إلى فيديل

فيديل؛
في هذه الساعة أذكر أموراً كثيرة، عندما عرفتك في منزل ماريا أنتونيا، و عندما اقترحت عليي أن أجيء، و توافر الاستعداد كله..
جاؤوني يوماً، ليقولوا لي من تريد أن تخبر في حالة موتك، و قد أثرت فينا جميعاً الإمكانية الواقعة لحدوث مثل هذا الأمر. ثم علمنا أنه كان أمراً حقيقياً، و أننا في الثورة (إذا كانت حقيقة)، إما أن ننتصر أو نموت، و قد سقط الكثيرون على طريق النصر.
و اليوم يصطبغ كل شيء بصبغة أقل مأساوية لأننا أنضج؛ بيد أن الواقعة تتكرر. و أشعر أني قمت بجزء من الواجب الذي كان يربطني بالثورة الكوبية على أرضها، و أستأذن منك، و من الرفاق، و من شعبك الذي صار منذ الآن شعبي.
إني أعدل عدولاً عن إعبائي في قيادة الحزب، و من منصبي في الوزارة، و من رتبتي كمقدم، و من شرطي ككوبي. و لم يعد يربطني أي شيء قانوني بكوبا سوى روابط من طبيعة أخرى لا يمكن أن تبلى كما تبلى الأوراق الرسمية.
و إذا قمت بجرد حصيلة حياتي، أعتقد أني عملت بما يكفي من الشرف و التفاني لتدعيم انتصار الثورة. و خطيئتي الوحيدة التي تتصف ببعض الخطورة هي أني لم أثق بك ثقة أكبر منذ اللحظات الأولى في السييرا مايسترا و لم أفهم بسرعة كافية صفاتك كقائد ثوري.
لقد عشت أياماً رائعة و شعرت بقربك بكبرياء الانتماء لشعبنا في الأيام النيرة و الحزينة من أزمة الكاريبي.
و يندر أن يعرف رجل دولة كيف يلمع عالياً كما لمعت في تلك الأيام، و إني فخوراً أيضاً باتباعك، دون تردد، مكيفاً نفسي وفق طريقة تفكيرك، و رؤية الأخطار و المبادئ و تنميتها.
إن سييرات أخرى من العالم تتطلب مساهمة جهودي المتواضعة. و أني قادر على أن أفعل ما لا تسمح لك به مسؤولياتك على رأس كوبا، لقد أزفت ساعة الفراق.
يجب أن تعلم أني أفعل ذلك بمزيج من الفرح و الألم: فهنا، أترك الشطر الأنقى، من آمالي كبناء و ما هو أعز لدي بين الكائنات التي أحب و أترك شعباً تقبلني كولده؛ فسيظل جزءً من روحي. سأحمل إلى ساحات الوغى الجديدة الإيمان الذي لقنتني، و الروح الثورية لشعبنا، و الشعور بالقيام بأقدس الواجبات: الكفاح ضد الإمبريالية حيثما وجدت.. فهذا يعزيني و يلطف مائة مرة كل أسى.
أكرر أني أبرئ كوبا من كل مسؤولية باستثناء تلك التي تصدر عن مثالها؛ و أنه إذا ما حانت بالنسبة لي الساعة الحاسمة تحت سماوات أخر، فسينصرف فكري الأخير إلى هذا الشعب و إليك بصورة خاصة؛ و إني مدين لك بتعاليمك و مثالك، و سأسعى لأن أكون أميناً لها حتى في النتائج الأخيرة لأفعالي، و إني تقيدت دوماً بالسياسة الخارجية لثورتنا و سأستمر في ذلك، و سأشعر في كل مكان أوجد فيه بمسؤولية كوني ثائراً كوبياً و سأتصرف بهذه الصفة؛ و أني لا أترك أي مال مادي لأطفالي و لزوجتي و لست آسفاً عليه: بل يسرني أن يكون الأمر كذلك، و إني لا أطلب شيئاً لهم لأن الدولة ستقدم لهم ما يكفي ليعيشوا و يتربوا.
قد تكون لدي أموراً كثيرة يجب أن أقولها لك و لشعبنا، إلا أني أشعر أن الكلمات ليست ضرورية، و أنها لا يمكن أن تعبر عما أريد و لا فائدة من تسويد المزيد من الورق.
فحتى النصر؛ دوماً الوطن أو الموت.
أعانقك بكل اندفاعي الثوري.

تشي
1965

charles de gaulle 78 · 12-18-2008, 06:23 PM

رفيقتي،
لا أعرف تماماً من أي منطقة في إسبانيا جاءت عائلتي، و بطبيعة الحال، خرج أجدادي منها منذ زمن طويل، يد إلى وراء و يد إلى قدّام؛ و إذا كنت لا أحتفظ بها هكذا فلآن ذلك وضع غير ملائم.
لا أظن أننا أهل قريبون جداً، فإذا كنت قادرة على الرجفة على الغضب كلما ارتكبت مظلمة في العالم، نكون إذاً رفيقين، و هذا هو الأهم.
الوطن أو الموت. و سننتصر
تقبلي تحية ثورية من

المقدم أرنستو تشي جيفارا
لاهافانا، 20 شباط 1964

[line][ne]
أرسلت إلى السيدة ماريا روزاريو جيفارا، على العنوان 26، شارع أنام، (ماعاريف) الدار البيضاء، مراكش.

charles de gaulle 78 · 12-27-2008, 03:11 PM

إلى ابنته هيلدا: (1)
أكتب لك اليوم، و لو أن الرسالة ستصلك متأخرة بما فيه الكفاية؛ و أود أن تعلمي أني أفكر بك و آمل أن تمضي عيداً سنوياً سعيداً. لقد كدت تصيرين امرأة، و لم أقد أن أكتب لك كما يكتبون للأطفال إذ يسردون لهم حماقات و قصص.
يجب أن تعلمي أني بعيد و سأبقى بعيداً عنك زمناً طويلاً، باذلاً كل ما باستطاعتي للكفاح ضد أعدائنا. ليس ذلك أمراً عظيماً، لكني أفعل شيئاً ما، و أظن أنك ستكونين دوماً فخورة بأبيك، كما أني فخور بك.
تذكري أنه ما يزال أمامنا سنوات كثيرة من الكفاح و أن عليك أن تلعبي دورك فيه حتى عندما ستصيرين امرأة. و بانتظار ذلك، يجب أن تعدي نفسك، أن تكوني ثورية جداً، هذا يعني في سنك الإكثار من الدراسة، قدر الإمكان، و الاستعداد دوماً للدفاع عن القضايا العادلة. بالإضافة إلى إطاعتك أمك و ألا تظني نفسك كبيرة قبل أن تكبري فيستحق ذلك.
يجب أن تناضلي لتكوني من خيرة الطالبات في المدرسة ، أن تكوني خيرهن بجميع المعاني، و تعلمين معنى ذلك: دراسة، موقف ثوري، و رفاقية الخ... لم أكن هكذا في سنك و إنما عشت في مجتمع آخر، كان فيه الإنسان عدو الإنسان أما الآن فقد أسعدك الحظ بأن تعيشي في عصر آخر و يجب أن تكوني أهلاً له.
لا تنسي أن تقومي بجولة في المنزل لتفقد بقية الصغار و توصيهم بالعمل الجدي و أن يكونوا عاقلين. و خاصة أليدينا التي تصغي إليك جيداً لأنك أختها الكبرى.
و الآن، يا صغيرتي أتمنى لك مرة أخرى عيداً سعيداً جداً. قبلي أمك و جينا و تقبلي قبلة كبيرة جداً و قوية جداً، تدوم طيلة الوقت الذي لن أراك فيه، من

أبيك

[line][ne]
(1) تشرين الأول 1965.

charles de gaulle 78 · 01-01-2009, 09:59 PM

أبي العزيز
ضفاف النهر مكتظة بالمستوطنات. كي تجد القبائل المتوحشة ينبغي عليك اتباع روافد النهر عميقاً في الداخل، و في هذا الوقت على الأقل، لم ننو القيام بهذه الرحلة، فلقد انتشرت الأمراض المعدية، لكن من باب الاحتياط تطعمنا ضد التوفوئيد و الحمى الصفراء و أخذنا مؤونة جيدة من الإسبرين و الكينين.
يتسبب الاعتلاء الأيضي في العديد من الأمراض: الطعام المتوفر في الأدغال غير ملائم غذائياً، لكنك تصبح مريض بالفعل فقط إذا لم تتناول الفيتامينات لمدة أسبوع، حتى لو سرنا في النهر أطول مدة دون طعام مناسب. ما زلنا غير متأكدين من هذا و نبحث في إمكانية الطيران إلى بوجوتا، أو على الأقل إلى ليجوسامو، حيث تصبح الطرق جيدة.
ليس لأننا نفكر أن السفر في النهر خطر، بل لتوفير بعض المال الذي سيصبح لاحقاً ضرورياً لي.
بعيداً عن المراكز العلمية التي تجازف بأن نصبح مكشوفين فيها، صارت رحلتنا حدثاً للعاملين في مستشفى الجذام الذين أمطرونا باحترام يستحقه باحثون زائرون. أصبحت بالفعل مهتماً بالجذام و إن كنت لا أدري متى سيستمر ذلك. ودعنا مرضى مستشفى ليما بشكل رائع مما بعث فينا الحماسة للاستمرار في الرحلة. قدموا لنا موقد غاز للطبخ و استطاعوا جمع سوليس، التي تعتبر بالنسبة لوضعهم الاقتصادي ثروة، اغرورقت عيون بعضهم بالدموع حين قالوا وداعاً.
نبع تقديرهم من حقيقة أننا لم نرتد قط ثياباً فضفاضة فوق ملابسنا للوقاية و لا قفازات و صافحنا أيديهم كما نصافح أي شخص آخر، لأننا جلسنا معهم و تكلمنا معهم حول كل شيء، لأننا لعبنا كرة القدم معهم. ربما بدا كل شيء كتبجح دون هدف، غير أن الدفعة النفسية النشطة التي قدمتها هذه الأعمال لهؤلاء المساكين – معاملتهم كبشر عاديين لا كحيوانات كما اعتادوا أن يعاملوا- كانت بلا حدود و المخاطرة بالنسبة لنا غير واردة. الوحيدان اللذان أصيبا بالعدوى حتى الآن كانا ممرضاً في الهند الصينية عاش مع مرضاه، و كاهنا مفرط الحماسة لا أحب الاستشهاد به.

4/حزيران/1952

[line][ne]
أرسلت هذه الرسالة من ليما، البيرو، خلال جولته التي قام بها بين دول الأمريكييتين.

charles de gaulle 78 · 01-27-2009, 09:59 PM

رسالة إلى مؤتمر القارات الثلاث

"اخلقوا فيتنامين، ثلاثاً .. عدة فيتنامات، ذلك هو الشعار"

إنها ساعة اللهيب، و يجب ألا نرى سوى النور
جوزي مارتي

واحد و عشرون عاماً مضت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، و نحتفل بالحدث الذي يرمز إلى هزيمة اليابان. منشورات مختلفة، في عدد كبير من اللغات. يخيم جو من التفاؤل الظاهري على قطاعات عديدة من المعسكرات المتباينة التي تقسم العالم.
واحد و عشرون سنة دون حرب عالمية، في أزمنة المواجهات القصوى، و الصدامات العنيفة و التبدلات المفاجئة، تبدو فترة طويلة. لكن، دون أن نحلل النتائج العملية لهذا السلام الذي نحن مستعدون جميعنا أن نناضل من أجله (البؤس، و الانحطاط و الاستثمار المتزايد أكثر فأكثر لقطاعات ضخمة من العالم)، يجدر أن نتساءل إذا ما كان هذا السلام واقعياً.
لا تدعي هذه الملاحظة وضع تاريخ النزاعات المختلفة، ذات الطابع المحلي، التي توالت منذ استسلام اليابان؛ كما أنه ليست مهمتنا وضع جردة بالنتائج الهائلة و المتزايدة للنزاعات الأهلية التي حدثت خلال هذه السنوات من السلام المزعوم. فيكفينا أن نواجه هذا التفاؤل المغالى به بأمثلة حربي كوريا و فيتنام.
ففي فيتنام، و بعد سنوات من القتال الهمجي، تعرض القسم الشمالي من البلاد للتدمير الأكثر همجية في حوليات الغرب الحديثة، مزروعاً بالقنابل، بدون مصانع و بدون مدارس و بدون مستشفيات، و بدون أي ملجأ لعشرة ملايين مواطن.
و في الحرب الكورية، تدخلت، تحت راية الأمم المتحدة غير المشروعة، عشرات من البلدان تحت القيادة العسكرية للولايات المتحدة، و بمشاركة كثيفة من الجنود الأميركيين، مستعملين السكان الكوريين الجنوبيين المتطوعين كطعام للمدفع.
في المعسكر المعادي، كان الجهاز العسكري السوفيتي يزود شعب كوريا و المتطوعين من جمهورية الصين الشعبية بالسلاح و المساعدات. و في الجانب الأميركي، انكبوا على كل أنواع التجارب لأسلحة الدمار. و إذا كانت الأسلحة النووية الحرارية قد استثنيت، فقد تم استعمال الأسلحة الجرثومية، و الكيميائية على مستوى منخفض.
تتابعت في فيتنام، العمليات العسكرية التي تخوضها، بدون انقطاع، تقريباً، القوات الوطنية، ضد ثلاث دول إمبريالية كبرى: اليابان التي انهارت قوتها بشكل عامودي بعد إلقاء القنابل النووية على هيروشيما و ناغازاكي، و فرنسا التي استعادت، في هذا البلد المهزوم، مستعمراتها في الهند الصينية و تجاهلت الوعود المقطوعة أثناء الأوقات الصعبة؛ و الولايات المتحدة الأميركية، في هذه المرحلة الأخيرة من القتال.
جرت مواجهات محدودة في كافة القارات، مع إنها لم تحصل، منذ مدة طويلة، في القارة الأميركية، سوى محاولة حرب تحررية أو انقلابات، حتى اللحظة التي دقت فيها الثورة الكوبية ناقوس الخطر حول أهمية هذه المنطقة، و أثارت غيظ الإمبرياليين، مما اضطرها للدفاع عن شواطئها، في بلاياجيرون في البدء، و من ثم خلال أزمة تشرين الأول.
كان من الممكن أن يؤدي هذا الحادث الأخير إلى حرب ذات أبعاد هائلة، بسبب مواجهة بين الأميركيين و السوفييت بصدد كوبا.
لكن، بالتأكيد، أصبح مركز الاهتمامات، في الوقت الحاضر، في أراضي شبه جزيرة الهند الصينية و في البلدان المجاورة. كاللاوس و فيتنام تهزها حروب أهلية تفقد طبيعتها، كحرب أهلية منذ اللحظة التي تتواجد فيها الإمبريالية الأميركية، مع كل قدراتها، و تصبح بالتالي كل المنطقة صاعقاً خطيراً جاهزاً للانفجار.
في فيتنام، اتخذت المواجهة حدة قصوى. إننا لا ننوي هنا أيضاً، كتابة تاريخ هذه الحرب. و سوف نشير ببساطة إلى بعض نقاط الاستدلال.
في عام 1954، بعد هزيمة ديين بيبن فو جرى التوقيع على اتفاقيات جينيف، التي قسمت البلاد إلى منطقتين و اشترطت إجراء انتخابات خلال ثمانية عشر شهراً لتقرير من سيحكم فيتنام و كيف ستتوحد البلاد. لم يوقع الأميركيون على هذه الوثيقة و باشروا بالمناورة لكي يستبدلوا الإمبراطور باوداي، الدمية الفرنسية، برجل يتجاوب مع مآربهم. اختاروا نفو دينه ديام، الذي يعرف كل العالم مصيره المأساوي- كالبرتقالة المعصورة من الإمبريالية. ساد التفاؤل في معسكر القوى الشعبية خلال الشهور التي تلت التوقيع على اتفاقيات جينيف. تم تدمير الأجهزة الخاصة بالنضال ضد الفرنسيين في جنوب البلاد بانتظار تنفيذ الاتفاق. لكن المواطنين لم يلبثوا أن أدركوا أن الانتخابات لن تحصل، إلا إذا شعر الأميركيون بأنهم سيفرضون مشيئتهم في صناديق الاقتراع، الأمر الذي لا يمكن حصوله، حتى و لو لجأوا إلى جميع أشكال التزوير التي يملكون أسرارها.
استؤنفت المعارك في جنوب البلاد، و ازدادت حدتها أكثر فأكثر، حتى الوقت الحالي حيث بلغ عدد الجيش الأميركي حوالي نصف مليون غازياً، بينما تضاءل عدد قوات "الدمى".
باشرت القوات الأميركية منذ سنتين تقريباً، بقصف منتظم لجمهورية فيتنام الديمقراطية. في محاولة جديدة لكبح المعنويات القتالية لدى الثوار في الجنوب و فرض مؤتمر من موقع قوة عليهم. كان القصف الجوي، في البداية، منعزلاً نوعاً ما، و كان يتذرع بالانتقامات ضد استفزاز مزعوم من الشمال. ازداد القصف الجوي حدة، فيما بعد، و أصبح منهجياً، إلى أن تحول إلى غارات كثيفة شنتها الوحدات الجوية الأميركية، يوماً بعد يوم، بهدف محو كل أثر للحضارة في المنطقة الشمالية في البلاد. إنها إحدى حقبات التصدي السيء الشهرة.
لقد حقق العالم الأميركي، برأي البعض، أهدافه المادية رغم التصدي الحازم لوحدات الدفاع الجوي في فيتنام، و رغم إسقاط 1700 طائرة، و رغم دعم المعسكر الاشتراكي بالعتاد الحربي.
هناك حقيقة مريرة: فيتنام، تلك الأمة التي تجسد تطلعات و آمال، عالم منسي، بأكمله، بالنصر، هي وحدها بشكل مأساوي.
إن تضامن العالم التقدمي مع شعب فيتنام، أشبه ما يكون بالسخرية اللاذعة، التي كان يعبر عنها عامة الشعب في تشجيعهم للمصارعين في المدرّج الروماني. فالأمر لا يقتصر على أن نتمنى النجاح لضحية الاعتداء، و إنما يجب أن نتقاسم مصيرها، نرافقها في الموت و في النصر.
إذا حللنا العزلة الفيتنامية، اعترتنا رعشة قلق من تلك اللحظة غير المنطقية من تاريخ الإنسانية.
إن الإمبريالية الأميركية هي مذنبة بالعدوان، و جرائمها هائلة و تمتد على العالم بأسره. نحن نعرف ذلك أيها السادة! و لكن الذنب يقع، أيضاً، على هؤلاء الذين، عند لحظة القرار، ترددوا بأن يجعلوا من فيتنام جزءً منيعاً من الأرض الاشتراكية، ربما كانوا بذلك، خاطروا باندلاع حرب على مستوى عالمي، لكنهم كانوا أجبروا الإمبرياليين الأميركيين على اتخاذ قرارهم. إنهم مذنبون هؤلاء الذين يواصلون حرب الشتائم و التي بدأها منذ مدة طويلة، ممثلوا أكبر دولتين في العالم الاشتراكي.
لنطرح السؤال من أجل أن نحصل على جواب نزيه: هل فيتنام هو بلد منعزل أم لا، و خاضع لتوازنات خطيرة بين الدولتين الكبيرتين المتخاصمتين؟
كم هو عظيم هذا الشعب! كم هو رابط الجأش و شجاع! و أية عبرة قدم كفاحه للعالم!
سوف لن نعرف قبل وقت طويل، إذا ما كان الرئيس جونسون، يفكر جدياً بالشروع بإجراء بعض الإصلاحات الضرورية لشعب ما، من أجل أن يخفف من حدة تناقضات طبقية تتجلى بقوى متفجرة، و بشكل أكثر فأكثر تكراراً. الأمر المؤكد، هو أن الإصلاحات المعلنة تحت العنوان المضخم: النضال من أجل "المجتمع العظيم" رميت في صنبور فيتنام.
إن أعظم قوة إمبريالية، تعاني من النزف الذي يسببه لها بلد فقير و متخلف، و يتأثر اقتصاده القوي من المجهود الحربي. فلم يعد القتل التجارة الأكثر مردودية بالنسبة لأصحاب الاحتكارات. و كل ما يملكه هؤلاء الجنود البارعون، بالإضافة إلى حب الوطن، و حب مجتمعهم و شجاعة تجاه كل المصاعب، هي أسلحة دفاعية، و بكمية غير كافية. لكن الإمبريالية تورطت في فيتنام، و لم تجد لنفسها مخرجاً و هي تبحث، دون أمل، عن طريقة تمكنها من التخلص بشرف من الخطر الذي تواجهه. لكن "النقاط الأربع" من شمال فيتنام، و "النقاط الخمس" في جنوب فيتنام تؤلمها، و تجعل المجابهة أكثر تصميماً أيضاً.
يبدو أن كل شيء يشير إلى أن السلام، هذا السلام المؤقت الذي يطلق عليه هذا الاسم، لأنه لم يحصل بسببه أي نزاع عالمي، لقد أصبح مجدداً مهدداً بالانهيار نتيجة مبادرة متصلبة و مرفوضة، يتخذها الأميركيون.
إذن، ما هو الدور الذي يمكن أن نلعبه، نحن، المستغلين في العالم؟ إن شعوب القارات الثلاث يراقبون و يتلقون درسهم في فيتنام. و بما أن الإمبرياليين، يمارسون ابتزازهم على البشرية، في ظل التهديد بالحرب، فالجواب الصحيح هو ألا نخاف من الحرب. و يجب أن يكون نهج الشعوب العام الهجوم بقساوة و باستمرار من كل نقطة مواجهة.
لكن ما هي مهمتنا نحن، حيث تعثر السلام البائس الذي نعاني منه؟
علينا أن نتحرر بأي ثمن. إن نظرة شاملة إلى العالم تكشف لنا تعقيداً كبيراً، و مهمة التحرير، تنتظر أيضاً بلداناً من أوروبا القديمة متطورة إلى حد تتأثر معه بالتناقضات الرأسمالية، لكنها ضعيفة لكنها ضعيفة بحيث لا تستطيع أن تسلك طريق الإمبريالية أو أن تلتزم بها. هنا ستبلغ التناقضات، في السنوات القادمة، طابعاً متفجراً، لكن مشاكلها، و بالتالي حلولها تختلف عن مشاكل شعوبنا التابعة و المتخلفة اقتصادياً.
إن المجال الأهم للاستثمارات الإمبريالية يشمل القارات الثلاث المتخلفة: أمريكا و آسيا و إفريقيا، فلكل بلد ميزاته الخاصة، لكن القارات بمجملها تنطوي أيضاً على الميزات ذاتها.
تشكل القارة الأميركية مجموعة متناسقة، بهذا القدر أو ذاك، و تحتفظ الرساميل الاحتكارية الأميركية، بهيمنة مطلقة، على كافة أراضيها تقريباً. فحكومات الدمى، أو، في أحسن الحالات، الضعيفة أو الجبانة، لا تستطيع معارضة أوامر السيد الأمريكي. لقد بلغ الأمريكيون الذروة، تقريباً، في سيطرتهم السياسية و الاقتصادية. و لم يعد باستطاعتهم أن يتقدموا أكثر من ذلك؛ لكن أي تبدل في الوضع يمكن أن يتحول إلى تراجع للهيمنة. إن سياستهم هي في المحافظة على ما كسبوه. و خطة العمل تنحصر حالياً في الاستعمال العنيف للقوة من أجل إخماد الحركات التحررية، مهما كانت.
إن شعارهم "سوف لن نسمح بكوبا ثانية" يخفي إمكانية ارتكاب تعديات بلا عقاب، كتلك التي اقترفوها ضد جمهورية الدومنيكان، أو سابقاً، مجزرة باناما. و التحذير الصريح بأن الجيوش الأمريكية على استعداد للتدخل في أي مكان من القارة الأمريكية، حيث يختل النظام القائم، مهددة، بذلك المصالح الأمريكية. تحظى هذه السياسة بحرية التصرف شبه المطلق، و تشكل منظمة الدول الأمريكية، رغم أنها فقد اعتبارها، قناعاً ملائماًَ؛ و منظمة الأمم المتحدة هي في عدم فعاليتها، تقارب التفاهة و المأساة؛ فجيوش كل الدول الأمريكية متأهبة للتدخل لسحق شعوبها. في الواقع، لقد تشكلت أممية الجريمة و الخيانة. من جهة أخرى، أصبحت البورجوازية الوطنية عاجزة عن التصدي للإمبريالية- إذا كانوا قد تصدوا يوماً- و أصبحت تشكل الآن ساحتها الخلفية. لم يعد هناك تغيرات أخرى، فإما ثورة اشتراكية أو كاريكاتور ثورة.
آسيا هي قارة ذات مميزات مختلفة. الكفاح من أجل التحرير ضد القوى الاستعمارية الأوروبية أدت إلى إقامة حكومات تقدمية، إلى هذا الحد أو ذاك، أدى تطورها اللاحق، في بعض البلدان، إلى تعميق أهداف أساسية للتحرير الوطني، و في بلدان أخرى إلى العودة إلى مواقف مؤيدة للإمبريالية.
و من وجهة نظر اقتصادية، لدى الولايات المتحدة القليل لتخسره و الكثير لتربحه في القارة الآسيوية. التغيرات في مصلحتها، فهي تكافح في سبيل استعباد قوى استعمارية جديدة، و تكتشف دوائر عمل جديدة في الميدان الاقتصادي، أحياناً مباشرة، و أحياناً أخرى بواسطة اليابان.
لكن هنالك ظروف سياسية خاصة، لا سيما في شبه جزيرة الهند الصينية، تعطي للقارة الآسيوية مميزات ذات أهمية نادرة، و تلعب دوراً كبيراً جداً في الاستراتيجية العسكرية الشاملة للإمبريالية. فهذه الأخيرة، تنشر حول الصين حزاماً يشمل على الأقل، كوريا الجنوبية و اليابان و تايوان و جنوب فيتنام، و تايلاند.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني