من ذلك واخطر , إننا لو صدقنا سارتر , فسنجد في الكتاب تجديدا للماركسية ذاتها التي توقفت , فأصبحت على الوجودية أن تحييها. والقضية خطيرة بلا شك , بل هناك ما هو ابعد من سارتر . أن القضية تتصل بكل الحركة الفكرية المعاصرة ولذلك فلا بد من إصدار الحكم عليها .

أولا : من الناحية الشكلية , لان هذه المشاكل التي أثارها " نقد المنطق الديالكتيكى " تبدو لنا ذات أهمية ليس فقط من الناحية الشكلية , بل لأنها تتصل أيضا بالمحتوى , بالتالي فهي مشاكل أساسية. ولنقل بكل وضوح , أن الجزء الأكبر من هذه الصفحات السبعمائة و الخمسين صعب المنال على المتخصص . ولسوف نجازف لو قلنا أن هناك أكثر من مائتي قارئ , قرأوا هذا الكتاب في فرنسا .واليك مثلا واحدا :

يصف سارتر في كتابه العلاقة التي تنشأ بين رجل ينظم إحدى المظاهرات , ورجل ينضم إلى المظاهرة , يقول سارتر :" ومن الملائم , رغم ذلك , أن نلاحظ أن هذه الشمولية المنظمة تحقق كموني في داخل الجماعة , على شبه العلو , الذي يملكه الغير المشمل , وهو يمارس الشمولية"

" ذلك لان هذا الغير الذي يمارس الشمولية باعتباره خالقا للأهداف , أو باعتباره منظما للوسائل إنما يقف في علاقة متوترة و متناقضة من العلو والكمون معا "

" وتبعا لذلك فان انضمامي للجماعة , وان كان انضماما حقيقيا في الوقت الحاضر , وفى المكان الراهن , لان الوقت والمكان هما اللذان يعرفانني , فان انضمامي للجماعة يظل غير مكتمل في جزء منه وسط ذلك الحاضر و المكان الراهن اللذان يميزان الغير المنظم "

" و نجد عنصرا من الغيرية خاصا بمركز الجماعة , ولكنه هنا يبقى عنصرا شكليا . فالغير يبقى كما هو و المسلك الداخلي praxis عام بالنسبة للجميع . ولكن ثمة انشقاقا يغير الواقعة المشملة حين أكون وسيلة مشملة أو العكس" (ص 409)

و أظن إنني قارئ من قراء الفلسفة , صاحب معدة قوية , لا يخيفه القضايا التجريدية و لكنني اعترف – بكل صراحة – انه كان يصعب على قراءة كل سطور الكتاب , دون أن اقفز فوق بعض السطور !

ولنتوقف حول مغزى صعوبة قراءة هذا الكتاب. إذ يبدو أن سارتر لم يبذل أي جهد لمصلحة القارئ . وأكثر من ذلك , و أسوأ منه انه يقدم لنا بعض الفقرات كما يسيل بها قلمه الخصب , حتى دون أن يهتم بتصحيح الأخطاء اللغوية

فكيف يمكن نشر كتاب تسترسل فيه إحدى فقراته ثماني صفحات كبيرة , دون أن تبدأ سطرا واحدا جديدا . ثم تتبعها فقرة أخري تحتل خمس صفحات أخري , وعلى الفقرتين هامش يحتل هو الآخر ست صفحات . وفى داخل الهامش نفسه هامش فرعى ؟( الصفحات 330 وما يتبعها ) وليس هذا هو العيب الشكلي الوحيد فكيف يمكن معالجة مسائل علمية في غاية الأهمية , تتطلب الوضوح الزائد , فيأتي الأسلوب في كثير من الحالات معقدا , شديد التعقيد ؟

أن المعركة من اجل لغة فلسفية واضحة , تستند إلى استخدام اقل تعبيرات فنية , إلى تحديد التعبيرات تحديدا قاطعا , هي ثمرة من ثمار الفكر الحديث منذ رابليه إلى ديدرو مرورا بديكارت وقد كان لهذه المعركة غرض مزدوج أن تصل القضايا الفلسفية الكبرى إلى جمهور مثقف عريض , من فوق راس المثقفين الرجعيين الذين يضعون أنفسهم في خدمة الرجعية . وذلك حتى يشترك الجمهور العريض في الحكم على هذه القضايا وكان الغرض الثاني هو ضرب الميتافيزيقا الأسطورية , التي لا يمكن أن تعيش إلا في الجو " الغامض الذي يتراوح بين الضوء والظلمة , والذي تعيش عليه اللغة الكهنوتية , والتي تظهر سخافتها حين تترجم إلى اللغة العادية.

ولهذا , فلقد كانت هذه المعركة من اجل الديمقراطية الثقافية , ومن اجل الحقيقة العلمية – معركة حول الموضوع لا تقتصر على الشكل وحده

بل ومن اللافت حقا أن تعمية اللغة الفلسفية , كانت تتمشى في تاريخها الفلسفي , مع محاولة انتزاع حق نقد الشعب للمناقشات الفلسفية الهامة . وإدخال أفكار يتبرأ منها . ورغم ذلك فانك تجد في هذه السبعمائة و الخمسين صفحة 600 صفحة على الأقل على غرار هذا الأسلوب المعقد الشديد التعقيد. فهل يحق لنا بعد ذلك من الناحية الشكلية – أن نقول أن هناك خطأ ما في هذا " النقد للمنطق اليالكتيكى "؟!

وقد يقال أن مثل هذا النقد متهافت , وان الأحرى بنا أن ندخل في الموضوع : في قلب المشكلة ذاتها.

ولكننا نظن أن الأمر هو العكس . لان هذه الحقيقة الشكلية أساسية , وهى تمس الموضوع . فقد أصاب الفلسفة غير الماركسية , منذ بضع عشرات من السنين داء السفسطة , وقد لا يموت كل هؤلاء الأدباء بهذا الداء , ولكنهم جميعا مصابون به.

ولهذا فلسنا نبحث عن معركة رخيصة وشخصية مع سارتر , ولكننا نوجه النظر إلى ظاهرة أيدلوجية عامة , نريد أن نوضحها , بادئين بكتاب سارتر " نقد المنطق الديالكتيكى".

وحين نجد مفكرا مثل سارتر , يدعى انتماءه إلى التقاليد الإنسانية الديمقراطية و العلمية , بل ويدعى نفسه ماركسيا , أي تلميذ لهذه الفلسفة التي تمد جذورها في الحاضر , والتي تشدد القتال ضد اللغة الافتراضية – نجده ينضم إلى هوسرل وهيدجر – فان هذا كله يلقى , منذ البداية شكا على العلاقة التي يدعيها لنفسه بالماركسية.

ولنأخذ سؤاله الذي طرحه بنفسه , منذ أكثر من عشر سنوات , في " ما هو الأدب؟" لمن يكتب سارتر ؟ هل يكتب لبضع عشرات من المتخصصين , الذين – هم للآسف – في فرنسا مفكرون بورجوازيون في الأغلبية , و آراؤهم متميزة و مسبقة, ومعارضة للماركسية؟ أن الجواب للآسف واضح. أن " نقد المنطق الديالكتيكى " مادام على هذا الشكل المعقد في الأسلوب , بعيدا عن الأغلبية الساحقة من الجمهور الفلسفي , ولا تستطيع هذه الأغلبية أن تذهب بنفسها لتتحقق من قيمة النظريات المعارضة للماركسية " الأرثوذكسية " و لو أن سارتر كان يثق بسلامة موقفة , فلم الخوف من مواجهة الماركسية , بالشروط المباحة , التي تستخدمها الماركسية, أي بشرط البساطة و الوضوح ؟

وثمة نقطة ثانية , تثير الشك في طبيعة العلاقة التي يدعيها سارتر بالماركسية هي لماذا كل هذا الغموض , وكل هذا التعقيد , ما لم يكن سارتر يخشى, لو لجأ إلى الوضوح , فستنفضح الطبيعة غير الماركسية في نظرياته ؟

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما يقوله سارتر)697, 698من الكتاب), "حين قال ماركس أن الرأسمالي يعبر عن طبيعته , على لسان الرأسمالي , فلابد من فهم هذا القول على أن الاقتصاد التطبيقي للرأسمالية يتكون على شكل حلقات متتابعة , ويترجم كنظام متتابع لعلاقات نهائية متنقلة " و بغض النظر عن الغموض في التعبير , فان ما يقصده سارتر يمكن أن يقال بلغة أوضح .

إن ماركس يقول: ليس الرأسمالي هو الذي يصنع الرأسمالية , ولكن الرأسمالية هي التي تصنع الرأسمالي" و ماركس يقول في كتاب راس المال ج 1 ص 20 " لم ارسم الرأسمالية , والمالك العقاري باللون الوردي , فليست المشكلة هنا مشكلة أشخاص , إلا بالقدر الذي تجسم فيه هذه الأشخاص نظما اقتصادية , وأسانيد لمصالح و علاقات طبقية محددة ".

ووجهة نظري التي تقول بان تطور التكوين الاقتصادي للمجتمع إنما يستوعبه مسير الطبيعة وتاريخها , يمكن أن تجعل الفرد مسئولا عن العلاقات التي يظل هو من الناحية الاجتماعية نتاجا لها على الرغم من كل ما يبذله للتخلص منها وهكذا فان سارتر لا يتصور الرأسمالية تصورا ماديا و لكنه يتصورها تصورا تجريديا , إذ يعتبر الرأسماليين الأفراد هم الحقيقة الرئيسية.

وبمعنى آخر فان المصالح و العلاقات المعينة, والتي يرى ماركس إنها العلاقات"الخالقة" تصبح على العكس عند سارتر, هي "مخلوقات الرأسماليين الأفراد".



وهكذا نرى أن المعنى الذي استوعبه سارتر من كلام ماركس , هو في الحقيقة , عكس المعنى الذي قصده ماركس ونحن هنا نضع هذا السؤال : هل هذه المعارضات, التي سنقدم منها أمثلة عديدة فيما بعد , غير مقصودة , أم إنها بالصدفة – تعبر عن أعماق مراده ؟

إن سارتر يعرف الدياليكتيكية في كتابه " النقد " ( ص 131 ) , فيقول : "إذا كانت الدياليكتيكية موجودة , فلا يمكن أن تكون سوى شمول المشمولات العينية, وتأتى بتعدد الفرديات المشملة " فهل نجد , في هذه العبارة , لونا جديدا من الأساليب الغامضة , أو نجد فيها سقوطا شكليا بالديالكتيكية , وعودة بها إلى ما قبل ماركس . أي عودة بها إلى التصور الميتافيزيقى ؟

إن هذه النقط الشكلية العديدة التي أشرنا إليها , لا تبعد بنا عن الهدف الرئيسي بل إنها على العكس , تدخل بنا في قلب الموضوع مباشرة

فما هو " لب " نقد سارتر للمنطق الديالكتيكى ؟

أن البواعث معروفة من قبل . لان سارتر قد نشر بواعثه على النقد حين نشر في عام 1957 , " مسألة منهج " في مجلة العصور الحديثة

ونلخص ما يقوله سارتر في هذه المقدمة :

1 – أن الماركسية هي فلسفة العصر الذي نعيش فيه ولا يمكن تعدى الماركسية : لان الأوضاع التاريخية التي أنبتت الماركسية لم تنقض بعد ولهذا , فكل تجاوز للماركسية محكوم عليه بالفشل , لان هذا التجاوز ليس في الحقيقة سوى إنعاش ( أو تجديد ) شكلي للأفكار السابقة على الماركسية وعلى ذلك فان سارتر يعلن نفسه ماركسيا .

2 – ولكن سارتر يستمر فيعلن نفسه وجوديا كذلك لان هناك اتجاها في الفكر الماركسي – تعود أبوته إلى انجلز – ولان للماركسيين الفرنسيين , خاصة في هذا العصر قد جمدتهم الستالينية وهم بذلك مرتكبون خطأ أساسيا . لأنهم ينسون الإنسان المجسد أو العيني concret , والوسائط التي تربط الحتمية التاريخية للكل – والتي تؤكدها بحق وصواب المادية التاريخية – و التطبيق المجسد – و يسمى سارتر هذا بالمسلك الجوانى للأفراد الذين يصنعون التاريخ ولو إننا استبعدنا هذه الوسائط التي يتحدث عنها سارتر , فسنجد أن الماركسية طبقا لتفسيره , قد سقطت في ميتافيزيقا " علمية " ولذلك فالمهمة العاجلة الآن , هي تكوين نظرية ماركسية للإنسان المجسد , أي تكوين أنثروبولوجيا ماركسية . ( علم ماركسي للإنسان ) وعلى ذلك فالوجودية رغم جانبها السلبي المثالي الثقيل , يمكن تبعا لسارتر , أن تصبح عونا لا يقدر للماركسية , لأنها استطاعت أن تتطور كفلسفة للفرد المحقق , معارضة في ذلك الهيجلية

3 - و مفتاح أنثروبولوجيا ماركسية هو الدياليكتيكية . لان الإنسان كائن دياليكتيكى باجلى معاني الدياليكتيكية وعلى ذلك فالانثربولوجيا السارترية تبدأ في محاولة إرساء أسس المنطق الدياليكتيكى , ولابد أن تتخذ هذه المحاولة شكل النقد , لان الماركسيين , كما يقول سارتر أصبحوا لا يفهمون شيئا في الدياليكتيكية إذ تهافتت الدياليكتيكية , عندهم , فأصبحت حتمية خارجية تماما , و تجريبية , وتجريدية , تتخذ شكل " العقائد المقولبة " ولان الماركسيين يفصلون بين الدياليكتيكية و بين الإنسان العيني غير المجرد concret , هذا الإنسان الذي يعتبر حاملا للدياليكتيكية ذاتها , فنجد الماركسيين قد عجزوا عن تبرير الدياليكتيكية . ولكنهم – في هذه الظروف – يحاولون تقديم الدياليكتيكية كنوع من أنواع القدرية غير الإنسانية , وغير المفهومة مع انه لابد – على العكس – من إعطاء الدياليكتيكية كل قيمتها و ذلك بإعادتها إلى أصلها : أي المسلك الداخلي للفرد الإنساني

وهذا هو " المشروع " الهام الذي يقدمه سارتر في " مسالة منهج " . فإذا كان هذا المشروع يعتمد على نقد مجاف للماركسية و للماركسيين في فرنسا اليوم , فان هذا قد أتضح من قبل , عدة مرات , منذ عام 1957 , ولسنا نريد العودة إلى نفس الموضوع من جديد



ولكن , الذي يبدو لنا حريا بالإيضاح , هو أن سارتر يود " إنشاء " ديالكيتيكية مادية , وموضوعية , وهذه النقطة هامة .

فالحق , أن الماركسية منذ فرضت – منذ ثلاثين عاما – الدياليكتيكية على الفكر الفرنسي , لم يتوقف الفلاسفة غير الماركسيين عن مقاومة الدياليكتيكية المادية و الموضوعية المثالية , والذاتية أي أن المعرفة – في هذه الأعمال التي تقترب من الواقع – لابد أن تخضع للدياليكتيكية . ولكنهم يسلمون بان الواقع نفسه, وفى ماهيته , دياليكتيكى أيضا , ولا يسلمون كذلك بأنها ليست منهجا فقط , للذي يريد أن يعرف , ولكن الدياليكتيكية تنطبق أيضا على تطور للموضوع الذي يعرف (بضم الياء )

وذلك هو ما توقن به الفلسفة الماركسية حتى الآن , ويغفله سارتر في " الوجود و العدم " , وهو يعود اليوم في " نقد المنطق الدياليكتيكى " ليتبنى الدياليكتيكية , على الأقل فيما يتصل بالحقيقة الإنسانية , وباعتبارها تعبيرا عن تطورات مادية و موضوعية

ونحن نعتبر هذا الموقف علامة على تقدم الفلسفة الفرنسية – وسيرها قدما – في تقبل النظريات الأساسية في الماركسية ولو أننا , على ذلك , نحينا جانبا كل مناقشة للصورة الكاريكاتيرية التي صورها سارتر للماركسية , ورتب عليها كتابه "نقد المنطق الدياليكتيكى" فلابد أن نقول , أن مشروع سارتر هذا , لو انه تحقق فعلا , و حتى لو تحقق جزئيا , فان هذا الكتاب لابد أن يكون مشاركة هامة في تطور المادية الدياليكتيكية

فبالقدر الذي يخطو سارتر خطوة إلى الأمام – مع فرض إنها خطوة حقيقية - فمن الصعب أن يخطو بعد ذلك خطوات تالية . إذ انه لو اعترف بان الدياليكتيكية ليست حركة الفكر فحسب , بل هي أيضا حركة الكائن الواعي , فان الباب سرعان ما ينفتح أمامه ليعترف بالدياليكتيكية في الطبيعة أيضا , وليست في حركة الفكر فقط

ولكن كيف يمكنه أن يقبل – على سبيل المثال – وجود دياليكتيكية للحاجة الحيوانية؟

إننا نحس تماما فلا كتاب " نقد المنطق الدياليكتيكى " بتهافت التفرقة التي وضعها سارتر , مستندا إلى نقطة مشابهة , بين العلوم الإنسانية التي يعترف بأنها تقوم على الدياليكتيكية , وبين علوم الحياة التي ينكر عليها الدياليكتيكية .

فحين يكتب سارتر قائلا :" أن الحاجة هي نفى النفي في الحدود التي تتبدى فيها تلك الحاجة كنقص داخل التركيب العضوي "(ص165 من نفس الكتاب ) فانه يتظاهر بان هذا التحليل للحاجة لا ينطبق إلا على الحاجة الإنسانية – و هكذا يبدو انه قد اخترق طريقا , يجعل من السخف أن تتهم دياليكتيكية الطبيعة الحية , والطبيعة فقط , بأنها عقائد جامدة ( أي غير دياليكتيكية )

ولا شك , إننا لا نستطيع بسهولة أن نتوقع من سارتر اعترافا سريعا يؤدى به إلى الاعتراف ضمنيا – أيضا – بكل الحجج المضادة للماركسية

ولكن الذي يلفت النظر حقا هو أن سارتر يتخذ هذا الموقف الجديد تماما عليه, حين يقول :" قد تقتضي المعرفة العميقة لموضوع بيولوجي , بسبب وجود التناقضات , إلى الالتزام بدراسة التركيب العضوي في شكله الكلى , اى دياليكتيكيا , ويقتضى ذلك مواجهة كل الوقائع البيولوجية في علاقاتها الداخلية " (ص 130 من نفس الكتاب)

حقا , أن سارتر يسرع فيقول : أن " هذا ليس مؤكدا " , أي انه يرفض ببساطة أن يواجه جبال الأدلة العلمية المتراكمة ذلك لأنه لا تزال هناك خلافات بين هذا الموقف الذي بدأه سارتر تجاه الطبيعة , وبين النظرية الماركسية لدياليكتيكية الطبيعة فلا تزال هناك خطوة لابد أن يخطوها سارتر , حتى يقترب من النظرة الماركسية للطبيعة , وهذه الخطوة هي التي تجعله يجادل و يعارض الماركسية.

إن الملاحظات السابقة التي تفسر لنا على الرغم من هذا الانطباع الأليم الذي يسببه هذا التحامل على الماركسية , واللهجة المعقدة غير المفهومة التي استخدمها, كيف كنا نقرأ "نقد المنطق الدياليكتيكى "بتعاطف أولى ولكن حسرتنا في النهاية كانت أقوى من تألمنا المبدئي

ولا شك أن الكتاب – مثل كل كتب سارتر – غنى بالتفاصيل فإلى جوار التحليلات المردود عليها , والى جوار بعضها الذي يبدو سخيفا – وهو يعترف بسذاجة أن إحدى ملاحظاته – " تكاد تكون سخيفة " – (ص 152) , إلى جوار تحليلاته المتتابعة كأنها صف من المنتظرين ينتظرون أوتوبيسا , فهناك صفحات , بلا شك قابلة للنقاش , ولكنها مهمة بالقطع , مثل هذه الصفحات التي حلل فيها المميزات الخاصة للبروليتاريا الفرنسية ( صفحة 704 وما بعدها ) , أو بعض أشكال الوعي بالعلاقات الاستعمارية ( ص 684 وما بعدها ) ولكن من الواضح أن هذه الصفحات اقل أهمية من هدف الكتاب الرئيسي

إن ما يحدده المحتوى الأساسي للكتاب هو المنهج والفكرة المبدئية

1 – فالمنهج أولا , هو إقامة الدياليكتيكية كمنهج عالمي , وكقانون عالمي للانثربولوجيا(ص 117) ويرى سارتر أن إقامة الدياليكتيكية هو أمر مسبق priori a و هذه هي الفكرة السائدة عنده ويرى سارتر : أن خطأ الماركسيين يعود إلى " استنتاجهم لقوانين الدياليكتيكية في الطبيعة بمناهج غير دياليكتيكية": أي إلى اعتمادهم على المقارنات , و التجريدات , والقياس و الاستنباط"(ص130)

و باختصار , فالماركسيون يبررون الدياليكتيكية بطريقة لاحقة a posterori و لكن مجرد الملاحظة لا تعنى الإثبات فليس يكفى أن نلاحظ أن التاريخ دياليكتيكى سبب دياليكتيكية التاريخ أي انه لا يمكن أن يكون غير ذلك , ولكن لابد من إثبات , أي لابد من إثبات أن الدياليكتيكية هي الشرط " المسبق " لفهم كل الوقائع الإنسانية

ومع ذلك , فان البحث عن أساس " مسبق " يجب إلا يفهم بالمعنى الكانطى ( نسبة إلى كانط ) , أي المعنى المثالي المعلى transcendantal " فمسبقا a priori لا تعنى هنا تلك العناصر المكونة و السابقة على التجربة , بل تعنى العمومية, والضرورة, التي يحتويهما التجربة, واللتان تتعديان كل تجربة"ص130

وبمعنى آخر , لابد من استخدام منهج من النوع الظاهرياتى , ويمكن تعريفها بأنها حدس ماهيات كل مسلك جوانى فردى "

2 – و قد طبق سارتر هذا المنهج على القضية الأساسية في كتابه, أي القول بان الدياليكتيكية يرجع منبعها إلى المسلك الجوانى للفرد فالخطأ في الماركسية في رأيه , إنها لا ترى غير الدياليكتيكية بعد أن أتم صنعها التاريخ , ولا ترى الدياليكتيكية المكونة للتاريخ نفسه , أي إنها تتصور الدياليكتيكية كنتيجة خارجية , وليس كحركة داخلية " فإذا أردنا إلا تصبح الدياليكتيكية قانونا مقدسا , أو قدرية ميتافيزيقية , فلابد من أن تأتى الدياليكتيكية من الأفراد , وليس من هذه المجموعات الفوق – فردية " (ص 131 ) و بهذه الطريقة , يظن سارتر انه يستطيع أن يبين لماذا و كيف تأتي الدياليكتيكية إلى التاريخ , وبالتالي فانه يعيد للدياليكتيكية مغزاها المجسد , ومدلولها المثابر " و بكلمة واحدة , فنحن لا نصالح التاريخ الإنساني , ولا علم الاجتماع , ولا علم السلالات , بل إننا ندعى أكثر من ذلك كله إننا نلغى الأساس " لمقدمة كل انثربولوجيا في المستقبل "

فإذا أثمرت تجربتنا الناقدة بنتائج إيجابية فإننا نكون بذلك قد أنشأنا " مقدما " القيمة المتجهة إلى بحث المنهج الدياليكتيكى , حين ينطبق على العلوم الإنسانية, ولم ننشئها مؤخرا كما يزعم الماركسيون إنهم فعلوا كما نكون , أيا كان الواقع المدروس على شرط أن يكون هذا الواقع إنسانيا , قد أنشأنا تلك الضرورة لكي يضعها الواقع في صيغة في طريقها إلى الشمول ونبدأ في إدراكه ابتدأ من هذه الصيغة و بذلك يتظاهر سارتر بان دياليكتيكيته أقوى من دياليكتيكية ماركس من جهتين :

الأولى : من ناحية المنهج لأنها مؤسسة أولانيًا , و ليست مسجلة مؤخرا a posteriori

الثانية : تصبح أكثر تجسيدا , وأكثر خصوبة في محتواها , لأنها تنبع من التجربة الإنسانية الحقيقية , وليست كأنها نوع من ميتافيزيقا الطبيعة وهذا ما سنحاول بحثه نقطة بعد نقطة

[2]

أولا : الرغبة في إنشاء دياليكتيكية أولانية

قد لا يكون من غير المفيد أن نذكر بعض الحقائق الأولية فهناك طريقتان , لا ثالث لهما, لاكتساب الأفكار : إما أن تستخلص من دراسة الحقيقة , أي من دراسة الوقائع , ومن التجربة بمعناها الواسع – وبذلك يكون هذا الاستخلاص " مؤخرا ", أو أن نبنى الفكرة في الرأس , استنادا إلى التجربة , نسمى هذه الطريقة بالطريقة المسبقة . هذه هي على الأقل وجهة النظر التقليدية و لكننا لو دققنا النظر لوجدنا أن الأفكارالأولية, إنما تستند إلى بعض المواد , أو تقوم طبقا لمبادئ , هي في ذاتها, نابعة من التجربة , وبذلك تكون مؤخرا بطريقة غير مباشرة وعلى ذلك , فكل المقولات , حتى أكثرها تجريدا , كالحساب مثلا , أو المنطق , إنما تنبع – في النهاية – من التجربة . وهذا هو سر نجاحها عندما نعود إلى تطبيقها على التجربة من جديد , ولكن هذه التصورات المسبقة إنما تتكون بطرق أكثر تعقيدا من تلك الأفكار البعدية, بالمعنى المعروف عادة لهذه الكلمة و لابد من فهم هذه القضية , لأننا لو استخدمنا بعض التصورات, وحسبنا إنها تصورات مسبقة تماما , فان ذلك يعنى أننا لا ندرك تماما صحتها , ولا نعرف منبعها , وهو المحتوى الموضوعي , وبالتالي فأننا نتعرض للخطأ وهذا هو الدرس الذي لا يمكن إنكاره لكل نظرية علمية في المعرفة , وهذه هي المبادئ الأساسية في كل تصور مادي لها أننا نعنى أذن أن المقولات والقوانين للدياليكتيكية , لا يمكن , ولم تكن مطلقا مقولات وقوانين مسبقة a priori بالمعنى المطلق لهذه الكلمة . وهذه النقطة بالذات هي التي جعلت الدياليكتيكية الماركسية تعارض , منذ البداية , الدياليكتيكية الهيجلية

ولقد أوضحت دراسة طرق التقدم في الطبيعة , و المجتمع , والفكر , عبر عدة قرون بغض النظر عن ملامحها الخاصة وتنوعانها العديدة , أن هذه الميادين يجمعها دياليكتيكية مشتركة وهيجل , هو أول مفكر , أدرك عموميات التحول الدياليكتيكى في كل تطور وهو الذي انشأ منهجه في منطق دياليكتيكى



ولكن هيجل بدلا من أن يتصور العلاقة بين هذا المنطق الدياليكتيكى و بين تطور الواقع , تصورا سليما , اعتبر المنطق الدياليكتيكى حقيقة مسبقة ( مطلقة ) واعتبر طرق تطور الواقع كتعبير عنها وينشق منها و لهذا فان هيجل حين يعالج تطورا مجسدا , يميل إلى أن يصور تطوره , ابتداء من المقولات و القوانين الدياليكتيكية , بدلا من أن يبدأ بالوقائع ذاتها , وبهذا يقع هيجل - لا محالة – في التصور غير العلمي , مادام يستخدم هذه المقولات و القوانين دون الاهتمام بمغزاها المجسد , أو الاهتمام بحدود صحتها وهذه هي ثمة المثالية دائما

أن اخطر الإضافات التي أضافها ماركس للدياليكتيكية , هي انه أدرك أن الدياليكتيكية الهيجلية , في أساسها , ليست فقط نتيجة تصورات هيجل الذاتية , ولكنها أيضا ثمرة- مغفلة – لكل التجربة الإنسانية الموضوعية , وان لها مغزى علميا هائلا , على شرط أن يوقفها على أقدامها " , وان يحولها إلى معناها المادي, أي أن يستخدم المقولات والقوانين الدياليكتيكية , لا كخالق للحقيقة , بل باعتبارها التعبير الأعم , وباعتبارها الماهية الأعمق , لعمليات التطور كما أن ماركس أضاف أيضا للدياليكتيكية لأنه عالج التاريخ , في ضوء المادية الدياليكتيكية , آي انه استخرج دون أي بناء تخميني , ودون استقراء تحكمى , تلك الدياليكتيكية المجسدة للتاريخ المجسد و لهذا فان لوم الماركسية بأنها لم تنشئ الدياليكتيكية " مسبقا " والزعم بالقيام بهذا الدور بدلا منها وبان ذلك في مصلحتها , ليس سوى أكذوبة فلسفية من الدرجة الأولى أو إنها محاولة سيئة النية للعودة إلى الدياليكتيكية المثالية تحت غطاء خادع من الماركسية .

وقد أحس سارتر بان هذه النقطة ضعيفة في تقدمه المنهجي ولهذا , فهو يضع هذه المشكلة بطريقة خطابية :هل الاهتمام بتأسيس الدياليكتيكية الماركسية على أسس تختلف عن أسس المحتوى تتهم بأنها محاولة مثالية ؟. الجواب , بلا تردد : نعم

وهل يمكن للماركسي المادي أن يجيب بغير ذلك ؟ أن البحث عن أساس مسبق , ما لا يزال منذ أكثر من ألفى سنة سمة تميز الفلسفة المثالية جمعاء , بينما ظلت دائما السمة المميزة للمادية هي إنها تتخذ من التجربة نقطة الانطلاق .

وصحيح أن سارتر داعبه أمل الهروب من ذلك العيب المثالي في الدياليكتيكية الهيجلية بان يحل محل " المسبق " الذي تصوره هيجل , المسبق كما تفهمه الفينومولوجيا. أو بمعنى آخر بدلا من أن يجعل من الديالكتيك , حركة الروح المقال بأنها مطلقة , حاول أن يجعله حركة المسلك الجوانى الذي يعيشه الإنسان الفرد باعتباره في ذاته أساسا مطلقا ومع ذلك فحتى لو لم نناقش هذا الزعم إلا من وجهة النظر المنهجية المنطقية فحسب , ,وان الفلسفة المثالية لن تكون اقل مثالية إذا ما أصبحت " هوسرلية " بدلا من أن تكون " هيجلية "؟

ولنطرح السؤال في وضوح : هل هذه الدياليكتيكية " للمسلك الجوانى " الفردي الذي درسه سارتر في كتابه , يمكن أن تكون دياليكتيكية مستخلصة من التجربة ؟

لو أن الأمر كان كذلك لما افترقت الدياليكتيكية السارترية أبدا في جوهرها عن الدياليكتيكية الماركسية , ولأصبحت السبعمائة وخمسون صفحة التي تضم " نقد المنطق الدياليكتيكى " مجرد مضيعة للوقت لا مبرر لها

وإذا لم يكن الأمر كذلك , فان سارتر يكون قد شيد بنفسه دياليكتيكية مستقلة عن التجربة , متخذا بدايتها من تصنيفات غريبة في موضوعها , وهذا يعنى إننا سنواجه دياليكتيكية ماركسية مقلوبة رأسا على عقب , أي محاولة جديدة سابقة على الماركسية لبناء تصوري غير علمي للتجربة الواقعية

ويحاول سارتر أن يراوغ بين هذين الموقفين الواضحين المتنافرين , بيد انه من اليسير أن نلاحظ انه قد تبنى الموقف الثاني. فهو يزعم على خلاف الفيلسوف هوسرل الذي "يستند إلى الوعي الشكلي المجرد" , بأنه يعتمد على عالم التاريخ المجسد (ص131) و لو انه كان قد استند فعلا كماركس على عالم التاريخ المجسد, لكان قد انتهى من زعم "المسبق". وبمعنى آخر , فان المنهج الظواهرى "المسبق" هو في كتاب سارتر الوسيلة التي تسمح له بان يهجر"عالم التاريخ المجسد" باعتباره أساسا للدياليكتيكية, ألي عالم تجريدي للحقيقة الإنسانية, وان يترك المادية التاريخية إلى المثالية السيكولوجية

ومن هنا, نمس المشكلة الأساسية الثانية التي أثارها كتاب" نقد المنطق الدياليكتيكى ", وهى معرفة ما إذا كان المسلك الجوانى الفردي يمكن اعتباره أساسا مجسدا concret للتاريخ يرى سارتر أن دياليكتيكية الماركسيين قد أصبحت دياليكتيكية مجردة لأنها لا تنبثق من نشاط الأفراد العملي . وهو إذ يطابق بين الفرد والواقع المجسد , يزعم بأنه إنما يصلح المادية التاريخية , بتفسيرها – كما أورد في الفصل الثاني من كتابه – بانثربولوجيا يجب أن تبدأ بالمسلك الجوانى المعاش للفرد , أو بمعنى أوضح , بعلم النفس ولكن ما الذي تعنيه هذه الفكرة الأساسية ولنبدأ فحصها , بمثل واضح مميز للسلوك السارترى وهذا المثل يتعلق بتحليل ظاهرة " زهد " الرأسمالي . فسارتر يرى انه يتعين علينا أن نبحث عن مصدر هذا الزهد ومعناه , في المسلك الجوانى للرأسمالي ...ويقول :

" في النصف الثاني من هذا القرن تتبنى البرجوازية تجاه الحياة , موقفا من التطهر العلماني , مغزاه التميز . فالرجل المتميز هو الذي يكون موضع اختيار . أي هو الفرد الذي تصطفيه الطبقة ( آو الذي تتمسك به طبقته اعترافا منها بفضله) . وليس مرد هذا الاختيار إلى نسبة ( حتى و لو كان في الواقع بورجوازيا ابن بورجوازي .. و إذا كانت الأرستقراطية تحصل على امتيازاتها بالوراثة , فقد أصبح الأمر على العكس من ذلك في المجتمع الرأسمالي والديمقراطي الذي جعل من العامل , في المقام الأول , إنسانا مثل البرجوازي .. وبذلك أصبح التميز مضادا للطبيعة , وأصبح البرجوازي متميزا بقدر ما يلغى في نفسه احتياجاته.

" و الواقع انه إذ يلغى – هذه الاحتياجات , فانه إنما يلقيها في نفس الوقت بإشباعها , وإخفائها ( متظاهرا في بعض الأحيان بالزهد ): فهو يمارس دكتاتورية على جسده باسم عدم الحاجة أو بعبارة أخري , دكتاتورية للثقافة على الطبيعة , فملابسه ضيقة عليه للغاية ( كورسيهات , و ياقات , و صيديريات متعبة الخ ) . و هو يعلن على الملاء قناعاته ( هناك فتيات إذا ما دعين للعشاء , يتناولن طعامهن قبل تلبية الدعوة , حتى يظهرن أمام الناس كالصائمات ) . كما أن زوجته لا تخفى على الملاء برودها الجنسي .. وبهذا المسلك الجوانى , المتسم بالقهر , يؤكد البورجوازيون , غيرتهم إزاء المستغلين بفتح الغين (ص 717 )

بيد أن مشكلة الزهد هذه عالجها ماركس في كتابه راس المال .. ومن المثير أن نعقد مقارنه بين نص ماركس و سارتر في هذا الصدد : فقد كتب ماركس معقبا على النظرية التي نادى بها سنيور senior 1836 , والمسماة " بنظرية القناعة " كتب كارل ماركس يقول" لا يحظى الرأسمالي بالاحترام إلا بقدر ما لديه من راس مال , وهو بهذا مثله مثل المكتنز يهيمن عليه ولع أعمى بالثروة المجردة , أي القيمة . غير أن ما قد يبدو لدى أحد الرأسماليين خصلة فردية , يبدو لدى غيره, أثرا للميكانيكية الاجتماعية التي ليس هو إلا أحد تروسها .

" فتطور الإنتاج الرأسمالي يتطلب زيادة مستمرة لراس المال المستثمر في المؤسسة , كما أن المنافسة تفرض القوانين الكامنة في الإنتاج الرأسمالي , كقوانين ملزمة و قسرية على الرأسمالي الفردي , فهي لا تسمح له بان يحتفظ برأسماله بغير أن يزيده , وهو لا يستطيع أن يستمر في زيادته إلا عن طريق التراكم المستمر.

" و إرادته , ووعيه , لا يفكران إلا في احتياجات راس المال الذي يمثله . وهو لا يرى فيما يستهلكه شخصيا , إلا نوع من السرقة , أو على الأقل اقتراضا من راس المال المتراكم . كما انه في إمساكه الدفاتر , يضع مصروفاته الشخصية في باب الخصومات , عليه ويعتبرها دينا عليه إلى الرأسمال.

" و أخيرا , ففي تراكم الرأسمال غزو لعالم الثروة الاجتماعية , وبسط للسيطرة الشخصية , وزيادة لعدد الرعايا , أو هو التضحية من اجل الطمع الجشع.

" غير أن الخطيئة الأولى , تقع في كل مكان , وتفسد كل شيء .. فبقدر ما تنمو وتتطور طريقة الإنتاج الرأسمالية , وبقدر ما تستتبعه من تراكم الثروة , يتوقف الرأسمالي على أن يكون مجرد تجسيد لراس المال . ويشعر " بانفعال أنساني بالنسبة لذاته وجسده , ويصبح عصريا ومتشككا : إلى حد انه يجرؤ على السخرية من الزهد الصارم الذي كان يزعمه المكتنز من قبل . فبينما نجد الرأسمالي القديم يستنكر كل إنفاق فردى لا ضروري له و لا يرى فيه إلا افتئاتا على تراكم راس المال, نجد الرأسمالي العصري قادرا على تحويل فائض القيمة إلى رأسمال عقبه تحول دون الاندفاع وراء شهواته ... فالاستهلاك في نظر أولهما هو استمساك بالتراكم , و في نظر الثاني " كف عن التمتع " كارل ماركس . راس المال الجزء الثالث ص 32 وما بعدها )

وهكذا لا نجد فحسب لدى ماركس وصفا مجسدا وحيا لذلك " الصراع الفاوستى ( نسبة إلى فاوست ) بين انحدار الرأسماليين نحو اللذة , و انحدارها نحو القناعة , و إنما نجد كذلك تفسيرا علميا لهذا الصراع : فالقوانين الكامنة في الإنتاج وإعادة الإنتاج الرأسماليين في مرحلة معينة من مراحل تطورهما تضطران الرأسمالي الفردي إلى أن يضحى بالاستهلاك الشخصي من اجل التراكم . و في نفس الوقت تصبح كافة المتناقضات الثانوية , وتصبح دياليكتيكية هذه العملية كلها مفهومه تماما , بدءا من التناقض بين طريقة الإنتاج الرأسمالية والرأسمالي الفرد بلحمه وعظمه , و التناقض بين الرأسمالي القديم الذي يقترب من المكتنز , والرأسمالي العصري فما الذي يقدمه لنا سارتر بدلا من كل هذا ؟ مجرد وصف قصصي , يرجع كما تدلنا الأحداث المعروفة مثلما صوره لنا بلزاك في رواياته , في النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وهو وصف فاقد للترابط الواقعي , فقد وضع على نفس المستوى , جنبا إلى جنب بخل الرأسمالي , و الياقات الضيقة , كما أضاف إليهما دون ما سبب أو مبرر برودة الزوجة الجنسية , فقدم وصفا أنيني على عموميات مجردة: الطبيعة , والثقافة , و الغيرية , وهى عموميات تنطبق على مالك العبيد في الحضارات القديمة انطباعاتها على الرأسمالي في القرن التاسع عشر

أما التفسير العلمي , فلم يقدم سارتر منه شيئا ..لماذا لم يبحث الرأسمالي مثلا عن " تميزه " بالترف الجامح بدلا من الزهد ؟ أن سارتر لم يفسر ذلك , ولا يستطيع أن يفسره , كما فعل ماركس , وذلك لسبب بسيط هو أن الترف المنطلق من كل حد , وهو بدوره و في نفس الوقت حقيقة واقعية مثل نقيضه الزهد



وبمعنى آخر , بينما يقدم لنا ماركس تفسيرا علميا يسمح لنا بان نتفهم تاريخيا أساس التصرفات الفردية , فان سارتر يعبر عن هذه التصرفات بلغة نظرية – أي برطانة هي نتاج لهذا الخليط الكيماوي العقيم .. و إذا أردنا التعمق , قلنا انه بينما يزودنا ماركس بمفهوم مادي ومحدد للتاريخ و للإنسان , يهوى بنا سارتر إلى مفهوم مثالي لا لزوم له ويؤكد سارتر في ختام تحليله بان ذلك " يتعلق بإبداع فردى , وبحرية عملية "(ص719)... وهنا يحق لنا أن نقول أن ما أورده كتمهيد لكتابه بقوله :" إننا نلتحم بغير تحفظ بالمادية التاريخية " (ص31 ) ليس إلا خداعا و مخاتلة ..

والحقيقة أن ذلك كان محاولة جديدة لاحلال المثالية محل المادية تحت ستار ماركسية أدخلت عليها بعض التحسينات ذلك أن المثل الذي حللناه تفصيلا ليس مثلا وحيدا . و الجزء الأول من كتابه " نقد المنطق الديالكتيكى " يجرى كله على هذا النمط .. و بدعوى انه يبحث في المسلك الجوانى الأبنية " التي ترجع منطقيا قبل هذا الترميم التاريخي للماركسية , إلى مستوى من عدم التحديد و العمومية , اكبر وأعظم "( ص 276 ) , فانه يقايض بإلحاح منظم المادية التاريخية مقابل نوع من علم الاجتماع المعلى , الذي لن تستطيع صوره القصصية ان تخفى فيه ذلك التجريد الأصيل

وأخيرا يقول سارتر : " إذا ما درسنا الطبقة , والكائن المنتمى للطبقة , فسوف يحدث أن نستعير الأمثلة من تاريخ الطبقة العاملة

"غير إننا لا نهدف إلى تحديد تلك الطبقة الخاصة التي يطلق عليها اسم البروليتاريا , وليس لنا من غرض إلا أن نبحث خلال هذه الأمثلة عن تكوين طبقة ما , ووظيفتها المشملة ..الخ" (ص153) وهو ما يعنى أن الأمر لا يتعلق بالنسبة له بالبحث عن ديالكتيكية مجسدة لتاريخ الطبقة العاملة – و إنما هو يؤجل ذلك "إلى آخر مطاف"(ص493) أو إلى الجزء الثاني من كتابه أو إلى اجل غير مسمى – و يدرس بناء انثربولوجيا عالميا هو تكوين الطبقة عموما, و لا يزيد تاريخ الطبقة العاملة في هذا المجال عن أن يكون مستودعا للأمثلة الهدف منه تجسيد سارتر لفكره , مثله في ذلك مثل تاريخ مجتمع إقطاعي و عبودى . وكما لو كانت عملية تكوين البرجوازية في العصور الوسطى مثلا , و عمليه تكوين البروليتاريا في القرن الثامن عشر تنوعات تاريخية لنغمة وحيدة هي " تكوين طبقة " . يمكن أن ندرسها في ذاتها , دراسة مسبقة , وقبل الخوض في الموضوع . وهذا يؤدى بنا إلى أن نتساءل عن المغزى العميق للسارترية المراجعة.

[3]

و نشير بادئ ذي بدء , إلى أن نقد المنطق الديالكتيكى فضلا عن انه لم يقدم أي تطور خلاق للماركسية , كان مثلا تقليديا – كما يقول سارتر – " لتجديد شباب الفلسفة السابقة على الماركسية " .. وهذا المثل يتضمن إفلاسا مزدوجا فهو أولا : إفلاس للمنهج الظاهرياتى .. ونحن نعتقد أن الوقت قد حان لكي نقول كل شئ في صراحة و صرامة ...فمنذ عشرات السنين وهم يقرعون آذاننا بما يزعمونه من خصوبة ثورية لهذا المنهج الذي كان الغرض منه قلب وجه العلوم الإنسانية , وبوجه خاص الحلول تماما محل الديالكتيكية الماركسية الموضوعية الهرمية , تلك الديالكتيكية التي لم يعد يسمح بالكلام عنها إلا بالإشفاق الشديد .

ولكن , منذ الوقت الذي كان فيه الباحثون الماركسيون يطورون علوم الإنسان , من سيكولوجية الشخصية , إلى علم الاجتماع الديني , ما الذي قدمه من ثم المنهج الظاهرياتى ؟

وكيف نفسر أن سارتر في " نقد المنطق الديالكتيكى " أي في هذا المؤلف الضخم في المنهج الظاهرياتى , كان في كل مرة تقريبا , يسترجع فيها تحليلات ماركس معلنا انه سيصلح من شأنها . إنما يتهرب من كل ما يعطيها قيمتها العلمية ؟

بيد أن ذلك ليس بجديد علية .. و إذا أنعمنا النظر فسنجد انه ليس من قبيل الصدفة أن نجد أن المادة العلمية في مؤلفات سارتر عن بودلير أو الانفعالات مثلا ليست نتاج جهد سارتر نفسه , و إنما أخذها من باحثين غرباء على المنهج الظاهرياتى – مثل الدكتور لا فورج أو بير جانيه – وهم علماء ينظرون إلى علوم الإنسان – بدرجات متفاوتة – باعتبارها علوما تفسيرية أو موضوعية ..

وهكذا يبدو الفيلسوف الظاهرياتى طفيليا على العلوم الإنسانية , فبعد أن أتم هؤلاء العلماء عملهم , ظهر سارتر لكي يترجم في رطانة ظواهرية نتائجهم المدوية البراقة زاعما انه يرفع من فحوى اكتشافها في ذات الوقت الذي كان يعمل فيه على تصفية نواتها الموضوعية .

ونعتقد أن عمل سارتر هذا إنما استلزمته طبيعة الأمور , فالمنهج الظاهرياتى ليس إلا نوعا من التعبير اللغوي الوصفي لوقائع الوعي , وتجسيدا روحيا حديثا لفكرة قديمة هي فكرة الاستبطان . ولو إننا سلمنا بان هذا التعبير اللغوي كان أكثر حصافة من غيره , وانه سمح لسارتر مثلا بالتجديد في الأدب , فانه لم يضيف شيئا متماسكا إلى العلوم الإنسانية , وذلك لسبب واضح هو أن مولد هذه العلوم قد استند إلى تخطيها تخطيا جذريا وصف المعطيات المباشرة للوعى و اتجاهها نحو التفسير الموضوعي للماهية والمنهج الظاهرياتى , من هذه الناحية ليس إلا شكلا من أشكال المقاومة التي تقوم بها مؤخرة الجيش ضد تطور المادية الظافر في علوم الإنسان

ونقد المنطق الديالكتيكى هو كذلك إفلاس للمثالية – أو بمعنى أدق ما يطلق عليه في فرنسا منذ مائة وخمسين عاما الروحية . فالظاهرياتية و الوجودية وان تزينتا بيراع الماركسية فانهما لا تعدوان أن تكونا في نهاية المطاف تلك الروحية القديمة .

ولنطرح هذا السؤال : هل هذه المحاولة السارترية لإقامة علم المجتمع على أساس تحليل الفرد , أي على أساس علم النفس , هي محاولة جديدة لم تسبقها محاولات من قبل ؟ إننا نطلب من القارئ أن يرجع بذاكرته إلى ما تلقاه في مدرسته من دروس الفلسفة ليتذكر المحاولة التي قام بها تارد منذ ثلاث أرباع قرن ... وما حاول تارد إن يفعله مستندا إلى علم النفس في عصره أي إلى كتابات تين و شاركو, يحاوله سارتر اليوم مستندا إلى علم النفس وفقا لفرويد ومدرسة الجشطلت معطيا لها تفسير وجوديا بل وفضلا عن تارد , يجب أن نسترجع تراث فيكتور كوزان , فتراث كوزان أن هو إلا تراث المثالية التي تأخذ نقطة بدايتها من الوعي الذاتي..فمفكروا القرن الثامن عشر المتقدمون أحدثوا بالميتافيزيقا التقليدية النابعة من الجمود العقائدي اللاهوتي من الضربات ما حدا بالبرجوازية المحافظة في القرن التاسع عشر إلى البحث عن شيء آخر لتبرر به العالم على النحو الذي تدركه به , وكان هذا الشيء الآخر هو الأنا باعتباره نقطة بداية بدلا من الله – و إنما هذا الأنا الذي يعتبر وعيا صرفا أي أنا الكوجيتو الديكارتى . وبهذه الفكرة ظلت المثالية قائمة مادام الوعي ظل اسبق من الطبيعة في الوجود

وأيا كانت الاختلافات بين تنوعات هذه المثالية الذاتية , فمن الواضح أن الوجودية عموما ووجودية سارتر والآخرين , تنبع من هذا التراث الروحي ولم يكن ج .لاكروا مخادعا عندما كتب في نهاية تعليقه على نقد المنطق الديالكتيكى يقول :" أن أهم شئ هو إخلاص سارتر لإنسانيته فهو لم يهجر الكوجيتو أن استعاده الإنسان هو إعادة تقديم العالم الداخلي في الدياليكتيك ..ثم ينتهي بعد أن يتسأل عما إذا كان مثل هذا الموقف يجافى المادية قائلا : " اليس ذلك في الواقع تفجيرا للماركسية من الداخل "

وليس في وسعنا إلا أن نعطى ل ج . لاكرو الحق : أن فلسفة من نوع وجودي فلسفة تأخذ نقطة بدايتها من الوعي الفردي , وحتى لو كان سلوكا جوانيا لا يمكن بحال أن تتوافق مع المادية الماركسية التي تعتبر الوعي الفردي في المقام الثاني بالنسبة للمادية الطبيعية و الاجتماعية .أن فشل محاولة سارتر هو عجز آخر للروحية البرجوازية التي تحاول منذ قرن ونصف أن تشيد فلسفة إنسانية حقيقية ذلك أن الإنسانية الحقة لا تنفصل كما يقول ماركس عن الطبيعة أي المادية

ويبقى بعد ذلك أن نفهم هذا الحماس لدى رجل مثل سارتر وغيره في إيجاد مرتكز فلسفي لماركسية يمكن أن تكون في نفس الوقت روحية .

ونقد المنطق الدياليكتيكى , بهجماته في ميدان السياسة المعاصرة وكذلك بموقفه السياسي الذي نعتقد انه يمد شباكه في كل مكان , يقدم لنا الإجابة عن هذا التساؤل .. كما قدمته لنا بشكل آخر المقدمة التي كتبها للطبعة الجديدة من كتاب نيزان " عدن – العربية " وخاصة منها قوله:

" إذا كان الآباء يسارين ؟ فما العمل ؟ لقد جاءني شاب يحب والديه , ولكنه قال بقسوة انهم رجعيان "! لقد أصبحت أنا عجوزا , وشاخت الكلمات معي , فلها في رأسي نفس عمري , وشرد ذهني واعتقدت انه طريد عائلة موسرة , مفرطة الإيمان , أو من الجائز أن تكون ليبرالية تعطى صوتها لبيناى .. ولكن الفتى أزال عنى هذا الضلال بقوله " أن والدي شيوعي منذ مؤتمر ثور " كما أن ابن آخر لآب اشتراكي كان يتهم في نفس الوقت الحزبين الاشتراكي والشيوعي ... البعض يخونون والآخرون يتخبطون في ظلمات الجهل"


(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 04-13-2008, 06:17 PM بواسطة لايبنتز.)
04-13-2008, 06:12 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
حسام يوسف غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 809
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #2
رد على كتاب سارتر " نقد المنطق الديالكتيكى "
شكرا للموضوع الهام

ساعود بعد قراءة متانية
04-13-2008, 10:42 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  نسق المنطق ومنطق النسق-كريم الصياد كريم الصياد 5 3,430 01-26-2012, 02:24 PM
آخر رد: fancyhoney
  المنطق الارسطوطاليسي وانتهاءه علي هلال 2 1,847 11-24-2011, 07:19 PM
آخر رد: علي هلال
  الحرية-فلسفه سارتر bahaabahaa 1 2,921 05-24-2011, 04:30 PM
آخر رد: Kairos
  حقيقة " الثورة الدائمــة " التاريخية Awarfie 2 1,414 03-25-2009, 01:41 PM
آخر رد: Awarfie
  قرءاة في موضوع " الانعتاق السياسي" ، لجاد الكريم الجباعي Awarfie 1 1,198 02-15-2009, 01:17 AM
آخر رد: Awarfie

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS