لا تتوقف نظريات الزعيم الليبي معمر القذافي في السياسة والثقافة والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم الفلك وأحوال الطقس ودوران الأرض حول نفسها… لقد تحدث القذافي من قبل عن الأصول العربية للهنود الحمر، وهدد الأمريكيين بأنه سيوقفهم عند حدهم إن هم استمروا في التنكيل بالهنود. بعد ذلك، تحدث الزعيم الليبي عن الأصل العربي للكاتب المسرحي الكبير وليام شكسبير، وقال إن كلمة شكسبير هي في الأصل مزيج من كلمتين عربيتين؛ "الشيخ" و"زبير"، ومعناها الكامل هو الشيخ زبير. وبين هذا وذاك أفتى القذافي في العشرات، بل في المئات من القضايا التي تهم كل شيء. آخر ما أفتى فيه القذافي هو المونديال، وربما قد يصدر طبعة جديدة منقحة من مؤلفه الشهير "الكتاب الأخضر" الذي ضمنه فتاواه ورؤاه التي لم تكن إلا أضغاث أحلام. فتوى القذافي الجديدة، يقول فيها إن الاتحاد الدولي لكرة القدم ليس سوى آلة لإنتاج العنصرية وإعادة ظلام العبودية وإن المونديال فارغ من كل محتوى. وينتقد القذافي سواقي المال التي أصبحت تصب في كرة القدم العالمية، ويطالب بأن يتم تخصيص المال الذي يتم "خسرانه" على كرة القدم من أجل بناء المدارس والمستشفيات والبنيات التحتية في بلدان العالم الثالث، ويقول إن عالم كرة القدم عالم فاسد وبلا معنى. ربما يكون القذافي محقا في بعض كلامه بأن عالم كرة القدم ينخره الكثير من الفساد، وأن المال قضى على الكثير من المبادئ في هذه الرياضة النبيلة، والدليل على ذلك هو قضايا المنشطات التي تبين أن أشهر فرق العالم أصبحت تستخدمها، وأن لاعبين مشاهير صاروا يدمنون المنشطات حتى يحافظوا على مستواهم ويظلوا مثل لوحات بيكاسو وسلفادور دالي محافظين على أسعار خرافية في سوق كرة القدم.. إضافة إلى قضايا فساد التحكيم التي حولت الكثير من المباريات إلى كتلة من الفضائح. لكن القذافي ربما لم يسمع بعد بأن تجارة كرة القدم أصبحت أضخم تجارة في العالم بعد تجارة الأسلحة، وأن المبدأ الرأسمالي الذي يقول بأن المال يجلب المال ينطبق بشكل كبير على هذه الرياضة التي أصبحت تكبر وتكبر حتى تحولت إلى غول. لو كان لينين وستالين وغيرهما من دهاقنة الشيوعيين على قيد الحياة لكانوا يجلسون في الصفوف الأمامية في الملاعب التي تجري بها مباريات المونديال، ولدخلت بلدانهم ميدان الصراع الحقيقي في هذه الرياضة التي أصبحت تدر على البلدان والأمم الكثير من المال.. والكثير من المجد. القذافي قريب جدا من كرة القدم، وابنه الساعدي لاعب جيد لكرة القدم، وسبق له أن احترف في الدوري الإيطالي، بل إنه ضخ الكثير من المال في الفريق الإيطالي لكي يحظى ببعض النجومية الدولية. لكن قبل بضعة أشهر تم توجيه اتهام إلى ولد القذافي بأنه يتناول المنشطات، وعندما حاول نفي ذلك فإن فريقه بادر إلى توقيفه، وبذلك ثبتت التهمة. ربما عرف القذافي، بواسطة ابنه، أن عالم كرة القدم مليء بالفساد، وأن المال الكثير الذي أصبح يجري في عروقها قد أصابها بكثير من الميكروبات.
لكن هناك حقيقة أخرى أغفلها القذافي، وهي أن اقتصاد كرة القدم سيصبح مفيدا جدا بعد أن يجف البترول. وعندما ترشحت ليبيا من أجل احتضان كأس العالم لسنة 2010، فإنها كانت تعرف أن كرة القدم هي اقتصاد كرة القدم، لكن ليبيا انسحبت قبل التصويت، والقذافي يحاول الآن أن يسحب بلاده بالكامل من هذا العالم، بعدما حاول أن يجردها من محيطها العربي، حالما بولايات إفريقية تشبه إلى حد كبير الولايات المتحدة الأمريكية، كما قال ذات مرة وهو ينظر إلى الأعلى

بقلم الأستاذ nador