[CENTER]
وسائل الاعلام وحال التأزم[/CENTER]
*إنياسيو رامونه
Ignacio RAMONET
ما من تعبير أفضل لحال البلبلة التي تشهدها مؤسسات الصحافة في فرنسا، في مواجهتها تراجع انتشارها بشكل مخيف، مثل الاجراء الأخير الذي اتخذته صحيفة "ليبيراسيون"، الماوية سابقاً، بتفضيلها منح إدارة رأسمالها الى المصرفي إدوارد دي روتشيلد... ومنذ فترة وجيزة آلت بدورها مجموعة "سوكبرس" التي تصدر حوالى سبعين منشوراً منها "لو فيغارو" و"الاكسبرس" و"الاكسبانسيون" وعشرات الصحف المحلية الى أحد أصحاب صناعات الأسلحة، السيد سيرج داسو. ومن المعلوم أن شخصاً آخر من مصنعي الأسلحة، السيد أرنو لاغاردير، بات يملك أساساً مجموعة "هاشيت" [1] التي تملك حوالى 47 مجلة (منها "آل" و"باران" و"بروميار" Elle, Parents, Premi貥) وصحفاً يومية مثل "لا بروفانس" ونيس- ماتان" أو "كورس برس" ( La Provence, Nice-Matin ou Corse-Presse). وإذا ما استمر تقهقر عمليات النشر فان الصحافة المكتوبة المستقلة [2] قد تقع شيئاً فشيئاً تحت سيطرة عدد قليل من الصناعيين مثل بويغ وداسو ولاغاردير وبينو وأرنو وبولوري وبرتلسمان... الذين يقيمون في ما بينهم مختلف أشكال التحالفات بما يشكل خطراً على التعددية [3].
وقد بات هذا التراجع يطاول الصحافة المرجعية. فهو وللمرة الأولى منذ ما يزيد على خمسة عشر عاماً لم يوفر "لوموند ديبلوماتيك". فصحيفتنا التي لمست ومنذ العام 1990 تزايداً منتظماً في انتشارها والتي حققت حتى، ما بين العامين 2001 و2003، ارتفاعاً قياسياً في مبيعاتها فاق في مجموعه الـ"25 في المئة!" [4] بدأت تتبين تراجعاً على الأرجح في انتشارها في العام 2004 بنسبة 12 في المئة تقريباً [5] (لم تصدر النتائج النهائية بعد). كما أن معظم كبريات الصحف اليومية في الصحافة المحلية سوف تشهد تراجعاً ملموساً يضاف غالباً الى ما طرأ من تراجع في العام 2003 ومنها صحف "لو فيغارو" -4.4 في المئة و"ليبيراسيون" -6.2 في المئة و "لي زيكو" -6.4 في المئة و"لوموند" -7.5 في المئة و"لا تريبون" -12.3 في المئة.
ويبدو أن الظاهرة ليست محصورة بفرنسا، فمثلاً صحيفة "انترناشيونال هيرالد تريبون" اليومية الأميركية قد واجهت انخفاضاً في مبيعاتها في العام 2003 بنسبة 4.16 في المئة. وفي بريطانيا تراجعت مبيعات "ذي فايننشل تايمس" بنسبة 6.6 في المئة، وفي ألمانيا تراجع النشر خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 7.7 في المئة، وفي الدانمارك بنسبة 9.5 في المئة وفي النمسا بنسبة 9.9 وفي بلجيكا 6.9 في المئة وحتى في اليابان حيث السكان هم من اكثر الناس شراء للصحف، جاء التراجع بنسبة 2.2 في المئة. وفي الاتحاد الأوروبي انخفض خلال السنوات الأخيرة عدد الصحف اليومية المبيعة بمعدل مليون نسخة يومياً...
وعلى المستوى العالمي يتراجع انتشار الصحف المدفوعة بمعدل وسطي يبلغ 2 في المئة سنوياً. حتى بات البعض يتساءل إن لم تكن الصحافة المكتوبة باتت شيئاً من الماضي، ووسيلة إعلام من العصر الصناعي الآفل.
ففي كل مكان هنا وهناك تختفي بعض الأسماء. ففي المجر وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 ألقت سلاحها الصحيفة اليومية "ماغيار هيرلاب" (وهي ملك المجموعة السويسرية رينجييه). وعشية هذا التاريخ، أي في 4 تشرين الثاني/نوفمبر وفي هونغ كونغ توقفت عن الصدور المرجعية في المسائل الآسيوية "فار إيسترن إيكونوميك ريفيو" (ملك المجموعة الأميركية داون جونز). وفي فرنسا، في 7 كانون الأول/ديسمبر 2004 أوقفت المجلة الشهرية "نوفا ماغازين" أعمالها أيضاً. كما ان الأزمة قد طاولت أيضاً وكالات الصحافة التي تمد الصحف بالمعلومات. والأهم بينها، وكالة رويتر، أعلنت مؤخراً خفض عدد العاملين فيها متخلية عن 4500 موظف.
اما الأسباب الخارجية لهذه الأزمة فهي معروفة. فمن جهة هناك الهجمة المدمرة للصحف المجانية. ففي فرنسا باتت مجلة "فان مينوت" تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد القراء لتصل الى ما يزيد معدله على مليوني قارئ يومياً متقدمة بكثير على صحيفة "لو باريزيان" (1.7 مليون قارئ) وعلى صحيفة أخرى مجانية هي "مترو" التي يقرأها يومياً 1.6 مليون شخص. وهذه الصحف تجتذب دفقاً كبيراً من الاعلانات حيث ان المعلنين لا يميزون القارئ الذي يشتري الصحيفة عن ذاك الذي لا يدفع ثمنها. ومن أجل مقاومة أشكال المنافسة هذه التي قد تكون قاتلة، والتي باتت تهدد المجلات الأسبوعية، عمدت بعض الصحف الكبرى، وخصوصاً في إيطاليا واسبانيا، الى إرفاق طبعتها بهدية قيمة يومياً مثل الأقراص المدمجة "دي.في.دي" أو "سي.دي" أو كتاب أو موسوعة الخ. وهي بذلك تضرب هويتها اكثر فأكثر وتفقد اسمها قيمته وتدخل في دوامة معركة شيطانية نهايتها مجهولة المعالم.
والسبب الخارجي الآخر هو بالتأكيد الانترنت التي تستمر في توسعها الهائل. فخلال الفصل الأول من العام 2004 فقط افتتح ما يزيد على 4.7 مليون موقع "ويب" جديد. وقد بلغ عدد هذه المواقع حالياً 70 مليونا في العالم كما ان هناك ما يزيد على 700 مليون شخص يستخدمها. وفي الدول المتطورة تخلى الكثيرون عن قراءة الصحف، وحتى عن شاشة التلفزيون لصالح شاشة الكومبيوتر. وإن خط ADSL (Asymetric Digital Subscriber Line) بنوع خاص قد غيّر المعطيات. فمقابل سعر يراوح بين 10 و30 يورو بات بالامكان الاشتراك في الانترنت السريعة. وبات هناك في فرنسا ما يزيد على 5.5 مليون منزل مشترك مع إمكان الحصول بمعدلات كبيرة على الصحافة الموصولة على الانترنت (79 في المئة من الصحف في العالم باتت تملك مواقع نشر على الشبكة) وعلى مختلف انواع النصوص والبريد والصور والموسيقى وبرامج التلفزيون أو الراديو، والأفلام وألعاب الفيديو الخ.
وهناك أيضاً ظاهرة "البلوغ" (blogs) او المذكرات الشخصية اليومية المنشورة على الشبكة والتي تفجرت فعلاً في كل مكان خلال النصف الثاني من العام 2004، وهي على غرار النشرة الخاصة تمزج ما بين المعلومات والرأي، الوقائع الأكيدة والشائعات، التحليلات الموثقة والانطباعات الخيالية. وقد حققت نجاحاً الى درجة أنها باتت موجودة في معظم الصحف الموصولة على الشبكة. ويبرهن هذا الشغف على أن القراء يفضلون الذاتية والنزعة الانحيازية التي يضطلع بها العاملون بـ"البلوغ" على الموضوعية المزيفة والحيادية الخبيثة في الصحف الكبرى. كما أن الربط على كوكبة الانترنت بواسطة التلفون الخليوي الذي يقوم بكل الوظائف قد يسرِّع أكثر من هذه الحركة. ففي اليابان يتزايد بشكل كبير عدد الأشخاص الذين يطلعون على الأخبار بواسطة تلفونهم الخيلوي. ونتيجة ذلك أن كل القطاعات الاعلامية خارج الانترنت أصبحت تخسر من جمهورها طالما أن المنافسة بين وسائل الاعلام قد أصبحت شديدة [6].
لكن لهذه الأزمة أيضاً أسبابا داخلية تعود في الدرجة الأولى الى مصداقية الصحافة المكتوبة. أولاً لأن هذه الصحف أصبحت، كما رأينا، اكثر فأكثر ملكاً لمجموعات صناعية تسيطر على القوة الاقتصادية ومتواطئة مع السلطة السياسية. وأيضاً لأن الانحياز والنقص في الموضوعية والأكاذيب والتلاعبات وحتى الأخاديع لا تزال تتزايد. وإن كان من المعلوم أنه لم يقم أبداً عصر ذهبي للاعلام ، إلا أن هذه الانحرافات قد أصابت الآن صحفاً يومية موصوفة. ففي الولايات المتحدة كان من شأن قضية جايسون بلير، نجم الصحافة هذا، مزور الوقائع ومنتحل المقالات المنقولة عن الانترنت ومختلق عشرات القصص، أنها تسببت بضرراً كبير لصحيفة "نيويورك تايمز" التي طالما نشرت "تركيباته" في صفحاتها الأولى [7]. وفي هذه المناسبة عاشت هذه الصحيفة، المعتبرة مرجعاً للمحترفين، زلزالاً حقيقياً مما اضطر رئيسي التحرير، هويل راينز وجيرالد بويد، الى الاستقالة، وابتدع منصب "امبادسمان" (وسيط) للمرة الأولى واوكل الى دانيال أوكرنت، وهو باحث ورئيس تحرير مجلة "تايم" سابقاً.
وبعد بضعة أشهر انفجرت فضيحة أخرى أحدثت دوياً أكبر. وهي تتعلق بالصحيفة اليومية الأولى في الولايات المتحدة "يو.أس.آي. توداي" ( USA Today). فقد صدم قراؤها إذ اكتشفوا أن مراسلها الأكثر شهرة، جاك كيلي، وهو النجم الدولي الذي ذرع الكرة الأرضية خلال عشرين عاماً وأجرى مقابلات مع 36 رئيس دولة وغطى عشرات الحروب كان يزوّر الوقائع "ومخادعاً خطيراً". فما بين العامين 1993 و2003 اخترع كيلي مئات الروايات المثيرة. فكما ولو أن الأمر صدفة كان ينوجد دائماً في مكان الحدث ليعود بأخبار غريبة ومؤثرة. ففي أحد تقاريره زعم أنه عاش شخصياً أحد الاعتداءات على مطعم بيتزا في القدس ووصف ثلاثة رجال كانوا يأكلون الى جانبه وقد طارت أجسادهم بفعل الانفجار لتعود وتسقط منفصلة عن رؤوسها التي راحت تتدحرج على الأرض...
أما تقريره الأكثر تضخيماً والذي نشر في 10 آذار/مارس عام 2000 فهو يتعلق بكوبا. فقد صور إحدى موظفات الفنادق، "ياكلين"، راوياً عنها بالتفصيل فرارها سراً على ظهر قارب خفيف وغرقها المأسوي في مضيق فلوريدا. وفي الواقع أن هذه المرأة، واسمها الحقيقي ياميليت فرنانديز، لا تزال على قيد الحياة ولم تعش أبداً هذه المغامرة وقد التقاها صحافي آخر من "يو.أس.آي. توداي"، بليك موريسون، وامكنه التحقق من أن كيلي قد اختلق هذه القصة [8]. وكان من شأن انكشاف هذه التزويرات التي اعتبرت إحدى أهم الفضائح في الصحافة الأميركية، أنها كلفت مديرة التحرير كارن يورغسون منصبها إضافة الى مديريْن آخرين مهمين هما مساعدها براين غالاغر ومسؤول الأخبار هال ريتر [9].
ومنذ فترة وجيزة أكثر وفي خضم الحملة الانتخابية حدث زلزال آخر متعلق بأدبيات المهنة هز أوساط وسائل الاعلام. إذ إن دان راذر، مذيع الأخبار الشهير على تلفزيون "CBS " ومقدم البرنامج المميز "ستون دقيقة" ( Sixty minutes ) قد اعترف بأنه نشر ومن دون أن يتحقق من صحتها، وثائق مزورة تبرهن على أن الرئيس بوش قد استفاد من بعض الدعم لكي يتملص من حرب فييتنام. [10]
ويضاف الى كل هذه الكوارث تبنّي كبريات وسائل الاعلام المتحولة أجهزة دعائية، وبنوع خاص محطة "فوكس نيوز" [11]، أكاذيب البيت الأبيض في ما خص حرب العراق. ذاك أن الصحف لم تقم بتحقيقاتها ولم تشكك في تأكيدات إدارة بوش. ولو هي فعلت ذلك لم حقق فيلم مايكل مور الوثائقي "فاهرنهايت 9/11" (Farenheit 9/11) هذا النجاح، إذ ان المعلومات التي يعرضها الفيلم كانت متوافرة منذ زمن طويل، لكن وسائل الاعلام كانت تتكتم عليها.
وحتى "واشنطن بوست" أو "نيويورك تايمز" قد ساهمتا في "حشو الأدمغة" كما بيّن بشكل واضح اختصاصي وسائل الاعلام جون بيلغر: "فهاتان الصحيفتان، حتى ما قبل الاجتياح بوقت طويل كانتا تصيحان مستنجدتين لصالح البيت الأبيض. وفي الصفحات الأولى من "نيويورك تايمز" ظهرت عناوين من النوع التالي: "الترسانة السرية [في العراق]: مطاردة بكتيريا الحرب"، "فارٌ يصف تطور القنبلة الذرية في العراق"، "عراقي يتحدث عن تجديد مواقع الأسلحة الكيميائية والنووية" و"رسميون يقولون: فارون يؤكدون صحة الملف الأميركي ضد العراق". وقد تبين أن كل هذه المقالات هي مجرد دعاية. وفي رسالة الكترونية داخلية (نشرتها "واشنطن بوست") أقرت الصحافية الشهيرة في "نيويورك تايمز" جوديث ميللر بأن مصدرها الرئيسي كان السيد أحمد الجلبي وهو منفيّ عراقي دانته المحاكم لاخلاله بأخلاقيات الوظيفة وقد ترأس "المجلس الوطني العراقي"(CNI) المتمركز في واشنطن وحظي بتمويل وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وقد خلص احد التحقيقات التي أجراها الكونغرس في ما بعد الى أن كل المعلومات تقريباً التي قدمها السيد الجلبي ومنفيون آخرون من المجلس الوطني العراقي لم يكن لها أساس من الصحة [12].
وقد كشف ضابط من وكالة المخابرات المركزية، هو السيد روبرت باير كيف عمل هذا النظام التسريبي: "يستقي المجلس الوطني العراقي معلوماته من فارين مزعومين وينقلها الى البنتاغون، ثم يمرر المجلس الوطني العراقي المعلومات نفسها الى الصحافيين قائلاً لهم: إن كنتم لا تصدقونا فاتصلوا بالبنتاغون. "فتصبح إزاء معلومات متداولة في دوائر مغلقة. وهكذا أمكن "نيويورك تايمز" أن تقول ان لديها مصدرين لمعلوماتها حول أسلحة الدمار الشامل في العراق. وكذلك "واشنطن بوست". ولم يسعَ الصحافيون الى معرفة المزيد. وعلى كل حال فان رؤساء التحرير غالباً ما كانوا يطلبون اليهم أن يدعموا الحكومة من باب الروح الوطنية [13].
وفي 25 آب/أغسطس اضطر رئيس تحرير "واشنطن بوست" ستيف كول الى الاستقالة من منصبه بعد تحقيق تبين فيه بكل وضوح ضيق المساحة التي أعطيت للمقالات التي عارضت مقولة الحكومة في المرحلة التي سبقت اجتياح العراق [14]. كما أن "نيويورك تايمز" قد اعترفت أيضاً بخطأها. ففي مقال افتتاحي نشر في 26 أيار/مايو عام 2004 اعترفت بعدم دقتها في نقل الأحداث التي أدت الى الحرب وعبرت عن أسفها لأنها نشرت "معلومات مغلوطة".
وفي فرنسا لم تكن كارثة الاعلام على درجة أقل كما يتبين من طريقة كبريات وسائل الاعلام في معالجة قضايا مثل قضية باتريس ألليغر وناقل الحقائب في مطار اورلي وممارسي جنس الأطفال في أوترو وقضية ماري-إل(Marie-L) التي زعمت أنها تعرضت لاعتداء ذي طابع معادٍ للسامية في RER D [15]. وكذلك في اسبانيا بعد اعتداءات 11 آذار/مارس عام 2004 فان وسائل الاعلام التابعة لحكومة السيد جوزي ماريا أسنار قد غرقت في عملية تزوير محاولة فرض "الحقيقة الرسمية" لخدمة الطموحات الانتخابية متكتمة على مسؤولية شبكة "القاعدة" وناسبة الجريمة الى منظمة إيتا الباسكية.
كل هذه القضايا كما التحالف المتوثق أكثر فأكثر مع السلطات الاقتصادية والسياسية قد تسببت بضرر بالغ لمصداقية وسائل الاعلام. فهي كشفت نقصاً فادحاً في مجال الديموقراطية. فما يهيمن هو صحافة المحاباة فيما تتراجع الصحافة الناقدة. وبمكن حتى التساؤل عما إذا لم يكن، في زمن العولمة والمجموعات الاعلامية العملاقة، مفهوم الصحافة الحرة في طريقه الى الزوال. وهذا ما بات المواطنون يتلمسونه أكثر فأكثر. وهم يعبرون عن وعي كبير إزاء التلاعبات الاعلامية ويبدون مقتنعين بأننا وللمفارقة نعيش، في مجتمعاتنا الخاضعة بشكل كبير للاعلام في حالة من عدم الأمان الإخباري. فالمعلومة تنتشر إنما بضمان مصداقي معدوم. فنحن نسمع الأخبار بدون أن نكون بأي شكل متأكدين من صحتها، إذ يمكن في الغالب أن تكذَّب لاحقاً. فنحن إزاء انتصار صحافة المضاربة والاستعراض على حساب صحافة المعلومات، فالاخراج (الصيغة التجميلية) يتقدم على التحقق من الوقائع.
فالعديد من الصحف اليومية المكتوبة، وبدلاً من أن تشكل المتراس الأخير في وجه هذا الانحراف العائد الى السرعة والفورية، قد تخلى عن رسالته وساهم احياناً وتحت شعار مفهوم بليد أو بوليسي [16] لصحافة التقصي، في إفقاد الثقة في ما كان يسمى سابقاً "السلطة الرابعة".
وفي هذا السياق الذي يشهد أيضاً انحسار الحماسة النضالية، فإن إدارة تحرير "لوموند ديبلوماتيك" تأخذ على عاتقها تحسين العرض التوجيهي وتعتبر أنه ما من شيء أهم من عدم خيانة ثقة قرائها. فنحن نعتمد أكثر من أي وقت مضى على تعبئتهم وتضامنهم من أجل الدفاع عن استقلالية صحيفتنا وعن الحرية التي تضمنها لنا. ونحن نذكّرهم بأن افضل طريقة لدعمنا هي في أن يشتركوا فيها من دون تأخير وأن يقنعوا أصدقاءهم بالاشتراك.
وعهد علينا أن نبقى أمناء للمبادئ الجوهرية التي تميز طريقتنا في الاعلام. وذلك بتبطيء التسريع الاعلامي وبالمراهنة على صحافة مستنيرة من أجل الإضاءة على الجوانب المظلمة من الأحداث، وبالاهتمام باوضاع خارج مجال أضواء الاحداث إنما تساعد اكثر في إيضاح الظروف الدولية بشكل أفضل، وبعرض ملفات أكثر اكتمالاً وأكثر عمقاً وافضل توثيقاً حول القضايا الكبرى المعاصرة، وبمعالجة المسائل بعمق وبمنهجية ودقة وجدية. وبتقديم معلومات وتحليلات غير مطروقة من قبل وغالباً ما يجري التعتيم عليها، وبالحفاظ على الجرأة في السير بعكس تيار وسائل الاعلام المهيمنة. ونبقى مقتنعين بأن نوعية المعلومة هي التي تصنع حوار المواطنية، على أساس أن طبيعة هذا الحوار هي التي في نهاية المطاف تحدد غنى الديموقراطية.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] "هاشيت فيليباتشي ميديا، وهي فرع من "لاغاردير ميديا" تحتل المرتبة الأولى في نشر المجلات الصحافية في العالم إذ تصدر 245 مجلة توزع في 36 بلداً. راجع الملف حول "الحصرية؟؟؟ في وسائل الاعلام في فرنسا على موقع مركز المراقبة الفرنسي لوسائل الاعلام:
www.observatoire-medias.info وداخل مجموعة "لوموند. أس.آ. " Le Monde SA "، المساهم الرئيسي في مجلة "لوموند ديبلوماتيك أس.آ.(51 في المئة) ، تملك مجموعة لاغاردير أسهماً (10 في المئة) في مجلة "ميدي ليبر" وفي مطابع لوموند و موند انترأكتيف(Monde et du Monde interactif).
[2] . إن مجموعة الصحافة المستقلة الرئيسية هي "لافي-لوموند" التي شهدت هي نفسها انتقاضات مهمة وخصوصاً استقالة مدير تحرير صحيفة لوموند. وبفعل الدور الجوهري الذي تلعيه هذه الصحيفة في حياة المثقفين الفرنسيين لا بد من تمني بقائها في منأى عن المخاتلين الذين يغازلونها وأن تتميز المرحلة الجديدة الطالعة فعلاً بدرجة اقل من أشكال الاخراج وبمزيد من "السعي الى الاستقامة" بما يسمح للقراء "بإيجاد المرجع والجواب الأكيد والمصداقية: أي باختصار "صحيفة حيث الكفاءة تتقدم على كل أشكال التواطؤ" كما كتب جان ماري كولومباني في صحيفة "لوموند" في 16/12/2004.
[3] . بحسب تحقيق أجرته مؤسسة "بي.في.آ.() فان 69 في المئة من المستفتين اعتبروا أن حصر وسائل الاعلام يهدد تعددية الصحافة واستقلالية الصحافيين.المرجع: صحيفة لوموند في 20/8/2004.
[4] . إن نجاحا ًمن هذا النوع لم يكن من شأنه إلا ان يثير جنون ويأس بعض الصحافيين الذين راحوا في الأشهر الأخيرة هذه يشنون علينا حملات لا بد أن تثير في تزامنها وعنفها الكثير من الشكوك.
[5] . وبالعكس فان عدد المقالات التي تقرأ يومياً على موقعنا المجانيwww.monde-diplomatique.fr، قد ارتفع أكثر من الضعف في العام 2004. كما يستمر جمهورنا العالمي في التوسع، إذ إن إصداراتنا باللغات الأجنبية قد بلغت حالياً 45 في حوالى 20 لغة، ومجموع ما يباع يتجاوز 1.1 مليون نسخة.
[6] . في الولايات المتحدة تراجع جمهور نشرات الأخبار المتلفزة على المحطات الكبرى من 36.3 مليون شخص كمعدل يومي في العام 1994 الى 26.3 مليون في العام 2004.
[7] . راجع صحيفة لوموند في 21/5/2003 والتايم في 16/6/2003.
[8] . راجع :
www.usatoday.com/news/2004-03-19-2004-03-19-kelley-cuba_x.htm
[9] . صحيفة لوموند في 30/4/2004.
[10] . صحيفة لوموند في 28/9/2004.
[11] . راجع التحقيق الذي أجراه: Robert Greenwald, Outfoxed (2004).
[12] . راجع: John Pilger, “ Fabriquer des citoyens consommateurs, mal inform鳠et bien pensants ”, Le Monde diplomatique, octobre 2004.
[13] . في وثائقي : Robert Greenwald, Uncovered (2003).
[14] . صحيفة واشنطن بوست في 12/8/2004.
[15] . راجع التقرير اللافت الذي أجراه جيل بالباستر: “ Les faits divers, ou le tribunal implacable des m餩as ”, Le Monde diplomatique, d飥mbre 2004.
[16] . حيث يتم الخلط غالباً بين المعلمين والمخبرين، وبين التحقيقات الفعلية وتلقي المعلومات ممن سمون "الغربان".
http://mondiploar.com/article.php3?id_article=62