{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أين ذهب حرافيش نجيب محفوظ؟
سيناتور غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,957
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #1
أين ذهب حرافيش نجيب محفوظ؟
القاهرة : محمد أبو زيد

«لكن آفة حارتنا النسيان» هكذا يصف الروائي الراحل نجيب محفوظ الحارة في روايته «أولاد حارتنا»، ويبدو أن هذه العبارة انطبقت أكثر ما تنطبق على مصر كلها. فهذه الأيام، وبعد مرور عام فقط على رحيله، أصبح محفوظ طي النسيان، لا يذكره إلا القلة، وضاعت الوعود بتخليد ذكراه من المؤسسة الرسمية وتبخرت في الهواء، وتبخر كلام حرافيشه وأصدقائه عنه طيلة فترة حياته، لدرجة أن أحدا لم يزر قبره في ذكراه الأولى سوى المستعرب الأميركي روموند ستول الذي حضر خصيصا لهذا الغرض، وآخر الحرافيش توفيق صالح، والدكتور حسن الزيتي، حسبما ذكرت جريدة «الجمهورية» الرسمية. فلماذا يا ترى كل هذا الجحود؟


منذ عام تقريبا، كان الروائي نجيب محفوظ ملء السمع والبصر، وكان يحرص كل يوم على أن يلتقي مجموعة من الأصدقاء أطلق عليهم اسم «الحرافيش»، بعضهم صار متحدثا باسمه، وبعضهم أصدر عنه كتابا، أو كتبا. ويوم الجمعة الماضي مرت الذكرى الأولى لرحيل عميد الرواية العربية، وسط صمت غريب ومريب. فبخلاف ملف خاص أعدته جريدة «أخبار الأدب» التي يترأس تحريرها جمال الغيطاني، أحد حرافيش محفوظ، لا شيء آخر يذكر. صمتت آلات الإعلام، وجفت الأقلام، وسكت ضخ ماكينات الطباعة، ولحست المؤسسة الرسمية كل وعودها بتخليد ذكرى محفوظ في متحف باسمه، وتحويل أماكن رواياته إلى مزارات، وأن يظل اسما يردده الجميع. وعلى مستوى آخر صمتت حدة الحديث عن حرافيش محفوظ الذين كانوا يرافقونه في كل شيء في حياته، وبقي سؤال: إذا كانت الدولة لم تفعل شيئا لنجيب محفوظ بعد رحيله ، فماذا فعل حرافيشه. هل ما زالوا يجتمعون حتى الآن؟ هل ما زالوا يحافظون على ذكرى الروائي الرائد الراحل؟ سؤال تطرحه «الشرق الأوسط» على عدد من حرافيشه، فمن يجيب؟

الغيطاني: لم يعد هناك ثلاثاء

* الروائي جمال الغيطاني، رئيس تحرير جريدة «أخبار الأدب» لم يعد يلتقي بالحرافيش كل ثلاثاء، كما كان يفعل إبان حياة محفوظ، ويقول: «لم نعد نلتقي، لكن ما زالت بيننا علاقة. فنحن أصدقاء، يوسف القعيد وعماد العبودي، هما صديقا عمري، وما زلنا نتواصل». ويبرر عدم ذهابه إلى جلسة الثلاثاء بقوله «توقفت عن الذهاب لأنه لم يعد هناك ثلاثاء بالنسبة لي، لأن الثلاثاء كان يعني أن نكون مع الأستاذ نجيب».

يبدو الغيطاني حزينا لعدم اهتمام الإعلام بذكرى محفوظ الأولى، ويضيف «يوم ذكرى رحيله خرجت معظم الجرائد بدون أي شيء عنه، مع أن العالم كله ما زال يكتشف محفوظ حتى الآن من جديد، ويتساءل عن سر كتاباته». لكن يبدو أنه ليس بعض أصدقاء محفوظ فقط هم الذين لم يتذكروا ذكرى رحيله، فهناك وزارة الثقافة التي كانت وعدت بمتحف له ولم تنفذه، وهو ما يعلق جمال الغيطاني عليه ساخرا بقوله «ربما لأن وزير الثقافة مشغول باليونسكو».

القعيد: الاغتيال الثاني لمحفوظ

* يوسف القعيد أحد حواريي محفوظ، يرى أن الحرافيش مجموعة انقرضت أو كادت، فلم يتبق منهم على قيد الحياة سوى توفيق صالح والرسام جميل شفيق. وقد نشأت عام 1946 وكان من أعضائها الرسام الراحل بهجت عثمان، والفنان أحمد مظهر. ويضيف «أما نحن فأصدقاء نجيب محفوظ، كان يلتقي بنا في ست مجموعات، كل يوم مجموعة، ما عدا السبت، لم يكن يلتقي فيه أحداً، وكان يملي فيه على محمد سلماوي الكلمة التي تنشر في جريدة «الأهرام». وبحسب القعيد، كان محفوظ يلتقي أصدقاءه يوم الأحد في فندق «شبرد»، ويوم الاثنين في فندق «موفنبيك» المطار، ويوم الثلاثاء في عوامة «فرح بوت»، والأربعاء في «سوفينيل» المعادي، والخميس في «فلفلة بالمنيل» ويوم الجمعة في فيلا الدكتور يحيي الرخاوي. وكان كل يوم به مجموعة مختلفة عن الأخرى، وبعضهم لا يعرف البعض الآخر، مشيرا إلى أنه قبل محاولة اغتياله عام 1994 كان كل من يريد أن ينضم يسحب كرسيا ويجلس، لكن بعد المحاولة التي فشلت، وبسبب كبر سنه وتعبه، اقتصرت المجموعات على أفراد معينين.

مجموعة الثلاثاء التي كان يحضر فيها القعيد انفرط عقدها بحسب توصيفه. ويبرر ذلك بأن من كان يجمعهم فيها هو نجيب محفوظ، ويضيف: بعض الأصدقاء ما زال يذهب، لكني لا أذهب، لأن الأمر يشبه تحضير الأرواح، أو البكاء على الأطلال. كما أنه لا أحد يستطيع أن يجلس مكان محفوظ حتى نلتف حوله، مشيرا إلى أنه في البداية طرحت فكرة تكوين جمعية أصدقاء نجيب محفوظ، واشترطنا أن يكون لها هدف حقيقي وليس هدفا وقتيا، لكن لم يحدث شيء حتى الآن.

ويعتبر القعيد أن توقف الجلسات شيء محزن، مؤكدا أن محفوظ هو أكثر شخص كان يلتف حوله حواريوه في المقاهي، منذ الأربعينات، حين كان يجلس مع أصدقائه من أبناء جيله أو من سبقوه مثل عادل كامل، وعبد الحميد جودة السحار وعلي أحمد باكثير وغيرهم. لكن جلسة الثلاثاء تذكر القعيد بالتزام محفوظ ويقول «كان ملتزما، وكان يذهب حتى لو كان الثلاثاء موافقا ليوم العيد».

كلام كثير قيل بعد رحيل محفوظ لكن لم يتحقق منه شيء في رأي القعيد، مثل ما قيل عن إنشاء متحف نجيب محفوظ في وكالة محمد بك أبو الدهب، لكن قرار التخصيص لم يصدر حتى الآن، كما أن مشروع المحافظة لتحويل الأماكن التي كتب عنها في القاهرة الفاطمية مثل: زقاق المدق وقصر الشوق والسكرية إلى مزارات سياحية، لم يحدث فيه شيء، معتبرا هذا التجاهل هو الاغتيال الثاني لنجيب محفوظ. فلم يقدم له أحد شيئا كما قدم هو للعالم العربي الكثير. ويعلق القعيد على هذا بالعبارة التي كتبها محفوظ واصفا الحارة «ولكن آفة حارتنا النسيان».

سالم: وزارة الثقافة لم تقدم شيئا لمحفوظ

* الكاتب زكي سالم، أحد أصدقاء نجيب محفوظ والمقربين منه يعتقد أن أصدقاء نجيب محفوظ أناس عاديون في النهاية، لا يملكون أن يفعلوا شيئا، حتى لو كانوا كتابا ومبدعين. فالمؤسسات الثقافية هي الموكول بها هذا الدور، والمهم في رأيه هو ماذا فعلت الدولة لنجيب محفوظ؟ وكيف تعاملت مصر مع غياب هذه القامة الشامخة؟ وهل سعت للحفاظ على تراثه بأي شكل من الأشكال؟ ويجيب زكي سالم على نفسه: مصر لم تفعل شيئا للأسف خلال هذا العام.

مجموعة الثلاثاء ما زالت تلتقي، وهناك لقاء الجمعة الذي يضم شخوصا من لقاءات محفوظ في بقية الأيام، ويعتقد سالم أن الأهم من سؤال ما الذي فعله الحرافيش لمحفوظ، هو: ما الذي فعلته الدولة له، ويجيب ساخرا: «الحمد لله، لم تفعل شيئا، تكلمنا كثيرا وأنشئت لجنة برئاسة وزير الثقافة شخصيا، وخصص بيت في منطقة الباطنية لعمل متحف له، رغم أننا كنا نطالب بأن يكون في الجمالية التي نشأ فيها. وقالوا إنهم سيقيمون المتحف، لكن حتى هذه اللحظة لم يحدث شيء».

ويعلق سالم على هذا الأمر بأنه شيء محزن جدا، فمصر لن تنجب كل يوم رائدا مثل نجيب محفوظ، بل قد لا يتكرر كل قرن، أو عشرات السنين شخص آخر مثله، شرّف الأدب العربي كله بالحصول على نوبل. فمحفوظ ـ على حد تعبيره ـ ليس فردا بل تاريخ من الثقافة العربية والإنسانية، موضحا انه لا يفهم موقف محافظة القاهرة من عدم الاهتمام بالرجل وبتراثه.

ويرفض سالم أن يكون الحل في يد الأفراد، حتى لو كانوا حرافيشه، وأصدقاءه، فهو في يد المؤسسة الرسمية والدولة المصرية، من وزير الثقافة وحتى رئيس الجمهورية، معتبرا أنهم لم يقوموا بواجبهم تجاهه. فالمجلس الأعلى للثقافة الذي لا يكف عن إقامة المؤتمرات والندوات، لم يقدم شيئا عن محفوظ، ولم يتذكره، مشيرا إلى أمر آخر، وهو ضرورة تخليد محفوظ في المناهج التعليمية، حتى نحافظ على متابعة الأجيال القادمة له ولأدبه، وحتى لا نفاجأ في يوم بأجيال لا تعرف من هو نجيب محفوظ.

إذا كانت الدولة نسيت محفوظ، بعد عام واحد على رحيله، فماذا بعد عشر سنوات؟ سؤال مرير، لكن زكي سالم يفضل أن يطرح على المؤسسات الثقافية الرسمية.

الشربيني : لا نملك أن نقدم شيئا له

* الفنان التشكيلي محمد الشربيني أحد أصدقاء محفوظ، وواحد ممن كانوا يحضرون جلساته، يؤكد أن الحرافيش ما زالوا موجودين، وما زالوا يذهبون في ميعادهم إلى مكان اللقاء، مضيفا أن هناك أيضا لقاء جديدا كل جمعة للمجموعات كلها. غير أنه يقول «توقفنا مؤخرا منذ أول أغسطس لانشغال البعض»، ويضيف «كنا نلتقي في الفترة الأولى بعد الوفاة مباشرة نستعيد ذكرياتنا معه، ونقرأ «أحلام فترة النقاهة» بعدها توقف البعض واستمر البعض الآخر. ورغم رفض الشربيني التصريح بأسماء من توقفوا لكنه يقول «ما زلنا رغم ذلك على تواصل».

ولا يـحــب الشربيني إطلاق وصف «مجموعة اجترار الذكريات» على أصدقاء نجيب محفوظ، ويقول «نحن لا نجتر الذكريات، بل نستعيد مواقف معينة، فهو في سلوكه معلم للأجيال في مواجهة ما يحدث وحكمته تظهر في كتبه، ونقرأ نصوصه ونناقشها. وهناك فكرة طرحها الدكتور يحيي الرخاوي بإصدار دورية نصف سنوية حول أدبه لنشر دراسات نقدية حول نصوصه لكنها لم تنفذ حتى الآن».

وحين نسأل الشربيني، ماذا قدم الحرافيش، أقرب المقربين، لمحفوظ بعد رحيله؟ يجيب: ليس لدينا قدرات، نحن محبون لمحفوظ، كنا عينه وأذنه لكن كل واحد في اتجاه. ويستدرك «كنا نخطط لعمل جمعية لأصدقاء ومحبي نجيب محفوظ، لكن الإجراءات تأخذ وقتا كما تعلم»، ويضيف: «يجب على الدولة أن تتدخل، فالرجل أعطى للبلد الكثير» مؤكدا أنه بالنسبة لمصر لا يقل عن شكسبير بالنسبة لبريطانيا، وجوته بالنسبة لألمانيا، ويجب على الدولة أن تقدم له ما يستحق، مطالبا المثقفين ـ في المقابل ـ بأن يضغطوا على المؤسسة، لإنشاء متحف له.

09-08-2007, 12:26 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
ADAM مبتعد
الله ... الوطن ... بسنت
****

المشاركات: 619
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #2
أين ذهب حرافيش نجيب محفوظ؟


نجيب محفوظ لا ينتظر احد حتي يخلد اسمه ولن يعني له شئ تخليد ذكراه

محفوظ ملعون بلعنه الادب وكذلك كل القابضين علي جمره الادب

محفوظ دائما محفوظ (f)
09-08-2007, 12:46 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
سيناتور غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,957
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #3
أين ذهب حرافيش نجيب محفوظ؟


ADAM
اخر ما وجدته عن نجيب محفوظ.


[صورة: mahfouz.jpg]


اسم الكتاب : دراسة نفسية لأحلام نجيب محفوظ
المؤلف : دكتور / محمد المهدى - استشارى الطب النفسى
المنصورة - برج الدكرورى - الدور الخامس - شارع الثورة - ت 0122886537
الناشر : مكتبة الأنجلو المصرية

محاولة لقراءة آخر ما كتب نجيب محفوظ بعين متخصص في الطب النفسي من خلال فهم آليات الحلم وفنيات العمل الأدبي وخلفية الكاتب الثقافية وظروف كتابة هذه الأحلام وأحوال الواقع الموازي لها . وقراءة الأحلام والتداعي حولها ليس تفسيرا للأحلام بالمعنى المعروف وإنما هو نوع من التفكير الموازي والتأمل المستبصر والتواصل الحيوي مع النص الأصلي للحلم والذي يحتمل أكثر من قراءة وأكثر من رؤية.

وقد حوت هذه الأحلام كنوزا من المعرفة والفلسفة والحكمة هي بحق من أعظم ما أبدع نجيب محفوظ

http://www.maganin.com/books.htm
09-09-2007, 10:30 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
عادل نايف البعيني غير متصل
Moderator
*****

المشاركات: 834
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #4
أين ذهب حرافيش نجيب محفوظ؟
الزميل المحترم سيناتور(f)

مشكور على تلك المعلومات اتلقيمة
وخاصة وهي تأتي في الذكرى الأولى لرحيل الروائي المصري العالمي نجيب محفوظ

محبتي ومودتي
:97:
09-13-2007, 08:51 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
سيناتور غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,957
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #5
أين ذهب حرافيش نجيب محفوظ؟
أشكرك عزيزي محمد الدرة

واسعدني تعليقك اللطيف تسلم ولك التحية والتقدير







:redrose:
09-16-2007, 07:37 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
سيناتور غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,957
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #6
أين ذهب حرافيش نجيب محفوظ؟
عام علي رحيله:
مزامير نجيب محفوظ


نيويورك فرانسوا باسيلي



وبذلك تعلم نجيب محفوظ من استاذيه مصطفي عبدالرازق وسلامة موسي التدين في اعتدال، والإيمان مع الانفتاح علي عقائد الآخرين بدون تعصب، وتعلم أسس الفكر العلمي الموضوعي، والثقافة الإجتماعية العلمانية .
عندما قام شاب موتور في مساء الجمعة 14 اكتوبر 1994 بطعن نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911م ­ 30 أغسطس 2006م) في رقبته بالسكين محاولا اغتياله، كتب المعلقون وقتها أن هذا الشاب لم يكن يعرف ماذا يفعل! وعندما سمعوه يتحدث في مقابلة تليفزيونية بعد الحادث، تأكدوا من ذلك إذ أنه لم يقرأ حرفا واحدا للروائي العربي والعالمي الكبير، ومع ذلك قام بمحاولة قتله بناء علي ما كان يسمعه من تحريض ضد الكاتب من بعض المتطرفين المتشنٌجين الذين سمح لهم مجتمع فقد بوصلته الحضارية بأن يسطوا علي منابر الجوامع ليبثوا من عليها خطب الكراهية والعدوانية التي هي بضاعتهم الأساسية. وكان البعض من هؤلاء المقيمين في عصور بائدة وفي كهوف الماضي، من خطباء الجوامع بل ايضا من اساتذة الجامعات الذين نشروا كتبا ودراسات عن نجيب محفوظ، كانوا قد دأبوا لعدة سنوات يخطبون ويكتبون مهاجمين الأديب العربي الوحيد الذي حصل علي جائزة نوبل في الأدب، متهمينه بأنه ليس مسلما صحيح الإسلام، وبأنه يكتب ضد الإسلام ، وقاموا بإلقاء التهمة الجاهزة لديهم التي يطلقونها بخفة وكراهية علي الكثيرين وهي نفس التهمة التي اطلقها أسامة بن لادن علي اليهود والنصاري.. أنهم كفٌار! فقالوا ان نجيب محفوظ كافر..!











وكان من هؤلاء المحرضين علي نجيب محفوظ الشيخ كشك، الذي اشتهر وذاع صيته في ذلك الوقت في مجتمع استسلم لدغدغة أصابع التطرف والكراهية، وهو في سبات الكسل الفكري والاسترخاء الحضاري.. يتمرغ في نوم ثقيل لفرط تعبه الجسدي والروحي، ولا يسمع سوي الصراخ الذي يصرخه الإرهابيون والمتطرفون من الجماعات الإسلامية فيجد فيه لذة الإثارة الوحيدة المتاحة له، بعد ان فقد ­ كمجتمع ­ لذة خلق الحضارة وابتكار المعارف الجديدة، ولذة الحياة نفسها.. فاختار لغة الحقد والعدوان والموت والقتل.
وكان الشيخ محمد الغزالي نفسه، صاحب الكتب الكثيرة في الإسلام ومبادئه، قد قدم تفسيرا مجحفا باطلا لرواية 'اولاد حارتنا' بأنها تدل علي الكفر والإلحاد.. بينما أصدر الشيخ عمر عبدالرحمن المحرض علي أعمال التدمير لمبني التجارة العالمي عام 93 والمعتقل في نيويورك حاليا 'اصدر 'فتوي' بتكفير نجيب محفوظ وإباحة دمه!! ولكن الذين قالوا إن هؤلاء الإرهابيين بمحاولتهم قتل نجيب محفوظ لم يكونوا يعرفون ماذا يفعلون قد جانبهم الصواب.. فرغم أن الشاب الموتور الذي طعن بالسكين لم يقرأ لنجيب محفوظ ولم يعرفه، فإن الذين حرضوا ضد نجيب محفوظ كانوا يعلمون تماما ماذا يفعلون.. فرغم أن اتهاماتهم بالكفر وبعدم التدين هي اتهامات مشينة وباطلة.. لأن كل من عرف نجيب محفوظ عرفوا فيه الرجل المحبٌ الجميل بالغ الحساسية والحكمة والفضيلة.. رغم ذلك فقد كان هؤلاء المتطرفون يدركون جيدا أن نجيب محفوظ في كل كتاباته وأعماله الروائية الباهرة المضيئة يمثل النقيض تماما لكل ما يمثلونه هم من فكر عدواني دموي كاره للآخر وللحياة.
لقد كان إرهابيو الفكر والفعل يعرفون تماما ماذا يفعلون عندما ارتعبوا مما يكتبه هذا الإنسان المرهف من كتابات تجمٌعت فيها عصارة الألم والأمل والخوف والحب واليقين والبحث والضمير والخطأ الإنساني كله.. كما تتجمع في كل إنسان حيٌ جدير بهذه الصفة، لكنه سبق الآخرين في أنه استطاع أن يسبر غور هذه المشاعر المتلاطمة كلها ويعبٌر عنها علي لسان شخصياته في رواياته وقصصه، فإذا هو يهدي إلينا، ويهدي الإنسانية جمعاء، أجمل هدية، هي هدية الكشف وإضاءة جوانب الذات المظلمة، هدية معرفة النفس، ومعرفة الآخر، ومعرفة الوجود، والسعي الدائم لمعرفة خالق هذا الوجود. وقد فعل ذلك ليس بأسلوب الوعظ المباشر المعنٌف الذي لا يلمس قلب الإنسان وبالتالي لا يؤثر ولا يجدي.. وإنما فعله بأسلوب الطبيب الجراح الذي يبحث عن اصل الداء، ويضع يده علي الجزء المريض المتعب من الجسد.. لكي يمكننا بعد هذا ان نقدم العلاج او الراحة المسكنة. كما فعله بأسلوب المحبٌ لكل الناس، فعندما نقرأ شخصيات رواياته، حتي الشخصيات الإجرامية مثل 'سعيد مهران' في رواية 'اللص والكلاب' لا تملك إلا ان تشعر بالعطف والحزن والمشاركة الإنسانية لشقاء هذه الشخصيات الإجرامية، وتلمس فيما يكتبه نجيب محفوظ أن طاقته علي محبة الجميع تشمل حتي المجرمين الذين يصورهم ببراعة وإنسانية بالغة في رواياته.. نعم إن الإرهابيين قد رأوا في فكر نجيب محفوظ تهديدا لهم.. لأن جمال وبهاء الإنسانية التي في إبداعاته تفضح قبح ودمامة مشاعر الكراهية والعدوانية التي يمثلونها هم بفكر عدواني كاره للحياة


جائزة نوبل


لقد عرف العالم كله قدر هذا المبدع العظيم فمنحه العالم جائزة نوبل في الأدب عام 1988م. وذلك عن أربعة روايات بشكل خاص، ثلاثيته الشهيرة التي تضم 'بين القصرين' و 'قصر الشوق' و'السكرية' وكلها أسماء حارات في حي الجمالية الذي وجلد فيه محفوظ، ثم رواية 'اولاد حارتنا' التي قام إرهابيو الفكر والفعل بتكفيره بسببها! وأذكر انني قرأت 'أولاد حارتنا' عندما كنت طالبا ، وكانت جريدة الأهرام تنشرها مسلسلة في 'اهرام الجمعة'. كما قرأت بالأهرام ايضا 'الطريق' و 'اللص والكلاب 'و ''لسمان والخريف' و 'ميرامار'.. وكان كل جزء ينشر كل جمعة هو زادنا الحضاري والروحي للأسبوع كله، انا ومجموعة صغيرة من الأصدقاء كنا نتابع معا هذه الكتابات الباهرة التي يتحفنا بها محفوظ كل أسبوع، ونظل نتناقش ونحتدٌ حولها حتي الجمعة التالية.
بالطبع لا تستطيع روايات عادية او حتي جيدة ان تفعل هذا الفعل في عقول ونفوس عدة أجيال من شباب مصر والعالم العربي. فقد كان هناك كجتاب آخرون كبار وقتها مثل إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وعبدالحليم عبدالله وغيرهم، يكتبون الرواية ايضا، ولكن لم يقترب أي منهم من مكانة محفوظ، ولم يحصل أي منهم علي نوبل. فما الذي في كتابات محفوظ لكي يكون لها فعل السحر هذا؟ في اعتقادي ان السر في كتاباته لا يكمن في صفة واحدة منها، ولا يرجع إلي سبب واحد، ولكن إن كان لنا أن نوجزها كلها في صفة أساسية شاملة واحدة، فهي أن كتاباته كانت مملوءة حتي الثمالة بعصارة الحياة نفسها وكلها.. عصارة هي مزيج من الشهد والمرٌ، والخمر والعلقم، والفاكهة وماء الورد وأمطار الجبال وأنهار السفوح، وينابيع الشباب السحرية التي تحدثنا عنها الأساطير دون ان نجدها في مكان.. كل هذا في أسلوب يجمع بين الفلسفة والشعر.. ففي حواراته ووصفه حكمة عالية هي حكمة الفلاسفة.. وشاعرية مرهفة نافذة مثل وحي أبلغ الشعراء..
ولكن من أين لمحفوظ كل هذه الفلسفة وكل هذا الفكر والشعر؟!


سلامة موسي


أما الفلسفة فقد درسها في كلية الآداب قسم الفلسفة، والتي تخرج فيها عام 1934م. ولكن اللافت ان نبوغه كان قد ظهر عدة سنوات قبل هذا، إذ بدأ ينشر المقالات النقدية عام 1928م أي وهو طالب في سن السابعة عشرة، (ولد في 11 ديسمبر 1911م).
ويقول الناقد الكبير رجاء النقاش في كتابه 'في حب نجيب محفوظ': (الحقيقة ان نجيب محفوظ هو خلاصة الامتزاج والتفاعل في شخصيته بين أستاذين كبيرين هما الشيخ مصطفي عبدالرازق أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب، وسلامة موسي، الصحفي والمفكر الكبير.. وكان سلامة موسي ثائرا مجددا، ومؤمنا متطرفا بالحضارة الغربية الحديثة.. وكان في نفس الوقت من المتحمسين للحضارة الفرعونية والداعين إلي إحيائها، وقد تأثر به نجيب محفوظ تأثرا واضحا، فتحمس للحضارة الفرعونية وترجم عنها ­ وهو طالب في الجامعة كتاب 'مصر القديمة'، وهو اول كتاب يكتبه محفوظ، وقد نشره له سلامة موسي ، وتحت تأثير سلامة موسي ايضا أصدر نجيب محفوظ رواياته الثلاث الأولي، وكلها عن مصر الفرعونية، وهي روايات 'عبث الأقدار' و 'رادوبيس' و 'كفاح طيبة'.
أما الشيخ مصطفي عبدالرازق، وشقيقه علي عبدالرازق، فقد كانا منارتين للفكر الإسلامي المتفتح المستنير في مطلع القرن العشرين، وهو الفكر الذي تراجع في مصر منذ السبعينات أمام زحف الفكر المتطرف للجماعات الإسلامية، وبذلك تعلم نجيب محفوظ من استاذيه مصطفي عبدالرازق وسلامة موسي التدين في اعتدال، والإيمان مع الانفتاح علي عقائد الآخرين بدون تعصب، وتعلم أسس الفكر العلمي الموضوعي، والثقافة الإجتماعية العلمانية، وهكذا نجد في كل كتاباته بعد ذلك فكرا متحررا موضوعيا سابقا لمجتمعه.


إبداعاته الفلسفية


من الضروري اولا التنبيه ان المقاطع التي سأوردها هنا مأخوذة معظمها من روايات وقصص نجيب محفوظ عن لسان شخصياته الروائية، وبالتالي لا نستطيع ان نقول ان هذه هي بالضرورة أفكاره هو، فعندما يضع المؤلف كلمات عن لسان مجرم شرير، مثلا، فستكون أفكاره وأقواله شريرة، ولا نستطيع ان نقول ان هذه هي أفكار المؤلف ايضا ووجهة نظره، ومع هذا فيمكننا من طريقة صياغة المؤلف للكلمات والأفكار ان نعرف شيئا عن فكر المؤلف حتي ولو جاء متخفيا علي لسان شخصياته الروائية.
ولنبدأ بعرض فكرة قالها نجيب محفوظ مباشرة في مقابلة مع محمد بركات، وهي بهذا فكره الشخصي.. ويتضح منها المنحي الفلسفي لهذا الكاتب الكبير:
'أعتقد ان كل إنسان يبحث عن السعادة وعن الحقيقة.. ورغبة بعض الناس الشديدة في السعادة ربما سقطت بهم إلي تحقيقها علي حساب الحقيقة.. كما أن رغبة البعض الآخر في نشدان الحقيقة والبحث عنها ربما كانت علي حساب ما يحققونه من سعادة.. ويبلغ الإنسان مرتبة الكمال عندما يتضح له في لحظة ان الحقيقة كل الحقيقة هي السعادة كل السعادة'.
ويقول في قصة 'الحب والقناع': (الإنسان يفوق الحيوان في شهوة القتل فيقتل نفسه ايضا).
ونقرأ له في روايته 'الحرافيش' إفرح عند كل شروق شمس، ولا تحزن عند غروبها.. و.. يا لتعاسة القلوب الغافلة..!
وفي 'حضرة المحترم' نقرأ هذه الكلمات الرائعة التي هي مزيج من الفلسفة والشعر والصلوات:
'علي الأرض تطرح أسرار إلهية لا حصر لها لمن له عين وبصيرة..
إن الله لم يخلقنا للراحة ولا للطريق القصيرة..
بالحزن يتقدس الإنسان ويعد نفسه للفرح الإلهي..
لم يعد يبالي بما كان ولا بما هو كائن ولا بما سوف يكون'..
ونلاحظ في هذه المقاطع تعبيرات متأثرة بالعهد القديم.. كما نلاحظ في الكثير من كتابات وشخصيات محفوظ تأثيرات إسلامية واضحة، وهكذا فالرجل مسلم في اعتدال وانفتاح.. ولذلك اتهمه الإرهابيون بأنه ليس مسلما صحيح الإسلام! أي ليس مسلما علي طريقتهم العدوانية.
ولكني لا اريد ان اعطي انطباعا بأن نجيب محفوظ رجل شديد التدين بالمعني الفقهي للكلمة.. فكتاباته تنضح بقدر عظيم من عنفوان الحياة وشهواتها وتقلباتها.. فهو من ناحية له جانب صوفي روحي ينشد الحقيقة ويبحث عن المطلق، ومن ناحية اخري لا يمنعه هذا من اجتراع عصارة الحياة حتي الثمالة. دون ان يعني هذا انغماسه في اي نوع من الابتذال في حياته الشخصية بل بالعكس فحياته الشخصية كتاب مفتوح للجميع فهو زوج وأب محبٌ محافظ ليس له نزوات ولا عادات اجتماعية سيئة، و تتجلي محبته للناس وللحياة في حفاوته بالناس وحبٌه للضحك الصافي وللسخرية والنكتة والقافية علي طريقة المصريين جميعا.. فهو مصري في كل قطرة من دمائه وبكل مشاربه.. لكنه يمثل أجمل ما في الأخلاق والطبائع المصرية.


مزامير نجيب محفوظ


في مقطع جميل من كتاب 'في حب نجيب محفوظ' يصف رجاء النقاش النفحات الشعرية الخلابة في كلمات محفوظ هكذا: 'نحس ان الكلمات مليئة بندي الشعر الجميل، كما نتذكر ونحن نقرأ هذه المقاطع 'مزامير داود' التي جاءت بالعهد القديم والتي تعتبر ­ بعيدا عن قيمتها الدينية ­ مجموعة من أجمل الأغاني التي عرفتها الإنسانية في تعبيرها عن همومها وجروحها وآلامها ومناجاتها الصوفية للكون والحياة.. ويمكننا ان نسمي هذه المقاطع 'مزامير نجيب محفوظ' ولعل نجيب محفوظ قد تأثر بهذه المزامير وليس عندي من دليل إلا تشابه الروح التي تتأمل وتغني وتفكر وتصوغ خواطرها صياغة شعرية جميلة.
وليس أجمل من هذه 'المزامير' أختم بها هذا المقال، اخترتها من عدد من أعمال نجيب محفوظ:
­ في ظل العدالة الحنون تطوي آلام كثيرة في زوايا النسيان.. ولكن هل يتواري الضياء والسماء صافية؟
­ عاد إلي دنيا النجوم والأناشيد والليل والسور العتيق. قبض علي أهداف الرؤية، وانتفض ناهضا ثملا بالإلهام والقدرة، فقال له قلبه لا تجزع فقد ينفتح الباب ذات يوم تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة.
­ إنه فقير ولكنه غنٌي بحمل هموم البشر.
­ ما أكثر العفة المتولدة عن العجز.
­ إننا نأبي التسليم بالمثل العليا من طول انغماسنا في الماء الآسن.
­ مأساة الآدمية انها تبدأ من الطين، وأن عليها بعد ذلك أن تحتل مكانتها بين النجوم.
­ الدنيا بلا أخلاق ككون بلا جاذبية.
­ لماذا لا يسود النقاء؟ ما الذي حال دون ذلك طوال القرون؟
وهل يوجد في مكان ما من الأرض إنسان يعيش بلا خوف ولا رذائل.
­ تساءل ألا يمكن أن يؤكد انتسابه إلي الإنسان ويتناسي إنتسابه الجبري إلي هذا الوطن؟
­ ثمة آلام أعنف من ترف الضمير!
­ الإنسان إما أن يكون الإنسانية جمعاء وإما أن يكون لا شئ.
وقد استطاع هذا الإنسان الجميل نجيب محفوظ ان يكون أقرب ما يكون إلي الإنسانية جمعاء.



--------------------------------------------------------------------------------

http://www.akhbarelyom.org.eg/adab/issues/740/0300.html
09-21-2007, 12:39 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
سيناتور غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,957
الانضمام: Mar 2007
مشاركة: #7
أين ذهب حرافيش نجيب محفوظ؟
المحاكمة العكسية للتجارب الروائية ... أي أثر تركه نجيب محفوظ في الروائيين السعودين والعرب؟
عبده خال الحياة - 09/10/07//
إذ رغبت أي دراسة حديثة أن تؤسس للرواية العربية فإنها تلتفت لتجربة الروائي العالمي نجيب محفوظ، كقيمة جمالية وأدبية لترتكز عليها في نمو وتطور الرواية العربية، وفي هذا استسهال للعملية البحثية وتغييب للمرحلة التاريخية التي أخذت فيها الرواية العربية تستقي نموها من قنوات مختلفة. وبالسهولة نفسها استطيع القول إن الرواية العربية الحديثة لم تخرج من معطف نجيب محفوظ، كما يريد النقاد تأسيس هذه الرؤية التي قفزت لواجهة النقد الأدبي الحديث بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل.
وهذه التقريرية وهذا الجزم ربما يكونان صفتين عجلتين، لا يليق للمرء البدء بهما في حديث خلافي.
ومع ذلك أجدني انساق للبدء بهذه التقريرية الجازمة في مناقشة حالة ثقافية - أدبية أسست لها تياراً قديماً من التبعية والرضوخ لسلطة الاسم.
وأذكر أني علقت على استطلاع أجراه الصحافي اسكندر حبش بمناسبة
تسعينية محفوظ وأثره على مجايليه أو من جاء بعدهم، إذ انطلق الاستطلاع من سؤالين أجاب عنهما بعض الروائيين العرب، وكان السؤالان : هل تأثرت بأدب نجيب محفوظ أي هل لعبت رواياته دوراً ما في كتابتك؟ وإذا كان نعم فكيف كان ذلك؟
وجاء السؤال الثاني بهذه الصيغة: لماذا عندما نتحدث عن رواية عربية فإن أول ما يطرأ على بالنا هو اسم محفوظ؟
هذان هما السؤالان.
حينها كنت أخشى أن ينساق المجيبون لشرك السؤالين من كون الرواية العربية خرجت من معطف نجيب محفوظ - وهي المقدمة التي أراد لها اسكندر حبش أن تكون مدخلاً للاستطلاع - فالجزم بأن الرواية العربية خرجت من معطف نجيب محفوظ يكون جزماً مجافياً للحقيقة، فعندما انطلقت التجربة التحديثية في العالم العربي، كان الحداثيون يرون في تجربة نجيب محفوظ تجربة تأسيسية، وليس أنموذجاً مطروحاً للوصول إليه، بل بالعكس كانت الرواية العربية تكتب منجزها لتتجاوز مرحلة نجيب وجيله، باعتبارهما منجزاً كلاسيكياً نهضت الرؤية الحداثية لتقويضه وإيجاد نموذجها الروائي، ولعبت هذه الرؤى الأدبية الحداثية والتوجهات الايدولوجية بعداً آخر في الكتابة، وأثرت في الكتاب العرب، بحيث جعلت الكثيرين يتوجهون إلى محاكاة النماذج الروائية من خارج العالم العربي، ومحاولين اختراق المفهوم التقليدي لكتابة النص الروائي العربي (كما يكتبه حنا مينا ومحفوظ على سبيل المثال) ومقرين بأن نجيب محفوظ مرحلة تالية لمرحلة التأسيس، وانه خطا بالرواية خطوة متقدمة، لكنه لا يمثل النموذج الكتابي الذي يسعى إليه الكتاب (كتاب السبعينات على سبيل المثال) بل كان التلون الأدبي في العالم ينظر إلى أن الرواية تتشكل في جهات أخرى، بعيداً عن نجيب محفوظ المسالم (غير الجدلي والمختلف مع السلط والمفاهيم السائدة).
تلك الرؤى المشبعة بالتوجهات الأيدلوجية كانت تبحث عن وجودها التحديثي في كتّاب السبعينات الذين يحققون الشرط الفني والأيدلوجي معاً (أمثال صنع الله إبراهيم وعبدالرحمن منيف والطاهر بن جلون والطاهر وطار والياس خوري ومؤنس الزاز وعبدالحكيم قاسم ويحيى الطاهر عبدالله وأسماء كثيرة) ولم يكن بريق الفن هو الجاذب الوحيد لهذه الأسماء، وإنما الفن المنقوع في الإناء الأيدلوجي المحفز والباحث عن التغيير.
(وهذا يفسر لنا برودة استقبال فوز نجيب من البعض ويمثلهم يوسف إدريس، الذي رأى انه الأحق بالجائزة - وإدريس متسق مع واقعه الثقافي الذي كان يشي بأنه - إدريس - اقرب للفوز بروحه المحتدمة وانتمائه الأيدلوجي الصريح وكتابته وفق رؤية مغايرة للكتابة الكلاسيكية التي كان ينهجها نجيب القافز من الهامش - بالنسبة إلى النقاد الحداثيين - إلى واجهة المشهد الروائي العربي، وتحول اسمه إلى سلطة أدبية طاغية على مجايليه ومن جاء بعده، وليتحول إلى نماذج صنعته الجائزة حتى ان النقاد الحداثيين استجابوا لسلطة الاسم وبدأوا يبحثون عن الرؤى التحديثية والمغايرة والتصادمية في أعمال نجيب!
وأجدني أعرج إلى اقتطاع أجزاء من إجابات الروائيين الذين أجابوا عن سؤالي اسكندر حبش (في تلك الفترة زمن إجراء الاستطلاع) لإظهار جزئية ربما تكون غائبة بعض الشيء، وهي أن الأثر لنجيب لم يكن ليشمل العالم العربي، بل كان حضور نجيب طاغياً في بيئته، وهذا يقودنا إلى إقليمية التأثير، وأن كل قطر يستهلك مبدعيه ويرى فيهم النموذج، فنجيب - قبل الجائزة كان حاضراً - في ذهنية الكاتب والمتلقي العربي - كان حاضراً كاسم يردد لمنجزه الروائي الضخم - وكذلك لتحول بعض أعماله إلى فن آخر أكثر تصديراً للاسم، وذلك الفن هو السينما - ولم يكن تردد اسمه لأثر فعلي أحدثه على من جاء بعده - خصوصاً في الأقطار العربية الأخرى، إذ آمنا باستهلاكية كل قطر لمبدعيه.
ونجد في ذلك الاستطلاع أن إجابة الروائي اللبناني الدكتور سهيل إدريس نصت في جزئية منها على قوله: «أنا شخصيا» لا أعتقد أنني تأثرت بكتابات نجيب محفوظ الروائية. وقال الروائي السوري نبيل سليمان: «سأتجرأ على إنكار تأثير نجيب محفوظ في ما اكتب».
فهاتان الإجابتان يمكن أن نضع بجوارهما عشرات الإجابات المماثلة لروائيين عرب بعيدين عن مصر كإقليم عاش فيخ نجيب محفوظ.
وسنجد في إجابة حسن داود التي نصت على قوله: بالتأكيد إنني تأثرت بنجيب محفوظ، مثلما تأثرت بأي كاتب أو عمل إبداعي يفرض عليك تأثيراته».
سنتمكن من وضع عشرات الإجابات التي تقول بتأثير نجيب عليها، بحكم الوحود الجغرافي الإقليمي، واستهلاكها للنص الذي كتب عن بيئتها.
وسنجد روائية كإيمان حميدان يونس تقترب من تجسيد واقع روايات نجيب محفوظ قبل تسلم جائزة نوبل حين نصت إجابتها : «في ذلك الوقت كانت قراءاتي لمحفوظ مثل مشاهدتي للأفلام المصرية ذات اللونين الأسود والأبيض: عالمان متداخلان ولم أكن افرق بينهما».
هذه الإجابة تمثل الطيف الثالث من الكتاب، الذين يسمعون أو يقرأون نجيباً من غير أن يكون هناك وضوح لحكم قيمي على أعمال محفوظ، أو وجود أثر حقيقي لتجربة محفوظ على أولئك الكتاب.
ولو أن السؤالين تمت إعادتهما مرة أخرى لكتاب من الخليج أو اليمن فلن تكون تجربة محفوظ حاضرة كأثر في تلك التجارب.
فمثلاً زيد مطيع دماج في أعماله الروائية لم يكن لنجيب محفوظ حضور في نمو التجربة الروائية في اليمن، وكذلك بالنسبة إلىرجاء عالم في السعودية أو إسماعيل فهد إسماعيل في الكويت أو واسيني العرج في الجزائر.
فكل روائي عربي لم يكن ملتفتاً لنموذج العربي لكي يتجاوزه، بل كانت الروايات العالمية همه الأساسي في محاكاتها والتجاور معها.
وحينما فاز نجيب بجائزة نوبل تحول الاسم إلى فخ كبير، فتصريحك بعدم تأثرك به يجعلك محل استنكاف من الآخرين، وربما يحملك البعض إلى أقرب رصيف ليجلسوك هناك ويوصوك بانتظار القطار المؤدي إلى محطة العودة.
وهذا لكون التلقي لا يحكمه التعقل بل تحكمه العاطفة، والعاطفة تنشأ من التكرار والألفة، وهذه الصفات تنتج عجينة الوصاية وتصبح إجابتك خارج الوصايا عقوقاً ونكراناً، وبهذا تصبح الإجابة عن اثر نجيب في أعمالك ضرورية كإجابة قصدية تدرأ بها عن نفسك صفة الجهل وعدم الاطلاع، وتغدو إجابة متوافقة مع المألوف، لتصد عنك - أيضاً - تلك التهم وتبعدك عن تلك الأيدي التي ستحملك إلى الرصيف المقابل من أن التلهي بمشاهدة المارة إذاً كنت بليداً، أما إذ كنت متحفزاً لمواصلة السير فسيجعلك الجلوس على ناصية الشارع المقابل تقوم بمهمة مراجعة الأسماء التي تسكن ذاكرة النقاد، كإشارات ضوئية تجيز عبورك أو وقوفك.
إن مشكلة النقاد محاكمة الأعمال الروائية بأثر رجعي، وهذا يغيب الفعل المستقبلي للأعمال الروائية، التي تنحاز لظرفيتها التاريخية وتقاطعاتها مع التجارب العالمية وخصوصية كل كاتب على حدة.
ومن هنا تأتي إشكالية ولع النقاد بمسألة التأثر أو التناص أو السرقة الأدبية، وكلها مفردات ماضوية تسحب النص للخلف ولا تدفعه للإمام.
حتى مع وجود كل تلك المفردات داخل النص المراد تقديمه نقديا، يفترض بالنقاد سحب العمل الروائي لفضائه المستقبلي، واختبار أدواته المستعارة من بقاع الأرض.
10-14-2007, 04:42 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #8
أين ذهب حرافيش نجيب محفوظ؟
نجيب محفوظ لم يعد إسما بل صفة وهوية
نجيب محفوظ يعني النبوغ و الروح الإنسانية الصادقة .
يعني الإبداع الأدبي و السمو الروحي
أما كشك و غيره فمجرد حشرات زاحفة
ما أكثرها عندما تشيع القمامة و يقدسها الأشقياء
10-22-2007, 03:05 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  كس أميات نجيب سرور alexlloyd54 0 3,237 02-22-2011, 04:21 PM
آخر رد: alexlloyd54
  من هو نجيب سرور؟؟ نماذج من أعماله wahidkamel 10 5,558 12-10-2009, 03:04 PM
آخر رد: عاشق الكلمه

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 3 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS