يحدث في البحرين اليوم ...
نادية برهان
مع نهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان، عاد العرب إلى ما كانوا عليه.. ابتعدت القنابل العنقودية والطائرات الحربية ومصطلحات يتصور البعض أنها أصبحت في <خبر كان>، كل هذه اختفت من أيامهم المليئة بالمناوشات السياسية والصراعات على المناصب والمقاعد معاً!!
في البحرين كما هو حال الكثير من العرب، ما إن هدأت المعارك حتى نسي الكثيرون أن دماء الشهداء على تراب لبنان لم تجففها مشاعرهم المشحونة بالغضب. ذاك الغضب الذي زال بانقشاع أصوات القذائف ونحيب نساء الجنوب..
في الأول شغلهم ذلك التقرير الفضيحة الذي أطلقوا عليه <البندر جيت> نسبة إلى صلاح البندر السوداني الذي قدم إلى البحرين منذ سنوات بسيطة ليتنقل بين مواقع مختلفة ويقترب كثيراً من الحكم.. ولاختلاف، ربما في تقاسم الغنائم، أبعد البندر في ليلة <ما فيها ضو قمر> إلى لندن ولم يسأل أحد كيف يبعد وبحوزته وثائق ما لبثت أن وضعت علامات استفهام ضخمة حول العديد من المسئولين وأكثرهم أهمية من هو مسئول عن العملية الانتخابية برمتها..
نشر البندر تقريراً تحت عنوان <البحرين الخيار الديمقراطي وآليات الإقصاء>، فضح فيه أساليب بعض جماعات السلف السنية المتعاونة مع النظام بهدف إقصاء الأغلبية الشيعية من البحرينيين.. كأنه لم يكف هذه الأغلبية الفقيرة فقرها وعوزها واعتبار مواطنتها مقصورة نتيجة حظر تشغيل أي من البحرينيين الشيعة في وزارة الداخلية أو الدفاع للشك في انتمائهم وولائهم الذي تحدده المرجعية، حسب تعبير الكثير من المسئولين البحرينيين وبعض القيادات السنية الموالية للحكم..
إلا أن فضيحة البندر المدوّية طمستها <حرية التعبير> على الطريقة البحرينية، إذ أصدرت السلطات قراراً يحظر نشر أي جزء من التقرير أو الإشارة إليه أو إجراء مقابلات مع صلاح البندر المطلوب حالياً من قبل السلطات الأمنية البحرينية!!!
إلا أن المعارضة البحرينية لم تدرك حتى الآن حجم اللعبة التي بدأت منذ تحول البحرين من الإمارة إلى النظام الملكي الدستوري بفعل قرار من الأمير الذي أصبح ملكاً لأصغر مملكة عربية رغم كثرتها.. تاهت المعارضة في كواليس اللعبة وبدلاً من أن تكون الفاعل أصبحت المفعول به دوماً..
قبل أربعة أعوام اعترضت المعارضة على المشاركة في الانتخابات البرلمانية احتجاجاً على توازي الصلاحيات بين المجلسين المنتخب والمعين، فيما شاركت بعض أطراف المعارضة متعللة بأنها تستطيع تحقيق بعض المكاسب من داخل النظام بدلاً من الوقوف موقف المتفرّج من الخارج.. أربعة أعوام مضت من عودة التجربة الديمقراطية برّ البرلمان المنتخب ذاك الذي كان الكثير من أقطاب الحكم الحالية مسئولين عن قتله وهو رضيع في أوائل السبعينيات عندما صدّق بعض النواب حينها أن الحكومة قادمة على تحول ديمقراطي ومشاركة شعبية حقيقة!!! أربعة أعوام حققت فيها بعض التيارات الكثير من المكاسب وعلى رأسها التيار السلفي السني على تعدّده من أخوان مسلمين وسلف، حيث أدت مساومات هذا التيار إلى تعيين العديد من عناصره أو المحسوبين عليه في المناصب الوزارية العليا.. وما وزيرة التنمية الاجتماعية إلا إحدى تلك الأمثلة الصارخة على هذه المقايضة التي كان الخاسر الوحيد فيها هو ذاك الشعب الذي يعيش ما يقرب من 40? عند خط الفقر أو دونه، فيما العوائد النفطية لا تدخل ضمن ميزانية الدولة وفيما احترف الكثيرون من أفراد العائلة الحاكمة وحاشيتهم لعبة دفن البحر حتى غيّروا خارطة البلد برمته وبيعها إما للدولة وإما للأفراد والشركات والمؤسسات العقارية التي أصيبت بعدوى <نادي دبي> وتحويل البلد إلى منتجعات ومساكن خمس نجوم وأسواق تجارية مكيّفة وو.. وعلى مسافة ليست بعيدة يئن سكان الضواحي والقرى نتيجة قلة الخدمات أو انعدامها وارتفاع مستوى المعيشة فيما المرتبات باقية على حالها منذ سنين ما قبل <الميثاق> والتحولات الديموقراطية العتيدة!!
أربع سنين غيّرت المعارضة من حال لحال.. عادت الجمعيات الرئيسة الأربع إلى مراجعة حساباتها كما تقول قياداتها، والتي عبّر واحد منها بشكل صريح عن توجّهاتهم بقوله في إحدى الجلسات الخاصة <نستطيع من خلال تواجدنا أن نحقق بعض الصفقات لإصلاح الأوضاع في القرى الشيعية>! وأكمل بالقول: قد لا نستطيع أن نستجوب وزيراً أو نعرف تفاصيل ميزانية الدولة أو نقل بعض القوانين التي ستخصص كل الأجهزة الحكومية أو تحولها إلى هيئات بعيدة عن أعين الرقابة البرلمانية!! هكذا إذن قررت المعارضة المشاركة بتحالفات مشوّهة ومهزوزة وبانعدام البرامج المشتركة التي تستند عليها..
كل من في البحرين شمّر عن ساعده واتجه ليسجل اسمه كمرشح. لم يعد هناك مقياس لمن يرشح نفسه. شباب لم تتجاوز تجاربهم الحياتية الكثير، بعض من الصحافيين الحالمين بالشهرة أو الأهمية، أو ربما لأسباب مرتبطة بمرض بدأ ينتشر كالوباء في البلد ألا وهو <النرجسية المفرطة>... ونساء كثيرات ربما من باب التمكين الذي يدّعيه المجلس الأعلى للمرأة (تترأسه زوجة الملك وبالمناسبة هي لا تحمل لقب ملكة لسبب لا يعلمه إلا هو!!!). وهو بالتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة المسئول عن فوز المرشحة الوحيدة حتى الآن السيدة لطيفة القعود بالتزكية عن دائرة انتخابية تقع في جزيرة حوار!! مما دفع البحرين للتهكم بالقول إن الضفادع والأسماك من هامور وغيرها الى جانب الطيور قد صوّتت لها!! حيث إن هذه الجزيرة لا يسكنها أحد وحوّلت إلى منتجع أثناء الخلاف على ترسيم الحدود بين البحرين وقطر... وقد حاول بعض من العرب الذين كانوا مرشحين من قبل أو بتشجيع من الدولة وهم من قبائل الدواسرة مواجهتها إلا أنه صدرت لهم الأوامر بالتنحي!!! فالبحرين قد أصبحت دولة ديموقراطية حديثة على الطريقة الأميركية المرسومة للمنطقة حتماً بشكل دقيق، ولذلك فقد توجّهت لزيادة عدد النساء في المناصب القيادية، ولا يهمّ إن كانت غالبيتهن من العائلة المالكة أيضاً!! حيث ترأس امرأة بحرينية الآن الجمعية العامة للأمم المتحدة تلك التي ذهبت بكامل عدها وعديدها إلى نيويورك لتقوم بدور الدبلوماسية البحرينية الجديدة عبر الالتقاء والحديث الودي مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني التي قالت لها بأن اسم هيا (الذي هو اسم المسئولة البحرينية) منتشر في إسرائيل وأنها فخورة بأن امرأة من <منطقتنا> قد وصلت إلى مثل هذا المنصب! وأكملت السيدتان حديثهما بدعوة وزيرة الخارجية المحامية البحرينية هيا آل خليفة لزيارة إسرائيل في القريب العاجل!! هنا ينتهي الخبر الذي نشرته صحيفة <الحياة> اللندنية من دون تعليق!!! الأهم في هذا اللقاء هو توقيته فقد كانت جثث أطفال ونساء قانا لم تنقل إلى مثواها الأخير بعد نتيجة استمرار عمليات القصف الإسرائيلية التي تلاحق الأحياء من اللبنانيين والأموات منهم أيضاً!!!
البحرين إذن تعيش ما يسمّيه البعض ب<عرس الديموقراطية> الحقيقي... تهافت ما بعده تهافت على المقاعد والمناصب والمرتبات والامتيازات النيابية وانعدام للبرامج وتحالفات هشة بهشاشة الديموقراطية المزعومة والموعودة نفسها.. وخلافات بين عناصر الحزب والتنظيم الواحد حول من ينزل في كل دائرة، حتى أن أحد التنظيمات الأكبر والأهم من بين الأحزاب المعارضة اضطر قائده للوقوف بحزم وتحديد من سينزل في كل دائرة وإلا اشتدّت الخلافات حتى بين قياداته الروحية والدينية والمدنية!!!
بالأمس بدأت الحملة بخيام انتخابية اقتباساً من النموذج الكويتي؟ ربما!!! جلست النساء بحجابهن وحتى غير المحجبات قمن بارتداء الحجاب أو العباية لكسب أصوات بعض النساء وكثير من الرجال في مجتمع أصبح فيه <النفاق> الديني سمة عامة وطريقاً للوصول إلى قلوب العامة من الناس!!! والجميع يرفع شعار مكافحة الفقر، كما تفعل منظمات وهيئات الأمم المتحدة فيما الفقراء يملأون الأرض ويبيعون نساءهم وأطفالهم في سوق العمل على اختلاف أنواعه!! حديث كثير عن الفقر ولا ذكر للفساد والمحاسبة وكيف ستكون في مقابل فضائح ليست بحاجة لاكتشافها عن طريق تقارير لبعض المتنفذين الهاربين أو غيرهم، بل إن حديث الشارع البحريني بأجمعه لا يدور سوى حول صفقات بأصفار يصعب على الفقراء في الحساب والحسابات مثلنا عدّها!!!
يحدث في البحرين اليوم أن الديموقراطية متوفرة بكثرة في أحاديث المجالس الخيمية فقط!!!
وصلة المقال في صحيفة السفير:
http://www.assafir.com/iso/today/world/2778.html