حصان أنوشروان
ذات يوم .. ركب الملك أنوشروان حصانه الرهوان ، و راح يتنزه بين المروج و الوديان ، يحيط به جمال الطبيعة .. و أصوات العصافير المغنية البديعة. و يتراقص الحصان فى مشيته.. حوافره تعزف على الأرض .. تك تاك تك.
و يمر الوقت على الملك أنوشروان، و يسيطر عليه الإحساس بالجمال، فترتاح نفسه و تنبسط ، و تتراخى يده باللجام للحصان، و لم يعد يصدر له أمراً. ظن الحصان أنه حر، و سار كما يشاء ، حتى ابتعد عن العمران. بناء من وراء بناء.
لم يشعر أنوشروان إلا وصهد الشمس يلسع وجهه، فنظر حوله ، فاكتشف أنه صار بعيداً عن العمران. ثار ثورة جامحة على الحصان، و صار يضربه بالسوط يعاقبه.
التهب جسد الحصان ، فأخذ يجرى، و يجرى و هو يظن أنه كلما أسرع فهو يهرب من السوط، لكنه لم يعرف أن الضرب يأتى من فوقه. و يزداد جموح الحصان و جريه من شدة الضرب، و يشد أنوشروان اللجام يأمل أن يقف الحصان.
الحصان خائف لا يستجيب، يشد اللجام برأسه و يزيد من سرعته. ليس مهماً إلى أين يذهب .. لكن المهم ان يهرب من ضرب السياط.
خاف أنوشروان من الوقوع، ازداد تمسكاً باللجام، و ازداد خوف الحصان و اندفاعه إلى الامام، و استمر شد اللجام بين الحصان و أنوشروان حتى انقطع و طار السوط من يد أنوشروان .
صار الملك لا يدرى ماذا يفعل، و الأرض من تحته تجرى، و المسافة بينه و بين العمران تزيد.. و صار لا يعرف كيف يجعل الحصان ينفذ ما يريد، و تأكد أنه لابد واقع و مكسور ، و من أين يأتى بمن يحمله و هو على هذا الحال.. و تأكد أنه ضائع لا محالة.
زادت ضربات قلب انوشروان من الخوف.. مال إلى الامام من التعب و الإرهاق ، و لامس كفاه فخذى الحصان.. ربَّت عليه بحنان ، شعر به الحصان برغم العرق الغزير.
أدرك أن صاحبه يستجير.. هدأ من سرعته .. و أبطأ من مشيته . اطمأن أنوشروان و اعتدل.
هدأت دقات قلب الملك فى صدره، ربت على كتفى حصانه، و داعب شعر رقبته، و طلب منه أن يعود به إلى الديار. أطاع الحصان و استدار و أخذ طريق العودة.
حين وصل أنوشروان إلى قصره.. نزل من فوق ظهر حصانه .. وقف أمامه ، ربَّت على رأسه ، و قبله.
أسرع سائس الخيل إليه ، و أخذ الحصان من بين يديه، و أوصاه الملك أن يضع له كمية علف زيادة. و قد علمه الحصان درساً لن ينساه على مر الزمان، فقد عرف أن الحنان هو سبيل الطاعة و الأمان.