عندما صرح النائب الأول سلفاكير نهاية يوليو الماضي بأن العقيد الليبي اتصل به فى الثالثة صباحاً وأقلق منامه فقط ليخبره بأنه سيدعم الإنفصال فى الجنوب السوداني إذا اختار الجنوبيون ذلك وأردف له قائلاً يجب ألا تخشوا شيئاً أو تهابوا أحداً فأنا معكم ، خرج علينا المفسرون والمنجمون والمتخبطون فى الخارجية الليبية والمكتب الشعبي الليبي فى الخرطوم وغيرهم بتأويلات وتخريصات وتفاسير تقول بأن حديث القذافي قد أخذ من سياقه وفُسر بطريقة غير صحيحة ونُقل بترجمة ضعيفة وهدأت الأصوات بعد أن أكد هؤلاء وأولئك بأن الزعيم الليبي يدعم وحدة السودان ويساعد فى تنميته ويتمنى له كل خير وهو فى الحقيقة آخر شخص فى هذا الكون يدعم وحدة السودان أو إستقراره أو يساعد بصدق لحل معضلاته ، ولكن القذافي المتقلب والمنقلب حتى على نفسه عاد وكرر نفس الحديث بعد مضى أقل من شهرين وأكد أحقاده الدفينة تجاه السودان وأهله عند لقائه الإسبوع الماضي بقيادات حركة العدل والمساواة وزاد عليه بأن ليس هناك رابط يجمع جنوب السودان ببقية أرجاء السودان لا من حيث الشكل ولا اللون ولا الدين ولا الطول أو العرض والمعنى الخفي لمثل هذه التصريحات الغير مسؤولة بل الطائشة هي أنه إذا أرادت أي جهة أو طائفة أو مجموعة أو حتى قبيلة الإنفصال عن السودان الحالي فان العقيد سيدعمها بعد أن يوفر لها الأسباب الكريهة لذلك وبالطبع هو لا يعدم مثل هذه الترهات والخرافات التى عفا عليها الزمن ، وعالم اليوم والمستقبل لا مكان فيه لمن يفرقون الناس على أساس اللون أو الدين أو العرق أو الألسن أوهكذا يجب أن يكون ، وأقرب تشبيه للتصريح القذافي هذا مثله مثل الذى ينفرد بزوجة رجل آخر ويقول لها إذا انفصلت عن زوجك سأتزوجك .
فالقذافي كما عهدناه لا يفتقد الى الحكمة وعمق الفكر فقط بل يتصف بالغباء والخبث وقصر النظر أيضاً ولا سيما أن صاحب هذا التصريح شخص يدعي بأنه صاحب النظرية العالمية الثالثة ، وبهذا التصريح لم يترك العقيد فرصة للمناورة من قبل مفسريه الدجالين الذين يصرون على تعديل كلماته المخمورة تلك الى كلمات جوفاء بطرق أقل ما يقال فيها أنها خبيثة وحقيرة .
مخطئ سلفاكير إن ظن أن العقيد القذافي سيعيد إعمار البنية التحتية أو يساعد فى الإستصلاح الزراعي كما وعد دون مقابل والدليل على ذلك تؤكده زلة اللسان التى وقع فيها وليس الإستدراك وذلك فى النقطة التى ذكر فيها بأن الدولة الوليدة فى جنوب السودان ستكون ضعيفة ومهلهلة ولن تستطيع أن تقف على رجليها دون ( تكالات ) بل ستكون نقطة جذب للأطماع الأجنبية والمساومات الدولية وعندها بالطبع سيكون هو بكامل حلته ومكياجه حاضراً للعب الدور الكبير والأكثر قذارة الذى انتظره طويلاً ضد السودان أو هذا بالضبط ما يريده من ولادة الدولة الجديدة فى الجنوب السوداني أو على الأقل هذا ما يتمناه ، وسيدفع الإتحاد الإفريقي فى المستقبل ثمناً غالياً بالسماح دون وجه حق لهذا العقيد بالجلوس على قمته وتمرير أجندته المسمومة فى أوصال القارة .
فليثق سلفاكير وعبدالواحد وخليل فى الشيطان الرجيم إن أرادوا ولكن يجب عليهم ألا يأخذوا هرطقات القذافي وخبثه بحسن نية لأنه ليس أهل للثقة وهو غير مؤهل أخلاقياً لممارسة أي دور توفيقي أو إصلاحي أو إنساني فى الإقليم أو الساحة الدولية وتاريخه اللعين يشهد عليه وجبنه وتراجعه أمام التهديدات الغربية يعلمها القاصي والداني أما الوحدة فستظل جاذبة ما دمنا سودانيين .
لا أدري لمَ لمْ تقم حكومة الإنقاذ بالتدخل فى الشأن الليبي وتدعم المعارضة الليبية وتوفر لها عنصر الأرض المهم بل الإستراتيجي على الأقل من باب المعاملة بالمثل وتشغله بنفسه وتوقف أطماعه ونزواته وغروره وليس كما فعلت مع تشاد وإريتريا وأوغندا .
لمَ تركت الإنقاذ العقيد يصول ويجول ويفعل ما يريد و ( على عينك يا تاجر ) وهو ينتهك سيادة السودان ويحشر أنفه فى أخص خصوصياته ويراهن على مشاكله ومشكلاته دون حتى أن تصدر الخارجية تحذيراً أو تهديداً شديد اللهجة لتعيده الى صوابه كما فعل بورقيبة فى سبعينات القرن الماضي أو كما استهزأ به السادات من قبل أو كما ( تمسخر ) عليه الملك عبدالله مؤخراً ؟
أم أن الإنقاذ تخشى على نفسها من العقيد ولا يهم ما يقوم به أو ما يفعله ضد السودان وأهله ومستقبله ؟
أم أن العقيد القذافي يمسك ذلة ضد الإنقاذ والإنقاذيين يخشون إنكشافها وإلا فليفسروا لنا السبب الحقيقي وراء هذا الصمت المريب ؟