تأليف :جانيس ج.تيري
مؤلفة هذا الكتاب هي السيدة جانيس ج. تيري استاذة تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة ميتشيغان، وكانت قد نشرت سابقاً كتباً عديدة عن الشرق الأوسط وقضاياه، كما وساهمت في تأليف كتاب جماعي ضخم بعنوان: تاريخ العالم 2002، وكثيراً ما تدعى المؤلفة لإلقاء المحاضرات في جامعات الشرق الأوسط من عربية أو تركية أو إسرائيلية.
وفي هذا الكتاب الجديد تقدم الباحثة لمحة تاريخية عامة ومفصلة عن السياسة الخارجية الأميركية في تلك المنطقة من العالم، وتركز حديثها على دور اللوبي اليهودي واللوبي العربي المضاد له، وكلاهما يحاول الضغط على مراكز القرار في واشنطن من أجل التأثير على سياسة القوة العظمى في الاتجاه الذي ترغبه، ولكن بالطبع فإن قوة اللوبي العربي، لا تقارن بقوة اللوبي الصهيوني الأكثر تنظيماً وفعالية.
ثم تردف المؤلفة قائلة: في كل عام تصرف جماعات الضغط المختلفة ملايين الدولارات للتأثير على سياستنا الخارجية. ولكن الناس لا يرون ذلك لأنه يتم في الكواليس من وراء الستار، بل وهناك شركات كبرى تصرف مبالغ طائلة للتأثير على سياسة البيت الأبيض كشركة التبغ، وشركات البترول والطاقة. وكثيراً، ما تحاول رشوة كبار الموظفين لهذا الغرض. وينبغي العلم أنه لا يوجد «لوبي» واحد في الولايات المتحدة وإنما لوبيات عديدة اذا جاز التعبير:
أي جماعات ضغط مختلفة. نذكر من بينها اللوبي الايرلندي واللوبي البولوني، واللوبي اليوناني، واللوبي المكسيكي، الخ.ولكن فيما يخص منطقة الشرق الأوسط فإن اللوبي الصهيوني هو الأقوى من دون شك، وذلك لأن الولايات المتحدة تعتبر اسرائيل بمثابة الحليف الاساسي لها في تلك المنطقة الحساسة من العالم، ففي طريق اسرائيل تستطيع أميركا المحافظة على نفوذها وتأثيرها بل وهيمنتها.
وهذا الكتاب سيشرح بالتفصيل كيف يضغط اللوبي المؤيد لإسرائيل على الحكومة الفيدرالية لكي تدعم الدولة العبرية بالاسلحة المتقدمة والأموال الطائلة. كما ويشرح كيف يحاول اللوبي العربي والحكومات العربية ان يفعلا الشيء نفسه ولكن دون نجاح يذكر حتى الآن.
ثم تردف المؤلفة قائلة: ينبغي العلم بأن اللوبي الصهيوني يعتمد على عدة قوى أساسية كالدولة العبرية ذاتها، وكالجاليات اليهودية المختلفة، وكالجماعات المسيحية الأصولية المؤيدة لإسرائيل، هذا بالإضافة الى المحافظين الجدد وشخصيات أخرى عديدة متغلغلة داخل الإدارة الأميركية.
واسرائيل تمارس نفوذها هناك من خلال اللوبي الصهيوني القوي الذي يتصدى غالباً للمصالح العربية والإسلامية. وهذا اللوبي هو الذي يجمع الأموال كل سنة لإسرائيل، كما ويدافع عن السياسة الإسرائيلية في المحافل الدولية وبخاصة في الأمم المتحدة. والواقع ان إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948 اعترفت بأهمية اللوبي وضرورة تشكيله من أجل التأثير على مراكز القرار في واشنطن.
وعلى عكس الدول العربية فإن اسرائيل سعت جاهدة منذ أكثر من نصف قرن الى تأسيس مراكز البحوث الهادفة الى جمع المعلومات عن الإدارة الأميركية لمعرفة كيفية التعامل معها. فالنظام السياسي الأميركي معقد، ومن لا يعرف تركيبته سوف يفشل في الوصول الى رجال الإدارة وشخصياتها الاساسية الفاعلة، وهذا ما جهله العرب لسنوات طويلة.
والواقع ان تأثير اللوبي اليهودي يتجاوز الحجم الديمغرافي لليهود في أميركا الى حد كبير. فعدد اليهود الاجمالي عام 2000 ما كان يتجاوز الخمسة ملايين ونصف المليون: 2,2% من سكان أميركا، ولكن تأثيرهم على السياسة أكبر بكثير من عددهم.
واليهود متمركزون في خمس ولايات أساسية: والغريب العجيب هي أنها الولايات نفسها التي يتمركز فيها العرب أيضا! وهي ولاية ايلينوي، وماساتشوستس ، وأوهايو، وبنسلفانيا، وتكساس. ولكن على عكس عرب أميركا فإن يهود أميركا في حالة تناقص عاماً بعد عاماً لأسباب عديدة منها تزاوجهم مع غير اليهود، ويبدو ان عدد اليهود الأصوليين لا يتجاوز حالياً 7. 9%.
وأما اليهود الليبراليون او المتحررون من العقائد الأصلية فيصل إلى ستين أو سبعين في المئة، وأما الباقي فيهود محافظون.
ثم تردف المؤلفة قائلة: فقط نسبة قليلة من يهود أميركا منخرطون في الحركة الصهيونية على عكس ما يظن الناس عموماً. فثلث يهود أميركا، وحتى أقل، يتبرعون بالأموال للمشروع الصهيوني. وفي التسعينات أجريت استطلاعات للرأي العام داخل الجالية اليهودية فتبيّن أن 78% يطالبون إسرائيل بتجميد المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، وتبيّن أن 79% منهم يؤيدون إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
وينبغي العلم أن أغلبية اليهود الأميركيين على الرغم من ارتباطهم العاطفي بإسرائيل، إلا أن أغلبيتهم لا يؤيدون الخط المتشدِّد هناك والذي يمثله حزب الليكود اليميني. وحتى الآن لم يزر إسرائيل إلا 35% من اليهود الأميركيين، أي الثلث أو أكثر بقليل.
ولكن هناك مراكز بحوث عديدة في واشنطن تابعة لجماعات الضغط اليهودية. وأما نيويورك فيعتبرها البعض بمثابة أول مدينة يهودية في العالم قبل القدس وتل أبيب! ثم تردف المؤلفة قائلة: أما اللوبي العربي، فعلى الرغم من ضعفه وتشتته إلا أنه حاول تنظيم نفسه مؤخراً.
ولكن ضربة 11 سبتمبر أثرت عليه بشكل سلبي إلى أبعد الحدود، وقد عرفت إسرائيل كيف تستغل الوضع. لكن لنعد بالزمن قليلاً إلى الوراء، كان جمال عبدالناصر يتساءل في الخمسينات قائلاً: ما هو اللوبي؟ وهذا دليل على أن القادة العرب لم يفهموا تركيبة النظام السياسي في واشنطن. فلكي تصل إلى القادة الكبار ينبغي أن تكون لك جماعة ضغط في واشنطن أو نيويورك: أي لوبي خاص بك.
وقد حاولت الدول العربية أن تؤثر في السياسة الأميركية عن طريق سفاراتها، ولكنها لم تحقق نجاحاً يُذكر في البداية، أما السعودية فكانت تعتقد أن شركة النفط «أرامكو» قادرة على هذا التأثير. ولذلك فإنها كانت ترسل رسائلها السرية إلى الإدارة الأميركية عن طريقها من دون أن تدرك أن تأثير الشركة في مركز القرار في واشنطن ضعيف جداً.
ثم تنبّهت مؤخراً إلى ضرورة تشكيل لوبي فكلفت سفيرها المخضرم هناك بندر بن سلطان، وقد نجح في مهمته إلى حد لا يُستهان به، حيث استطاع أن يقيم علاقات وطيدة مع آل بوش وكبار القادة الآخرين، بل وأصبح عميداً للسلك الدبلوماسي بعد أن أمضى في واشنطن فترة طويلة قبل أن يترك منصبه مؤخراً.
ولكن البروفيسور إدوارد سعيد يعيب على العرب ضعف تنظيمهم في أميركا وعدم الاهتمام بالدعاية لإقناع الشعب الأميركي بعدالة قضيتهم. وقد كتب مرة يقول: «منذ أن تأسست دولة إسرائيل قبل نصف قرن راح مؤيدوها يبذلون الجهود الضخمة ويصرفون الأموال الطائلة على الدعاية للمشروع الصهيوني.
ولكن الأنظمة العربية لم تفهم أهمية الدعاية ووسائل الإعلام من تلفزيون وراديو وجرائد في الوصول إلى قلب المواطن الأميركي. بل وحتى منظمة التحرير الفلسطينية لم تفهم ذلك. لقد ارتكب القادة العرب والمثقفون العرب جريمة لا تُغتفر في إهمال قطاع الدعاية وعدم إقامة أي علاقة مع المجتمع المدني الأميركي. وهكذا تركوا الساحة فارغة لجماعة إسرائيل يصولون فيها ويجولون كما يشاؤون ويشتهون.
ليس غريباً والحالة هذه أن تكون أغلبية الشعب الأميركي مؤيدة لإسرائيل ومضادة للقضية الفلسطينية». انتهى كلام البروفيسور إدوارد سعيد. ولا ينبغي أن ننسى الدور السلبي الذي يلعبه انقسام العرب أو كرههم لبعضهم بعضاً في فشل سياستهم في الولايات المتحدة. فأثناء حرب الخليج وتحرير الكويت انقسموا إلى تيارين، وحتى قبلها كانوا منقسمين على أنفسهم إلى تيار تابع للاتحاد السوفييتي وتيار تابع لأميركا.
ثم تردف المؤلفة قائلة: واليوم نجدهم منقسمين أيضاً في ما يخص القضية السورية، فالعرب الأميركيون من سوريين ولبنانيين على وجه الخصوص انضموا أخيراً إلى المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني من أجل الضغط على الإدارة الأميركية لكي تتبع سياسة متشددة تجاه سوريا. ولذلك أصدرت الإدارة قرارات عدة لمعاقبة هذا البلد ولا تزال تلاحقه بالضغوط حتى الآن، ولكن بعض العرب الآخرين لا يؤيدون هذه السياسة.
وبالتالي فلا يوجد لوبي عربي موحّد في أميركا كما هو عليه الحال مع اللوبي الصهيوني. ينبغي ألا ننسى أن 77% من العرب الأميركيين هم من المسيحيين، وأن 75% يحملون الجنسية الأميركية، وأكبر موجة هجرة عربية جاءت إلى أميركا بين عامي 1880 ـ 1930 لكي تقدم اليد العاملة للصناعة الثقيلة الأميركية، ومعظمهم جاء من لبنان وسوريا.
ولكن اليهود جاؤوا إلى أميركا قبلهم بمئة سنة، ولذلك فهم أقوى منهم وأكثر تنظيماً. نقول ذلك على الرغم من أن هؤلاء العرب الأميركيين استطاعوا مؤخراً أن يصلوا إلى عضوية الكونغرس وبعض المناصب الأخرى في الدولة. فهناك النائب جيمس أبورزق، والنائب نك رحال، والنائبة ماري روز عوكر، والأول ديمقراطي عن داكوتا، والثاني جمهوري عن فيرجينيا، والثالثة جمهورية عن أوهايو. وينبغي ألا ننسى الدور الذي لعبه ممثل الجامعة العربية في واشنطن كلوفيس مقصود، فهو خطيب بارع ويعرف كيف يدافع عن القضايا العربية.
ولكن ما هو عدد العرب في أميركا؟ الإحصائيات الرسمية تقول: مليون ونصف المليون على أكثر تقدير. ولكن العرب يقولون: ثلاثة ملايين ونصف المليون وقد كان عددهم في حالة تزايد مستمر لولا أن ضربة 11 سبتمبر جاءت لكي توقف الهجرة العربية إلى أميركا أو تعرقلها. وأكبر تمركز للعرب موجود في مدينة ميتشيغان، حيث يشكلون 5% من عدد سكانها.
وهناك سبعون منظمة عربية في أميركا، والعديد من مراكز البحوث، نضرب على ذلك مثلاُ المعهد العربي ـ الأميركي الذي أسِّس عام 1985 من قِبل المستشرق ذي الأصل اللبناني: جيمس زغبي. وهو يضم اثني عشر ألف عضو.
ولكن لا يستطيع أن ينافس مراكز البحوث اليهودية الموجودة مثله في واشنطن. وهناك رابطة الخريجين العرب للجاليات الأميركية، وهناك الرابطة القومية للعرب الأميركيين... إلخ.
الكتاب: السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط ودور جماعات الضغط في التأثير عليها
الناشر: بلوتو بريس ـ لندن 2005 ، الصفحات: 160 صفحة من القطع المتوسط .
http://www.baker.byethost.com/kader70.htm
بريد المؤلفة
Affiliation: Eastern Michigan University
Email Address: janice.terry@emich.edu