بين أنوثة الروح وذكورة الجسد
أنفث الدخان من سيجاري الكوبي الملفوف على أفخاذ العذراوات الحسان ... أرتشف قهوتي المصنوعة من البن البرازيلي المرتوي من عرق فلاحة منسية في حقول البن ..
أفكر حيناً وأتأمل حيناً آخر ... اترك لأفكاري أن تتداعى ، فكرة تدعوالأخرى ... وفكرة تطارد الأخرى ليصبح المكان خالياً في عقلي ...
بضع أثاث فكري يشغل المساحة في هذا العقل ولا حياة تدب في جنباته ....!!
لا لا ، المشكلة أعمق من أن تعالج في بضعة مقالات ... هذا التاريخ النسائي المفعم بالذكورة ... العابق بفوضى الاستكانة والتسليم لحماقات الجموح الذكري أصعب من أن تلخصه مقالة أو اثنتين ....
إن تجربتي وتأملاتي أصعب من أن يحتويها ورق ، فكيف للورق أن يحمل المعاني الغير موجودة في لغة سوى لغة الأجساد وحروف الأرواح التي تُكتب بأقلام النار على الذاكرة ، وهل اختُرعت لغة لشيء غير موجود ... ؟
فبين السعي الذكري الحثيث ليكون الواحد والوحيد في حياة المرأة ، ولا بأس من أن تتعدد النساء في حياته ...
صورة أرادها على كل شيء ، من إلهه الواحد الذي يحكم البشر العديدين وصولاً إلى النساء اللائي يجب أن يعبدنه ...
فهو خليفة الله على الأرض من جهة وابنه من جهة أخرى ... !!
ولكن تبقى عقدة الأنثى (وأي أنثى ؟) كامنة في اللاوعي الذكوري ... لقد استطاع الذكر أن يخلق نفسه بدون أب .. ولكنه لم يستطيع أن يتخطى عقبة الأنثى الكأداء ، فاضطر إلى الاستعانة بها ولكن أي أنثى ... الأنثى العذراء التي لم يمسسها بشر ، والبشر تعني الذكر حصراً ولا بشر غيره ...!!
ورغم أن الأنثى لم تُحسب على فصيلة البشر ... إلا أنها بقيت تنجب لنا البشر حيناً والآلهة حيناً آخر ... وكلهم ذكور على كل حال ... !!
فكل قوة الذكر وقوة إلهه من خلفه ، لم تستطيعان تهميش دور الأنثى وتحييده من المعادلة ...
رقم صعب لم يجرؤ الذكر على التفكير حتى في تجاوزه ...
أقف وأسأل نفسي أيهما أهم في اللاوعي الأسطوري الإنساني ... الذكر أم الأنثى ...؟
نعم إن تكريس العفة كمفهوم أساسي لدى المرأة والالتزام به كان مشكلة حقيقية تشغل بال الذكر ، فتفتقت عبقريته عن ابن الإنسان الإله ، الذي ولد من رحم عذراء في دلالة واضحة المعاني ....
دلالة لا تحتاج إلى شرح ... ألا وهي أن أعظم فضيلة للمرأة هي العفة وهذا يؤدي بها إلى الاستغناء عن الرجل كعشير واستبداله بإله ...!!
وعندها ستكافئ بأن تكون أماً للرب (الذكر طبعاً) ...
لكن هنا بالذات يبدأ العصاب الذكوري المزمن بالظهور واضحاً جلياً دون رتوش تخفيه أو مساحيق تجمله ...
لقد استغنينا عن الذكر لولادة الذكر ولكن لم نستطيع الاستغناء عن الأنثى ... فأيهما أهم الذكر أم الأنثى ...؟!
ورغم محاولة الأديان الذكورية على مر التاريخ تأكيد أهمية الذكر ، أتت فكرة واحدة لتنسفها وهي فكرة الذكر الذي انحدر من نسل الآلهة ، الذي ولد من أنثى دونما حاجة للذكر ...
وعندها يبرز سؤال يحتاج إلى إجابة ولا أجدها ...
أيهما أهم الذكر الذي جعل من نفسه نبياً تارةً وإلهاً تارةً أخرى ، أم الأنثى التي جاءت بكل هذه الذكور وفي بعض الحالات لم تحتج إلى الذكر أصلاً لكي تتم العملية المعتادة عند امرأة ...?!
وبينما استطاع تزاوج فعل التأنيث بالروح أن يصنع إلهاً أو ذكراً سموه ما شئتم ، بقي تزاوج فعل التذكير بالجسد يعاني العقم وقلة الحيلة وصنع العدم لا غير .... !!
وربما من مفارقات الأمور وغرائبها أن تأثير الأنثى على اللاوعي الذكري عبر التاريخ الإنساني ككل واضح البصمات ، بينما الذكر يكتفي بالتأثير على الوعي الأنثوي ليشكل الوعي الجمعي من خلاله ... ومن هنا تبدأ المفارقة في تشكيل حلقة مفرغة لا فكاك منها ....
أيهما كان يحكم الآخر ... الرسم الذكوري على صفحة الوعي المؤنث أم النحت الأنثوي في صخر اللاوعي المذكر ...؟!
وللحديث معكم بقية ...