تتزاوج اناث القردة والقردة العليا وتكون مهيئة للحمل في أوقات معينة من العام شأنها في ذلك شأن باقي الثدييات ذات الفراء . أما أنثى الأورانج أوتان فقد تتزواج في أي وقت وذلك لتوافر الطعام طوال العام مثلها مثل الإنسان في الوقت الحاضر حيث يتم التزواج والولادة في أي وقت من العام ، أما الرئيسيات الأخرى مثل القرد الهندي فيتم تزاوجه عند بدء موسم الجفاف ، وبذا يحل موعد ولادة الأطفال عند بدء الأمطار الموسمية ، وهذا الجدول الزمني للتزاوج والولادة يحدث لمعظم الكائنات الحية بدون إرادة الحيوان نفسه وانما يكون ذلك فطريا أو غريزيا للحفاظ على الذرية بحيث أنه لو تمت الولادة في وقت الجفاف فإن الصغار حتما ستموت .. فلا فائدة إذا من الولادة في هذا الوقت .
وتظهر في اناث أنواع أخرى من القردة الآسيوية والأفريقية انتفاخات ذات ألوان زاهية على أردافها وتكون هذه علامة للذكور على بدء موسم التزاوج ودليل على أن الأنثى جاهزة للتزواج والحمل . فيبدأ الذكر عندها بالتقرب إلى الأنثى الجاهزة للتزواج ويبدأ في مغازلتها ومداعبتها حتى تتصادق الأنثى معه ويبدآن في عملية تفلية وتمشيط وتنظيف فراء الواحد منهما للآخر . وهي بذلك لا تبحث عن البراغيث التي قلما توجد بها بل في الواقع أنها تمارس لذة الحس واللمس أحدهما للآخر ، وتعمل هذه العادة على نشر التآلف وحسن النظام داخل الجماعة . ولا يتم التزواج الفعلي إلا بعد أن تألف الأنثى الذكر وترتاح إليه ، بعد ذلك تأخذ وضعا معينا خلفيا ليتم التزاوج الفعلي . ولم يحدث أن تم تزاوج فعلي بدون رضا الأنثى نفسها حتى لو كان الذكر قويا جدا .

العلاقات الجنسية للبابون : يتألف الجماع الفعلي بين ذكور واناث البابون من سلسلة من الإتصالات الجنسية أو الاعتلاءات الجنسية تتم في فترات منفصلة مدة كل منها ثلاث إلى ثمان دقائق ويحدث القذف بعد عدة اعتلاءات . ويمكن تمييز الجماع الفعلي عن طريق مشاهدة امساك الذكر بأقدامه لكواحل أو رسغ أقدام الأنثى أثناء الإعتلاء ، وهذا يحدث عندما تكون مؤخرة الأنثى منتفخة أي أنها في دورة الشبق السنوية أو الموسمية . عملية الجماع يمكن أن يبدأ بها أي من الشريكين فإذا بدأت الأنثى بالمبادرة فهي تقدم نفسها للذكر وذلك بالاقتراب منه وتقديم خلفيتها له، وعندها إما أن ينظر إليها الذكر ويبدأ في مداعبتها وتفليتها بيده بشكل خفيف أو أنه يمسكها من شعرها لتأخذ وضع الوقوف. وبعد هذه السلوكيات إذا لم تسفر حتى الآن عن اعتلاء ، يدخل الذكر والأنثى في عملية تفلية مكثفة والذكر يقوم بتفلية الأنثى أكثر قبل القذف . والسلوك الجنسي هذا يلاحظ في الصباح والمساء عند موقع النوم وليس هناك جماع أثناء السير اليومي . بعض الأحيان تعتلي أنثى في حالة شبق أنثى أخرى وفي بعض الأحيان تقوم الأنثى التي بحالة شبق بعرض نفسها على الذكر وإذا لم يستجب لها تقوم باعتلائه وهو على قوائمه الأربعة . قائد الوحدة الذكرية يمكن أن يقوم باعتلاء أنثى هي ليست في حالة شبق وفي هذه الحالة تكون أرجل الذكر على الأرض وليست على كاحل الأنثى كما في حالة الجماع الفعلي . هذا الاعتلاء للإناث التي ليست في حالة شبق يمكن أن تحدث أثناء التهديد وأحيانا يحدث أن تعتلي الذكور اليافعة بعضها البعض . وربما كان سلوك الاعتلاء خلال لحظات التوتر سلوك تحريضي للتقارب بين الأفراد . الذكور اليافعة عادة لا تجامع إلا اناث تتبع لوحدتها الذكرية فقط ولا يوجد خروج عن هذه القاعدة حتى أن الذكر في أبعد الحدود عندما تمر بجانبه أنثى من وحدة ذكرية أخرى يمكن أن يتبعها بنظره فقط . وهذا يعني أن الذكر الذي له أنثى واحدة فقط ليست في حالة شبق يمكن أن لا يجامع لمدة عدة شهور نظرا لعدم استعدادها فسيولوجيا للجماع ربما لصغرها في السن . والذكور الذين لا يملكون اناث ربما لا يجامعون لعدة سنوات . ويمكن أن ينسحب الذكر البالغ إذا تقدمت إليه أنثى من خارج وحدته في حالة شبق ، ويبدو أن الذكور تحافظ على عدة إناث في وحدتها ولا تتزاوج من خارج وحدتها . وهذه من فوائد تعدد الاناث للذكر ، فالذكر لا يتعدى على اناث غيره وبالتالي فالذكور الأخرى لا تتعدى على إناثه كما أن التعدد يقلل السلوك العدواني بين الذكور حيث يكتفي أحدهم شر الآخر باكتفائه بإناثه فقط ، كما أن الذكر يضمن أن يكون له ذرية كبيرة من صلبه فبدلا من أن يكون له صغير واحد بزواجه من أنثى واحدة وربما هذا الصغير يموت لأي سبب ، فتعدد الإناث يضمن له انجاب عدد من الصغار يقوم بحمايتهم والدفاع عنهم فالتعدد هنا هو تطور تكيفي حتى أصبح غريزة . في بعض الأحيان تتجامع الاناث مع ذكور تحت بالغة أو يافعة على الرغم من أن هذا لا يحدث بوجود القائد البالغ وفي حالة حدوث هذه الخيانة فلن يحدث حمل لأن الذكر يكون غير بالغ .
الإناث التي في دورة الشبق سواء في الأسر أو في الطبيعة البرية تقوم بتفلية وتقبل التفلية من الغير بصورة أقل مما لو كانت في غير دورة الشبق، ويمكن أن يكون سبب ذلك أن السلوك الجنسي يعوض عن عملية التفلية لتقوية العلاقة بين الذكر والأنثى ، خلال دورة الشبق فإن الإناث الصغيرة الشابة والاناث البالغة تبقى بعيدة عن الجيران ، والميل العادي للبقاء مع العصبة تقل وعلى ذلك فالوحدات التي تحتوي على اناث في دورة شبق تبقى منعزلة نوعا ما عن القطيع . في بعض الحالات الأنثى التي تكون في دورة شبق لا تتبع الذكر التابعة له، وبدلا من ذلك فإن الذكر هو الذي يتبعها ليبقيها قريبة منه ويستعيض عن تهديدها بتفليتها والعناية بها والذكر يتحمل الأنثى كثيرا اذا كانت في دورة شبق بحيث لا يهددها عندما تتوقف أو لا تتحرك معه ، بل يحاول العناية بها وتفليتها عدة مرات حتى تتحرك معه مع القطيع . فالعملية الجنسية لا تتم إذا إذا وافقت الأنثى على ذلك، لذا نجد أن معظم الكائنات الحية الذكور منها تقوم بعملية غزل ومداعبة لجذب الإناث وابعاد الخوف والوحشة منهن ، وفي بعض الأحيان عندما كنا نقوم باصطياد القرود ، فإذا قمنا بإمساك ذكر وكانت اناثه خارج القفص فإن الذكور الأخرى تجري وراء هذه الإناث وتحاول سحبها بالقوة لضمها الى بقية الإناث ، وأحيانا يتقاتل الذكور على هذه الإناث حتى يتم إخضاعها للذكر القوي ، حتى في هذه الحالة نجد أن الذكر الذي استطاع أن يسحب أنثى ويرغمها على البقاء معه، لا يقوم بأي عملية جنسية معها وربما تبقى معه لأكثر من عدة أيام ، حتى تستسلم للأمر الواقع وتعرف أن ذكرها لن يرجع، في هذه الحالة ترضى بأن يتزاوج معها الذكر الجديد وتأخذ هي بنفسها الوضع الصحيح للتزواج وذلك بعرض نفسها على الذكر ، ولا يقوم الذكر بعمل أي شيء في الأيام الأولى حتى تطمئن الأنثى وتوافق على المكوث معه وفي هذه الحالة يتم التزواج الفعلي أي أنه ليس هناك أي اغتصاب جنسي للإناث في عالم القرود أما ما نلاحظه في بعض الأحيان من طلوع الذكر على ذكر آخر فهذا ليس بجماع حقيقي أي أنه لا يحدث ادخال وانما كل المقصود بهذه العملية اخضاع الذكر الآخر لأن حتى عملية الجماع يجب ان يكون قدما الذكر على كاحل الأنثى ولكن في حالة الذكر للذكر تكون أرجل الذكر على الأرض وبذلك ليس هناك جماع حقيقي .
في حياة القطيع ، أهم اتصال بين المجموعات والوحدات يحدث بين القواد ( جمع قائد) التفلية لم تشاهد بين هؤلاء القواد، بينما الذكور الباغلغين الذين ليس لديهم اناث عادة يقومون بتفلية بعضهم البعض . القواد لا يقربون بعضهم ويتركون مسافة 1,5 متر بين بعضهم البعض على الأقل في وقت التفلية وهذه المسافة تحفظ كل وحدة ذكرية منفصلة عن الأخرى ولا يحدث قتال بين القائدين . وعادة المتقاتلين ان حدث قتال يفتحون أفواههم بشدة بدون أن يمسك أحدهم بالآخر وكل واحد منهم يعود برأسه الى الوراء قليلا والعض والصفع يحدث سريعا جدا ولمدة ثوان معدودة ثم يقف كل من المتقاتلين في مواجهة الآخر بصمت، بعد ذلك يستدير أحدهما للهرب بينما يحاول الآخر الامساك به والحاق الضرر به من الخلف، وعادة يجرحه في المنطقة الخلفية . وينتهي القتال إذا استطاع أحدهما الهرب أو إذا جعل أحدهما الآخر يأخذ السيادة فورا . فمثلا إذا أراد أحدهما أن يوقف القتال يظهر رقبته ويكشفها للآخر وبدلا من أن يقوم الآخر بالعض في الرقبة المكشوفة فإنه يتوقف فورا عن القتال . وهذه إحدى علامات الخضوع التي يفهمها السائد أو القوي ويتوقف لأن الآخر لا يريد القتال ، وهذه الطريقة تستخدمها الذئاب و الكلاب بحيث الذئب الخاسر يكشف رقبته للآخر فيتركه الآخر بدون الحاق الضرر به . وعلى الرغم من كشف الرقبة وهي منطقة حساسة بحيث أن العض في هذه المنطقة يؤدي الى الموت أو الجرح العميق إلا أن ذلك لا يحدث . فأكثر الجروح في ذكور واناث القرود هي في اليد أو الكتف .


مقتبس من كتاب : قرود السعدان "البابون" في المملكة العربية السعودية للدكتور خالد بكر كمال .

يتبع .....

موضوع قيّم وكان الافضل ان يكون في ساحة العلوم .

في انتظار البقية ياشهرزاد (f)