حوار مع المحامي اليهودي ستانلي كوهين
حوار أجرته جريدة الأهرام المصرية مع ستانلي كوهين:
جرت أخيرا في القاهرة محاكمة هي فريدة من نوعها, غريبة أطرافها, وجديدة في تركيبة هيئتها.. فرئيس المحكمة هو الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق, ومستشاروه أشخاص من وزن رئيس وزراء مالطة السابق وعضو البرلمان البريطاني جورج جالاوي. أما المتهمون فهم أرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل طريح الفراش, والرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير..
المفاجأة الأخري تمثلت في ممثل الاتهام وهو المحامي الدولي يهودي الديانة, أمريكي الجنسية ستانلي كوهين, في حين كلف رئيس المحكمة المحامي العربي المصري البارز عبدالعظيم المغربي بالقيام بدور الدفاع عن المتهمين, فما كان منه سوي المثول لإرادة رئيس المحكمة.
الأهرام كان له مع كوهين ممثل الاتهام الذي قام بمهمته في إدانة شارون عن اقتناع وبناء علي مواقف مبدئية تبناها طوال حياته المهنية كمحام دولي لأكثر من ربع قرن.. وإليكم التفاصيل:
* ما هي النتائج المترتبة على المحاكمة لكل من جورج بوش وتوني بلير وأرييل شارون؟
ــ كوهين: لقد عملت بالمحاماة داخل الولايات المتحدة وفي العالم بأسره ما يزيد علي الربع قرن.. وقد كانت أهم القضايا تلك التي فزت بها في محاكم الرأي العام, والتي تتعلق بانتهاك القانون الدولي, وارتكاب جرائم حرب, وجرائم ضد الإنسانية, وجرائم إبادة جنس. وبالنسبة لكل من بوش وشارون وبلير, فإن إدانتهم جاءت بسبب تلك الجرائم.
ومن ناحية أخري, فإنها تبعث برسائل للمستضعفين في الأرض, بأنهم ليسوا بمفردهم في مواجهة مستضعفيهم من مجرمي الحرب.. ومن هذا المنطلق, فإن المحاكمة التي جرت في القاهرة أخيرا تعتبر ناجحة بكل المقاييس. ويكفي تلك المفارقة في أن يكون محامي الدفاع عن المتهمين الثلاثة وعلي رأسهم شارون المحامي العربي المصري الشهير الأستاذ عبدالعظيم المغربي, بتكليف من رئيس المحكمة الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق, في حين كنت أنا الأمريكي اليهودي ممثل الاتهام. ودعني أصارحك بأن المحامي المصري كان اداؤه رفيعا في اختيار استراتيجية الدفاع وتكتيكاته, حتي إنني قلت له إذا حدث وقبض علي في أي وقت, فإنني أرغب في أن تقوم بالدفاع عني.. إلا أنني عدت فقلت له إنه من الصعب أن تدافع عن الشيطان, فإذا كان عليك أن تدافع عنه, فلنذهب جميعا للجحيم لنقوم بهذه المهمة.
* كيف يمكن أن تتجاوز المحاكمة حدود النتائج المعنوية؟
ــ كوهين: أنا أؤمن بقوة الشعوب في أن تلتقي علي الحق, وأن تغير مسار التاريخ بما يقهر القهر في النهاية.
* اثنان من المتهمين في المحاكمة مرتبطيان بك, فبوش رئيس بلادك, وشارون يهودي الديانة مثلك, ما هي الرسالة التي قصدت أن تبعث بها للعالم؟
ــ كوهين: الرسالة هي أننا كآدميين, يجب علينا أن نحطم الأغلال التي تربطنا بمصالحنا الذاتية الأنانية المباشرة, فنحن جميعا مواطنون في مجتمع عالمي واحد, فإما نعيش معا بكرامة أو نموت جميعا بكرامة.. الرسالة هي أن غالبية القضايا في دنيانا خلافية, فيما عدا قضايا محدودة مثل الجرائم البشعة ضد الإنسانية التي كانت محور محاكمة القاهرة.. إن الرسالة التي تبعث بها علاقتي بالمتهمين ـ وقد كنت ممثل الاتهام ضدهم ـ هي أنه لا يهم من أنت سواء كان اسمك محمدا, أو كوهين, أو جورج, فإن الحق أحق أن يتبع.
* باعتبارك يهودي الديانة, غربي الثقافة, أمريكي الهوية.. كيف تري نشر رسوم مسيئة للرسول محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ في الصحف الأوروبية وهل تستشعر محرضين وراء هذه الحملة؟
ــ كوهين: طبقا لما أتصوره لشخصية الرسول الكريم ـ صلي الله عليه وسلم. ـ وقد رددها كوهين بنفسه), فإنه لو كان يعيش بيننا الآن لكان قد استخدم مثل هذه الرسوم المسيئة والمرفوضة في مزيد من نشر دعوته, وتأكيد حضور رسالته السماوية العظيمة.. إلا أن ما يحزن, هو أن النشر لم يحدث مصادفة, وإنما مقصود به الاستفزاز ويدعو إلي التحريض ضد المسلمين. أيضا, دعني أصارحك بأن ما يحدث الآن لا يمكن التعامل معه بمعزل عن منع الحجاب في فرنسا منذ عامين. إن ما يحدث هو خليط من الجهل الذي لا يفرق بين الحجاب كفرض ديني, وبين مجرد الرمز الديني من ناحية وتعمد الاستفزاز من ناحية أخري, وتلك هي إحدي كبري المعضلات بين الشرق والغرب حاليا. ففي الغرب كثيرا ما تبدأ القضية بكثير من الجهل من جانب الرأي العام, وذلك قبل أن يمتطي هذا الجهل أناس ليسوا بجهلة, وإنما يمتطوه لتنفيذ أجندات خاصة بهم.
* كثير من المثقفين يسخرون من نظرية المؤامرة التي تلمح لها في حديثك!
ــ كوهين: أنا لا أؤمن بوجود مؤامرة من جانب نخبة, ببساطة لأنه لا توجد مثل هذه النخبة الذكية حتي في داخل الولايات المتحدة التي يمكنها أن تدير العالم لمصلحتها. إلا أنني أؤمن بأن العالم شديد التبسيط بشكل مخل للرئيس بوش وإدارته التي تبنت قضية إيجاد شماعة( عدو) تمثلت في العالم الإسلامي لتحميله خطايا أحداث11 سبتمبر, منح فرصة للبعض للإمعان في الإساءة للمسلمين وقهرهم. وللأسف, فإن الإعلام بعد دوره السلبي المحرض علي غزو العراق, مرة أخري يلعب دورا سلبيا في الإساءة والتحريض ضد المسلمين بنشره رسوما مسيئة لرسولهم.
* ألا تري تناقضا بين موقف أوروبا الإيجابي الرافض انتهاك آدمية شعب العراق بغزوه موقف العديد من دولها المهين لرموز الإسلام من ناحية, وإصرار الولايات المتحدة علي غزو العراق وإدانتها إهانة رموز الإسلام من ناحية أخري؟
ــ كوهين: هذا ما اسميه النفاق بعينه. ففي الوقت الذي تدين فيه الولايات المتحدة الرسوم المسيئة, ترتكب جرائم إبادة للجنس. فأولي بواشنطن الامتناع عن إراقة الدم.
* ولكن لم النفاق؟
ــ كوهين: لمجرد أن تتشدق الولايات المتحدة بأنها تحترم الإسلام, وذلك في الوقت الذي تقتل فيه عن عمد, وتلاحق, وتضطهد, وتعتقل, وتعذب, وتطرد أناسا لمجرد أنهم مسلمون. وصدقني أن غالبية ما يحدث في هذا الشأن يتم بسبب كونهم مسلمين سواء كان ذلك داخل الولايات المتحدة أو خارجها. وحتي نكون منصفين, فإن اضطهاد المسلمين داخل الولايات المتحدة بدأ قبل حلول بوش رئيسا للبيت الأبيض بعشر سنوات علي الأقل. انه النفاق نفسه الذي يدفع الولايات المتحدة لدعم العديد من الطغاة ماداموا يخدمون مصالحهم أمثال صدام حسين في فترة سابقة.
* تتحدث وكأن أمثال صدام وأسامة بن لادن يخدمون كعملاء( دون أن يعلموا أنهم عملاء) لأمريكا!
ــ كوهين: أنا لا أعلم حقيقة أسامة بن لادن, إلا أن ما أعلمه هو أنه إذا لم يوجد بن لادن, لكانت الولايات المتحدة قد أوجدته, أو أوجدت بديلا له, ومرة أخري أعود للحديث عن النفاق, فما أعلمه باليقين هو أن اليمين المتطرف المسيحي في الولايات المتحدة قام ـ ويقوم ـ بأعمال إرهابية عنصرية ضد السود والأقليات أخطر بكثير في نتائجها من أحداث11 سبتمبر! بالأمس فقط أحرقت ست كنائس للأمريكيين من أصل إفريقي في ولايات جنوبية, ومع ذلك لم أجد بوش يصم اليمين المسيحي المتطرف الأبيض بالإرهاب, بالرغم من كونه إرهابيا. وأقول لك صدقا, فإنني كيهودي أمريكي أتجول في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي وأنا آمن, في حين أنني بنفس هاتين الصفتين, لا آمن علي نفسي في كثير من أنحاء أمريكا!
* كمحام أمريكي, كيف تري مستقبل الوجود الأمريكي في العراق؟
ــ كوهين: تقصد الاحتلال الأمريكي للعراق. لقد أبدعنا في نسج أسوأ كابوس لنا منذ فيتنام. إن أحدث استطلاع للرأي يقول إن70% من الشعب العراقي بمختلف أطيافه يطالبنا بالرحيل, إلا أنني مقتنع بأننا لن نرحل من العراق قبل10 سنوات. وهذا لا يعني أنه لن تحدث انسحابات جزئية للقوات, ولكن الوجود سيبقي بشكل أو بآخر. المشكلة تتمثل في تلك الفرية التي يضحكون بها علي البسطاء ممن فقدوا أحباءهم في العراق, والتي تتمثل في: إذا انسحبنا, فإن أبناءكم الذين ماتوا في العراق سيكونون قد ماتوا بدون ثمن.... وهكذا يتم التعامل بخفة مع البسطاء من الأمريكيين ممن يلوحون بالأعلام بدون وعي محدثين تلك الدائرة الشريرة وهي البقاء لسقوط مزيد من القتلي. إنه( اللا منطق, لمنطقة) جريمة الاحتلال.
* كقانوني ضليع, هل هناك قضية ضد صدام يمكن أن تقف علي قدمين في المحكمة أيا كانت؟
ــ كوهين: بالطبع لا, فهي محاكمة تقوم بها وعليها قوة احتلال.
* بنفس القياس, هل كانت محاكمات نورمبرج ضد مسئولي النازية كانت غير قانونية؟!
ــ كوهين: هذا أمر مختلف كلية, حيث إن محاكمات نورمبرج جاءت بناء علي ما نسميه في القانون( حرب بالضرورة) بناء علي غزو ألمانيا للعالم. أما في حالة العراق, فإنها كانت( حربا عدوانية اختيارية).
* كقانوني دولي, هل تري حقا لإيران في امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية؟ وكيف تري التهديدات لإيران؟
ــ كوهين: بداية دعني أحيي الموقف المصري المصر علي المطالبة بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل, وهو ما ينسحب على إسرائيل. وبالطبع, فأنا أؤيد حق إيران في تطوير تكنولوجيا نووية سلمية. إن الهجمة علي إيران منشأها الخوف من سعيها تحقيق قدرة اقتصادية مدعومة باستقلالية سياسية. إنه الخوف من سعيها أن تأخذ بأسباب تقدم الغرب من ديمقراطية وقوة اقتصادية مع حفاظها علي هويتها الإسلامية. وما أخشاه أن دوائر صنع القرار في إسرائيل قبل مثيلتها في الولايات المتحدة بدأت بالفعل في تداول فكرة ضربة إجهاضية.
* ما هي رسالتكم للعالم العربي والإسلامي؟
ــ كوهين: توحدوا علي قضيتكم المركزية فلسطين, وأستحلفكم بالله ألا تتركوا الغرب المتشدق بالحديث عن الديمقراطية يعاقب الشعب الفلسطيني علي خياره الديمقراطي بانتخابه حماس بأغلبية كبيرة, وأن تنهض بدعم السلطة الفلسطينية ممثلة في حماس. وأتمني أن يكون شارون في غيبوبته قد وصله خبر فوز حماس, وهو عقاب إلهي! نحن نتحدث عن مذبحة لشعب مستمرة منذ60 عاما, وهي مذبحة تفوق الهولوكوست الذي تعرض له شعبي اليهودي. فالمسألة تتعلق بالمفهوم وليس بعدد الضحايا.
* ورسالتكم لإسرائيل؟
ــ كوهين: أقول لإخواني الإسرائيليين إنه يمكنكم أن تحترموا ذكرى ضحايا الهولوكوست الملايين الستة, من خلال عدم تكرار السيناريو نفسه الرهيب مع الفلسطينيين. إنها خطيئة كبري أن يستبعد أحفاد ضحايا الهولوكوست إخوانهم من الساميين العرب الذين وفروا لهم الحماية خلال اضطهاد النازية لهم ومن قبل خلال اضطهادهم في الأندلس. إنها فضيحة أخلاقية وجنون مطبقة...
|