هاتوا هداياكم..
هاتوا هداياكم...
كميات الفضول و اللهفة و موجات المد الأدرناليني العارمه تتناسب طردا مع حجم الصندوق الملفوف بورق ملون و تزداد فتحات العيون أتساعا لتتمكن من إزدراد ما ترى,و إذا كان الصندوق مسيج بشريط أنيق ينتهي بربطة جذابة تستنفر الحواس قواتها لتمسك بكل شارده ,شعور نبحث عنه و نريد أن يستمر أطول فترة ممكنه ,فتمتد ايدينا ببطىء مقصود لتحل "عقدة الشريط",تتوقف الأصابع لحظة لتلحس ما بقي من نشوة الترقب , ثم تنطلق بنشاط و خفة لتعري الصندوق من غلاقه الملون,ينكسر الإحساس فجأة و تتبخر كل مساحات اللهفة ,الحالة الوحيدة التي تكون فيها لحظات ما قبل "المعرفة" أجمل و أمتع مما نحس بعد أن "نعرف".هي عندما نتلقى هدية.
تقضي التقاليد أن يشتري المسافر العائد هدايا لكل من يعرف, إذا لم يجد عبئا كبيرا في المبلغ الذي سيدفعه ثمنا للهدايا , سيجد ذلك العبىء ماثلا في إختيار الهدايا و خاصة إذا كانت معارف ذلك المسافر العائد كثيرة و متنوعه , هدية السيدة تختلف عن هدية الرجل و هدية الطفل ليست كهدية البالغ ,سيفكر مليا في الأمر و سيحاول أن تكون هداياه ذات "مغزى" و ذات "قيمة" بنفس الوقت , و لأن الإنسان كائن نفسي فنحاول أن نضع "معنى" لكل هدية , و إذا هرب المعنى منه , فإن متلقي الهدية سيجد ألف معنى , من قبيل لماذا هدية فلان أغلى من هديتي و لماذا هدية فلانه "بزمه" على الخصر و هديتي بورده على الصدر .في غالب الأحيان سيصاب متلقي الهدية بخيبة أمل و حامل الهدية سيتلقى لوما مبطنا من الجميع.
أكثر من يضع "معاني" للهدايا المحبين,و هؤلاء بالذات يحاولون أن يجعلوا هداياهم رخيصة الثمن و بشكل مقصود ,لأنهم يعتقدون أن الهدية الرخيصة ذات قدرة تعبيرية اكبر , الهدية التقليدية و التي لا تريد أن تكون كذلك هي الوردة , و أقصد الوردة الواحدة المنفردة و غالبا الوردة ذات اللون الأحمر , يعتقد العاشقون أن الوردة ليست مجرد نبات فقد حياته بعد أن أصبح هدية,و لعل كل عاشق يتوقع أن يتلقى وردة كهدية كل لحظة ,لم اسمع عن عاشق أهدى حبيبته "كيلوت داخلي" أو علبة "محارم نسائية" رغم أن هذه الأشياء قد تحمل مضامين هامة,و لم اسمع عن عاشقة اهدت حبيبها عيدان قطنية لتجفيف الأذنين بعد الحمام,ينفر العشاق كثيرا من الهدايا الحسية كثيرا رغم أنهم يستهلون لقاءاتهم بقبلات لزجة تتداخل فيها الألسنة بطريقة حسية للغاية.
أظن أن الهدية تعبر عن الشخص الذي يهدي , و هناك من يحرص اشد الحرص على أن تكون هديته "غالية الثمن" و أحيانا لا يهمه موضوع الهدية بقدر ثمنها,و البعض الآخر يحرص على أن تكون هديته رخيصة اشد الرخص و لكن لها شكل و هيئة توحي بسعر مرتفع ,الكثير من الناس يحاولون أن يقدموا هدية موازية بالقيمة لما تلقوه من هدايا,و أعرف شخص لا يستطيع أن ينام قرير العين قبل أن يعرف ثمن كل هدية تلقاها ,بصراحة لم اقابل حتى الآن شخصا خلاقا ذو خيال إبداعي استطاع أن يكسر جمود تقاليد "زجاجات العطر البلهاء أو اقلا الحبر الجاف "و مثيلاتها من الهدايا".
أمس سألت صديقا ماذا ستهديني أذا أحببت أن تهديني , أجاب بدون تردد "أغنية",هل يمكن أن نعتبر الأغنية هدية و هي شيء غير مادي لا يمكن "الإنتفاع" به,طيب هل من الضروري أن أنتفع بالهدية؟؟!!هذا السؤال يستدعي سؤالا آخر, لماذا نهدي ؟؟!!
يعني ليش "تطويل السيره",غاده أهدتني وردة بمناسبة مرور ثلاثة ايام على عيد الحب , امسكت الوردة الذابله و نظرت أليها بخيبة أمل ,استطاعت تلك "الهيفاء" أن تلتقط خيبة أملي , اخذت الوردة من يدي ووضعتها في شعرها ثم أخرجت من حقيبتها أحمر الشفاه , التقطت يدي و كتبت على راحتي كلمة,الآن و بعد مرور ثلاثة أشهر على عيد الحب ألم يأن الآوان لكي أغسل يدي؟؟!!
|