الفنان السوري جمال سليمان: العرب لا يدركون أهمية الفن

دينا وادي
لأول مرة يمثل الفنان السوري جمال سليمان في فيلم مصري، وهو يعتبر أن وقوفه امام الفنان احمد زكي يكفي لجعل هذه التجربة تختلف عن الثلاثة افلام في سورية.
ويقول سليمان ان ترشيحه للدور جاء من خلال الاعلامي عماد الدين اديب، الذي تربطني به علاقة مودة قديمة، وقام باستضافتي في برنامجه منذ خمس سنوات تقريبا.
ويضيف سليمان أن «أديب حدثني عن مشروع الفيلم وتم ترشيحي للمخرج شريف عرفة الذي جئت لمقابلته في مصر ونشأ بيني وبينه إعجاب متبادل وراحة نفسية، وهذا مهم لنجاح أي عمل فني». وفي ما يلي نص الحوار:
* ما سر نجاحك في دور «أبو صالح»؟ هل هناك اضافات اضفتها للشخصية غير مكتوبة بالسيناريو؟
ـ ليست مسألة اضافات فالمؤلف له مهمة ابداعية والممثل له مهمة ابداعية مختلفة، الكاتب يكتب شخصية على الورق وهي تعيش وتتفاعل مع واقعها ومع الاحداث لتتأثر وتؤثر بها، لكن هذا على الورق ويأتي بعد ذلك الممثل ليضع روحا للشخصية المكتوبة على الورق، فإذا كانت روح الممثل عميقة فسيشاهد الناس صورة عميقة، ولو كانت روح الممثل ضحلة فستكون النتيجة انعكاسا لذلك، وبالتأكيد أي ممثل مهما كان موهوبا ومثقفا وصاحب تجربة يجب ان ينطلق في الاساس من نص جيد ومن شخصية حقيقية كتبها المؤلف، وبالتالي شخصية «أبو صالح» كان من الممكن ان تكون افضل أو اقل في المستوى أو مختلفة مع ممثل آخر.
والنتيجة التي يشاهدها الناس تكون الشخصية المكتوبة، بالاضافة الى أداء الممثل ولا اتذكر ما هي الاضافات في شخصية أبو صالح مع النص المكتوب، لانها شخصية ثرية ومليئة بالتفاصيل من حروب واحداث وزواج وانجاب وتهجير ولجوء، ولا اتذكر اكثر من أنني امتزجت مع هذه الشخصية الى درجة الذوبان.
* ماذا عن تجربتك مع مسرح الرحبانية؟
ـ بنظري أن المسرح الرحباني هو اعظم مسرح غنائي عربي ما زال حيا، والحمد لله انه ما زال حيا، لان صورة المسرح العربي بصفة عامة محزنة جدا، وهنا وهناك بعض المحاولات المضيئة، ولكنها تضيء في حيز ضيق، والإعلام لا يهتم بها والامكانيات الانتاجية لا تسمح لها بالانتقال من مكان لآخر لتقديم عروضها، هذا باستثناء بعض التجارب النادرة، مثل تجربة الفنان عادل امام، وبالتالي هناك فقر مسرحي وقلة تنوع، ونحن العرب بشكل خاص نفتقد الى شيء اسمه المسرح الغنائي المحترم، والتجربة الرحبانية بالذات في هذا المجال تعد من التجارب الرائدة على مستوى الوطن العربي، وكنت اشاهدها وأتابعها منذ ان كنت طفلا، ولم اكن اتخيل في حياتي انني يوما ما سأكون في كواليس هذا المسرح الكبير أو اقف على خشبته، لكن حدث أن اتصل بي منصور الرحباني وشرفني بأن اكون معه في تجربة المتنبي في دور «سيف الدولة»، وسعدت جدا بهذا الترشيح، لان أي فنان محب للمسرح سيكون من حسن حظه ان يدخل الى المطبخ الرحباني.
* من وجهة نظرك ما الأسباب الرئيسية وراء نجاح الدراما السورية في السنوات الأخيرة؟
ـ اعتقد ان الذي يميز الدراما السورية، خاصة الاعمال التاريخية، وانا اتحدث عن الجيد منها فقط، هو المنهج والطريق اللذان يبدآن من النص، فعلى سبيل المثال مسلسل «التغريبة الفلسطينية» الذي كتبه د. وليد سيف قدم للتلفزيون العربي أهم النصوص التاريخية، لانه كتب هذا النص بلغة ثرية تنتمي مفرداتها الى العصر الذي كتب عنه، بمعنى انه ليست كل الفصحى فصحى، فكثيرا ما نشاهد اعمالا تاريخية تنطق بالفصحى، ولكنها فصحى معاصرة وليست مثل التي كان يتحدث بها الناس في القرن التاسع والعاشر أو السابع مثلا، وبالتالي يوجد فرق في الصياغة وسبك الجمل والتعابير.
كذلك من ضمن اسباب نجاح هذا العمل، ان كاتبه لم ير الاحداث ولا الشخصيات بعين احادية، الشخصيات التي قرأنا عنها في الكتب المدرسية والتي نعظمها، يعود ليقول لنا انها شخصيات عظيمة ولها انجازات عظيمة، لكنها تحمل بداخلها ايضا بعض السلبيات مثل كل البشر.
وللتاريخ اهمية ما حدث فقط هي الاستفادة من الدروس السابقة والتعلم منها كما قال، محمد حسنين هيكل عن التاريخ، لكن يفيدنا في حاضرنا ومستقبلنا.
ونحن، كشعوب عربية، لن نستطيع استيعاب ان القرن السابع والثامن حاضران في حياتنا اليوم، وكأن احداثهما جرت هذا الصباح فعلى سبيل المثال ما يجري في العراق، خاصة الموضوع السني الشيعي ليس وليد البارحة ولا وليد الغزو الاميركي للعراق ولا ايضا وليد نظام صدام حسين السابق، لكن تأتي الاحداث لتوقظ القضية الاساسية وتثبت ان الجروح التي اصابت الامة قبل عشرة قرون واكثر ما زلت حتى الآن جروحا لم تلتئم، فنحن لم نقف ولو لمرة واحدة امام تاريخنا بموضوعية وشجاعة ونصفي العلاقة مع هذا التاريخ ونحوله الى درس نستفيد منه وليس الى عصا نضرب بها، ومن هنا برأيي تنبع اهمية الاعمال الدرامية السورية.
كذلك الاخراج ودوره في خلق اجواء اقرب ما تكون للاجواء التاريخية الاصلية، ولا يوجد في سورية ما يسمى بالاستوديو فالصحراء كما هي والجبل كما هو، فعلى سبيل المثال تم تصوير مسلسل «صقر قريش»، الذي كتبه ايضا وليد سيف في 9 مدن بين سورية والمغرب، وقطعنا آلاف الكيلومترات لكي نصل للاماكن الجيدة لنقوم بتصويرها، والعمل التاريخي السوري لا يعتمد على النجم اكثر من اللازم، بل يعتمد ايضا على ما يحيط بالممثل من ديكور واضاءة وملابس وزوايا الكاميرا وبحاجة الممثل ايضا.
والعمل التاريخي ليس تعريفا بالحدث، انما هو تعريف بالانسان صانع الحدث نفسه والجانب السيكولوجي للشخصية التاريخية، لانه في النهاية الذين صنعوا التاريخ بشر لهم خصائص نفسية.
* برأيك ما هو دور الفنان العربي في برنامج حوار الحضارات أو الحوار مع الآخر؟
ـ اعتقد انه لكي نحاور الاخر يجب ان نعرف من نحن وما هي صورتنا الحقيقية وما الذي نملكه ولا نملكه، ويجب ان نحاور انفسنا اولا ونصفي حساباتنا مع ذاتنا، والمشكلة اننا كعرب لم نصف حساباتنا مع ذاتنا لذلك نجلس الى طاولات الحوار بشكل ضعيف، فكيف نحاور الآخر ونحن لدينا هذه النسبة الهائلة من الامية، وفشلنا في مشاريع التنمية وما زلنا في مرحلة تخبط سياسي هائلة ونتعلق بـ4 أو 5 شعارات ما زلنا نجترها منذ نصف قرن من دون النظر في تحقيق التفاصيل الصغيرة في الحياة. نحن كعرب ليس لدينا مؤسسات ديمقراطية، وبالتالي يسهل كسرنا وهزيمتنا لان اميركا عندما تحاورنا فهي تحاور اشخاصا لا شعوبا وتضع الحكام العرب في شروط صعبة وتريد تحويلهم لرؤساء بلديات وهذا يسهل مع غياب الشعوب عن طاولة الحوار. نحن كعرب ننفق المليارات على الاستهلاك السخيف ولم ننجز حتى الآن فيلما سينمائيا عالميا واحدا.
لن اقول عن الصراع العربي ـ الصهيوني، ولكن عن شاب فلسطيني أو عربي او فتاة فلسطينية أو عربية ذهبا الى اميركا وحققا انجازات مثل التي حققها المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد أو طبيب القلب المصري د. مجدي يعقوب. ونحن كمسلمين عندما يمس احدنا الاسلام ويأتي باجتهاد لا يعجبنا نقيم عليه الحد ونكفره، ولكن هل انجزنا عملا سينمائيا يتحدث عن الشيخ محمد عبده وعن عصر النهضة الذي ينتمي اليه أو عن الشيخ السوري احمد أبو خليل القباني، الذي اسس المسرح والغناء في سورية؟ هل انجزنا فيلما سينمائيا يعرض في الصالات السينمائية العالمية يتحدث عن الرحابة التي تميزت بها دولة الامويين في الاندلس، وكيف عاش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون، وكل منهم محتفظ بحقوقه واحترامه.
هل مثلا تطوعنا كعرب في المجال الادبي بنشر كتابات طه حسين ويوسف ادريس وحنا مينا ونجيب محفوظ في الخارج . اميركا استطاعت هزيمة الاتحاد السوفياتي والشيوعية في العالم، التي كانت تسيطر على نصف الكرة الارضية تقريبا بعد 75 عاما من الصراع، ليس بالسلاح ولكن عن طريق الفن والثقافة والسينما والاغاني وبالاقتصاد ايضا.
اميركا تعرف ان صور فنانيها ونجومها لهم تأثير في العالم اكثر من صواريخها ودباباتها المكروهة، وصدرت للعالم منظومات اخلاقية وسلوكية عن طريق النجوم والافلام والاغاني.
* هل تعتقد ان الحكومات العربية ستنجح لو اهتمت بالفن اكثر مثل اميركا؟
ـ نحن لدينا مبدعون في العالم العربي، وهناك برامج في محطات فضائية اجنبية تعرض سيرة بعض هؤلاء في اميركا وكندا واستراليا واوروبا، وهي صورة مشرفة لما حققه العرب في الخارج للوطن العربي، ويوجد لدينا ايضا المال الذي نحتاج ان نقوم بتوظيفه بشكل جيد، لكن تنقصنا الارادة والوعي لادراك اهمية تأثير الفن والفنانين في تغيير سياسات الشعوب وحياتهم.
وقد قال لي احد الاعلاميين الاميركيين المهمين ولديه شركة انتاج اعلامي ضخمة جدا، انا يهودي ونحن اليهود نعرف انه ليس من حقنا ان نأخذ فلسطين ولا أحد يأخذ ارضا على افتراض ان الرب قد وعده قبل 3 آلاف عام بهذه الارض فهذا غير منطقي، لكن انا أريد ان اسألك كعربي مسلم: اليهود فعلوا كذا وكذا وكذا لكن انتم العرب ماذا فعلتم؟ وعنده الحق فهم عملوا وساهموا في انشاء المحطات التلفزيونية ودائما اقول (إننا محامون فاشلون لقضية عادلة وهم محامون ناجحون لقضية غير عادلة).
ولا بد للادارة السياسية ان تدرك ان الفن السينمائي على وجه الخصوص مسألة خطيرة ومهمة في بناء المجتمع المتمدن والمتحضر، فإذا نظرنا الى التاريخ سنجد اننا العرب كنا اسياد العالم عندما قدمنا منظومة ثقافية واخلاقية متطورة وهذه المنظومة موجودة الان في اميركا التي تحترم السياسي وتحترم الفنان وتحترم المثقف والاقتصادي والعالم فلا يمكن ان يكون هناك نـهوض سياسي من دون نهوض علمــي أو فنــي.
* علمت انه عرض عليك العمل في فيلم سينمائي عالمي هل هذا صحيح؟
ـ نعم احيانا تعرض علينا كفنانين فرص كهذه لكنني رفضتها بسبب الدور المعروض، وهو شخصية مسلم سيئ اعتذرت عن اداء الدور، لكن المخرج قال لي مع ابتسامة، هل هذا يعني انه ليس هناك مسلمون سيئون؟ فقلت له بالتأكيد هم كثر وليس لدي مانع ان امثلهم طوال حياتي لكن في اعمال عربية وليس في فيلم في هوليوود، لانه سيتم فهمي خطأ وسأصبح جزءا من الحملة على الاسلام والمسلمين، لكن عندما اكون في بلدي وانتقد المسلم العربي السيئ فهذا وقتها سيكون من حقي، وبرأيي ان مثل هذه التجارب مفيدة عندما تكون ايجابية، مثل تجربة الفنان العربي العالمي عمر الشريف الذي كان العالم يشاهده ي فيلم «لورانس العرب» و«الدكتور زيفاجو»، فعندما كنت ادرس في بريطانيا كانوا دائما يسألونني هل مسموح للمرأة في سورية ان تمثل، هذه هي فكرتهم وبالتالي يجب ان تنشط المرأة العربية، خاصة بالخارج حتى يعرفوا اننا نسمح لنسائنا بمشاركتهن في شتى المجالات، وهناك مثال قوي، النساء في السينما الايرانية واللاتي خلقن حالة من الاحراج الثقافي للغرب، نظرا لتقدمهن ولمستواهن الفني واذا نظرنا لعدد المخرجات الايرانيات سنجدهن اكثر من عدد المخرجات الفرنسيات أو الاميركيات.
ملحوظة: مرفق صور للفنان جمال سليمان Essam