مقالة للدتور ناصر الظاهري في جريدة الاتحاد -- فعلا مازال هناك اناس يعقلون فى هذاالزمن
ناصر الظاهري
الأحد 22-03-2009 تحجيب المجتمع!


التيار المتدين بالوراثة أو بالنقل أو بالحفظ يقوده التيار المؤدلج يريد أن يقود المجتمع، ويسيّر أخلاقه، وفق نيته أو عقيدته التي يعتقد أنها الأصلح والأسلم والأنفع للفرد والعائلة عماد المجتمع، وهي مدعاة للأجر والثواب، وحسنة الأمر بالمعروف، والدعوة للخير، ورضا الرب، لذا تجد أتباع هذا التيار يطرقون كل باب، ويحاولون أن ينفذوا من خلال كل شق، وعادة ما ''يهاجمون'' أو يستهدفون الفئات البسيطة، وغير المتعلمة، وغير المدركة، وغير الواعية، أو يقصدون الأمهات، وربات المنازل باعتبارهن ''كعب أخيل'' أو نقطة الضعف التي يمكن أن يسربوا من خلالها ما يريدون، وفي كل مرة يتبعون طريقة، وينهجون بوسيلة، ومن بين هذه الوسائل: بث أخبار عجيبة، وخارقة للطبيعة، وفوق ما يحتمل العقل غير المتفحص والمتعمق، وهم يرون أن بث مثل هذه الأخبار هدفه العظة القاسية، وردع الصدور المغيّبة، والأبصار الزائغة، وجرهم إلى التدين، وليس الدين القويم، بغية كسب أكبر عدد من الناس إلى صفوفهم الذي لا نعرف كم طول هذا الطابور، ومن هو واقف فيه، ومن فيه من ينتظر، لذا يستوردون حوادث عالمية وشاذة تحدث في بقاع العالم المتطرفة، وتفرد لها الصحف العالمية حيزاً في صفحاتها لغرابتها، وندرتها، ولعلاج أمراض من قام بها، فيقوم الفريق المندس في كل المجتمعات العربية والإسلامية، والذي يعمل في الظلام والخفاء، ويركب عليها أسماء محلية، ويجد لها أسماء أماكن محلية، ويطرح المشهد وكأنه حدث في بيت فلان الذي يعرفه، أو بيت فلانة التي لا تسكن بعيداً، وهو إيهام، وتمويه، وأفعاله كلها ''مبني للمجهول'' ولو تتبعت الناس المصدر، فلن تجده، ولن تجد الحادثة، وربما غاب فجأة المروّج·
هي حوادث لا تحتاج إلى عاقل ليفندها مثل: أسرة رزقت ببنت هي أقرب للدجاجة في صورتها، وقد حاولت الأسرة إخفاءها أو وأدها، لكنهم لم يقدروا عليها لتبقى شاهدة على خطايا البشر، وجنوح المجتمعات، وإفشاء المنكر بين الناس، أو أسرة كانت عقيمة، وحاولت الإنجاب بالطرق الحديثة المعملية في أوروبا، ورزقت بولد مستأذب يكسوه الشعر، أو ولدت صبياً بعين واحدة في جبهته، ويمكن أن يحمل صفات الدجّال الذي سيخرج آخر الزمان، وتتعدد الروايات، مرة بقرة ولدت تيساً، ومرة تستغل حادثة وفاة شاب بسيارته، فيقولون إنه صفع أمه قبل أن يخرج من البيت، والكل يضيف إلى الحكاية ما يريد من عنده، ووفق ما يحب أن يبثه من ترهيب في قلوب السامعين أو الحاضرين، أو ربما يلصقها بأناس بينه وبينهم عداوة أو جفاء حتى يشتعل المجتمع الصغير، ويثوّر المجتمع الكبير ليلجأ إلى التدين والركون للخوف من الوهم، والتزام البيت، وترك العمل، والدخول في الدروشة، وتعطيل الطاقات المنتجة·
أما قصة الفتيات الهاربات من بيوت أهاليهن فهي كثيرة، ولا تنتهي، وهدفها الوحيد تضييق الأهل على بناتهم، وتأليب الآباء والأخوة عليهن، وفرض الرقابة على تحركاتهن، وإلزامهن بملابس معينة، وكأن مجتمعنا يعيش في غابة، بلا قوانين ولا أخلاق ولا أعراف تسيّره، وكأن بناتنا وأخواتنا ومحرماتنا ونصف مجتمعنا كلهن مشاريع للبغي والفساد، وأعمال الجنس، ما يحدو بالأمر أن يصل إلى التدخل في تعليمهن، وتقييد حريتهن، وعدم التعامل معهن ومع أعمارهن الخطرة، أو توعيتهن بمستجدات العصر، ومستحدثات الأمور، خاصة أن ليس كل العائلات واعية، ومدركة، وتحظى بتعليم وثقافة تنجي من هذه الخزعبلات التي تريد أن تحجب الرؤية عن الناس، وتريد أن تحجّب المجتمع·· والله من وراء القصد، من قبل، ومن بعد!