يقول الدكتور حمود بن ناصر بن محمد الهاشمي في كتابه مقدمة في منهج البحث النوعي (2004):
يعتبر البحث العلمي من الأولويات التي توظفها الجامعات والمؤسسات التربوية والأكاديمية كأحد الوسائل والأدوات للوصول إلى بيانات ومعلومات ومعارف ونظريات قادرة على تفسير الظاهرات الاجتماعية وفهمها. واتبع الباحثون في محاولتهم لجمع المعلومات لأغراض البحث والدراسة منهجين:
- المنهج الكمي الإحصائي Quantitative Approach
- المنهج النوعي Qualitative Approach
وقد اشتقت طرق البحث في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية في بدايتها من طرق البحث في مواد العلوم الطبيعية كالأحياء والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا، وكان اهتمامها يتركز في البحث والتحقيق في الأشياء التي يمكن ملاحظتها وقياسها، لذا أطلق الباحثون على هذه الطريقة "منهج البحث الكمي". ثم بعد ذلك بفترة طويلة، جاء الباحثون في علم الاجتماع، والنفس، وعلم الاجناس وكان هدفهم دراسة السلوك البشري، فوجدوا صعوبة كبيرة في تفسير وشرح ذلك بطريقة القياس البسيطة. فالقياس يخبرنا غالبا عن مجموعة من الناس تصرفوا بطريقة ما ولكن لا يعطينا إجابة كافية عن كيفية تصرفهم بهذا الشكل.
لهذا كان لابد من وجود منهج آخر يزيد من فهمنا لتقديم تفسير الأشياء والظاهرات كما هي عليه الآن في عالمنا الاجتماعي، ولماذا يتصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها؟، ليكون هذا إيذانا بظهور منهج آخر أطلق عليه "منهج البحث النوعي أو الكيفي".
يُعرّفُ البحث النوعي عموماً على أنه الدراسة التي يمكن القيام بها أو إجراءها في السياق او الموقف الطبيعي، حيث يقوم الباحث بجمع البيانات، أو الكلمات، أو الصور، ثم يحللها بطريقة استقرائية مع التركيز على المعاني التي يذكرها المشاركون، وتصف العملية بلغة مقنعة ومعبرة. ويعرّف كريسويل (1998) البحث النوعي بأنه:
"عمليةُ تحقيق للفهم، مستندة على التقاليد المُتميّزة لمنهج البحث العلمي التي تقوم بالكشف عن مشكلة اجتماعية أو إنسانية. ويقوم الباحث ببناء صورة معقدة وشمولية ويُحلّلُ الكلمات، ويضع تقريرا يفصّل فيه وجهات نظر المرشدين ثم يقوم بإجراء الدراسة في الموقف الطبيعي."
ويجبُ أن لاينظر إلى البحث النوعي على أنه بديل سهل للبحث "الإحصائي" أو الكمّي، فهو يتطلبُ التزاما واسعا بالوقت في مجال الدراسة، والمشاركة في شكل من أشكال البحث الاجتماعي والإنساني والعلمي الذي لايمتلك أدلة ثابتة أو إجراءات محددة.
وذكر هوفتل (1997) نقلا عن كامبل (1996) ووستروس وكورين (1990) أن هناك عدد من النقاط يجب أخذها في الحسبان ومراعاتها عند تبني مثل هذا النوع من مناهج البحث، ومن أهم هذه النقاط:
1- أن طرق البحث النوعي يمكن استخدامها لزيادة فهمنا لأي ظاهرة أو مشكلة لا نعرف عنها إلا النزر اليسير.
2- يمكن أيضا استخدامه للحصول على وجهات نظر وآراء مختلفة لأشياء نعرف عنها الكثير أو للحصول على معلومات معمقة من الصعب التعبير عنها بطريقة كمية أو إحصائية.
ويهتم هذا النوع من البحوث بوضع شرح مفصل عن تفسير وشرح واضح للظاهرات الاجتماعية. فهو يساعدنا على فهم العالم الذي نعيش فيه، ولماذا كانت الأشياء كما هي عليه؟، فاهتمامه يتركز على الجوانب الاجتماعية في عالمنا ويسعى للإجابة على الأسئلة حول الموضوعات التالية (Hancock 1998):
- لماذا يتصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها؟
- كيف تتشكل الآراء والاتجاهات عند الناس؟
- كيف يتأثر الناس بالأحداث والأشياء من حولهم؟
- كيف ولماذا تطورت الثقافات بالطريقة التي تطورت بها؟
- الفروق بين المجموعات الاجتماعية.
فالمنهج النوعي يهتم بالبحث في الإجابة عن الأسئلة التي تبدأ بـ: لماذا؟ وكيف؟ وبأي طريقة؟ بينما المنهج الكمي يهتم بصورة أكبر بالأسئلة حول: كم الثمن؟ كم العدد؟ كم في الغالب؟ و إلى أي مدى؟ فهناك فروق جوهرية بين المنهجيين تتلخص في النقاط التالية:
· المنهج النوعي يهتم بالآراء، ووجهات النظر، والتجارب والخبرات الإنسانية، وأحاسيس وشعور الأفراد، فهو يقدم لنا بيانات ذاتية وليست موضوعية.
· المنهج النوعي يصف لنا الظاهرة الاجتماعية كما تحدث طبيعيا: فليس هناك محاولة للتأثير واستغلال الوضع تحت الدراسة كما هو الحال في المنهج التجريبي الكمي.
· في المنهج النوعي يتم فهم الوضع من خلال المنظور الكلي والشامل للموضوع، بينما يعتمد المنهج الكمي على تحديد عدد من المتغيرات.
· في المنهج النوعي يتم استخدام البيانات والمعلومات لبناء وتطوير مفاهيم ونظريات تساعدنا على فهم العالم الاجتماعي، فهو أسلوب استقرائي للبناء وتطوير النظريات، بينما المنهج الكمي يقوم باختيار نظريات موجودة وتم اقتراحها، فهو أسلوب استنباطي.
· يتم جمع البيانات والمعلومات في المنهج النوعي من خلال مواجهة مباشرة مع الأفراد والمجموعات ومن خلال المقابلات الفردية أو الجماعية أو الملاحظات، فجمع المعلومات يستهلك وقتا طويلا.
· طبيعة جمع البيانات والمعلومات في المنهج النوعي والوقت الطويل الذي تستغرقه تتطلب منا أن نستخدم عينات صغيرة.
· في المنهج النوعي نستخدم تقنيات مختلفة عند اختيار العينات، فالعينة سعيٌ للحصول على المعلومات من مجموعات محددة أو مجموعات فرعية من مجتمع الدراسة، بينما في المنهج الكمي تسعى العينات لعرض نتائج ممثلة من خلال الاختيار العشوائي للموضوعات.
· المعايير المستخدمة في المنهج النوعي للتحقق من الصدق والثبات تختلف عن تلك المعايير المستخدمة في المنهج الكمي.
· أن استعراض كثير من نصوص الكتب توحي لنا بسمات ومصطلحات متعددة ومختلفة تستخدم لوصف كلا المنهجين
الدكتور علي بن شرف الموسوي
للتوسع والتنويع
البحث "العلمي" بنماذجه الاساسية: مقدمة المقدمات للبحوث التربوية والاجتماعية
المؤلف:
أحمد الصيداوي
http://www.adabwafan.com/display/product.asp?id=27652