الكيل بمكيالين
إن تضخيم قيمة ما لدينا وبخس الآخرين ما لديهم , من أهم عوامل إجراء صفقات غير متوازنة , وينتج عن ذلك فرض تقييمات الأقوياء على الآخرين , بعد أن يرفعون قيمة ما لديهم ويخفضون من قيمة ما لدى الآخرين ويقومون بفرض ذلك .
فيظهر الكيل بمكيالين وتحدث الصفقة غير المتوازنة المفروضة .
والمثل الذي يقول" الذي يضرب بالعصي ليس مثل الذي يعدها " .
يظهر طريقة حكمنا وقياسنا بناء على وضعنا كمرجع للقياس والحكم ، فإذا كنا نتلقى ضرب العصي نكون في وضع مختلف جداً عن الوضع الذي نشاهد فيه أحدهم يتلقى ضرب العصي ، وبالتالي تكون أحكامنا مختلفة بشكل كبير إذاً اختلف وضعنا .
فاختلاف المرجع أو اختلاف الانتماء يؤدي حتماً إلى اختلاف التقييم وبالتالي إلى اختلاف الحكم .
إذاً الكيل بمكيالين أي القياس بعدة مقاييس له عوامله , وذلك حسب الوضع ومرجع التقييم والقياس .
فالكل يقول نحن الأفضل ما لدينا هو الأفضل سلعنا هي الأفضل خدماتنا هي الأفضل وبالتالي قيمتها أكبر مما لدى الآخرين , إنتاجنا هو الأعلى قيمة , مصلحتنا التي لها الأولوية
" الذي بيده القلم لا يكتب اسمه من الأشقياء " , " ما حدا بيقول عن زيته عكر ". . . .
إن هذا الكيل بمكيالين له ما يبرره .
فال أنا غير ال (هو) دوماً بالنسبة لكل إنسان أو جماعة , و النحن أفضل من ال (هم) ) . والأنا و النحن هما المرجع دوماً .
ولكن بالنسبة للمجتمع والحياة الاجتماعية ووجود الآخرين لا يكون الفرد أو جماعة معينة هو أوهي المرجع لكافة عناصر المجتمع , وهنا تحدث المفارقة أو الإشكال أو التناقض الذي يجب التعامل معه .
إن الكيل بمكيالين له ما يدفع لاستعماله- مكونات حدوثه- .
ولكن هناك أيضاً عناصر وقوى نفسية واجتماعية موجودة تفرض تأثيرات تسعى لتوحيد المقاييس وإلغاء الكيل بمكيالين .
فطالما أن الآخر موجود وبالتالي تأثيره موجود لذا يجب إدخال تأثيراته في الحسبان ، وكذلك طالما أن البنيات الاجتماعية موجودة ولها تأثيراتها , لذا يجب إدخال تأثيراتها أيضاً في المعادلة والحساب .
يمكن أن تكون قوى الأنا الفردية كبيرة وتفرض دوافعها وأهدافها وخياراتها على الآخرين وحتى على البنيات الاجتماعية , مثل الدكتاتورية - وهذا يتناقص حدوثه الآن كما أن حدوثه في المستقبل سيكون أكثر صعوبة -
فقوى الآخرين وقوى البنيات الاجتماعية على الخصوص - الأنظمة والقوانين وقوى المؤسسات الاجتماعية - سوف تصبح أكبر وأقوى بكثير من قوى أي فرد أو حتى جماعة .
وستصبح قوة البنيات الاجتماعية أكبر بكثير من قوة الأفراد , وهي التي ستفرض قواها وتأثيراتها على الأفراد في النهاية ، طالما أنها موجودة و في نمو متزايد.
لماذا يطلب توحيد المقاييس والتقييمات؟
ما هي البنيات التي تطلب توحيد القياس؟ وما هي دوافعها في طلب توحيد التقييم ؟
إذا رجعنا إلى مفهوم الانتماء يتضح لنا الوضع ، فعندما يتوحد الانتماء يرافقه توحد المقاييس والمراجع وبالتالي التقييم والأحكام , ولكن توحيد الانتماءات لا يتم فوراً فهو يحدث بالتدريج ، لذلك يحدث بالتدريج أيضاً توحيد المراجع و المقاييس.
فطالما هناك اختلافات في الانتماءات فسوف يكون هناك اختلافات في المراجع ، وبالتالي اختلافات بالقياس والتقييم والحكم ولكن إذا تم توحيد الانتماء فسوف تتوحد معه المراجع والمقاييس والتقييم والحكم.
وهناك سبب آخر لاختلاف التقييم والحكم وهو اختلاف الوضع مع وجود انتماء واحد , وهذا يصحح بالأنظمة والقوانين ، فالابن والأب منتميان إلى أسرة واحدة ولكن وضعيهما مختلفان وبالتالي يمكن أن تقييماتهم مختلفة , وهذا يعدل بالعادات والتقاليد والأنظمة والقوانين.
إذاً اختلاف الوضع واختلاف الانتماء واختلاف المرجع ، يؤدي إلى اختلاف التأثيرات بالإضافة إلى اختلاف القياس والتقييم , وبالتالي اختلاف الحكم والكيل بمكيالين ( واحد لنا وواحد لهم ) .
والمطلوب توحيد المراجع والمقاييس والأحكام من قبل البنيات الاجتماعية .
وهذا أنشأ الأنظمة والقوانين التي تسعى إلى توحيد الأحكام وبالتالي توحيد مراجع المقاييس ، فلا يمكن للبنيات الاجتماعية أن تستمر وتنمو وتتطور إذا اختلفت فيها المراجع والأحكام ولم تنتظم في أحكام وقوانين موحدة .
فالفوضى في المراجع والأحكام سوف يرافقها فوضى في الخيارات وبالتالي فوضى في العلاقات ، وهذا يمنع تماسك البنيات الاجتماعية ويهدد استمرارها ونموها.
وتوحيد الأحكام مطلوب من قبل البنيات الاجتماعية- أو هو مفروض أو مدفوع إليه من قبلها- وليس من قبل الأفراد فقط ، ويجب تحقيقه لاستمرار ونمو الأفراد والبنيات الاجتماعية .
والآن هناك أنواع ومستويات للبنيات الاجتماعية , فالدول في الوقت الحاضر هي أعلى مستويات البنيات الاجتماعية وهي الآن في طريق التوحد في بنية واحدة عالمية , ومن اللازم والمفروض توحيد المقاييس والأحكام .