يا أرض انشقي وابلعيني... 2... بقلم : ن. الحموي مساهمات القراء


و لأني أريد للإبتسامة أن تدوم طويلاً أحببت ان اشارككم بقية المشاهد علّها تنال رضاكم..



5- تكنولوجيا

مطعم، وحول إحدى الطاولات تجمعت ثلاثة نسوة..

ريم: والله من زمان كان بدنا هيك قعدة.

باسمة: إي والله بدها هيك قعدة يعني حتى نعرف نحكي كلمتين حاكم لما عم نجتمع بالبيوت الأولاد الله يسلمهم ما عم يخلونا نعرف نتهنى

شذى: إي والله.. الله يسلمهم.. يعني أحسن شي بالجمعات برات البيت هي إنو هالأولاد بيلتهوا عننا باللعب من جهة ومن جهة تانية في مين يضيِّف ويقوم بواجبنا..

باسمة (ضاحكة): الله عليك إنت وواجبك يا شذى.. (تستدرك) لك صحي مو تأخرت نهلة؟؟

شذى: مبلى تأخرت عالموعد.. رح اتصل فيها وشوف وين صارت..

تتناول شذى من أمامها هاتفها الخليوي الآخر موديل والمزركش والـ(مدندش) بكل أشكال العلاقات والسلاسل والأحجار اللامعة وتتصل بنهلة..

نهلة في سيارتها على أوتوستراد المزة.. يرن هاتفها الخليوي.. ترى اسم شذى على الشاشة وترد على اتصالها من خلال مكبرات الصوت (نظام الـ Hands free)...

شذى: ألو نهلة.. لك يا غليظة وين صرت؟؟

نهلة: يلا يلا عالطريق خمس دقايق بالكتير وبكون عندكم.. باي..

شذى: قال بدها خمس دقايق وبتكون هون..

باسمة: سبحان الذي خلقها هالمخلوقة ما بتقدر تلتزم بموعد تقولوا عيب الواحد يجي عالوقت؟؟

ريم: لأ حبيبتي هي مشان البريستيج تبعها ما بتقدر إلا توصل متأخرة

باسمة: ليش هلق البريستيج صار بإنو الواحد ما يحترم مواعيده؟؟

ريم: هيك الموضة الظاهر... تبقي اسألي نهلة..

شذى: وليش لتسأل نهلة يعني؟؟ ما أصلاً هي ما إلها بالقصر من مبارح العصر ولو ما دلقت حالها دلق على جوزها لما كان مديرها ما كان تجوزها ولا كانت شافت هالعز كله وصارت تفهم بالموضة والبريستيج..

باسمة: لك بس بدي إفهم شو عجبه فيها؟؟ يعني صحيح هي حلوة بس يعني مو هالشقفة!!

ريم: لأ باسمة لا تغلطي.. يعني إذا إنت لساتك متجاكرة من نهلة لأنها بزماناتها كانت أشطر منك ولهفت هالعريس اللقطة منك مع إنك إنت يلي جبتيها لعندك عالشركة فهاد الشي مو معناته إنك ما تعترفي إنو نهلة حلوة.. إي عليها طول وجسم غير شكل ولا تنس شرطة عينها و...

باسمة: شرطة عين شو؟؟ ليش مبين شي من عيونها؟؟ ما كله مكياج.. الله وكيلكم كانت تجي عالشركة الصبح وكأنها جاية على عرس لك إيمتى تلحق تعمل كل هالشي ما بعرف!! لك حتى زملائنا بالشركة كانوا يحكوا عليها وعلى مكياجها الـ Over ويلي واصل لدرجة البلدي أحياناً..

ريم: معك حق فعلاً نهلة كتير مكياجها over ولفترة قريبة ما كانت تعرف تلبس.. يعني صحيح جسمها حلو بس ما عندها ذوق..

شذى: حبيبتي هاد الذوق بيجي مع الجينات شي بالدم ويلي ما عنده ذوق من الأصل مهما صار وتصور بضل بلا ذوق..

ريم: والله يا شذى إذا عجبنا أو ما عجبنا نهلة صارت وتصورت وعم تلبس من على الجورنالات شي من إيطاليا وشي من فرنسا وكله ماركات وسينية يعني صارت تفهم بالذوق والموضة وكل شي..

شذى: لك والله ما بعرف جوزها شو عجبه فيها لحتى تجوزها!! يعني فعلاً عم إتذكر كيف كانت إي والله ما عم صدق!! يعني صحيح هلق صارت غير بس والله من زمان ما كانت كل هالقد لحتى عريس الهنا يتشردق فيها هالشردقة..

باسمة: حبيبتي الرجل الشرقي بضل شرقي قد ما كان شايف وداير وبضل بحب يشوف المرا متل عروسة العيد شي أحمر شي أخضر وشعرها هيك أصفر أصفر متل سيارات التاكسي..

شذى (ضاحكة): يبعتلك الهنا على هالتشبيه..

ريم: هلق خلينا نشيل الحلاوة على جنب باعتبار الدنيا أذواق.. بس يعني حتى منطق نهلة وثقافتها وحديثها مو هالشي يلي قتل ضرب.. يعني كتيييييير عادية وحتى دون الوسط ويمكن بعمرها مو فاتحة كتاب.. يعني أنا لهلق ما بعرف شلون فاتت عالشلة!! وأنا لحد هاللحظة ما كتير إلي مراق بحديثها وقعدتها ولو ما تكونوا إنتو موجودين أنا ما كنت بقدر اقعد معها عشر دقايق على بعض..

باسمة: يا ستي لا فاتت عالشلة ولا شي القصة ببساطة إنها كانت جارتي بالبناية وكنا نروح ونجي سوا عالمدرسة ونهلة ما كتير إجتماعية وكانت دائماً ملزوقة فيني متل التمرتينا وكل ما أعمل رفيقة تصير رفيقتها هي كمان بالمعية وهيك لصرنا بالإعدادي وتعرفت عليكم..

شذى: فعلاً أنا دائماً بتذكرك إنت ونهلة مع بعض وكأنكم توأم سيامي يعني حتى لما بدي إحكي شي سيرة بقول باسمة ونهلة يعني بقول الإسمين مع بعض وكأنكم شخص واحد..

باسمة: ستي شو بدنا نساوي.. هيك صار.. رح تبرد القهوة تعوا نشربها..

ترتشف كل واحدة من الحاضرات رشفة قهوة من فنجانها..

تلتفت ريم وتلمح نهلة متجهة نحوهن وتقترب منهن شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى الطاولة وتنهض النسوة الثلاث لاستقبالها بالسلامات المعتادة..

تجلس نهلة على الكرسي الفارغ وتملأ كوباً من الماء ترتشفه على ثلاث دفعات ثم تملأ الكوب مجدداً وتبدأ بالاعتذار:

نهلة: ما تواخذوني تأخرت عليكم

ريم: لا ولا يهمك حاكم مو معقول البلد شو صايرة عجقة

نهلة: وفرت عليّ الشرح يا ريم لأني كنت خايفة تفكروني تأخرت مشان الـ (بريستيج)

ريم (و قد تغير لونها وبلعت ريقها): لأ يوه شو هالحكي ما نحن بنعرفك وبنعرف إنو ما عندك هيك حركات

نهلة: معك حق بتعرفوني من أيام ما كنت لزقانة بباسمة متل (التمرتينا) وكنت بدون (ذوق) باللبس وماكياجي (over) لحد ما (صرت وتصورت) لمّا (دلقت) حالي على مديري دلق و(لهفته) من باسمة لأن هو (رجل شرقي) وبحب المرا متل (عروسة العيد) يعني متلي بشعر أصفر متل لون (سيارة التاكسي).. ولا أنا غلطانة؟؟

النسوة الثلاث في حالة ذهول وقد تلونت وجوههن بكل ألوان الدنيا ولكن نهلة تابعت بنفس الهدوء:

نهلة: حبيبتي شذى المرة الجاية بس بدك تحكي عالعالم تأكدي إنك مسكرة موبايلك منيح يا أما ضبيه بشنتايتك وبلاها البروظة تبعك إلا إذا كنتوا كتير مزعوجين من جيتي وحبيتوا تخلوني أعمل الزيارة وأنا عالطريق وعلى حساب فاتورة موبايل شذى خانم.. وهلق بالإذن أنا لازم إمشي مو حابة أزعجكم بسطحيتي وحديثي الممل و(منطقي) يلي بلا ثقافة لأنكم الهيئة مو كتير (متشردقين) فيني.. خاطركم..

كانت لا تزال الدهشة مسيطرة على ألسنة النسوة الثلاث حيث عقدت ألسنتهن في حين نهضت نهلة من مكانها وابتعدت ببضعة خطوات ثم ما لبثت أن عادت نحو (من كانت تظنهن) صديقاتها وقد امتلأ فضاء المطعم بصوت نجوى كرم وهي تغني (المي فراق)..

وقفت نهلة بالقرب من الطاولة وتناولت كوب الماء ورشت كل واحدة من النسوة الثلاث ببعض من محتويات الكوب ثم عادت وتابعت سيرها نحو باب المطعم وكأن شيئاً لم يكن..

و لكم أن تتخيلوا ماذا رددت النسوة الثلاث في تلك اللحظة!!!

*************************************

6- عراضة:

في غرفته.. يرتدي ملابسه بسرعة..

شادي (يصيح بصوت عالي) منال.. يا منال.. لقيت لي جراباتي الكحلي؟؟

منال (يأتي صوتها من الغرفة الأخرى): إيه.. إيه .. دقيقة..

تدخل منال غرفة شقيقها وتناوله الجوارب..

منال: الله يصلحك إنت التاني ما تحضر أغراضك قبل بوقت؟؟ شايف قديش عجقتنا؟؟

شادي: لو ما كان الكوّى خاوز معي وبعت لي طقمي الرمادي اليوم متل ما وعدني ما كنت انعجقت وعجقتكم..

منال: إنت الحق عليك.. بتعرف مواعيده فالصو ليش بتعطيه الطقم على آخر نفس؟؟

شادي (ينتهي من ارتداء جواربه بسرعة): أففففففففففف، يلي صار صار لسه الحق عليك والنق عليك خلصيني رح يوصلوا الشباب.. ناوليني علبة الجيل..

منال (و هي تتناول علبة الجيل من على الرف وتناولها لشادي): تفضل.. فظاعة شو ما بتقدر تسمع كلمة الحق... أنا قايمة إلبس ما بقي شي لعرس النسوان وأمك بلشت تلبس كمان..

يفتح شادي علبة الجيل ليكتشف أنها فارغة...

شادي: ييييييييييييي علينا وعلى هالنهار.. الله يمضي هالعرس على خير.. منال.. يا مناااااااااااااال.. في عندك جيل؟؟

منال (ترد عليه من غرفتها): لأ.. بس في عندي fixture.. بخ شعر يعني بيمشي حاله؟؟

شادي (و هو يضغط على زر هاتفه الخليوي ليخفي صوته الذي صدح معلناً وصول أصدقائه): وصلوا الشباب، أنا لازم إمشي وين حاطتيه؟؟

منال: عالرف تبع المغسلة.. جنب علبة الـ Deodorant..

يركض شادي مسرعاً نحو المغسلة يمسك العلبة ويرش شعره بينما يرن هاتفه الخليوي مجدداً فيترك العلبة من يده ويركض مسرعاً نحو الباب حتى دون أن يلقي نظرة سريعة على مظهره بالمرآة ودون أن يسمع منال التي صاحت من بعيد:

منال: بس انتبه.. تأكد تكون عم تبخ من مثبت الشعر مو من البخ يلي بيصبغ الخصل دهبي..

أمام البناء وقفت ثلاث سيارات تصدح منها موسيقا ملأت الحي وأصوات تصفير وتصفيق، إلى جانب أنوار السيارت التي راحت تضيء وتنطفئ.. ثلاث سيارات تحوي أصدقاء شادي ليتجهوا جميعاً إلى عراضة صديقهم العريس.. وما أن خرج شادي من البناء حتى انفجر لجميع ضاحكاً في حين علق أحد الشبان وهو يقهقه ضاحكاً بقوله: "شو ياه؟؟ شو القصة؟؟ بلاقيك مميش ولا لتقوم صرت بلجيكي على غفلة؟؟"

يقترب شادي من مرآة السيارة الجانبية ويرى انعكاس صورته (الشقراء) على المرآة وهو يتمتم: "يا أرض انشقي"..

توضيح:

مميش: ميش، يميش فهو مميش: كلمة أعجمية أي من قام بعمل "ميش" لشعره أي صبغ بعض خصلاته باللون الأشقر الذهبي وهي موضة من ما قبل عصر الـ high light والـ Extensions..

*************************************

7- فظاعة على قلة الذوق

غرفة نوم أنيقة في وسطها سرير مزدوج واسع مفروش بغطاء سماوي والكثير من الوسائد الوثيرة.. على السرير حقيبة يد نسائية وقبالة السرير مرآة كبيرة وقفت أمامها غالية لتضع اللمسات الأخيرة على تسريحة شعرها..

تدخل عليها ابنتها الصغرى لين راكضة، حاملةً معها جهاز خليوي تنبعث منه نغمة راقصة وهي تنادي: (ماما ماما موبايلك عم يرن)..

تمسك غالية الجهاز الخليوي وترد:

غالية: أهلين سوزان

سوزان: شو لسه ما طلعت من البيت؟؟

غالية: صرت عالباب خالصة

سوزان: لك إيه يللا رح تخلص العصرية.. ليكي أنا رح فوت هلق عالعصرية وبس أخلص رح انزل شوي عالسوق لبين ما تخلصي لأن لازمني جرابات وبين ما اشتريهم بتكوني إنت وصلت وفتي عالعصرية وببقى أنا بحاكيك عالموبايل لشوف وين بلاقيك بعدين لحتى نروح لعند ماما سوا اتفقنا؟؟

غالية: اتفقنا بس لا تطولي معك تلات أرباع الساعة بس.. الله معك

تضبط غالية هاتفها الخليوي على الوضع الصامت (لزوم الذهاب إلى العصرية)..

تخرج من الغرفة تتأكد من أن جرة الغاز مقفلة وكل شيء على ما يرام وتنبه ابنتها الكبرى كي تهتم بلين في غيابها الذي لن يطول أكثر من ساعتين..

تخرج من البيت وتطبق الباب خلفها.. تتفقد هاتفها الخليوي فلا تجده فتفتح الباب من جديد وتدخل إلى البيت لتبحث عن الهاتف إلى أن تعثر عليه مع لين التي لم تعد تجد لنفسها لعبة أفضل من هاتف والدتها الخليوي..

تصل غالية إلى البناء المقصود..

تصعد الدرج..

نسوة متشحات بألوان داكنة تتناسب والموقف الحزين يصعدن وينزلن الدرج وصوت همساتهن وطرطقة أحذيتهن ذات الكعوب العالية تملأ البناء..

أمام باب الشقة وقفت بهدوء للحظات ثم دخلت وسلمت على الواقفات (الوقيفة) ثم دخلت إلى الصالون وجلست هناك بخشوع، وضعت حقيبتها بجانبها وأخرجت منها غطاء رأس أبيض ألقته على رأسها، تناولت فنجان قهوة مرة ارتشفته دفعة واحدة ثم أمسكت أحد أجزاء القرآن الكريم وقرأت بضعة سور على روح المرحوم في انتظار أن يحين موعد دخولها إلى غرفة العصرية..

يحين دورها..

تنهض وتتجه إلى الغرفة ثم تدخل إلى الغرفة برفقة سيدتين..

على طول جدران الغرفة الثلاث تم صف الكراسي التي جلست عليها النسوة أما الجهة الرابعة حيث باب الغرفة تم صف ثلاث كراسي فقط لتجلس عليها الداخلات إلى الغرفة ممن (سيأخذون بالخاطر) أي يقدمون العزاء..

جلست غالية على أحدى الكراسي وراحت تتمتم الصمدية ثلاث مرات وتفكر بينها وبين نفسها بمدى قلة ذوق صاحبة الجهاز الخليوي الذي راح يصيح "أنا ولا عارف أنا ما لي ولا إيه يلي جرى لي بحبــــــــــــــــك" دون أن تفكر حتى بخفض صوته أو الرد عليه.. بالفعل قلة ذوق!! بل لماذا لم تكلف الخانم نفسها عناء إطفاء هاتفها أو ضبطه على الصامت؟؟؟ لا أعرف ما الذي أصاب البشر!! حتى الموت لم يعد له حرمة.. موقف كهذا يتطلب منا أن نكون أكثر خشوعاً وهدوءاً.. وإن لم نكن نحترم الموت فعلى الأقل يجب أن نحترم مشاعر أهل المتوفى.. بل الأجدر أن نحترم الآيات القرآنية المنبعثة من آلة التسجيل.. بالفعل لقد (تمسحنا) وتبلدت مشاعرنا وما يجري في عروقنا لم يعد دماً.. بل سائلاً سميكاً وصل حد التجلط حتى نسمح لأغنية راقصة اختراق فضاء بيت حزين.. بالفعل قمة في قلة الذوق وانعدام الإحساس..

نهضت غالية مع السيدتين اللتين كانتا معها وهي لا تزال تسمع نفس الأغنية "حبيبي دي ليا أنا بتقولها وعارف معانيها يبقى أنت"..

خرجت من غرفة العصرية وعادت إلى الصالون وهناك كان صوت الأغنية أكثر وضوحاً ومن خلال نظرات النسوة نحو حقيبتها السوداء الصغيرة اكتشفت بأن مصدر هذه الحفلة الراقصة هو هاتفها الخليوي الذي أعادت أصابع لين الصغيرة ضبطه على الوضع (الراقص).. لتضع أمها دون قصد منها في موقف يستوجب عبارة واحدة: يا أرض انشقي..

*************************************

8- لغات

مطار في مدينة عربية باتت حلماً بالنسبة لمعظم شبان العالم الثالث..

مدينة باتت بالنسبة لشبان بلدنا مسطرة يقيسون بها الرقي والحضارة والنظام وفرص العمل الغير شكل والرواتب المحترمة..

لقد وصلا لتوهما إلى هذه المدينة الحلم.. خرجا من بوابة الطائرة ومن ثم إلى صالة استقبال الواصلون وهناك كان بهاء يقف منتظراً...

استقبلهما بالكثير من الحفاوة والترحاب..

لم يكن يرحب بصديقين بل بشقيقين جاءا يحملان شيئاً من تراب البلد، رائحة البلد وهواء البلد..

جميل أن تجد في غربتك وجهاً مألوفاً ولهجةً محببة اشتقت لها..

جميل أن تجد من تتشارك معه الذاكرة وطرائف من الماضي..

جميل أن يكون بجانبك شيء من بلدك وشيء من ماضيك وشيء من ذاكرتك..

يخرج الشبان من المطار ويركبون سيارة بهاء..

بهاء: إي هه نورت البلد.. الحمد الله عالسلامة

جاد: الله يسلمك.. عذبناك اليوم بطلعة المطار

بهاء: له يا زلمة شو هالحكي؟؟ الله يسامحك.. عذابكم راحة نحن إخوة ولو شو نسيتوا سهراتنا على أسطوح بيت فادي؟؟

جاد: إيييييييه ولو هي شغلة بتنتسى..

فادي: لك لسه ما صار لنا كم ساعة تاركين الشام وأنا من هلق مشتاق لفولات بوز الجدي يلي بالشيخ محي الدين..

بهاء: لكن شو بدي إحكي أنا يلي صار لي هون 3 سنين؟؟

جاد: آآآآه شلون بدها تمضى هالفترة ما بعرف.. يللا الله كريم..

فادي: هلق رح نقلبها دراما؟؟ يللا بهاء غير لنا هالجو شوي..

بهاء: لعيونك أبو الفيد.. وهي أحلى غنية..



يدير بهاء أزرار آلة التسجيل وتنبعث منها أغنية خليجية مرحة "مين يقول إني لغيرك.. أنا لك ما لي لغيرك"..

جاد: هلق رح تضحك علينا بغنية نحن جوعانين.. جــــــوعــــــــانــــــيـــــــــن!!

بهاء: لعيونكم شباب أحلى عشا..

فادي: والله إنت كفو يا بهاء.. كفو..

بهاء: تسلم يا ابو الفيد..

جاد: إيه بقى سيدي احكي لنا.. شو بتقول عن هالبلد؟؟

بهاء: هاها.. يا سيدي هالبلد بتجنن ما في أحلى من هيك.. يعني بتعيش مبسوط.. شغل منيح، راتب منيح، أسواق، مطاعم، معارض، مولات، بضايع من كل أنحاء العالم يعني شو بدك بتلاقي.

جاد: هاد الحكي بنعرفه لكن ليش جايين؟؟

بهاء: خليني كمل..

جاد: تفضل..

بهاء: يا سيدي هون مو بالساهل فيك تصمد القرش لأن المغريات كتيرة وبتلاقي حالك يلي عم تقبضة باليمين عم تصرفه باليسار وإنت عم تضحك وتلعب..

جاد (متذمراً): الله يبشرك بالخير معناتها قعدتنا هون صارت مؤبد!!

بهاء (ضاحكاً): لك لأ يا زلمة مو هيك بس قصدي لازم تعطي بالك على قرشك وما تصرف مصاري عالطالعة والنازلة.. يعني دير بالك..

فادي: بتعرف أحسن شي إنو نحن هون ببلد عربي ومو أجنبي.. مشان موضوع اللغة يعني..

بهاء: ليش كيفها لغتك؟؟

فادي: يعني لا قوي تشد إيدك.. بتعرف أنا لغتي التانية هي الفرنسي بس عملت كم دورة إنجليزي بكم معهد خاص يعني بمشي حالي بس بالمحادثة مو كتير..

بهاء: لاااااا.. هيك إنت غلطان.. يا سيدي هون موضوع اللغة شي أساسي وخصوصي المحادثة..

جاد: ولييي شلون يعني؟؟

بهاء: يعني اللغة مو بس بالشغل والمراسلات.. اللغة بكل شي.. يعني إذا بدك تشتري كيلو زيتون بدك تحكي بالإنجليزي..

جاد: بس أنا متل فادي ما كتير قوي بالمحادثة..

بهاء: إيه كلنا هيك بنكون بالأول بعدين بيمشي الحال..

فادي: يعني إنت هلق صرت تحكي بالإنجليزي شو ما بدك؟؟

بهاء: إيه لكن.. الله وكيلكم هون بتنسوا العربي.. يعني بتعرفوا هون في ناس من كل أنحاء العالم ويمكن الهنود والأجانب أكتر من العرب.. يعني يلي عالكاشيير باكستاني، الجرسون فليبيني، شوفير التاكسي أندونيسي، زميلك بالشغل هندي، مديرك بريطاني، وجارك ياباني.. يعني الناس يلي حواليك جايين من كل أنحاء الدنيا وما بيفهموا عليك غير لغة واحدة وبس: الإنجليزي.. وأنا الحمد الله صرت بلبل بالإنجليزي..

فادي: وشلون هيك صرت؟؟

بهاء: مجهود شخصي.. أنا تعبت على حالي كتير.. يعني أول وأهم شي هو القراءة يعني ما تركت شي بالإنجليزي إلا وقرأته.. وتاني شي هو الجرأة إنو يكون عندك الجرأة لتحكي مع الناس وتخربط وتتعلم من غلطك..

جاد: والله ما لك قليل يا بهاء!!

بهاء: إيه لكن شو مفكرين؟؟ الغربة بتعلم.. بعدين أنا طول عمري بحب اللغات وبلقطها عالطاير وبالممارسة كل شي بصير.. لكن يا شباب اللغة عالم تاني وبكرا بتشوفوا وأنا رح كون معكم حتى تتعلموا مني وساعدكم بأول فترة (يركن بهاء السيارة ويطفئ المحرك) يلا شباب تفضلوا وصلنا..

دخل الشبان الثلاثة إلى مطعم الوجبات السريعة لتناول الطعام..

بهاء: إيه شباب شو بتحبوا تاكلوا؟؟

فادي: على ذوقك.. شو بتطعمينا بناكل..

جاد: إيه بهاء إنت نقي لأنك بتعرف شو الطيب..

بهاء: طيب طيب.. رح اختار لكم الوجبة بس شو بتحبوا تشربوا؟؟ أنا رح اشرب سلاش

فادي: وأنا كمان..

جاد: سلاش سلاش ما بتفرق..

بهاء: طيب شو بدكم لونه؟ الأصفر على ليمون شو رأيكم فيه؟؟ منيح؟؟

جاد: إيه إيه منيح خلصنا خورنا من الجوع..

بهاء: طيب طيب.. فظاعة شو بصلتكم محروقة..

ينادي بهاء النادل ويبدأ بإعطائه الطلب بدءاً من العصير مشيراً إلى ثلاجة السلاش وحين يسأله النادل عن لون الشراب الذي يفضله يرد عليه بهاء بكل ثقة:

بهاء: Yaoloo

يهز النادل الباكستاني رأسه لأنه لم يستوعب ما قاله بهاء فيصحح له قائلاً: ( You mean Yellow Sir??)

في تلك اللحظة ينفجر فادي وجاد بالضحك وهما يرددان: (Yaoloo؟؟ قال Yaoloo قال!!! أبوكي يا اللغات!!) في حين يحمر بهاء من الحرج والضحك في نفس الوقت...

يا أرض انشقي و ابلعيني...بقلم :ن. الحموي مساهمات القراء


ليس هناك ما هو أغلى من الابتسامة...

فيما يلي بضعة مشاهد طريفة أحببت أن أتشاركها معكم على أمل أن ترسم الابتسامة على وجوهكم...



1- رمضان مبارك



هل هلال رمضان..

هذا ما أكده المذيع الذي ظهر على الشاشة منذ لحظات ببدلته المعتادة و ابتسامته المصطنعة المعتادة و نبرة صوته الخالية من الحياة و المعتادة أيضاً ليبارك بالشهر الكريم و يعلن أن غداً هو أول يوم من أيام شهر رمضان المبارك...



بسمة: أهلين ماما

والدتها: كيفك حبيبتي؟؟ إن شاء الله مو تعبانة من الصيام؟؟

بسمة: لأ الحمد الله كتير منيحة و كمان كلها ساعة و برجع عالبيت يعني الدوام خفيف نضيف

والدتها: إي الحمد الله عم نستناك لا تطولي

بسمة: لأ ما بطول رح إسناول المعروكات و الناعم و مباشرة عالبيت

والدتها: إي الله يرضى عليك قبل ما تبلش العجقة و تتشنططي.. صحيح عدت حكيت مع عمتك و باركت لها بالشهر؟؟

بسمة: يييييييي لا و الله منيح ذكرتيني يلا يلا رح حاكيها دغري..



تطبق بسمة السماعة و تطلب رقم عمتها.. ثلاث رنات يليها صوت عمتها:



بسمة: مرحبا عميمة إن شاء الله كل سنة و إنت سالمة

عمتها (بنبرة صوتها الهادئة البطيئة الممطوطة و دون أن تفسح المجال لبسمة بالرد): أهليــــن و سهليـــن و مرحبتيـــن.. و إن شاء الله كل سنة و إنت و أهلك و أخواتك و جوزك و أولادك سالميــــن

بسمة: تسلمـ....

عمتها: كيـــفك.. و كيـــفهم أهلك؟؟

بسمة: الحمـ....

عمتها: و كيــــــفو جوزك و أولادك؟؟

بسمة: بس يا عميمـ....

عمتها: إن شاء الله بتضلوا سالميــــن و بتعيشوا لأمثاله يا رب و يرزقكم و يهنيــــكم و يخليـــــكم لبعض يا رب

بسمة: شكـ.....

عمتها: طمنيــــــني إن شاء الله مو تعبانة بالحمل و الصيام؟؟؟ إن شاء الله بتقومي بالسلامة بجاه هالشهر الفضيــــــــل.

بسمة: لحظة عميمة لحظة شوي.. أنا بسمة بنت أخوك مصطفى و إنت الهيئة خربطت بيني و بين بنت عمي هناء!!

عمتها: ييييييي.. ولي على بدني على هالفصل!!!



*************************************



2- على فين يا وابور



وقت الذروة..

موعد انصراف الموظفين من وظائفهم..

جسر الرئيس الذي قرر أن يغير مكانه و أصبح فجأة على أرض معرض دمشق الدولي القديم تحت أشعة الشمس الحارّة دون مظلة تظل المواطنين..

سرافيس (تطحش) و تزمر و تملأ المكان بالضجيج و رائحة الدخان و الناس يتوافدون على هذه البقعة من كل حدب و صوب ليعودوا إلى بيوتهم قبل أن يحين موعد أذان المغرب..

هذا يحمل أطباق الناعم، ذاك يحمل أقراص العجوة و أرغفة المعروك، آخر يحمل كيساً يحوي حمص مسلوق، فول و (بدوة) و تلك تحمل أكياس نايلون شفافة مليئة بالعصيرات الرمضانية المنعشة و تحضنها خوفاً عليها من أي (نكشة غلط) قد تودي بمحتويات الأكياس إلى نهاية حزينة و أخرى تحمل طبق حلو عربي مشكل..



يصل غزوان إلى تلك البقعة ككل من وصلوها.. حاملاً أكياساً كثيرة جاء بها من سوق باب الجابية ليوفر بضع ليرات هو أحق بها من الخضري النصاب المتمركز قبالة بيته و الذي يبيع (جرزة) البقدونس بعشر ليرات رغم أنها ذابلة مستغلاً كونه الخضري الوحيد في تلك المنطقة..



يسير غزوان تحت أشعة الشمس الحارة في هذا اليوم الرمضاني المزدحم حاملاً أكياسه الكثيرة الثقيلة و محاولاً العثور بعينيه على السرفيس الذي سيقله إلى بيته من بين جفنين يكادان يلتصقا ببعضهما بسبب وهج الشمس...



وقف طويلاً و لكن لا يوجد سرافيس..

بدأت أصابعه تحرقه بسبب الأكياس الثقيلة، و شعر بأن (بزر مخه) قد ذاب بسبب أشعة الشمس الحارقة، و العرق بلل قميصه و شعر به قطرات صغيرة تتدحرج عن ظهره..



بدأت تصل بعض السرافيس و الناس تتجه نحوها و تدافع بعضها للحصول على مقعد.. فالنازلون بالكاد يتمكنون من النزول و الصاعدون يدوسون على أقدام بعضهم و يسدون مدخل السرفيس الضيق أصلاً و البعض يظل معلقاً ما بين الباب و الكرسي فلا هو قادر على النزول بسبب سيل الناس من خلفه و لا هو قادر على الصعود بسبب الركاب الراغبون بالنزول..



لاح لغزوان من بعيد سرفيس لم ينتبه له أحد كون الجميع مهتمون بالشجار على المقاعد في السرفيس الذي سبقه و راح يركض نحوه و بضعة شبان يركضون مثله...

يصل إلى الباب حيث تجمع عشرة رجال يتدافعون و امرأة تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم في هذا الزحام و لكن عبثاً..



غزوان (يصيح بتلال البشر): لك شو صاير؟؟ شو بكم؟؟ لك بعدوا شوي للمخلوقة.. لك وقفوا بدوركم.. لك شو صاير عليكم؟؟ شو رح يهرب الإفطار؟؟

أحد الواقفين: و إنت شو دخلك؟؟

غزوان: شلون شو دخلني؟؟ صار لي ساعة واقف بدوري و عم انتظر و ما بصير هيك.. يعني شو هالنطوطة؟؟ شو هاد؟؟ لسه كل واحد بياخد دور التاني؟؟

أحد الواقفين: إيه شو مفكر حالك بأوربا؟؟

غزوان: لأ مو باوربا و الله بعرف هي الشام بس كمان مو هيك؟؟ يعني الحرمة ما كانت تعرف تطلع من قلة ذوفكم و تدفيشكم و ... اللهم إني صائم..

أحد الواقفين: و شو يا حباب؟؟ ليش سكتت؟؟ آه يا حمصة الكي يا كتار الغلبة شو كنت بدك تقول؟؟ ليقوم حابب تخانق؟؟



يشمر الشاب عن ساعديه و يضع غزوان أكياسه جانباً في حين يتدخل الناس للحد من الأزمة و يُطفئ سائق السرفيس المحرك و بنزل ليشارك في فض القتال المحتمل و يقسم يميناً معظماً و بالطلاق أنه لن يسير خطوة واحدة و لن يسمح لراكب واحد بالصعود ما لم يبوس الشباب شوارب بعض و رمضان كريم..



يصعد غزوان إلى السرفيس و كذلك الشاب الذي اشتبك معه و يدير السائق المحرك و المسجلة التي تصدح بأصوات مجموعة من المنشدين يرددون أناشيد دينية من وحي رمضان..



تبدأ الفراطة بالتدفق ليد غزوان الجالس في الصف الأمامي و يحاسب السائق..

يتأرجح السرفيس يمنةً و يسرةً بجركات بهلوانية ليتجاوز (أرتال) السيارات التي أمامه و هنا يصيح غزوان: "عندك.. عندك.. نزلني عندك.." يلتفت نحوه السائق و يصيح: "إيه لسه ما مشينا إيه ما حرزت الخناقة مشان هالأربع خطوات؟؟"



غزوان (بحرج): ما تواخذني أبو الشباب بس الظاهر إني ركبت السرفيس الغلط.. نزلني.. نزلني عندك..



ينزل غسان و هو يتمتم عبارة واحدة فقط: يا أرض انشقي..



****************



3- بروتوكول:



صالة أفراح..

أدام الله الأفراح في بيوتكم عامرة..

أقفاص من الزهور زينت القاعة الأنيقة بطاولاتها المغطاة بأغطية سكرية اللون مطرزة و بسيطة و قد توسطتها شمعدانات و تنسيقات زهور مناسبة، نسوة كحوريات من الجنة متألقات أنيقات في أبهى صورة و أروع حلة..



لم تصل العروس بعد و لكن المدعوات وصلن إلى القاعة و بدأن بتبادل السلامات و التحيات و الأحاديث من نم و ثرثرة عن كل شيء بدءاً من (يا لطيف شو حليانة) و انتهاءً بـ(شفت على هالفصل يلي طلع من هالسهيانة)..



لم تكن في يوم من الأيام ممن يجيدون أمور البروتوكولات (كيفكم و شلونكم و الحمد الله عالسلامة، و مبارك ما عملتوا و متل ما ودعتوا تلاقوا) خصوصاً أن والدتها الأجنبية الأصل لم تكن تجيد هذه الأمور لتلقنها لابنتها و لكنها و مع كل هذا كانت محبوبة بين معارفها و صديقتها و تحاول دائماً أن تؤدي دورها (البروتوكولي) على أحسن وجه خصوصاً بعد أن أصبحت امرأة متزوجة لا مجرد صبية عزباء تشفع لها عزوبيتها إلى جانب صغر سنها بهذا الجهل الاجتماعي على حد تعبير (بيت حماها)...



دخلت إلى القاعة و في رأسها عشرات الأسئلة و عبارات المجاملة الجاهزة.. و بعد أن سلمت على أهل العروس و العريس و باركت لهم اتجهت نحو طاولة صديقات العروس و هناك التقت بصديقة لم ترها منذ سنتين.. ارتسمت على وجهها ابتسامة مشرقة و أسرعت خطاها رغم كعب حذائها العالي و هي تنادي على صديقتها التي استقبلتها بالأحضان و وابل من عبارات (لك كيفك، اشتقت لك، من إيمتى ما شفتك؟؟ شو عاملة بحالك لحتى حليانة كل هالقد، أكيد جوزك عم يدللك) و غيرها..

و بعد السلام دار بينهما حوار كان فيه ما يلي من الكلام:



سالي: كتير كتير فرحت إني شفتك.. يا الله يا غادة.. بعد زمان

غادة: إيه و الله بعد زمان.. شايفة كيف الأيام هيك بتجمع و بتفرق..

سالي: معك حق.. طمنيني إنت كيفك؟؟ و خالة كيفها؟؟ و الله لهلق طعم أكلاتها الطيبين يلي عملتهم بحفلة تخرجك تحت أسناني..

غادة (و قد ترقرقت دمعة في عينيها): و الله الماما عطتك عمرها من سنة و نص..

سالي (بذهول): له له له.. إن شاء الله العمر إلك و الله يرحمها.. و الله ما بعرف شو بدي قول.. عن جد I’m so sorry غادة بس عن جد ما حدا خبرني..

غادة (تحاول إبعاد حزنها بابتسامة هادئة): يسلم عمرك.. معك حق ما تعرفي صار لنا زمان ما سمعنا أخبار بعض..

سالي (تغير الموضوع): و كيف شغلك إن شاء الله مرتاحة؟؟ حاكم القعدة بالبيت بلا شغل بتخلي الواحدة تصير كتير superficial..

غادة (بنبرة فيها شيء من الحزن): و الله يا سالي الشغل الخاص ما إله أمان من أسبوع بس خلوني إترك الشغل و الله وكيلك ما بعرف ليش!!

سالي (و هي تشعر بالحرج من سؤالها الذي قلب مواجع صديقتها): يللا معليش الله بعوضك بشغل أحسن إن شاء الله.. صحيح كيفهم الـ Babies؟؟

غادة: الـ Babies؟؟ أي Babies؟؟

سالي: آخر مرة شفتك من سنتين كنت حامل بتوأم و كان طاير عقلك و وقتها أنا كتير انبسطت لك بس بتعرفي تجوزت و سافرت و ما عدت سمعت أخبارك.. بقى طمنيني كيفهم؟؟ قديش صارت أعمارهم؟؟

غادة: معك حق.. بس للأسف ما في Babies لأن صار معي نزيف بآخر الشهر التالت و ما تم الحمل..

سالي (و قد ضربت يدها على خدها و ارتسمت الدهشة في عينيها و الإحراج على كل ملامح وجهها): ييي.. يا عليّ أنا.. عن جد غادة I’m so sorry ما كنت بعرف.. I’m really really sorry.. يا الله.. الله يعوضك خير..

غادة: لا و لا يهمك هاد أمر الله.

سالي (تحاول أن تبعد الحرج بابتسامة لطيفة و نبرة مرحة): يا الله بكرا الله بعوضك خير و بعدين إنت و جوزك لساتكم شباب بأول عمركم و معكم وقت.. صحيح كيفه جوزك؟؟ و كيف شغله؟؟

غادة: ما بعرف..

سالي: يا عليك يا غادة لساتك متل ما إنت بتحبي المزح و عندك نفس الـ sense of humor..

غادة: لا و الله ما عم أمزح عن جد ما بعرف لأن جوزي ما عاد جوزي.. نحن تطلقنا من شهرين و نص..

سالي (و قد تدفق كل الدم إلى وجهها من شدة الحرج): لأه!! لأه!! لا تقوليها!! عن جد غادة أنا ما كنت بعرف!! I’m so sorry غادة.. I’m really sorry to hear this.. عن جد إنت ما بتستاهلي كل يلي صار معك بهالسنتين زمان بس يتعرفي غادة و الله مو مسترجية إسألك "كيفك" لتقومي تموتي قدامي كمان!!



*************************************



4- Rendez-vous



ملحق في أعلى بناء في منطقة القصور يسكنه طالبان يدرسان في جامعة دمشق..

غرفة جلوس صغيرة تطل على السطح الذي بُني عليه الملحق من خلال ثلاث نوافذ كبيرة.. كتب، دفاتر، أوراق و أقراص مضغوطة في كل مكان، كاسات شاي و فناجين قهوة متسخة من يوم أمس، صحون سجائر مليئة بأعقاب السجائر و الصفوة، تلفاز قديم صورته مغبشة، آلة تسجيل تم شراؤها من سوق الحرامية تتصدر الغرفة و تملأها بصوت جوزيف صقر: "عايشة و وحدها بلاك.. و بلا حبك يا ولد"..

مطبخ يعجز اللسان عن وصفه..

غرفة نوم قديمة بسريرين و خزانة من ست أبواب و (بيرو) مؤلف من أربعة أدراج و مرآة (مشعورة) طولياً و عرضياً و بالمائل و كأن أستاذ رياضيات شرح عليها درس عن المستطيل و محاوره و أعمدته و مع هذا فهي صامدة كصمودنا في وجه أزمة الغلاء..



على السرير استلقى أحد الشابين يقرأ رواية و اسمه خالد.. و أمام الخزانة وقف طلال و راح يعبث بمحتويات الخزانة باحثاً عن شيء يلبسه..



طلال (متذمراً): أففففففففففففففف.. شو هاد ياه؟؟

خالد (يبعد الكتاب): لك شبك؟؟ لشو هالنفخة يلي بتطبخ طبخة؟؟

طلال (بعصبية): ما عندي شي يلتبس..

خالد (بتململ): ليش شو لوين رايح؟؟

طلال: عالسينما.. مع دارين

خالد: أيوااااااا!! Rendez-vous يعني؟ مع هي المفذلكة تبع hi و bye و baby و honey و نازلة أعمل Shopping؟؟

طلال: إيه.. إذا ما عندك مانع و رح إتأخر عليها و أنا ما كنت لاقي شي يلتبس.. و بعدين لا تحكي عليها هيك

خالد (و هو يتثاءب): إيه كلها كم يوم و بيعملوا رخصة تبقى انزيل اشتري لك قطعتين جدد لشو هالتعصيب؟؟ و لا ست الحسن يتخجل فيك إذا لبست نفس القميص مرتين؟؟

طلال (بعصبية اكثر): بلا برادتك هلق خالد.. مو رايق لك.. أنا عم فكر شو بدي إلبس هلق مو شو بدي إلبس عالعيد الكبير!!

خالد: طيب.. روق روق.. لبيس بنطلونك الجينز يلي اشتريته من عند محل البضايع التركية و معه القميص تبعه.. هدول أواعي خرج تشخيص..

طلال: إي و الله.. بس القميص بدو كوي!!

خالد (و هو ينهض عن السرير): هات هالقميص أنا بكويه المهم أخلص من نقك.. إنت لبيس بنطلونك و سرح شعراتك بكون صار القميص جاهز حاكم بعرفك هلق بتقعد ساعة عم تظبط لي عرف الديك تبعك بالجيل..

طلال: يييي يسلمواااااااااا أبو الخل.. بس بدي أطلب منك طلب

خالد (يتذمر): خير شو في؟؟ شو بدك؟؟ بس ما تقول بدي مصاري!! حاكم نحن بآخر الشهر و يلي معي يا الله يوصلوني لأول الشهر على خير..

طلال: لأ مو مصاري لا تخاف

خالد: لكن شو بدك؟؟

طلال: معليش تعيرني جاكيتك الشامواه الجديد؟؟ الله يخليك

خالد: لأ.. كل شي إلا هالجاكيت هاد هدية من أمي يوم عيد ميلادي بخاف تحرق لي ياه بالسجاير تبعك..

طلال: بوعدك إني دير بالي عليه..



يستمر الصد و الرد بين الشابين بينما ينهي كل منهما ما بين يديه من أعمال فخالد أنهى كي القميص و طلال انتهى من ارتداء كل ملابسه و لم يبق سوى الجاكيت و لا يقطع نقاشهما إلا صوت هاتف طلال الخليوي الذي أعلن أن دارين تكاد تصل إلى السينما بينما طلال لا يزال في مكانه و أمام إلحاح طلال يرضخ خالد و يسحب المعطف من الخزانة و يناوله لطلال الذي يركض به نحو الباب و يرتديه بسرعة..



طوال الطريق ينظر طلال إلى ساعته و لم يكن يفكر إلا بأمر واحد: (أكيد أنا سمنان شوي لحتى جاكيت خالد عم يدايقني.. يعني طول عمرنا قياسنا واحد بس شو قصة هالجاكيت؟؟ إلا إذا كان صغير على خالد من أصله و هو مو حاسس.. بس شلون مو حاسس؟؟ يعني منوب مو مريح هالجاكيت.. يا ريتني ما استعرته و كان بلاها منية خالد بس يلا دارين بتحب هالشغلات جواكيت شامواه ما شامواه خليها تشوف قديش إني cool و لبيس و بعرف إلبس)..



وصل طلال إلى السينما و جلس بجانب دارين في المقعد و هو لا يزال يشعر بشيء يضايقه فيما يتعلق بمعطفه.. و لكنه كابر و كابر كي يظل أنيقاً و cool بنظر دارين..



نصف ساعة مرت..

لم يعد يحتمل المعطف و لتذهب الأناقة إلى الجحيم.. نهض من مكانه بالرغم من أصوات الاستنكار التي خرجت من حناجر محتلو المقاعد الخلفية و نزع عنه المعطف بسرعة ليسقط شي في حضن دارين التي صاحت من هول مفاجاتها بالقذيفة الغير متوقعة:



دارين: ييي يييي.. شو هاد.. ييي.. شو هاد؟؟



تمسك دارين الشيء الذي سقط ثم تتابع بدهشة:



دارين (بدهشة و شيء من الاشمئزاز تبع الأكابر): !!!coat hanger؟؟ شو جابها معك هي؟؟



تقهقه دارين ضاحكة في حين ينظر طلال إلى تعليقة الملابس التي في يد دارين بذهول وجهه المحمر و عينيه المدورتين.. و بالرغم من صيحات الجالسين خلفه إلا أنه لم يكن يفكر إلا بعبارة "يا أرض انشقي.."